Saturday, August 21, 2010

عفواً يا أمة الإسلام قد انتهى حكم ما بينكم وجاء خبر ما بعدكم وأنتم له كافرون وعنه معرضون (12)


عفواً يا أمة الإسلام

قد انتهى حكم ما بينكم وجاء خبر ما بعدكم وأنتم له كافرون وعنه معرضون

(12)

قال أبوعيسى الترمذى : ثنا عبد بن حميد ثنا حسين بن على الجعفى ثنا حمزة الزيات عن أبى المختار الطائى عن ابن أخى الحارث الأعور عن الحارث الأعور قال : [ مررت إلى المسجد فاذا الناس يخوضون فى الأحاديث فدخلت على علي فقلت : يا أمير المؤمنين ألا ترى الناس قد خاضو فى الأحاديث ؟ قال : أوقد فعلوها ؟ قلت : نعم قال : أما إنى قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ألا إنها ستكون فتنة فقلت : فما المخرج منها يارسول الله ؟ قال : كتاب الله فيه نبأ ماقبلكم وخبر مابعدكم وحكم مابينكم وهو الفصل ليس بالهزل.

براهين الطريق الثانى

الطريق الثانى-كتب صاحب الرسالة وصحفه فهى برهان على صحة دعواه لقوله تعالى ( وقالوا لولا أنزل عليه آية من ربه قل إنما الآيات عند الله وإنما أنا نذير مبين* أو لم يكفهم انا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم)(العنكبوت:51/52) فاخبر ان الكتاب آية ومعجزة كافية فى الدلالة على صدق محمد(ص) فى دعوى رسالته ومثل كتاب محمد(ص) كل كتاب يأتى به رسول من عند الله فهو معجزة له وآية على صحة ما جاء به وما ادعاه من حيث هدايته وتأثيره على النفوس ونقله للناس من الظلمات إلى النور وإلى الظل من الحرور معجز بعظمته وسلطانه على القلوب معجز فى اخباره بالغيوب،معجز فى أمره ونهيه، معجز فى وعده ووعيده ففيه تحيى الأمم من موتها وتستيقظ النفوس من غفوتها وغفلتها (ترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وانبتت من كل زوج بهيج ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحيي الموتى وأنه على كل شيء قدير)(الحج:5و6).

ع- ان محمداً(ص) قد تحدى الناس بالقرآن واستدل به عليهم على أنه رسول من عند الله وتحداهم بفصاحته وبلاغته بما هو مشهور أما بهاءالله فلم يستدل بذلك وما تحدى به على ما أعلم.

س- أن سائر كتب الأنبياء هى معجزة لهم كما تقدم من أن جميع حركات رسل الله معجزة للناس وليس من شرطها استدلال الرسول بها ولا تحديده بالاتيان بمثلها،بل دليل على صحة رسالته وان خلت من هذين القيدين.فالتوراة معجزة لموسى عليه السلام كما أن القرآن معجزة لمحمد(ص) وانما دلل محمد(ص) على رسالته بالقرآن وتحدى الناس به لأنهم قالوا أن محمداً افترى القرآن على الله فتحداهم بأن يأتوا بمثله وان هذا القرآن دليل على رسالته والا فسائر الكتب المنزلة هى معجزة لمن انزلت عليه ودليل على رسالته ألا ترى أن الله أمر محمداً أن يتحدى الناس بالتوراة والقرآن معاً كما حكى الله جل شأنه ذلك بالقرآن فقال وقوله الحق:

( فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا لولا اوتي مثل ما اوتي موسى أو لم يكفروا بما اوتى موسى من قبل قالوا سحران تظاهرا وقالوا انا بكل كافرون قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما اتبعه إن كنتم صادقين فإن لم تستجيبوا لك فاعلم إنما يتبعون أهواءهم)(القصص:48/50).

