Wednesday, July 2, 2008

تأملات روحانية مع سيفى سيفى

ونتابع مع ناقة النبى صالح(ع)
(6)
وجاء في سورة النمل:
* [وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنْ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ](45 النمل).
ينتقل سبحانه وتعالى في هذه المجموعة من الآيات الكريمة الى توضيح ما يحصل بين الناس وعلى الخصوص بين أمم أصحاب الكتاب عند ظهور رسول جديد من عند الله بينهم، فبعد أن أشار لما لصفات العناد والتعصب والغرور والغلو في محبة الدين القديم من تأثير واضح في اختفاء آثار حضارات الأمم، ينتقل سبحانه وتعالى ليوضح ما يحصل من انقسام بين أمم أصحاب الكتاب حال ظهور دعوة سماوية بينهم، إذ تنقسم الأمة على العموم الى فريقين، مهما كانت النسبة والتناسب بينها عدديهما، فريق يخضع ويؤمن بدعوة الله، فيعود أو فينتقل الى الحياة الروحانية مرة ثانية من جديد، وهذا الفريق يكون على الغالب قليل العدد. وفريق يصدَّ ويبعد عن الأيمان فيموت موتاً روحانياً، وعلى العموم يكون هذا الفريق من غالبية الناس وأكثرهم عدداً (وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ)(102 الأعراف). إذ لابد وأن يؤمن بكل دين جديد قلة قليلة من الناس في أول ظهوره، كما قال تعالى وأكد على ذلك (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِي الشَّكُورُ)(13 سبأ). وكذلك قوله الكريم (ثُلَّةٌ مِنْ الأَوَّلِينَ . وَقَلِيلٌ مِنْ الآخِرِينَ)(14 الواقعة)، وبهذا يحضرنا سؤال: إذا كان سبحانه وتعالى قد غضب على الكافرين بدعوة النبي صالح(ع) ومحا أثرهم، فما بال الذين آمنوا بها، وأين هم؟ وما كان من مصيرهم؟
هنا نتذكر مرة أخرى ما سبق وجئنا عليه، فسبحانه تعالى، يترك الفريقين على الأرض ليعيشا معاً، هذا يلهو بكفره، وهذا يتمتع بأيمانه، كما قال تعالى (كُلا نُمِدُّ هَؤُلاء وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا)(20 الإسراء)، فالفريقان يبقيا يعيشان على الأرض، لكن الكافرين يموتون بكفرهم روحانيا بالتدريج، ولا يبقى لهم شان عند رب العالمين، وفي النهاية يمحى أثرهم من خلال تغلغلهم بين بقية الشعوب. بينما يبقى المؤمنون خميرة الأيمان للأجيال القادمة وتزداد أعدادهم حتى يمسوا أمة عظيمة، وحال موتهم يدخلون جنات الخلد عند مليك مقتدر عظيم، كما قال تعالى (قِيلَ ادْخُلْ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ)(26 يس)، فهذا المؤمن الشهيد يتمنى أن يعلم من بقي من قومه على الأرض أنه قد دخل جنة الله حال استشهاده ومقتله.
فالآية الكريمة مورد البحث تقول: لقد أظهرنا بين قوم ثمود، رجلا منهم وبينهم، أمرهم بالعودة الى عبادة الله الواحد الأحد مرة أخرى، فلم يؤمن به إلا فئة قليلة وكفر أكثرهم.
* [قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ](46 النمل).
كيف يستعجل الناس السيئة ويطلبونها ويسعون خلفها ويتركون الحسنة ويبعدون عنها، وبينهم العلماء والعقلاء؟ أليس بينهم رجل رشيد؟ من هذا لابد أن يكون للسيئة معنى غير ما ينتشر بيننا من معانيها الكثيرة، عجز عقلاء قوم ثمود عن تمييزها أو التعرف عليها. هنا علينا ان نتذكر مرة أخرى ما لتأثير حجاب العلم وما لآفات التعصب والغلو في محبة الدين من تأثيرات قوية على أتباع الكتاب، وكيف تحجب مثل هذه السحب الكثيفة والستائر السميكة أنوار الحقيقة عن طالبيها.
فإذا علمنا أن شريعة الله توصف بالحسنة عندما تكون حيّة فاعلة طازجة فعّالة عندما تحيي الأرواح وتنعش العقول. وتوصف بالسيئة عندما ينتهي مفعولها وتنسخ أحكامها ويكون الأخذ بها مصدراً للأمراض الفكرية والروحية. نفهم أن الحالة الأولى نتيجتها جنان الله وكسب مرضاته ورحمته والتنعم ببركاته، بينما تكون نتيجة الحالة الثانية غضب الله وسخطه. من هذا نفهم لماذا توصف مرة بالسيئة ومرة أخرى بالحسنة.
