Wednesday, May 6, 2009

’اليوم أكملت لكم دينكم‘

’اليوم أكملت لكم دينكم‘

كانت التعاليم الاسلامية كاملة وتامة في الدورة الاسلامية، كذلك كل ما نُزل من الديانات السماوية السابقة إلا وكانت كامله لزمانها. يؤكد القرآن الكريم هذا المفهوم ويفيدنا أن الديانات السابقة كانت كاملة وتامة في عصرها ويقول: ’ثمَّ آتينا موسى الكتابَ تمامًا على الذى أحسن وتفصيلاً لكلِ شىءٍ وهدى...‘ [سورة الأنعام 6: 154]. ويقول القرآن الكريم أيضًا: ’لكلِّ أجلٍ كتابٌ. يمحوا الله ما يشاءُ ويثبتُ وعنده أمُّ الكتاب‘ [سورة الرعد 13: 38-39].

إذا كان المقصود من كلمة ’كامل‘ و’تام‘أنه سوف لا يكون هناك رسائل منزلة من عند الله بعد القرآن الكريم، فلماذا أشار القرآن الكريم في آيات مختلفة عن ظهور مظاهر إلهية اخرى ولماذا قال أيضًا ’وما أُوتيتم من العلم إلا قليلاً‘ [سورة الإسراء 17: 85]. ان كل الأديان السماوية كاملة كل الكمال لأنها منزلة من عند الله،وهو منبع الكمال—ويغدق علينا من محبّته وكرمه التعاليم والاحكام المناسبة للعصر التي نزلت فيه حسب الإراده والمشيئة الالهية لاحتياجات ذلك العصر. ويصف القرآن الكريم أيضًا ’كلمات الله‘ بأن ليس لها بداية ولا نهاية فيقول: "قل لو كان البحر مدادًا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددًا". [سورة الكهف 18: 109].

إضافة، فمن المهم أن نعلم أن القرآن الكريم أُنزل تدريجيًّا على مدى 23 سنة، وعلى ذلك يخبرنا الله تعالى بأن الشريعة المحمدية قد كملت بعد نزولها تدريجيًا شيئًا فشيء،وكان نزول هذه الآية في حجة الوداع ولم يلبث بعدها (صلعم) إلا واحدًا وثمانين يومًا ثم لحق بالرفيق الأعلى وإلا فما من تشريع من الشرائع ينزل لأمة من الأمم إلا ويكون كاملاً حسب زمانه والله سبحانه وتعالى يقول ’لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط‘.".(سورة الحديد25:57)

في هذا اليوم العظيم، والذى يعرف بيوم الله، انزل على المظهر الالهي الجديد العديد من الكتب والتعاليم الإلهية حسب احتياجات العصر الذي نعيش فيه. واذا أردنا الحياة في سلام ووئام، فلا بد لنا من أن نقبل ونعمل بهذه التعاليم المنزلة لاحتياجات هذا العصر.

’كنتم خير أُمَّةٍ أُخرجت للنَّاس‘

كانت الحضارة الاسلامية في وقتها ’خير أُمَّةٍ أُخرجت للنَّاس‘ وكانت في مكانة تحسد عليها. جمعت الحضارة الاسلامية شمل الشعوب المختلفة وانشأت مجتمع جديد صالح تحت ظل الحضارة الاسلامية. فقد خلق الإسلام حضارة جديدة افادت جميع الامم، ولكن كما تفضل القرآن الكريم: "لكلِّ أمّةٍ أجلٌ فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون". [سورة الأعراف 7: 34].

وليس المقصود من ’خير أمَّة‘ انه لم يكن أمم أو حضارات عظيمة قبل الاسلام ولا تعني أيضًا انه سوف لا يكون هناك أمم وحضارات أعظم في المستقبل. فالقرآن الكريم يذكر عظمة الحضارة اليهوديّة والمسيحيّة فيقول: "يا بني إسرائيل أذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم واني فضّلتكم على العالمين". [سورة البقرة 2: 47]. وكذلك يقول القرآن الكريم: "إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورَافِعُكَ إلىّ ومطهّرك من الذين كفروا وجاعل الّذين اتبعوك فوق الّذين كفروا إلى يوم القيامة". [سورة آل عمران 3: 55].