فانظر كيف أمر الله رسوله محمداً (ص) ان يتحدى قريشاً بالتوراة كما يتحداهم بالقرآن لأنها معجزة لموسى فقال (قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما فاتبعه) فلو لم يكن معجزة لما تحداهم بها مع أن موسى لم يتحد به أحداً فى حين أنها هى معجزة له وما دلل بها على أنه رسول من عند الله مع أن محمداً(ص) دلل بها على أن موسى رسول من عند الله وهكذا سائر آيات الرسل تدل على رسالة الله لرسله وان لم يتحدوا بها ولا دللوا ، فما كان محمد(ص) يتحدى أحداً فيما كان يظهره الله على يديه من تكثير الطعام ونبع الماء من بين أصابعه ولا كان يستدل بها على رسالته بل كان يأتى بذلك لحاجة المسلمين إليه ولا يشترط فى دلالة الدليل استدلال أحد به بل ما كان النظر الصحيح فيه موصلاً إلى علم فهو دليل وان لم يستدل به أو لم يستدل،أما قولك أن القرآن معجز بفصاحته وبلاغته فهو وان كانت فصاحته وبلاغته معجزة أيضاً لمن كان يعلم الفصاحة والبلاغة لكن ليس هو الذى تحداهم به الرسول بل الذى تحداهم به هو هدايته للنفوس وتأثيره فى القلوب ونقل الناس به من الظلمات إلى النور.

فهذا هو اعجاز القرآن والمقصود من انزاله وهذا شأن كل كتاب جيء به من عند الله ألا ترى قوله تعالى:

(قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما اتبعه)

ولم يقل بأفصح منها ولا ابلغ فالرسل انما تأتى إلى الناس لهدايتهم ونقلهم من الضلالة والجهالة إلى الإيمان والهداية ألا ترى تأثير القرآن فى النفوس وهدية الى الحق قد جعل الله به أقواماً كانوا فى هيماء الضلالة ومفاوز الشرك والغواية هداة للناس وقادة للأمم ونبراساً للصلاح، وهكذا كتب بهاءالله صحفه وألواحه ، كيف أنها قلبت العالم رأساً على عقب وجعلت الناس يؤمنون به، ويستجيبون لدعوته،وينقادون لأمره بعد انكارهم صحة ما جاء به ومقاومتهم اياه.

فكتبه وألواحه هى التى أثرت فى النفوس وجعلت الناس يؤمنون به دون أن يروه أو يحادثوه اذ قل من كان يستطيع الوصول إليه فانظر كم هى تأثير هذه الكتب والألواح!!!...

فلا جدران تلك السجون والقلاع التى سجن بها حضرة بهاءالله ولا الحرس الذين احاطوا بهذه السجون استطاعوا منع تأثير تلك الكتب ولم يكن حبس بهاءالله ولا احاطة الحرس به إلا لئلا ينتشر دينه،بين الناس ويتبعون تعاليمه ،ولكن الأمر جاء بالعكس فكتبه وألواحه فعلت ما كانوا يحذرونه،أليس هذا اعظم برهان على أن كتب بهاءالله وألواحه هى من عند الله؟ وهى معجزة له كما أن القرآن معجزة لمحمد (ص) والتوراة معجزة لموسى عليه السلام؟ ومما يزيدك ايقاناً بأن مثل هذه الكتب التى لها هذا التأثير هى من عند الله جل وعز صدورها من اناس لم يتعلموا عند احد ولم يدخلوا المدارس مثل عيسى ومحمد والباب وبهاءالله.

ع- أنا لا أستطيع أن أكابر وأقول أن كتب بهاءالله وألواحه لم تؤثر فى الناس بل تأثيرها باد للعيان كالشمس فى رابعة النهار ولكننا نعلم أن لكل رسول كتاب واحد فكيف يكون لبهاءالله كتب وألواح؟؟

س- ألم تر أن القرآن يصرح بذلك فى سورة البينة فى قوله تعالى: (رسول من الله يتلو صحفاً مطهرة فيها كتب قيمة)(البينة:2،3). والكتب جمع كتاب والصحف جمع صحيفة وقوله تعالى يتلو صحفاً فيها كتب أى من هذه الصحائف ما هي كتب لأن الصحيفة ما يكتب فيها من قرطاس ونحوه،والكتاب هو الضم والجمع يقال تكاتبت بنو فلان اذا انضموا واجتمعوا فالصحائف اذا انضم بعضها إلى بعض كونت كتاباً ففى هذه الصحائف ما قد ضم بعضه إلى بعض ومن هذه الانضمامات تكوّنت كتباً ذلك معنى قوله تعالى فيها كتب قيمة،ويطلق البهائيون الألواح على ذه الصحف،والألواح والصحف بمعنى واحد.

قال العلامة الاصفهانى فى كتابه (غريب القرآن) "اللوح ما يكتب فيه من خشب وغيره كما قال الصحيفة ما يكتب فيها".

ع- هل هذا الرسول الذى يتلو الصحف والكتب معنيّ به بهاءالله؟

س- نعم. ان هذا الرسول المعنى به هو بهاءالله فاصغ إلى ما أسرده عليك من الأدلة عل ذلك قال تعالى:( لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة رسول من الله يتلو صحفاً مطهرة فيها كتب قيمة وما تفرق الذين اوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة)(البينة).

