Friday, December 26, 2008

المراد من الخبز والخمر

المراد من الخبز والخمر

السّؤال: يقول حضرة المَسيح "إنّي أنا الخبز الذّي نزل من السّماء إن أكل أحد من هذا الخبز يحيا إلى الأبد"
[i] فما المقصود من هذا البيان؟
8- إنجيل يوحنّا، الأصحاح السّادس الآية 51.

الجواب: المقصود من هذا الخبز هو المائدة السّماويّة والكمالات الإلهيّة يعني أنّ كلّ من يتناول من هذه المائدة أي يكتسب من الفيوضات الإلهيّة ويقتبس من الأنوار الرّحمانيّة ويأخذ نصيباً من كمالاتي يحيا حياةً أبديّة.
والمقصود من الدّم أيضاً هو روح الحياة وتلك هي الكمالات الإلهيّة والجلوة الرّبانيّة والفيض الصّمدانيّ، لأنّ جميع أجزاء بدن الإنسان بواسطة جريان دورته تكتسب المادّة الحيويّة من الدّم، يقول في آية 26 من الأصحاح 6 من إنجيل يوحنّا "أقول لكم أنتم تطلبونني ليس لأنّكم رأيتم آيات بل لأنّكم أكلتم من الخبز فشبعتم" ومن الواضح أنّ الخبز الذّي أكله الحواريّون فشبعوا منه هو الفيوضات السّماويّة لأنّه يقول في آية 33 من الفصل المذكور "لأنّ خبز اللّه هو النّازل من السّماء الواهب حياة للعالم" ومعلوم أنّ جسد المسيح لم ينزل من السّماء بل نزل من رحم مريم وكلّ ما نزل من السّماء الإلهيّة هو روح المسيح، ولمّا ظنّ اليهود أنّ حضرته يقصد الجسد اعترضوا عليه كما ورد في الآية 42 من الأصحاح المذكور إذ قالوا
"أليسَ هذا هو يسوع بن يوسف الذّي نحن عارفون بأبيه وأمّه فكيف يقول هذا أنّي نزلت من السّماء" فانظروا كيف اتّضح أنّ مقصد حضرة المسيح من الخبز السّماويّ هو روح حضرته وفيوضاته وكمالاته وتعاليمه كما يبيّن في الآية 63 من الفصل المذكور "الرّوح هو الذّي يحيي أمّا الجسد فلا يفيد شيئاً"
إذاً اتّضح أنّ روح المسيح كانت نعمة سماويّة نازلة من السّماء، وكلّ من يستفيض من هذه الرّوح أي يأخذ من التّعاليم السّماويّة يجد حياة أبديّة، لذا يقول في الآية 35 منه "فقال لهم يسوع أنا هو خبز الحياة من يقبل إليّ فلا يجوع ومن يؤمن بي فلا يعطش أبداً" فلاحظوا كيف أنّه يوضّح الأكل بالإقبال والشّرب بالإيمان، إذاً صار من الواضح المحقَّق أنّ المائدة السّماويّة والفيوضات الرّحمانيّة والتّجلّيات الرّوحيّة والتّعاليم السّماويّة والمعاني الكليّة هي حضرة المسيح، والأكل عبارة عن الإقبال والشّرب كناية عن الإيمان حيث كان لحضرته جسد عنصريّ وهيكل سماويّ، فالجسد العنصريّ صُلِب وأمّا الهيكل السّماويّ فحيّ باقٍ وسبب
الحياة الأبديّة، الجسد العنصريّ كان طبيعة بشريّة والهيكل السّماويّ كان طبيعة رحمانيّة، سبحان اللّه قد يتصوّر البعض بأنّ خبز القربان هو حقيقة حضرة المسيح حلّ فيه اللاّهوت وروح القدس، مع أنّه عندما يؤكل القربان يصير فاسداً ويتغيّر بالكلّيّة بعد عدّة دقائق، فكيف يمكن إذاً تصوّروهم هكذا، أستغفر اللّه عن هذا الوهم العظيم.