إضافة فهناك العديد من الآيات التي تشير إلى ظهور مظاهر إلهية في المستقبل، مثال ذلك، يتفضل القرآن الكريم: "يا بني آدم إمَّا يأتينّكم رسلٌ منكم يقصّون عليكم آياتي". [صورة الأعراف 7: 35]. يشير القرآن الكريم بكل وضوح ’يأتينّك رسلٌ‘ وبمجئ رُسُل أو مظاهر إلهية جديدة، تأتي حضارات جديدة في دورات متتالية وفي تسلسل مستمر ليس له بداية أو نهاية.

وبمجئ حضرة بهاءالله جاءت دورة جديدة وانتهى نظام ’الأ مه‘ وتنبثق الآن حضارة عالمية جديدة بنظام عالمي جديد مبني على سمو الجنس البشري ووحدة العالم الانساني في ظل التعاليم المنزلة الجديدة لهذا اليوم الموعود، أي يوم الله. ونرى في هذه الدورة انطلاق حضاري جديد لم يراه العالم من قبل، وبمجئ النظام العالمي الجديد سوف تطوى النظم السابقة، كما تنبّأ بذلك القرآن الكريم بقوله: "يوم نطوى السماء كطى السجلّ للكتب كما بدأنا أوّل خلقٍ نعيده وعدْدًا علينا إنا كنا فاعلين". [سورة الأنبياء 21: 104]. وكما يؤكّد حضرة بهاءالله: "لعمری سوف نطوی الدّنيا و ما فيها ونبسط بساطاً آخر انّه کان علی کلّ شیء قديراً". [منتخباتي، ص 200].

’خَاتَم النَّبيِّين‘

أن جميع رسل الله يمكنها أن تدّعي أنها ’الأوّل‘ و ’الآخر‘, ’الألف‘ و ’الياء‘، ’البداية‘ و ’النهاية‘. شمس الأمس يمكنها الادّعاء بأنها شمس اليوم حتى ولو كان حسب مفهوم الإنسان باختلاف الأيّام. يتفضل حضرة عبد البهاء: "..... ، فالماضي والحال والمستقبل كلها بالنسبة الى الحق على حد سواء، فليس للشمس أمس ولا اليوم ولا الغد." [من مفاوضات عبد البهاء، ص 74]. جميع الرسل أو المظاهر الإلهية تأتي من منبع واحد—كلهم من عند الله ذات الغيب المنيع، كما تشهد بذلك جميع الكتب السماوية وأن الله ذات الغيب المنيع، ليس له أول ولا آخر، وكذلك أفضاله لم تنقطع عن خلقه من الأول الذي لا أول له إلى الآخر الذي لا آخر له.

أما عن قول القرآن الكريم بأن سيدنا محمد هو ’خَاتَمَ‘ النبيين، ولو أن كلمة خَاتَمَ لها عدّة معاني إلا اننا سوف نكتفي بمعنى واحد كما هو في: ’خِتام‘ ’نهاية‘ ’آخِر‘. ولكننا لا بد وأن نعلم بأن القرآن الكريم ذكر أن سيدنا محمد هو ’خَاتَمَ النَّبيِّينَ‘ فقط، ولم يقول انه خاتم ’الرُسُل‘ أيضًا. ونلاحظ ان آيات القرآن الكريم هي في منتهى الدقة والتمييز في استعمال كلمة ’رسول‘ و ’نبي‘ و’مرسلين‘ ويخصص لكل كلمة من هذه الكلمات معنى معيّن لمهمّة رسل الله.

كلمة ’رسول الله‘ تشير في القرآن الكريم إلى رسول موحى إليه بكتاب من عند الله، وهو مربّي سماوي للبشر وهو الوسيط بين الله سبحانه وتعالى والبشر. إن الرسل أو المظاهر الالهية هي التي يوحى إليها بكتاب جديد من عند الله وتخلق حضارة جديدة للبشر. وصف حضرة عبد البهاء رسل الله بأنهم ’انبياء مستقلّون‘ ويقول: هم ’مطالع الاحدية ومنابع الفيوضات الالهية ومرايا ذات الحقيقة‘. أما ’الانبياء‘ هم ’التابعون والمروجون، لانهم فروع غير مستقلين‘ مثال ذلك سيدنا موسى وسيدنا هارون. فالقرآن الكريم يصف سيدنا موسى بـ ’رسول الله‘ لانه جاء بكتاب مقدّس، ويصف سيدنا هارون بـ ’نبي‘ لانه لم يأتي بكتاب مقدس.