لما كان المفسرون يقولون أن لا رسول ياتى إلى الناس بعد محمد(ص) فسروا البينة فى الموضعين بمحمد(ص) فحصل الارتباك فى تفسير هذه السورة فذهبوا إلى عدة تأويلات بعيدة ومع هذه التأويلات البعيدة لم يستقم المعنى والصحيح أن البينة الاولى التى هى رسول من الله يتلو صحفاً فيها كتب ليست بمحمد(ص) بل أنه رسول يأتى من بعد محمد(ص) والمراد منه هو بهاءالله وليس أيضاً على محمد الباب كما ستعلمه.

اما البينة الثانية فهى محمد(صلى الله عليه وسلم) كما قال المفسرون وإليك جملة من الجلائل على صحة هذا:-

الدليل الأول-قال تعالى (حتى تأتيهم البينة) أى انهم لا ينفكون عما هم عليه من انكار رسالة محمد(ص) وجحودها إلى أن تأتيهم البينة فى المستقبل وهذه البينة هى رسول من الله أما محمد(ص) فقد أتى.

فإذاً هى ليست بمحمد ويؤيد هذا قوله (رسول) بالتنكير أما قول المفسرين تأتى بمعنى أتت فهذا يحتاج إلى قرينة تمنع صرف الكلام عما وضعت له وقرينتهم هى ما يعتقده الناس من انقطاع الرسالة بمحمد(ص) وهذا لا دليل فيه.

الدليل الثانى-ان هذا الرسول هو بينة وحجة واضحة على صدق محمد(ص) فيما ادعاه وجاء به ذلك لأن كل كتاب سماوى يبشر بالرسل التى تأتى بعد نزوله فإذا جاء الرسول الذى بشر به ذلك الكتاب كان ذلك الرسول هو بينة ودليل ظاهر على صدق الرسول المتقدم الذي قد بشر به بكتابه وكذلك بهاءالله لما كان مبشراً به فى القرآن فمجيئه كان بينة وحجة لمحمد(ص) على صدقه فيما ادعاه وجاء به من ربه.

الدليل الثالث- ان هذا الرسول يتلو صحفاً وكتباً ومحمد(ص) كان أمياً لا يقرأ ولا يكتب فهو لا يتلو ما فى الصحيفة أما بهاءالله فكان يقرأ ويكتب فكان يتلو الصحف والكتب.

الدليل الرابع-أن بهاءالله قد نزلت عليه صحف وكتب فهو يتلوها أما محمد(ص) فلم ينزل عليه إلا كتاب واحد وهو القرآن الكريم ولا يمكن أن يوصف القرآن بأنه صحف فيها كتب أما تأويل بعض المفسرين يتلو صحفاً فيها كتب أي مكتوبات فهذا لا قيمة له لأن قوله تعالى (يتلو صحفاً) معناه أنها مكتوبة فالصحيفة البيضاء لا تتلى فقوله فيها كتب أي فى هذه الصحف كتب أى فيها ما هو أكبر من أن يسمى صحيفة أو لوحاً لكثرة صحائفه كما تقدم.

ع- صدقت أن الرسول الذى يتلو الصحف والكتب المذكور بهذه السورة هو بهاءالله ولكن يا(س) كيف علمت أن بهاءالله لم يدرس العلوم ولا دخل المدارس؟

س- كثيراً ما كتب بهاءالله فى كتبه وألواحه ذلك عن نفسه وهذا أمر يعرفه أهل ايران ممن عنى منهم بالتحقيق عنه فمنهم من علم ذلك عياناً وتحقيقاً ومنهم من علم ذلك سماعاً وتواتراً ومن قرأ كتابه الذى أرسله إلى ناصر الدين شاه وذكر حضرته: "يا سُلْطانُ، إنّي كُنْتُ كَأحَدٍ مِنَ العِبادِ وَراقِداً عَلى المِهادِ مَرَّتْ عَلَيّ نَسائِمُ السُّبْحانِ وَعَلَّمَني عِلْمَ ما كانَ. لَيْسَ هذا مِنْ عِنْدي بَلْ مِنْ لَدُنْ عَزيزٍ عَليمٍ. وأمَرَني بِالنِّداءِ بَيْنَ الأرْضِ وَالسَّماءِ بذلِكَ وَرَدَ عَلَيَّ ما ذُرِفَتْ بِهِ دُموعُ العارِفينَ. ما قَرَأتُ ما عِنْدَ النّاسِ مِنَ العُلومِ وَما دَخَلْتُ المَدارِسَ، فَاسْألِ المَدينَةَ التي كُنْتُ فيها لِتُوْقِنَ بأنّي لَسْتُ مِنَ الكاذبينَ."