وخلاصة المقال أنّ بظهور حضرة المسيح انتشرت تعاليمه المقدّسة التّي هي الفيض الأبديّ وسطعت أنوار الهداية وبذلت روح الحياة للحقائق الإنسانيّة، فكلّ من اهتدى صار حيّاً ومن ضلّ مات موتاً أبديّا، وذلك الخبز النّازل من السّماء هو الهيكل الملكوتيّ لحضرة المسيح وعنصره الرّوحانيّ وهو الذّي تناول منه الحواريّون ففازوا بالحياة الأبديّة، وقد تناول الحواريّون من يد حضرة المسيح أطعمة كثيرة فلماذا امتاز العشاء الرّبانيّ، إذاً صار من المعلوم أنّه ليس المراد من الخبز السّماوي الخبز العنصريّ، بل المقصود منه المائدة الإلهيّة والهيكل الرّوحانيّ لحضرة المسيح، وهي تلك الفيوضات الرّبانيّة والكمالات الرّحمانيّة التّي أخذ الحواريّون منها نصيباً حتّى شبعوا، وكذلك لاحظوا لمّا أن بارك حضرة المسيح الخبز وقال هذا جسدي ووهبه للحواريّين، كان حضرته موجوداً بينهم بشخصه وذاته وما استحال إلى خبز وخمر، ولو استحال إلى خبز وخمر لوجب بعد هذا أن لا يكون حضرة المسيح مجسّماً ولا مشخّصاً ولا معيّناً عند الحواريّين في ذلك الوقت.

إذاً اتّضح أنّ الخبز والخمر رمزان أراد بهما أن يقول أعطيت لكم فيوضاتي وكمالاتي وحيث أنّكم استفضتم منها فقد وجدتم حياة أبديّة وفزتم بحظّ من المائدة السّماويّة.

8- إنجيل يوحنّا، الأصحاح السّادس الآية 51.

Tuesday, December 9, 2008

يس لعالم الوجود بداية-مبدأ الإنسان


ليس لعالم الوجود بداية
مبدأ الإنسان

اعلم أنّ إحدى غوامض المسائل الإلهيّة هي أنّ هذا الكون الذّي لا يتناهى لا أوّل له، ولقد سبق بيان أنّ نفس أسماء وصفات الذّات
الإلهيّة تقتضي وجود الكائنات، ومع أنّ ما قد بيّنّاه كان مفصّلاً إلاّ أنّنا سنتكلّم عنه الآن ثانية باختصار.
فاعلم أنّه لا يمكن أن يتصوّر ربّ بلا مربوب، ولا يتحقّق وجود ملك بلا رعيّة، ولا معلّم بغير متعلّم، ولا يمكن وجود خالق بدون مخلوق، ولا يخطر بالبال رازق من غير مرزوق، لأنّ جميع الأسماء والصّفات الإلهيّة تستدعي وجود الكائنات، فلو نتصوّر أنّ الكائنات عامّة لم تكن موجودة وقتاً ما، فهذا التّصوّر إنكار لألوهيّة الله، وفضلاً عن هذا فالعدم المطلق غير قابل للوجود، فلو كانت الكائنات عدماً مطلقاً لما تحقّق الوجود، ولما كان وجود ذات الأحديّة أي الوجود الإلهيّ أزليّاً سرمديّاً يعني لا أوّل له ولا آخر، فلا بدّ وأنّ عالم الوجود يعني هذا الكون الذّي لا يتناهى لم تكن قطّ له بداية.
نعم قد يصحّ ويمكن أن يحدث وجود جزء من أجزاء الممكنات أي جرم من الأجرام أو أن يتلاشى، غير أنّ سائر الأجرام اللامتناهيّة تظلّ موجودة، فعالم الوجود أبديٌّ لا ينعدم، وحيث أنّ لكلّ جرم من هذه الأجرام بداية فلا بدّ له من نهاية، لأنّ كلّ تركيب سواء كان جزئيّاً أم كلّيّاً لا بدّ له من أن يتحلّل، وغاية ما هنالك هو أنّ بعض المركبات سريع التّحليل وبعضها بطيء التّحليل، فمن المستحيل أن يتركّب شيء وثمّ لا يتحلّل، إذاً يجب أن نعلم كيف كان كلّ موجود من الموجودات العظيمة في أوّل أمره، ولا مريَة أنّه في البدء كان الأصل واحداً ولا يمكن أن يكون اثنين، لأنّ مبدأ جميع الأعداد واحد لا اثنان، فالاثنان محتاجة إلى المبدأ. إذاً صار من المعلوم أنّ المادّة في الأصل واحدة، وتلك المادّة الواحدة تحوّلت في كلّ عنصر بصور مختلفة، ولهذا ظهرت صور متنوّعة، ولمّا ظهرت هذه الصّور المتنوّعة أخذ كلّ منها شكلاً خاصّاً وصار عنصراً مستقلاً، ولم يتحقّق استقلال العنصر ولم يتمّ تكوينه إلاّ بعد مدّة مديدة، ثمّ إنّ هذه العناصر تركّبت وترتّبت وامتزجت بصور غير متناهية، يعني ظهرت الكائنات الّتي لا تتناهى من تركيب وامتزاج هذه العناصر، وحصل هذا التّركيب والتّرتيب بحكمة الله وقدرته القديمة بنظمٍ طبيعيٍّ واحدٍ، ومن حيث أنّها تركّبت وامتزجت بهذا النّظم الطّبيعيّ في كمال الإتقان ومطابقة للحكمة تحت قانون كلّيّ، فمن الواضح أنّها إيجاد إلهيّ وليس تركيبها وترتيبها صدفة، لأنّ معنى الإيجاد أن يوجد من كلّ تركيب كائن، أمّا من التّركيب التّصادفيّ فلا يوجد أيّ كائن، مثلاً لو أنّ الإنسان مع عقله وذكائه يجمع عناصر ويركبّها فلا يمكن أن يوجد منها كائن حيّ، لأنّها أتت على غير النّظم الطّبيعيّ، وهذا جواب عن سؤال مقدّر وهو من حيث أنّ هذه الكائنات حادثة من تركيب وامتزاج هذه العناصر، فنحن أيضاً نجمع هذه العناصر ونمزجها لإيجاد كائن حيّ، فلو نتصوّر مثل هذا لكان هذا التّصوّر خطأ، لأنّ أصل هذا التّركيب تركيب وامتزاج إلهيّ على نظم طبيعيّ، وبذلك يوجد كائن ويتحقّق وجود، أما من التّركيب البشريّ فلا يحصل ثمر، لأنّ البشر لا يقدر على الإيجاد، والخلاصة أنّنا قلنا قد ظهرت الصّور والحقائق الّتي لا تتناهى والكائنات الّتي لا تنحصر من تركيب العناصر وامتزاجها وكيفيّتها وتراكيبها وموازينها وتأثير بعضها على بعض.
أمّا هذه الكرة الأرضية فمن الواضح أنّها لم تتكوّن دفعة واحدة على هيئتها الحاضرة، بل إنّ هذا الموجود الكلّيّ اجتاز أطواراً مختلفة بالتّدريج حتّى بلغ هذا الكمال، والموجودات الكلّيّة تقاس بالموجودات الجزئيّة وتطبّق عليها، لأنّ الموجود الكلّيّ والموجود الجزئيّ كليهما