ومن المهم أن نلاحظ أن القرآن الكريم أعطى مهمة أو لقب ’رسول الله‘ إلى سيدنا إبراهيم وسيدنا موسى وسيدنا المسيح وسيدنا محمد، ولكنه لم يوصف الآخرين برسل الله. أضافةً ذكر القرآن الكريم أن سيدنا موسى وسيدنا محمد قاموا أيضًا بمهمة الأنبياء، ووضّح هذه النقطة بقوله: "واذكر في الكتاب موسى إنّه كان مخلصًا وكان رسولاً نبيًّا ... ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيًّا". [صورة مريم 19: 51 و 53]. إذًا فكان سيدنا موسى رسول ونبي في نفس الوقت ولكن سيدنا هارون كان نبيّ فقط وليس برسول لأنه لم يأتي بكتاب مقدس. ويصف القرآن الكريم سيدنا عيسى بأنه رسول فيقول: "وإذ قال عيسى ابن مريم يا بنى إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدّقًا لما بين يديّ من التوراة ومبشرًا برسولٍ يأتي بعدي اسمه أحمد". [صورة الصّف 61: 6].

ويصف القرآن الكريم مجموعة آخرى من الرسل بكلمة ’مرسلين‘. وهؤلاء المرسلين أرسلوا لمهمة خاصة لانذار البشر ولم يأتوا بأي كتاب ولم يقوموا بمهمة التفسير أو تعزيز الرسالة السابقة، مثال ذلك: "وإنّ لوطًا لَمِنَ المرسلين إذ نجّيناه وأهله أجمعين". [سورة الصّافات 37: 133-134]. ومثل آخر: "وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين". [سورة الأعراف 7: 77].

إذا تعمقنا في فهم يوم القيامة والدينونة، فيسهل علينا فهم خاتم النبيين (انظر الى فصل ’يوم القيامة والدينونة‘ من هذا الكتاب). فهناك عديد من الآيات في القرآن الكريم التي تشير إلى مجيء الموعود (انظر الى فصل ’الموعود‘ من هذا الكتاب). ويشير القرآن الكريم أيضًا الى أن ’كلمات الله‘ ليس لها بداية أو نهاية: "قل لو كان البحر مدادًا لكلمات ربّي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددًا". [سورة الكهف 18: 109]. وقال أيضًا: "ولو أنّما في الأرض من شجرة أقلامٌ والبحر يمدّه من بعده سبعة أبحرٍ ما نفدت كلمات الله إنّ الله عزيز حكيمٌ". [سورة لقمان 31: 27]. يوضح لنا القرآن الكريم من هذه الآيات أن ’كلمات الله‘ ورسائله المنزلة هي لانهاية لها، ليس لها من بداية أو نهاية.

انه من المستحيل التخيّل أن الله، السلطان الأبدي الذي ليس له أوّل ولا آخر، وأنبيائه ورسله ومظاهره الالهية الذين ليس لهم بداية أو نهاية، سوف يمنع فيضه على خلقه بدينٍ معيّن أو آخر!

اذا دققنا النظر في الاسباب والظروف المحيطة بسيدنا محمد آنذاك عندما نزلت هذه الآية، نرى أن بعد وفاة ابنه ابراهيم في طفولته لم يكن له ابناء ذكور آخرين، فتبنّى عبد مسيحي اسمه -زيد بن الحارثه. فادّعى يهود المدينة أن سيدنا محمد تبنّى ولدًا حتى يتبع لأمّته نفس نظام الانبياء التي اتبعتها اليهود بعد وفاة رسولهم. [النبأ العظيم، ص 38]. فردًا على إدّعاءات اليهود نزلت الآية "ما كان محمَّد أبا أحدٍ من رجالكم ولكن رسول الله وخَاتَمَ النَّبيِّينَ" [سورة الأحزاب 33: 40].