ع-ذكرت فيما مضى أن الكتب السماوية تشتمل على أخبار عن المغيبات فهل كتب بهاءالله اشتملت على مثل ذلك؟

س- نعم. أن كتب بهاءالله اشتملت على أخبار عن مغيبات كما أن القرآن الكريم وسائر الكتب السماوية اشتملت على أخبار عن مغيبات فمن هذه ما هو عن معارف وعلوم كانت ولم تزل مجهولة ثم اكتشفت أو تكتشف بعد، أو أخبار عن وقائع وحوادث تقع بعد، فمن الأول مثلاً ما جاء فى الورق التاسع من الكلمات الفردوسية لبهاءالله عن عنصر القنبلة الذرية ولما كان حضرة عبد البهاء(الأبن الأرشد لحضرة بهاءالله) فى سانفرانسيسكو سنة 1912م شرح هذه النبوءة أمام جمع من البهائيين فقال:أنها اكتشاف عنصر يرغم الأمم على صون السلام وإلا حاق الدمار بالبشرية جمعاء.

وقد اكتشفت القنبلة الذرية واستعملت عام 1945 ولحق بهاءالله بالرفيق الأعلى عام 1892م بعد أن ترجم إلى اللغة العربية سنة 1920 ونشر هذا النبأ فى كثير من صحف العالم.

ومن الثانى كانذاراته التى أنذر بها الحكومة العثمانية عما سيحيق بها من جراء أعمالهم التى عاملوه وعاملوا اتباعه بها فمن قرأ كتابه الذى كتبه إلى السلطان عبد العزيز وكتابه الذى كتبه إلى الصدر الأعظم رئيس الدولة العثمانية أمين عالى باشا ودرس التاريخ العثمانى من زمن السلطان عبد العزيز إلى اواخر الحرب العامة يرى أن الأخبار كلها وقعت كما اخبر. ومثل ذلك ما جاء فى الكتاب الأقدس عن ألمانيا وبرلين وشواطئ نهر الراين فقد وقع كما اخبر،فالحرب وقعت مرتين مع ألمانيا وفيهما ارتفع حنين أهل برلين وفى الثانية تغطت شواطيء نهر الراين وغيرها بالدماء.

كذلك جاء فى الكتاب الأقدس عن زوال زينة استنبول وهى النقطة الواقعة على شواطيء بحر الأسود وبحر مرمرة فقد زالت زينتها بزوال منصب الخلافة والسلطنة العظمى وأصبحت محصورة فى آسيا الصغرى وفى طرف صغير من اوربا فقط ولو أردنا سرد أمثال ذلك من أخباره عن المغيبات لاحتجنا إلى كتابة مجلدات.

رابط المكتبة البهائية وكتاب الأقدس :

http://reference.bahai.org/ar

وتابعوا معنا براهين الطريق الثالث فى مقالنا القادم........

تحياتى


Monday, August 2, 2010

عفواً يا أمة الإسلام قد انتهى حكم ما بينكم وجاء خبر ما بعدكم وأنتم له كافرون وعنه معرضون-(11)



عفواً يا أمة الإسلام قد انتهى حكم ما بينكم وجاء خبر ما بعدكم وأنتم له كافرون وعنه معرضون-(11)

براهين الطريق الأول

ع-ماهو برهان الطريق الأول؟

س- لهذا الطريق براهين متعددة:

البرهان الأول-ان الكاذب فى دعوى ارسال الله إياه للناس بتشريع جديد لا تنجح دعوته وان اتبع واطيع فى بادئ أمره فإن قصارى أمره للخذلان واضمحلال دعواه، ذلك لأن القرآن قد دلّ على أن الله سبحانه وتعالى لا يؤيد المتقول عليه بل لا بُد أن يظهر للناس تقوله وان ينتقم منه-قال تعالى (ولو تقول علينا بعض لأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين وما منكم من أحد عنه حاجزين) (الحاقة:44/48). فإذا كان هذا شأن من يتقول على الله بعض الأقاويل فما بالك فيمن يدعى ارسال الله له ويتقول عليه التشريع كله،قال العلامة المحقق فخر الدين الرازى عليه الرحمة فى تفسير هذه الآية بعد ايراد عدة وجوه فى معنى قوله (لأخذنا منه باليمين) فاعلم أن حاصل هذه الوجوه انه لو نسب إلينا قولاً لم نقله لمنعناه من ذلك اما بواسطة اقامة الحجة فانا كنا نقيض له من يعارضه فحينئذ يظهر للناس كذبه فيكون ذلك ابطالاً لدعواه وهدماً لكلامه وأما ان نسلب عنه القدرة عن التكلم بذلك القول وهذا هو الواجب فى حكمة الله لئلا يشتبه الصادق بالكاذب".