فخاطب صالح(ع) قومه معاتباً: ما لكم تستعجلون في صدكم عن سبيل الله وتستنكرون ظهور رسول بينكم، وتصرون على التمسك بشريعتكم المنسوخة قبل أن تتحققوا وتتأكدوا من صدق دعوتي، فلن تخسروا شيئاً إذا ما استغفرتم الله وعدتم الى دين الحق والصراط المستقيم. بل على العكس، ستتنعمون برحمة الله وبركاته لاستجابتكم له، وسيعود لكم مجدكم وعزكم. فتحققوا فيما بين أيديكم من آيات كتابكم، وستجدون فيها ما يشير الى صدق دعوتي ويبشّر بحقيقة رسالتي.

* [قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ](47 النمل).
ولأن كل فكرة جديدة تحدث هزّة واضطراب وتعكر صفو وسكون ماء بحر عادات الناس وتقاليدها ومفاهيمها القديمة. كان جواب قوم ثمود، لقد كنا قبل ظهورك أمة متفقة على دين واحد ولنا شريعة واحدة وأحكام ثابتة، ولكن بظهورك، ظهرت بيننا مجموعة جديدة تتبعك وتدعو لأحكام جديدة مخالفة لما وجدنا عليها آبائنا وأجدادنا، وما نراك إلا السبب الأساس في هذا التفرّق والانقسام. فيجيبهم النبي صالح: أن ما يحصل في أمتكم هو سنة إلهية دائمة لا تغيير ولا تبديل لها، وهذا ما كان يحصل بين أمم أصحاب الكتاب على الدوام، وما هذه الحالة إلا امتحان لحقيقة أيمانكم ليفرز المؤمن من المعاند بينكم.
* [وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ] (48 النمل).
بعد أن يوضح سبحانه وتعالى ما يحدث لأمم أصحاب الكتاب حال ظهور رسول بينهم، وكيف ينقسمون الى فريقين، فريق قليل العدد يسمع ويطيع ويخشع، وفريق كبير العدد يتعصب ويصد ويغلو في دينه. يعود في هذه الآية الكريمة ليوضح حالة أمة ثمود آنذاك، حيث نفهم أن قوم ثمود كانوا منقسمين الى تسعة مذاهب أو تسعة شيع في زمن ظهور النبي صالح(ع)، ومن المؤكد أن أتباع كل واحد منها كانوا يظنون أنهم على طريق الحق والصراط المستقيم، كما هو الحال اليوم مع مختلف المذاهب والنحل لمختلف الأديان. لكن الحقيقة، وحسب منطوق الآية الكريمة، كان أتباع جميع تلك النحل يجهلون أنهم مفسدون للدين وكافرون بحقيقة ما بين أيديهم من دين الحياة الدنيا، وأنهم جميعا يقودون الناس الى طريق الكفر وسوء السبيل ويخربون عقولهم ويمنعونهم من دخول جنة دين الله الجديدة حالما أمر الله بنسخ جنة شريعتهم. ولقد سبق وقلنا أن رجال الدين ومذاهبهم يكونون أعلام هدى ونجوم رحمة وأيمان وكواكب تقوى واطمئنان، عندما يكون دينهم حيّ فاعل. أما عندما يأمر سبحانه وتعالى بنسخ شريعتهم وينزل جنة شريعة جديدة، عندها تنقلب أحوالهم على العكس تماما، فيمسون أعلام ضلالة ونجوم ضياع للناس ولأتباعهم.

* [قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ](49 النمل).
تذكرنا هذه الآية الكريمة، بما أجمع عليه رؤساء القبائل العربية المشركة، حينما تفتقت عقولهم عن فكرة شيطانية وحزموا أمرهم على اختيار رجل واحد من كل قبيلة، ليقتلوا سيدنا محمد(ص) في ليلة دهماء، وكيف فشل مخططهم بحلول موعد هجرته الى المدينة المنورة. كما تذكرنا وتؤكد لنا ان قوم ثمود كانوا يؤمنون بالله وأن لهم دين وشريعة سماوية ولم يكونوا من الملحدين الكافرين، بدليل أنهم يقسمون ويحلفون بالله، وهذا ما سبق وأشرنا اليه.