إن عهد النبوّة قد انتهى بالفعل بعد سيدنا محمد خاتم النبيين، وتحققت الوعود بظهور حضرة الباب وحضرة بهاء الله، ودخلت الانسانية في دورة جديدة مع سلسلة من المظاهر الالهية التي لم يكن لها من بداية ولن يكون لها نهاية.

في اللوح المبارك الموجه إلى السيد حسن شاه آبادي يتفضل حضرة بهاءالله عن خاتمية سيدنا محمد (صلعم)

يا حسن أن استمع نداء الحسين الذي سجن في حصن عكا بما اكتسب أيدي الغافلين. لو يسأل أحد من أحد بأي جرم حبستموه يقول إنه أتى بشريعة أخرى إنها لا توافقنا فيما كنا فيه. يشهد بذلك كتابنا الذي سمّي بالفرقان من لدى الله رب العالمين. انظر ما أنزل الرحمن فيه {ولكن رسول الله وخاتم النبيين}. إنا نقول قد صدقت فيما نطقت ونشهد به ختمت الرسالة والنبوة ومن يدعي بعده هذا المقام الأعلى إنه في ضلال مبين.

وفي سورة الصبر أو لوح أيوب الذي نزل في مدينة الله بغداد. قوله تعالى:

أَنْ يَا سَمْعَ الْبَقاءِ اسْمَعْ مَا يَقُولُونَ هؤُلاءِ الْمُشْرِكُونَ بِأَنَّ اللهَ خَتَمَ النُّبُوَّةَ بِحَبِيبِهِ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ وَلَنْ يُبْعَثَ مِنْ بَعْدِهِ أَحَدٌ وَجَعَلَ يَدَاهُ عَنِ الْفَضْلِ مَغْلُولاً، وَلَنْ يَظْهَرَ بَعْدَهُ هَياكِلُ الْقُدْسِ وَلَنْ يَسْتَشْرِقَ أَنْوارُ الْفَضْلِ وَانْقَطَعَ الْفَيْضُ وَتَمَّ الْقُدْرَةُ وَانْتَهَى الْعِنَايَةُ وَسُدَّتْ أَبْوابُ الْجُودِ بَعْدَ الَّذِي كَانَتْ نَسَمَاتُ الْجُودِ لَمْ يَزَلْ عَنْ رِضْوانِ الْعِزِّ مَهْبُوبًا، قُلْ غُلَّتْ أَيْدِيكُمْ وَلُعِنْتُمْ بِمَا قُلْتُمْ بَلْ أَحَاطَتْ يَدَهُ كُلَّ مَنْ فِي السَّمَواتِ وَالأَرْضِ يَبْعَثُ مَا يَشَآءُ بِقُدْرَتِهِ وَلا يُسْأَلُ عَمَّا شَآءَ وَإِنَّهُ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا، قُلْ يَا مَلأَ الْفُرْقَانِ تَفَكَّرُوا فِي كِتَابِ الَّذِي نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ بِالْحَقِّ بِحَيْثُ خَتَمَ فِيهِ النُّبُوَّةَ بِحَبِيبِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَهذِهِ لَقِيامَةُ الَّتِي فِيها قَامَ اللهُ بِمَظْهَرِ نَفْسِهِ وَأَنْتُمُ احْتَجَبْتُمْ عَنْها كَمَا احْتَجَبُوا مِلَلُ الأَرْضِ عَنْ قِيَامَةِ مُحَمَّدٍ مِنْ قَبْلُ وَكُنْتُمْ فِي بُحُورِ الْجَهْلِ وَالإِعْرَاضِ مَغْرُوقًا، قُلْ أَمَا وُعِدْتُمْ بِلِقَآءِ اللهِ فِي أَيَّامِهِ فَلَمَّا جَاءَ الْوَعْدُ وَأَشْرَقَ الْجَمالُ عَنْ أُفُقِ الْجَلالِ أَغْمَضْتُمْ عُيُونَكُمْ وَحُشِرْتُمْ فِي أَرْضِ الْحَشْرِ عَمِيًّا، قُلْ أَمَا نَزَلَ فِي الْفُرْقَانِ بِقَوْلِهِ الْحَقِّ كَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَآءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا، وَفَسَّرْتُمْ هذِهِ الآيَةَ بِأَهْوَاءِ أَنْفُسِكُمْ وَكُنْتُمْ مُوقِنًا مُعْتَرِفًا بِمَا نُزِّلَ بِالْحَقِّ لا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ وَمَعَ إِيقانِكُمْ بِذلِكَ أَوَّلْتُمْ كَلِمَاتِ اللهِ وَفَسَّرْتُمْ بَعْدَ الَّذِي كُنْتُمْ عَنْ ذلِكَ مَمْنُوعًا، وَقُمْتُمْ بِالإِعْرَاضِ وَالإِنْكَارِ لِلرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ بَلْ تَقْتُلُونَهُمْ كَمَا قَتَلْتُمُوهُمْ مِنْ قَبْلُ وَكُنْتُمْ بِأَعْمَالِكُمْ مَسْرُورًا، فَأُفٍّ لَكُمْ وَبِمَا اكْتَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَبِمَا تَظُنُّونَ فِي أَمْرِ اللهِ فِي يَوْمِ الَّذِي كَانَتْ أَنْوَارُ الْهِدَايَةِ عَنْ فَجْرِ الْعِلْمِ مَشْهُودًا، إِذًا فَاسْأَلْ عَنْهُمْ كَيْفَ يُفَسِّرُونَ مَا نُزِّلَ مِنْ جَبَرُوتِ الْعِزَّةِ عَلَى مُحَمَّدٍ عَرَبِيًّا، وَمَا يَقُولُون فِي مَعْنَى الْوَسَطِ لَوْ خُتِمَ النُّبُوَّةُ بِهِ فَكَيْفَ ذُكِرَتْ فِي الْكِتَابِ أُمَّتُهُ وَسَطَ الأُمَمِ إِذًا فَاعْرِفْ مِقْدَارَهُمْ كَأَنَّهُمْ مَا سَمِعُوا نَغَمَاتِ الْوَرْقَآءِ وَلَوْ سَمِعُوا مَا عَرَفُوا وَكَذَلِكَ كَانَتْ الْحُجَّةُ مِنْ كِتَابِهِمْ عَلَيْهِمْ بَلِيغًا، وَهَذَا مِنْ قَوْلِ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ كُلُّ الأُمَمِ فِي عَهْدِ كُلِّ نَبِيٍّ فَكُلَّما جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ رُسُلِ اللهِ قَالُوا لَسْتَ أَنْتَ بِمُرْسَلٍ وَخُتِمَ النُّبُوَّةُ بِالَّذي جَاءَ مِنْ قَبْلُ وَكَذلِكَ زَيَّنَ الشَّيْطَانُ لَهُمْ بِأَعْمالِهِمْ وَأَقْوالِهِمْ وَكانُوا عَنْ شَاطِئِ الصِّدْقِ بَعِيدًا، فَاذْكُرْ لَهُمْ نَبَأَ مُحَمَّدٍ مِنْ قَبْلُ إذْ جَاءَ بِسُلْطانٍ مُبِيَنًا، قَالَ يَا قَوْمِ هَذِهِ مِنْ آيَاتِ اللهِ قَدْ نُزِّلَتْ بِالْحَقِّ أَلاَّ تَخْتَلِفُوا فِي أَمْرِ اللهِ ثُمَّ اجْتَمِعُوا عَلَى شَاطِئِ عِزٍّ مَنِيعًا، وَيَا قَوْمِ فَانْظُرُوا إِلَيَّ بِنَظْرَةِ اللهِ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَكُمْ وَلا تَكُونُوا بِمِثْلِ الَّذِينَ هُمْ دَعُوا اللهَ فِي أَيَّامِهِمْ وَلَيالِيهِمْ وَلَمَّا جَاءَهُمْ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَأَنْكَرُوهُ وَكَانُوا عَلَى أَصْنَامِ أَنْفُسِهِمْ مَعْكُوفًا، وَقَالَتِ الْيَهُودُ تَاللهِ هَذَا