فخذلان مدعى الرسالة واضمحلال دعوته دليل على أنه متقول على الله مفتر عليه وبمثل هذا يعرف المحق من المبطل فدعوة بهاءالله لم تزل بازدياد ونمو وانتشار منذ ظهورها ولم تصب بأى خذلان فدل هذا على أنه صادق فى دعواه.

البرهان الثانى- استجابة الناس لمدعى الرسالة واتباعهم تشريعه وثبوتهم عليه فإذا استجيب لدعوة مدعى الرسالة واتبعت شريعته ولم يرجع عنها فذلك الدين هو دين الحق والرسول الذى جاء به جاء بالصدق.قال تعالى: (والذين يحاجون فى الله من بعد ما استجيب له حجتهم داحضة عند ربهم وعليهم غضب ولهم عذاب شديد)(الشورى:16).

قال المفسرون أن الذين يحاجون أي يجادلون فى دين الله وتشريعه فى ايراد الشبهات والضلالات من بعد ما استجاب الناس له حجتهم داحضة أى باطلة وعليهم غضب لمعاندتهم ولهم عذاب شديد على كفرهم فبين سبحانه وتعالى ان الاستجابة للرسول دليل على صدق دعواه وبعد ظهور الحق وثبوته بالدليل فالمجادلة فيه باطلة والمراد من هذه الاستجابة هى الاستجابة الثابتة التى تتكون معها أمة تحت شريعة جديدة بدليل أنه لما نزلت هذه الاية كانت الأمة المحمدية قد تكونت، والمستجيبون لدينه قد ثبتوا على الاستجابة، والشريعة قد تأسست والشريعة السابقة قد نسخت فالاستجابة التى هى مثل هذه الاستجابة هى دليل على صدق من ادعى أن الله أرسله لعباده وبرهان ساطع يميز به الصادق والكاذب منهم وعدمها دليل على تقوله وافترائه قال تعالى:(له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشئ إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه)(الرعد:15) فعلق سبحانه وتعالى هذه الاستجابة على المحال والمعلق على المحال محال مثله فالماء لا يصعد لمن يبسط كفيه إليه ليبلغ فاه فيدخله فكذلك كل مدع يدعى أنه أرسل من الله بتشريع جديد وهو كاذب لا يستجيب له الناس الاستجابة الثابته بل وقوع ذلك محال فالاستجابة لبهاءالله واعتناق دينه قد عمّ مشارق الأرض ومغاربها حتى انك لا تكاد تجد بقعة من بقاع الأرض ليس فيها معتنق لدين بهاءالله فدل هذا على صدق دعواه-(الدين البهائى هو ثانى دين فى العالم من حيث الانتشار بعد المسيحية).