تحت نظم طبيعيّ واحد وقانون كلّيّ وترتيب إلهيّ، مثلاً تجد الكائنات الذرّيّة ينطبق عليها في النّظام العامّ ما ينطبق على أعظم الكائنات، فمن الواضح أنّها تكوّنت في مصنع قدرة واحدة على نظم طبيعيّ واحد وقانون عامّ واحد، فلهذا يقاس بعضها ببعض، مثلاً إنّ نطفة الإنسان نشأت ونمت في رحم الأمّ بالتّدريج وأخذت صوراً من أطوار مختلفة حتّى وصلت إلى البلوغ في نهاية درجة من الجمال وتجلّت بهيئة كاملة في نهاية اللّطافة، وعلى هذا المنوال بذر هذه الزّهرة الّتي نشاهدها، فقد كان في بدايته شيئاً حقيراً في نهاية الصّغر ثمّ نشأ ونما في بطن الأرض ومرّ بصورٍ مختلفة إلى أن تجلّى بكمال الطّراوة واللّطافة في هذه الرّتبة. وكذلك من الواضح أنّ هذه الكرة الأرضيّة تكوّنت في رحم العالم، ونشأت ونمت ومرّت بصور وحالات مختلفة حتّى وصلت بالتّدريج إلى كمالها وزيّنت بمكوّنات غير متناهيّة وتجلّت في نهاية الإتقان.
إذاً اتّضح أنّ تلك المادة الأصليّة الّتي هي بمنزلة النّطفة كانت عناصرها المركّبة الممتزجة الأوّليّة موجودة، وهذا التّركيب نشأ ونما بالتّدريج في الأعصار والقرون، وانتقل من شكل وهيئة إلى شكل وهيئة أخرى حتّى بلغ هذا الكمال والنّظام والتّرتيب والإتقان بحكمة الله البالغة.
والآن فلنرجع إلى مسألة أنّ الإنسان في بدء الوجود نشأ ونما تدريجيّاً في رحم الكرة الأرضيّة كالنّطفة في رحم الأمّ، وانتقل من صورة إلى صورة ومن هيئة إلى هيئة حتّى تجلّى بهذا الجمال والكمال وهذه القوى والأركان، ويقيناً أنّه ما كان في البداية بهذه اللّطافة والجمال والكمال، بل وصل بالتّدريج إلى هذه الهيئة والشّمائل والحُسن والملاحة كنطفة الإنسان في رحم الأمّ، ولا شكّ أنّ النّطفة
البشريّة ما أخذت هذه الصّورة دفعة واحدة وما كانت مظهر قوله تعالى "فتبارك الله أحسن الخالقين"
[i]. لهذا أخذت حالات متنوّعة بالتّدريج وظهرت في هيئات مختلفة حتّى تجلّت بهذه الشّمائل وهذا الجمال والكمال والحسن واللّطافة، إذاً صار من الواضح المبرهن أنّ نشوء الإنسان ونموّه على الكرة الأرضيّة حتّى بلوغه هذا الكمال كان مطابقاً لنشوء الإنسان ونموّه في رحم الأمّ بالتّدريج وانتقاله من حال إلى حال ومن هيئة وصورة إلى هيئة وصورة أخرى، حيث أنّ ذلك تمّ بمقتضى النّظام العامّ والقانون الإلهيّ الكلّيّ، يعني تمرّ نطفة الإنسان بحالات مختلفة ودرجات متعدّدة حتّى ينطبق عليها قوله تعالى "فتبارك الله أحسن الخالقين" وتظهر فيها آثار الرّشد والبلوغ.
وعلى هذا المنوال كان وجود الإنسان على هذه الكرة الأرضيّة من البدء حتّى وصل إلى هذه الحال من الهيئة وجمال الأخلاق، بعد أن مضت عليه مدّة طويلة واجتاز درجات مختلفة، ولكنّه من بدء وجوده كان نوعاً ممتازاً.
كذلك نطفة الإنسان في رحم الأمّ كانت في أوّل أمرها بهيئة عجيبة، فانتقل هذا الهيكل من تركيب إلى تركيب ومن هيئة إلى هيئة ومن صورة إلى صورة حتّى تجلّت النّطفة في نهاية الجمال والكمال، ولكنّها عندما كانت في رحم الأمّ وفي تلك الهيئة العجيبة – الّتي تغاير تماماً ما هي عليه الآن من الشّكل والشّمائل – كانت نطفة نوع ممتاز لا نطفة حيوان، وما تغيّرت نوعيّتها وماهيّتها أبداً، وعلى فرض تحقّق وجود أثر لأعضاء تلاشت فإنّ هذا لا يكون دليلاً على عدم استقلال النّوع وأصالته، وغاية ما هنالك أنّ الهيئة والشّمائل والأعضاء الإنسانيّة قد ترقّت ولكنّها مع ذلك التّحوّل كانت نوعاً ممتازاً، وكان إنساناً لا حيواناً، مثلاً لو انتقلت نطفة الإنسان في رحم الأمّ من هيئة إلى هيئة بحيث لا تشابه الهيئة الأولى بأيّ وجه من الوجوه فهل يكون ذلك دليلاً على أنّ النّوعيّة تغيّرت بأن كانت في البداية حيواناً ثمّ نشأت أعضاؤها وترقّت حتّى صارت إنساناً!! لا والله.
والخلاصة إنّ هذه النّظريّة في غاية من الضّعف وواهيّة الأساس لأنّ أصالة نوع الإنسان واستقلال ماهيّته واضحة مشهودة والسّلام.(من مفاوضات حضرة عبد البهاء)

1- القرآن الكريم سورة المؤمنون الآية 14.

Monday, November 17, 2008

بشير السلام

بشير السلام

اشعيا 6:9:" لأنه يولد لنا ولد ونعطي ابناً وتكون الرياسة علي كتفه ويدعى اسمه عجيباً مشيراً إلهاً قديراً أباً أبدياً رئيس السلام"
ان حضرة المسيح ما أشار ابداً إلى نفسه انه " الاله القدير" أو "الآب الأبدي" ولم يدع انه "رئيس السلام" بل سمى نفسه ابن الله وقال بصورة خاصة.
لوقا 51:12:" أتظنون اني جئت لأعطي سلاما علي الأرض. كلا أقول لكم بل انقساما".
وعلي هذا فمن عبارة "رئيس السلام" التي ذكرها اشعيا لا تشير إلى السيد المسيح بل تشير إلى حضرة بهاء الله الذي دعا الأمم قائلا "قد أتي الآب وكمل ما وعدتم به في الملكوت . هذه كلمة كانت محفوظة خلف حجاب العظمة فلما أتي الوعد أشرقت من أفق المشيئة بآيات بينات" (من لوح البابا) وتفضل في مقام آخر "هذا هو الوالد الذي أخبركم به اشعيا ... افتحوا الأبصار يا ملأ الأحبار لتروا ربكم جالساً علي عرش العزة والاجلال" (من سورة الهيكل ) وإلى هذه النبوة التي تحققت بمجئ حضرة بهاء الله يشير الكتاب الأقدس:" هذا يوم فيه سرع كوم الله شوقاً للقائه ... قد أتي الوعد وظهر ما هو المكتوب في ألواح الله المتعالي العزيز المحبوب".
وسيعترف جميع العالم في النهاية برئاسة الآب السماوي للسلام ويقرون له بذلك وكل فرد يعرف حقيقة المسيح يستطيع عرفان بهاء الله الآب السماوي وقد قدم حضرة بهاء الله تعاليم إلهية بمقياس اعظم مما قدمه غيره سابقا وبتعيينه ولياً للأمر منع التحريف وتناقض التفسير وحفظ الأمر من الانقسام لمدة ألف سنة ومثل هذا لم يأت به أي دين من الأديان وقد تنبأ المسيح بهذا في الكلمات التالية:
يوحنا 25:16:" قد كلمتكم بهذا بأمثال ولكن تأتي ساعة حين لا أكلمكم أيضا بأمثال بل اخبركم عن الآب علانية.
26: في ذلك اليوم تطلبون باسمي ولست أقول لكم اني انا اسأل الآب من أجلكم
27: لأن الآب نفسه يحبكم لأنكم قد أحببتموني وآمنتم اني من عند الله خرجت".