الَّذِي افْتَرَى عَلَى اللهِ أَمْ بِهِ جِنَّةٌ أَوْ كَانَ مَسْحُورًا، قَالُوا إِنَّ اللهَ خَتَمَ النُّبُوَّةَ بِمُوسَى، وَهَذَا حُكْمُ اللهِ قَدْ كَانَ فِي التَّوْرَاةِ مَقْضِيًّا، وَلَنْ يُنْسَخَ شَرِيعَةُ التَّوْرَاةِ بِدَوَامِ اللهِ وَالَّذِي يَأْتِي مِنْ بَعْدُ يُبْعَثُ عَلَى شَرِيعَتِهَا لِيَنْتَشِرَ أَحْكَامُهَا عَلَى كُلِّ مَنْ عَلَى الأَرْضِ وَكَذلِكَ كَانَ الأَمْرُ مِنْ سَمَآءِ الْحُكْمِ عَلَى مُوسَى الأَمْرِ مَنْزُولاً، وَالَّذِينَ أُوتُوا الإِنْجِيلَ قَالُوا بِمِثْلِ قَوْلِهِمْ وَكانُوا مِنْ يَوْمَئِذٍ إِلَى حِينَئِذٍ مُنْتَظِرًا وَأَطْرَدَهُمُ اللهُ بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ الْعَرَبِيِّ فِي سُورَةِ الْجِنِّ وَإِنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُم أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ مِنْ بَعْدِهِ أَحَدًا، فَوَاللهِ يَكْفِي كُلَّ مَنْ عَلَى الأَرْضِ هَذِهِ الآيَةُ النَّازِلَةُ وَمَا كُنِزَ فِيهَا مِنْ أَسْرارِ اللهِ إِنْ يَسْلُكُوا فِي سُبُلِ عِزٍّ مَعْرُوفًا، قُلْ قَدْ بَعَثَ اللهُ رُسُلاً بَعْدَ مُوسَى وَعِيسَى وَسَيُرْسِلُ مِنْ بَعْدُ إِلَى آخِرِ الَّذِي لا آخِرَ لَهُ بِحَيْثُ لَنْ يَنْقَطِعَ الْفَضْلُ مِنْ سَمَاءِ الْعِنَايَةِ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ وَلا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَكُلٌّ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ فِي مَحْضَرِ الْعَدْلِ مَسْؤُولاً، إِذًا فَاسْمَعْ مَا يَقُولُونَ هؤُلاءِ المُعْرِضُونَ وَظَنُّوا فِي اللهِ كَما ظَنُّوا عِبَادٌ الَّذِينَ هُمْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ، قُلْ فَوَاللهِ اشْتَبَهَ عَلَيْكُمُ الأَمْرُ قَدْ قَضَتِ السَّاعَةُ بِالْحَقِّ وَقَامَتِ القِيامَةُ رَغْمًا لأَنْفِكُمْ وَأَنْفِ الَّذِينَ هُمْ كَانُوا عَنْ نَغَمَاتِ اللهِ مَصْمُومًا، قُلْ أَنْتُمْ تَقُولُونَ بِمِثْلِ مَا قَالُوا أُمَمُ الْقَبْلِ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللهِ وَتَنْتَظِرُونَ بِمِثْلِ مَا هُمِ انْتَظَرُوا وَزَلَّتْ أَقْدَامُكُمْ عَلَى هَذَا الصِّرَاطِ الَّذِي كَانَ بِالْحَقِّ مَمْدُودًا، إِذًا تَفَكَّرُوا فِي تَلْوِيحِ هَذِهِ الآيَةِ لَعَلَّ تُرْزَقُونَ مِنْ مَائِدَةِ الْعِلْمِ الَّتِي يَنْزِلُ مِنْ سَمَاءِ الْقُدْسِ عَلَى قَدَرٍ مَقْدُورًا، يَا قُرَّةَ الْبَقَآءِ فَاشْهَدْ مَا يَشْهَدُونَ المُشْرِكُونَ فِي هَذِهِ الشَّجَرَةِ الْمُورِقَةِ المُبَارَكَةِ المُنْبَتَةِ الَّتِي كَانَتْ عَلَى جَبَلِ المِسْكِ مَرْفُوعًا، وَطَالَتْ أَغْصَانُهَا إِلَى أَنْ بَلَغَتْ مَقَامَ الَّذِي كَانَ خَلْفَ سُرَادِقِ الْقُدْسِ مَكْنُونًا، وَيُرِيدُونَ هؤُلاءِ الْمُشْرِكُونَ أَنْ يَقْطَعُوا أَفْنَانَها قُلْ إِنَّهَا اسْتَحْصَنَتْ فٍي حِصْنِ اللهِ وَاسْتَحْفَظَتْ بِحِفْظِهِ وَجَعَلَ اللهُ أَيْدِي الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ عَنْهَا مَقْصُورًا، بِحَيْثُ لَنْ يَصِلَ إِلَيْهَا أَيْدِي الَّذِينَ هُمْ كَفَرُوا وَأَعْرَضُوا فَسَوْفَ يَجْتَمِعُ اللهُ فِي ظِلِّهِ كُلَّ مَنْ فِي الْمُلْكِ وَهَذا مَا كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الْحَقِّ وَكَانَ فِي أَلْواحِ الْعِزِّ مِنْ قَلَمِ الْعِلْمِ مَحْتُومًا، يَا قُرَّةَ الْجَمَالِ ذَكِّرِ الْعِبَادَ بِأَذْكَارِ الرُّوحِ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ ثُمَّ أسْمِعْهُمٍ نَغْمَةً مِنْ نَغَمَاتِ الْبَقَآءِ لَعَلَّ يَسْتَشْعِرُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ أَقَلَّ مِنْ ذَرٍّ شَيْئًا وَلَعَلَّ لا يَظُنُّونَ بِمِثْلِ مَا ظَنُّوا شُرَكائُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَيُوقِنُونَ بِأَنَّ اللهَ يَكُونُ قَادِرًا عَلَى أَنْ يَبْعَثَ فِي كُلِّ حِينٍ رَسُولاً، قُلْ يَا مَلأَ الْبَغْضَآءِ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ هَذا مَا قُضِيَ بِالْحَقِّ مِنْ قَلَمِ عِزٍّ دُرِّيًّا، إِذًا فَأَلْقِ عَلَيْهِمْ مَا غَرَّدَتْ بِهِ حَمَامَةُ الرُّوحِ فِي رِضْوَانِ قُدْسٍ مَحْبُوبًا، لَعَلَّ يَتَّبِعُونَ مَا فُسِّرَ فِي الْخَتْمِ عَنْ لِسَانِ الَّذِي كَانَ رَاسِخًا فِي الْعِلْمِ فِي زِيَارَةِ اسْمِ اللهِ عَلِيًّا، قَالَ وَقَوْلُهُ الْحَقُّ الْخَاتِمُ لِمَا سَبَقَ وَالْفَاتِحُ لِمَا اسْتُقْبِلَ وَكَذلِكَ ذَكَرَ مَعْنَى الْخَتْمِ مِنْ لِسَانِ قُدْسٍ مَنِيعًا، كَذلِكَ جَعَلَ اللهُ حَبِيبَهُ خَاتِمًا لِمَا سَبَقُوهُ مِنَ النَّبِيِّينَ وَفاتِحًا لِمَا يَأْتِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ مِنْ بَعْدُ إذًا تَفَكَّرُوا يَا مَلأَ الأَرْضِ فِيمَا أَلْقَيْنَاكُمْ بِالْحَقِّ لَعَلَّ تَجِدُونَ إِلَى مَكْمَنِ الأَمْرِ فِي شَاطِئِ الْقُدْسِ سَبِيلاً، وَلا تَحْتَجِبُوا عَمَّا سَمِعْتُمْ مِنْ عُلَمائِكُمْ ثُمَّ اسْأَلُوا أُمُورَ دِينِكُمْ عَنِ الَّذِي جَعَلَهُ اللهُ رَاسِخًا فِي عِلْمِهِ وَكَانَتْ الأَنْوَارُ مِنْ نُورِ وَجْهِهِ مُتَلأْلأً وَمُضِيئًا......

Powered By Blogger