البرهان الثالث-انتصار الرسول على مكذبيه ومقاوميه دليل على صدقه، ذلك ان ما من رسول يأتى بتشريع جديد إلا كذب واُذي قال تعالى:(ثم أرسلنا رسلنا تترى كلما جاء أمة رسولها كذبوه)(المؤمنون:44) وقال تعالى "وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فاخذتهم فكيف كان عقاب.."_المؤمن:5). فهذه عادة الله سبحانه وتعالى وسننه فى الأمم ما من رسول ياتى بدين جديد إلا همّت به امته لتقتله أو تحبسه وتجادل بالباطل بايراد الشبهات لتدحض به الحق وما ذلك إلا أن الديانة الحادثة مكروهة عند جميع الأمم وكل نفس تأبى اعتناقها بالبداهة وكل أهل دين يخشون ذلك الرسول ويخافون ان يبدل دينهم على حين أنهم يرون دينهم أبدياً ولا تبديل وأنه هو الحق وما سوى دينهم باطل فيجتمع العالم على مقاومة هذا الرسول وتكذيبه والعالم أمة الدعوى بالنسبة لمحمد(ص) وبهاءالله ومن جاء بالدعوة العامة لأهل الأرض فما من رسول يأتى بتشريع جديد إلا ويكذب ويؤذى ويقاوم وبعد تلك المقاومة وذاك الايذاء ينزل سبحانه وتعالى نصره عليه فتكون لذلك الرسول الغلبة والقهر على من كذبه وقاومه ومهما كانت قوة المقاوم وبأسه،فتبدأ الاستجابة لدعوته الفرد بعد الفرد والجماعة بعد الجماعة فتتبدل مقاومتهم له بالانقياد إليه وايذاؤه ببذل النفس والنفيس بين يديه فتتكون له أمة وتستظل بسماء شريعته فيتبدل شركهم بالتوحيد وكفرهم بالايمان وعنادهم بالاذعان وجهلهم بالعلم والحكمة وجفاؤهم بألألفة والمحبة وهذا هو نصر الله سبحانه وتعالى لرسله وقد جرت بذلك سنته ولن تجد لسنة الله تبديلاً ولن تجد لسنة الله تحويلاً فهذا النصر والتأييد بعد ذلك التكذيب والمقاومة دليل على صدق دعوة مدعى الرسالة وان الله سبحانه وتعالى صدّقه بتاييده ونصره له قال سبحانه وتعالى:

" انا لننصر رسلنا والذين آمنوا فى الحياة الدنيا ويوم يقوم الاشهاد"(المؤمن:51) وقال عز من قائل عليم"كتب الله لاغلبن أنا ورسلي ان الله قوي عزيز"(المجادلة:21)

فامر كتبه على نفسه وأقسم عليه ووعد به لا بد من وقوعه ومحال تأخره عن الوقوع وبذلك قد سبقت كلمته قال عز وجل" ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين أنهم لهم المنصورون وان جندنا لهم الغالبون" (الصافات:171).

فانظر كيف حصر سبحانه وتعالى نصره لرسله على من كذّّبهم وقاومهم دون المتقولين عليه المدعين رسالته افتراءً وكذباً فالرسول الصادق لا محالة أن الله ناصره ومؤيده وجاعل له القهر والغلبة على من قاومه وكذّبه فنصر الله وتأييده له دليل على صدقه فبهاءالله مع كونه فى قبضة ناصر الدين شاه ثم قبضة السلطان عبد العزيز ثم قبضة السلطان مراد ثم قبضة السلطان عبد الحميد الثانى،انتصر عليهم جميعاً ونفذت كلمته ولم يمنع ذلك حبسه ولا سلطتهم عليه بل السلطان والسلطة صارت له دونهم أفليس هذا دليل واضح وبرهان بيّن على صدقه؟

البرهان الرابع- ان الله جلّت حكمته لا يساوى بين مدعى الرسالة الصادق ومدعى الرسالة الكاذب فأما إذا نظرنا إلى حكمة الله وعدله نجد أنه يمتنع فى حكمة الرب وعدله ان يساوى بين خيار الخلق هؤلاء وبين شرار الخلق هؤلاء لا فى سلطان العلم وبراهينه ولا فى سلطان النصر والتأييد والله سبحانه وتعالى يقول:"أفنجعل المسلمين كالمجرمين ما لكم كيف تحكمون"(ن:25) ويقول "أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين فى الأرض أم نجعل المتقين كالفجار"(ص:28).

فإذا كان جل شأنه لا يساوى بين المسلم والمجرم ولا بين المؤمنين الذين عملوا الصالحات والمفسدين ولم يجعل المتقين كالفجار فكيف يساوى بين الرسول الصادق الذى هو خير خلق الله وبين المتقول عليه الذى هو أسوأ خلق الله وأشرهم.

ولو فرضنا محالاً وقلنا يقع مثل ذلك استغفر الله كيف يعذب من لا يستجيب لرسوله اذ لا ميزة بين الصادق والكاذب من مدعى الرسالة ولكن جلت حكمته ميز بين هذا وهذا بتأييد الصادق بنصره والمتقول بخذلانه واضمحلال دعوته وهذا هو الواقع.