فهلا نعتبر هذا قولاً أكيداً علي أن الآب نفسه له سلطان ومحبة وانه سيظهر علي الأرض ظهوراً يشبه ظهور الابن؟ واشعيا وقد عرف بظهور بشير السلام هذا العظيم قد تغنى منذ آلاف السنين بالأنشودة التالية ولنا اليوم ان نرافقه في ترنماته وشكره وثنائه ولدينا كامل المعرفة بما وهبنا بظهور كلمته علي الأرض ألا وهو التعاليم والارشادات الكفيلة بتأسيس الصلح الأعظم:
اشعيا 7:52:" ما أجمل علي الجبال قدمي المبشر المخبر بالسلام المبشر بالخير المخبر بالخلاص.
8: صوت مراقبيك يرفعون صوتهم ويترنمون معا لأنهم يبصرون عينا لعين عند رجوع الرب.
9: اشيدي ترنمي معا يا خرب اورشليم لأن الرب قد عزى شعبه فدى اورشليم .
10: قد شمر الرب عن ذراع قدسه امام عيون كل الأمم فترى كل أطراف الأرض خلاص آلهنا.
13: هوذا عبدي يقول يتعالي ويرتقي ويتسامي جداً".

Friday, October 31, 2008

خروج الدابة

خــروج الدابــة

علامات يوم القيامة كثيرة ومتباينة ما بين البشارة الحالمة بمجيء ملكوت الله وتأسيسه على الأرض إلى حد الإنذارات المخوفة لكل البشر0 لكن خروج الدابة التي تكلم الناس كانت وما زالت إحدى هذه العلامات المحيرة لعقول الناس على مر التاريخ الإسلامي والتي اجمع علي خروجها كل من القران والسنة المطهرة0
وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ }النمل82
اختلف المفسرون والعلماء فيما تراءى لهم فى وصفها ونعتها وشكلها ومهمتها فقالوا أنها ستكلم الناس الموجودين حين خروجها باللغة العربية وحتى تنبأوا فيما ستحكيه وتقوله هذه الدابة للناس أى لكفار مكة بأنهم (كانوا بآياتنا لا يوقنون) لا يؤمنون بالقرآن المشتمل على البعث والحساب والعقاب وبخروجها ينقطع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا يؤمن كافر كما أوحى الله إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن0
وأمر هذه المرويات والأقوال التى لا تستند إلى نصوص إلهية مؤكدة لا يترك مجالاً إلا للشك فيما حكوا عن شكلها ورسمها فهذا الإرسال أو الخروج ليس من قبيل التسلية بل لابد له من سبب يقتضى خروجها لحكمة يعلمها الله ومهمة لابد من أدائها على أكمل وجه0 فالله سبحانه وتعالى يأخذ كل الأمور بغاية الجدية فلا يعبث أو يلهو ولا يفعل شيئا من قبيل استعراض القوة أو القدرة وحذرنا الله سبحانه وتعالى من هذه الظنون فقال تعالى :
{لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْواً لَّاتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّا إِن كُنَّا فَاعِلِينَ }الأنبياء17
{وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ }الأنعام70
{الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هَـذَا وَمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ }
الأعراف51
والإنسان العاقل البصير بل المميز المتبصر فى حقائق الأمور يرى فى خروج الدابة أمرًا ذا بال يستحق التمحيص والسعي وراء حقائق تترى فى آيات القران الكريم وقارئ القرآن الكريم والباحث فى كلماته وآياته وإشاراته ودقة أسراره إنما يتوقف طويلاً عند شرح الشارحين.
فنتسائل معا لماذا – كما قال المفسرون - هى أو هو حيوان ذو شكل غريب لم تشهده الأرض من قبل ولن تشهده من بعد ، وربما كان سببهم أن يكون ذلك في حد ذاته معجزة للناس 0 ولكن لماذا هى دابة بمعنى انه حيوان يتكلم ؟ وبأية لغة وبأي أسلوب ولغات العالم ولهجاته لا نقول بالآلاف بل نكتفى بالمئات.