وعلى سبيل العاجزين ووسيلة الضعفاء، لما لم يجد كبار علماء مذاهب ملة ثمود طريقة مقنعة أو حجة دامغة أو دلائل ساطعة في كتبهم تمكّنهم من دحض وتكذيب النبي صالح وشريعته، وبعدما عجزوا من وقف انتشارها في أراضي قلوب العباد، وشاهدوا خطرها الداهم على مصالحهم، وتفرّق أتباعهم من حولهم وانضمامهم الى دين النبي صالح، ولما عرفوا أنه لن يمضي وقت طويل حتى تجف منابع خيراتهم وموارد غنائهم وثرائهم، وأنهم لم يتركوا سبيلا لوقف دعوة هذا النبي إلا وسلكوها. فلقد عارضوه وكذبوا دعوته واعتدوا عليه وعلى أتباعه وجاهدوا في سبيل دحض حججه وإطفاء أنوار تأثيراتها في عقول أتباعهم. هنا خطرت في أذهانهم فكرة شيطانية أخرى للتخلص منه ومن دعوته الى الأبد، لذلك فكّروا بقتله والتخلص منه وبذلك استعجلوا بالسيئة قبل الحسنة.
فلقد اتفق رؤساء مذاهب قوم ثمود التسعة القائمين على شؤونها، على اغتياله وآل بيته بيد مجموعة من أشداء رجالهم. وإذا ما سئلوا عن الفاعل أو اتهموا بهذه الجريمة فيما بعد، فسيقسمون بالله ويحلفون بمقدساتهم أنهم لم يشاهدوا من فعلها، فيكونوا صادقين في قسمهم، لأنهم خططوا وتآمروا وحرضوا فقط، أما عملية القتل فقد تمت بأيدي غيرهم.
فيا سبحان الله ويا قدرته وعلمه وقوته وعظمته، فهذه السورة الكريمة (سورة النمل)، نزلت في مكة (مكّية)، وهي تكشف عن معجزة إلهية ما زالت مدوّنة تسطع بأشعتها الباهرة من كتابه الكريم، وتذكّرنا بها أيضاً ما سردته كتب التاريخ من أحداث وأسباب لهجرة الرسول الكريم، وتكشف عن قدرة الله سبحانه وتعالى في معرفة أسرار نفوس البشر وطرق تفكيرهم وما يتهامسون به في ظلمات الليالي وزوايا مساكنهم البعيدة. وهذه الآيات الكريمات تكشف أن ربّ العباد وعالم الغيب قد أخبر رسوله الكريم ونبيّه العظيم والمصطفى المختار مسبقا بما يخطط له كبار رجالات قريش وما يتآمرون به على نفسه الكريمة وأنه حذّره منها، وكيف نجّاه من خطر ذلك المخطط الشيطاني بطريقته الإلهية العجيبة. ومن المؤكد أن عرب الجاهلية لم يدركوا أنهم يكررون فعلة قوم ثمود الشنعاء، وأن هناك وقبل آلاف السنين من أقدم على ذات فعلتهم الشريرة. فها هو رب العباد يعيد ذكراها في قرآنه الكريم، لما لها من تأثير خطير على ذاته المقدسة وعلى رسله الكرام وعلى عباده المؤمنين.
* [وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ](50 النمل).
قد يستغرب البعض لكلمة المكر، ويتعجب كيف يستعملها رب العزة وينسبها الى نفسه المقدسة! فلو تذكرنا قوله الكريم (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ)(54 آل عمران)، وبحثنا عن أصل الكلمة، لوجدنا أن لها معنى آخر، هو الصبغة والطلاء، وبهذا يكون لها استعمالان اثنان، الأول هو المكر والخديعة، والثاني هو الصبغة والطلاء، وبهذا نفهم أن الله سبحانه وتعالى يستعملها بمفهومها الشائع عندما يتكلم عن الكافرين، بينما يستعملها لذاته المقدسة بالمفهوم الثاني.
لكن الله سبحانه وتعالى كان لقوم ثمود ولمكرهم بالمرصاد، فلم يستطيعوا إطفاء نوره، لا بقوة اليد ولا بقوة الكلام أو الدلائل؛ ولأنهم كانوا كافرين، لم يفهموا قدرة الله على حفظ دعواته السماوية ولم يدركوا طريقته في هداية البشر وكيف يصطبغ عباده بصبغة الدين ولون الأيمان، كما سبق وحصل لاحقاً عندما أنقذ سيدنا موسى(ع) من يد فرعون وقومه، وأنقذ سيدنا المسيح(ع) من يد اليهود، وحفظ سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام من يد المشركين ونجّاه من مؤامراتهم وممن ساندهم من أصحاب الكتاب، وكما قال تعالى (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)(32 التوبة).