ألا ترى أن محمداً وعيسى وموسى وسائر رسل الله عليهم الصوة والسلام نجحوا فى دعواهم وكوّنوا أمماً وأسسوا شرائع لأنهم كانوا صادقين فى دعواهم. وان مسيلمة الكذاب وخالد طليحة وسجاح كيف أنهم غلبوا واضمحلت دعوتهم لأنهم كانوا كاذبين فى دعواهم وكذلك من جاء بعدهم ممن تقول على الله وادعى الرسالة افتراءً عليه كالحارث الدمشقى الكذاب قتله عبد الملك بن مروان وعيسى الاصفهانى اليهودى وقيل (اوفيد الوهيم) قتل فى زمان المنصور العباسى وغير هؤلاء كثيرون ممن ادعوا مثل ذلك اضمحلت دعوتهم ولم تقم لهم قائمة ولا أثر فإذا علمت هذا ونظرت إلى دعوة بهاءالله تجد أن بهاءالله ادعى ارسال الله إياه للناس وكذبه المكذبون وقاومته الأمة الايرانية وحكومتها والأمة العثمانية وسلاطينها مع استبدادهم بالأمور يفعلون ما يشاؤون وهو فى قبضتهم وفى حبسهم وتحت سيطرتهم وسلطنتهم فريداً وحيداً فلم يستطيعوا خذلانه ولا مقاومته بل كانت دعوته تنتشر وأمره يعلو ولم تقف جدران تلك السجون الضخمة التى سجن بها ولا قلعة عكاء سداً عن انتشارها وقد بلغت مشارق الأرض ومغاربها وكذلك السيد على محمد الباب انتشرت دعوته مع أن أكثر مدة دعوته كان مسجوناً وانتهى الأمر بقتله كما أن بهاءالله كان أكثر مدة حياته مسجوناً ،فكم من الرسل من قتل ظلماً وعدواناً قال تعالى:" قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم فلم قتلتموهم ان كنتم صادقين"(آل عمران:183).

فدعوته انتشرت والايمان به لا زال بانتشار تبعاً للإيمان ببهاءالله اذاً فبهاءالله صادق والباب صادق فيما ادعياه من ارسال الله اياهما للناس وقد بلغ الآن دين بهاءالله من الانتشار مبلغاً عظيما ،وتبع الإحصاء العالمى وُجد أن البهائية هى ثانى دين انتشاراً فى العالم بعد المسيحية وقد اعترف بها فى كثير من الأقطاررسمياً واعفيت اوقافه من الضرائب. أما ما ادعاه بهاءالله للرسالة فهذا أيضاً معروف وقد مر البحث فيه فانه ادعى الرسالة واستجاب له الناس وصارت له أمة ثابتة على الاستجابة ولها شريعتها وغلب مقاوميه فالدليل بين والصبح مسفر لذي عينين والحجة واضحة وأحقية هذا الدين ظاهرة وانى لأرى يا (ع) ان علينا لزاماً سلوك هذه الجادة واعتناق هذا الدين.

فالرسول الذى يأتى بتشريع جديد فإن كان صادقاً فالله ينصره لا محالة وأما الكاذب المتقول فتموت دعواه وتضمحل كما تقدم ومن ظن أن الله سبحانه وتعالى ينصر المدعى الكاذب كما ينصر المدعى الصادق أو يخذل المدعى الصادق كما يخذل المدعى الكاذب فقد ظن بربه السوء وعليه دائرة السوء جل وتعالى عن ذلك علواً كبيراً.

س- هل سمعت يا (ع) المناظرة التى جرت بين العلامة شمس الدين بن القيم الجوزية وبين أحد علماء أهل الكتاب فى اثبات احقية دعوة محمد(ص) وكيف أن العلامة شمس الدين بن القيم اثبتها له باستجابة الناس للرسول (ص) وانتصارها على من كذبه وان جلّت حكمته لا يساوى بين الصادق والكاذب من مدعى الرسالة.

ع- كيف كانت القصة؟

س- قد جاء فى كتاب (زاد المعاد) للعلامة ابن القيم عليه الرحمة فى بحث وقد نجد ان مناظرة جرت بينه وبين أحد علماء أهل الكتاب فى أمر النبى (ص) قال بن القيم" فقلت له فى اثناء الكلام ولايتم لكم القدح فى نبوة نبينا(ص) إلا بالطعن فى الرب تعالى والقدح فيه ونسبته إلى أعظم الظلم والسفه والفساد تعالى الله عن ذلك فقال كيف يلزمنا ذلك. قلت بل ابلغ من ذلك انه إذا كان محمد عندكم ليس بنبى صادق وهو بزعمكم ملك ظالم فقد تهيا له أن يفترى على الله ويتقول عليه ما لم يقله ثم يتم له ذلك ويستمر حتى يحلل ويحرم ويفرض الفرائض ويشرّع الشرائع وينسخ الملل ويضرب الرقاب ويقتل اتباع الرسل وهم أهل الحق ويسبي نساءهم واولادهم ويغنم اموالهم وديارهم ويتم له ذلك حتى يفتح الأرض وينسب ذلك كله إلى أمر الله تعالى له به ومحبته له والرب تعالى يشاهده وما يفعل بأهل الحق واتباع الرسل وهو مستمر فى الافتراء عليه ثلاثاً وعشرين سنة وهو مع ذلك كله يؤيده وينصره ويعلي أمره ويمكن له من أسباب النصر الخارجة عن عادة البشر ،وأعجب من ذلك أنه يجيب دعواته ويهلك اعداءه من غير فعل منه نفسه ولا سبب بل تارةً يستأصلهم سبحانه من غير دعاء منه صلى الله عليه وسلم.