وقبل أن نحاول البحث فى هذه القضية الشائكة بلا شك اسمحوا لي أن أروى لكم حادثة من التاريخ سترسم البسمة على شفاهكم بكل تأكيد ولكن غرضى أن أوضح لكم من خلالها الفرق الشاسع ما بين مناهج تفكير الأجداد الاقدمين وبين طريقة التفكير والحكم على الأمور فى أيامنا هذه0 الحكاية أوردها احد الباحثين فى سجلات المحاكم فى العصور الوسطي ووجد الكثير من هذه الأمور نشرها تحت عنوان كتاب " محاكمة الحيوان فى القرون الوسطي " والقصة تقول أن هناك جماعة من الناس اتهموا ديك ( ذكر الدجاج ) اتهموه بأنه ساحر !!! وارجوا ألا تدهشوا أو تقولوا اننى اسخر من عقول حضراتكم بل هذا صحيح مائة فى المائة المهم أن الديك المتهم قدم للعدالة ووجدت المحكمة الموقرة أن الديك المتهم مذنب بالاشتغال بالسحر والهرطقة فحكمت المحكمة على الديك بالإعدام حرقا كعقوبة كل من يعمل كان بالسحر فى تلك الأيام 0 ولكن الطريف انه جاء فى حيثيات الحكم كما سجل القاضي العالم بمواد القانون وعلوم اللاهوت أنه حكم على الديك بالإعدام حرقا ليكون عبرة لغيرة من الديكه 0 ولابد أن بعضكم الآن يهز رأسه فى سخرية من مثل هذه الأفكار أو هذا الخرف الذي كان سائدا ويجرى مجرى الدم فى عقول الناس فى تلك الأيام 0فاذا ما اتفقنا الآن أن أفكارهم وأحكامهم كانت بالية فاسدة لا يمكن أن يحكمها منطق علمى أو عقل ناضج بل كانت على قدر مفاهيمهم القاصرة فارجوا أن ادعوكم الآن لنناقش هذا الموضوع – أى موضوع خروج الدابة – من جديد دون التقيد بمفاهيم السابقين بل كما يقال بلغة العصر – دون قيد أو شرط مسبق - ونحكم عليه من واقع مفاهيمنا المتحضرة وأفكارنا المنطقية التى استدلت وتفهمت ما وراء الكون والطبيعة , وعلومنا التقنية التى خبرت واكتشفت أسرار عالمنا المعاصر الذى جاب سماوات الفضاء المتناهى فى علوه ونزلت الى أعماق المحيطات المتناهى فى اغواره0
ولنبدأ بالبديهيات والمسلمات المتعارف عليها فنقول إن كل من دَبَّ على الأرض بروح وحياة فهو دابة ، فالإنسان والحيوان والطير جميعها يعتبر دابة0 ورغم أن العلماء يعتبرون الإنسان حيوان إلا أن الله ميزه ومنحه سمة العقل والفهم والحِجَى وشَرَّفّه على كافة المخلوقات واختار منه الرسل والأنبياء والأوصياء والنقباء والنجباء والأتقياء وبقية سائر البشر على مختلف درجاتهم ومرتباتهم ولهذا اصطفى الرسل منهم واجتباهم.
وإذا كان خروج الدابة معجزة كما توقعنا – ولنحسن الظن فى مفهوم الاقدمين - فالمعجزة لا تكون إلا مما يستوعبه العقل ويجد القلب له دلالة على القدرة الإلهية لأنها من صنع الله على يد مختاريه من رسله وأنبيائه وخصوصا أن تلك المعجزة تتأتى وتتلازم مع نزول المهدي المنتظر وسيدنا عيسى عليه السلام0
والقرآن الكريم لم يقل لم يشر أى إشارة من بعيد او قريب عما إذا ما كانت هذه الدابة حيوانًا أو إنسانًا بل قال دابة ليترك للناس أن يفهموا ويعوا لأنه لو كانت كل الكلمات الآلهية سهلة وميسورة لما بقى إنسان لم يؤمن بالرسول اللاحق الجديد منذ آدم إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ولأصبح الدخول إلى ملكوت السموات بدون امتحان0
1. لذلك نعود وننظر ونتمعن فى قول الله تعالى
: كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ. [سورة البقرة:213].