* [فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ] (51 النمل).
ولأنهم أصروا على المعاندة والكفر، لاحظوا أيها الناس كيف انتهت أمتهم وحضارتهم، ومحي رمزهم وتشتت شمل شعبهم وتغلغل بين شعوب الأرض، فلم يبق لهم ذكر ولا ركز. فهذا عقاب الله لكل أمة تكفر برسولها.
وهذا ما ينبهها الى ما حصل لأمة العرب المشركين من أهل الجاهلية ويفسر ما كان يحدث للأمم في قديم الزمان. فعلى النقيض من قوم ثمود، استجاب العرب للأيمان بدين الاسلام، ولو بعد عناد ومكابرة وقتال ونزال. فمن كفر منهم ولم يؤمن أو بقي منافقا يظهر أيمانه ويكفر في قلبه، فهذه الفئة الكافرة المنافقة لم يطمس الله بهم الأرض ولم ينزل عليهم نارا مشتعلة من السماء ولم تتلقفهم الطير، ولم يحدث لهم أي شيء من هذا القبيل أو ما شابه؛ بل بقي وعاش وأكمل المؤمنون والكافرون والمنافقون حياتهم على الأرض، وبالتدريج ورويدا رويدا ازداد عدد المسلمين وانتشرت عقيدتهم بين الأمم وجازاهم الله بخلق أمة عظيمة وحضارة راقية بعد أيمانهم بعشرات السنين، وهذا ما سبق وأشرنا اليه في تأثير الأيمان على حياة البشر ومجتمعاتهم. بينما اختفى العرب المشركين بالتدريج بالموت الجسدي أو بتحول أولادهم وأحفادهم الى الأيمان فيما بعد.
* [فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ](52 النمل).
فلاحظوا ما بقي من آثار قوم ثمود وما تركوا من عقيدتهم ودينهم حتى اليوم. فلقد خلت مساكنهم القائمة وقصورهم الشامخة من ساكنيها بالتدريج، لأسباب عديدة منها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والجغرافية والمناخية، تسبب في تدبيرها رب العباد بحكمته البالغة، هذا بالاضافة الى قوة تأثير ظهور حضارة أمة مؤمنة جديدة غيرها، أصبحت مع مرور الوقت محط أنظار الأمم من حولها عندما استقطبت اهتمام الناس بمنجزاتها. فتركوا ما نحتوه من بيوت في جبالهم ليكون أطلال خربة ومأوى للكواسر والجوارح والزواحف، يتردد فيها صدى البوم وتنتشر فيها بيوت العناكب. أما مساكن عقيدتهم وقصور أيمانهم وقلاع هداهم المعنوية الروحانية، فلقد استفرغت من عواميد الايمان وجدران التقوى وجفّت عيون وآبار عقيدتهم ولم يعد يتبعها أو يؤمن بها أحد. وما كل هذه القصة، إلا ليتعظ بها من كان له عقل ويتأمل سنة الله وحكمته.
* [وَأَنجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ](53 النمل).
وكما سبق ونجى الله نبيّه نوح(ع) ومن ركب معه سفينة أمره ومركب دينه من المؤمنين، فلقد نجى من آمن من قوم ثمود بدين صالح(ع) ومن أناب الله عن نفسه وقلبه وأسلّم له أمر عقيدته وركب معه ناقة شريعته ونهض للمهاجرة من أرض جنة دينه الجرزة الى جنة أرض دين صالح(ع) الغنية الخصبة، وبهذا بقي ذكرهم الطيب في الأرض، ونمت بذورهم الطاهرة لتخرج منها أشجار أمة مؤمنة. واستمر ذكرهم كمؤمنين بين الناس وفي السماء عند رب العالمين. وهذا هو مصير صحابة المؤمنين بأوامر الله في كل زمان، يصبحون خميرة أيمان طاهرة للأمة التالية، فيذوبون داخلها بعد أدائهم أدوارهم ومهامهم المقدسة وإكمالهم ما أمرهم الله به في زمانهم، لأنهم كانوا أصحاب شريعة سماوية حيّة فاعلة، بدليل قوله تعالى (لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ أُوْلَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ)(18 الرعد).

No comments:

Powered By Blogger