ومع ذلك يقضى له كل حاجة ساله اياها ويعده كل وعد جميل ثم ينجز له وعده على أتم الوجوه وأهنأها وأكملها هذا وهو عندكم فى غاية الكذب والافتراء والظلم فإنه لا أكذب ممن كذب على الله واستمر على ذلك ولا اظلم ممن ابطل شرائع انبيائه ورسله وسعى فى رفعها من الأرض وتبديلها بما يريد هو وقتل اوليائه وحزبه واتباع رسله واستمرت نصرته عليهم دائمة والله تعالى فى ذلك كله يقرء ولا يأخذ منه باليمين ولا يقطع منه الوتين وهو يخبر عن ربه أنه اوحى إليه انه لا اظلم ممن افترى على الله الكذب أو قال اوحى إلىّ ولم يوح إليه شيء ومن قال سأنزل مثلما انزل الله فيلزمكم معاشر من كذبه احد أمرين لابُد لكم منهما أما أن تقولوا لا صانع للعالم ولا مدبر ولو كان للعالم صانع مدبر قدير حكيم لأخذ على يديه وقابله اعظم مقابله وجعله نكالاً للظالمين، اذ لا يليق بالملوك غير هذا فكيف بملك السماوات والأرض وأحكم الحاكمين الثانى نسبه الرب تعالى إلى ما لا يليق به من الجور والسفه والظلم واضلال الخلق دائماً أبد الآباد لا بل نصرة الكاذب والتمكين له من الأرض واجابة دعواته وقيام امره من بعده واعلاء كلماته واظهار دعوته والشهادة له بالنبوة قرناً بعد قرن على رؤوس الأشهاد فى كل مجمع وناد ،فأين هذا من فعل احكم الحاكمين وارحم الراحمين فلقد قدحتم فى رب العالمين اعظم قدح وطعنتم فيه أشد الطعن وانكرتموه بالكلية ونحن لا ننكر أن كثيراً من الكاذبين قام فى الوجوه وظهرت له شوكة ولكن لم يتم أمر ولم تطل مدته بل سلط الله عليه رسله واتباعهم فمحقوا اثره وقطعوا دابره واستأصلوا شأفته.

هذه سنته فى عباده منذ قامت الدنيا وإلى أن يرث الأرض ومن عليها.

قال ابن القيم: فلما سمع منى هذا الكلام قال معاذ الله ان نقول أنه ظالم أو كاذب بل كل منصف من أهل الكتاب يقر بأن من سلك طريقه واقتفى اثره فهو من أهل النجاة والسعادة فى الاخري إلى آخر ما جاء فى هذه المناظرة".

فهذه القصة تدلك على صحة دعوة بهاءالله ودعوة الباب قبله كما تدلك على صحة دعوة محمد(صلعم) وليس ثمّ فرق بين دعوة بهاءالله ودعوة محمد(ص) فكما فعل محمد(ص) فعل بهاءالله غير أن التشريع الذى جاء به محمد (ص) جاء فيه القتال والحرب، والشرع الذى جاء به بهاءالله جاء فيه السلام العام ووضع الحرب كما اقتضته الحكمة الإلهية وقضته المشيئة الرحمانية.

والا فكما نسخ محمد(ص) الشرائع المتقدمة وأتى بشريعة جديدة وأحل الحرام وحرم الحلال وفرض الفرائض وحول الناس من الشريعة التى كانوا عليها إلى الشريعة التى جاء بها فكذلك فعل بهاءالله فكما أن ذلك الفعل كان دليلاً على صحة ما جاء به سيد يثرب والبطحاء خاتم النبيين(ص) كذلك هو دليل على صحة ما جاء به بهاءالله.

ونتابع معكم فى مقالنا القادم-براهين الطريق الثانى...فإلى لقاءنا................


Powered By Blogger