ويقول أمير المؤمنين على بن أبى طالب كرم الله وجهه : "والله ليمحصن والله ليغربلن". فالامتحان وارد والاختبار لازم وهذه سنّة الله وهو ما حدث مع كل الرسل ومن الأزل وسيحدث أيضًا إلى الأبد. وإلا لما رأينا عند كل ظهور رسول جديد شرذمة قليلة مستضعفة هي التي تؤمن بينما عَيرَ المشركون رسولهم بقولهم ساخرين مستهزئين: فَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَرًا مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ. [سورة هود:27].

ولفظة الدابة فيما جاءت به الآيات البينات أحيانا مطلقة وعامة وان الدابة هى كل ما يدب على وجه الأرض من مخلوقات هوام وطير وحيوان وإنسان فهو دابة قوله تبارك وتعالى: وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاء إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ . [سورة النور:45]

وأيضًا قوله سبحانه: وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ [سورة هود:6]. إلى هنا كان الكلام عامًا
واحيانا جاءت محددة وخاصة ومنها ما يشير خاصة إلى روحانية الإنسان.
وأيضًا ما ورد فى سورة النحل قوله تبارك وتعالى:
وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِن دَآبَّةٍ وَالْمَلآئِكَةُ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ [سورة النحل:49].
كما جاء فى قول سيدنا هود مواجهًا المعترضين عليه والكافرين برسالته قوله عزت كلماته:
إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ [سورة هود:56]
وفى إشارة أكثر وضوحا أن المعنى بالدابة هنا هو الإنسان
قوله تعالى:
وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ. [سورة النحل:61].

والآية فى غاية الدلالة أن المعنى هنا بالدابة هو الإنسان والا فإذا كان الإنسان هو من ظلم وطغى فما ذنب الدواب كالحمير والبغال والآخرين ليأخذهم الله بذنب لم يرتكبوه 0وحيث تؤيد هذه الآية رحمة الله وحنانه على خلقه فى الأرض وأخذ الكل بيد الرحمة قبل النقمة وبالفضل قبل العدل وإنما يعطيهم الفرصة لكى يعرفوا الحق بأنفسهم0
ونقول إن من الأزل إلى وقت نزول القرآن الكريم على سيدنا أشرف المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم كان الرسل والأنبياء يتوافدون إلى الأرض تباعًا برسالاتهم للبشر أى للناس العقلاء الواعين المتفهمين المتفرسين المقدرين الذين يمكنهم أن يزنوا بالقسطاس المستقيم ويميزوا الحق من الباطل بما يعرض ليهم من كلمات فى كل عصر وزمان ولم نسمع أن دابة من الدواب من الخيل والبغال والحمير والجمال والشاه أو من الهوام والزواحف او من وحش العراء أو حتى من الفراش الناعم الرقيق – قد آمن وانضم إلى زمرة الموحدين الصادقين لأن الرسل لا يأتون إلا للعقلاء من بنى الانسان اى من أولاد آدم كما قال تعالى :
{يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }الأعراف35
لهذا ينطق الذكر الحكيم بالنطق البديع موجهًا مفهوم الناس إلى أن الدابة التى عناها وقصد الله ذكرها هى إنسان دون شكل ولكن بأسلوب منطقى لا يفهمه إلا من نقّب وبحث وتعب ليصل إلى الفهم الحقيقى ووجّه القلب والروح بكله وذاته إلى الله بوجه خاضع خاشع منكسر متذلل سليم فتوالت الآيات الإلهية لتكشف بكل جلاء ووضوح هذه المعاني الخفية قوله تبارك وتعالى
:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ [سورة الأنفال:20].
وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ. إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ. وَلَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ [سورة الأنفال:21، 22، 23].
ويؤكد ذلك قوله سبحانه وتعالى:
إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللّهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ. الَّذِينَ عَاهَدتَّ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لاَ يَتَّقُونَ. [سورة الأنفال:55، 56].

ولكن هل يعنى ذلك أن تلك الدابة التى ستكلم الناس جميعا هي إنسان عادى مثلنا أم إنسانًا كاملاً مختارًا رسولاً مؤيدًا منزهًا له القدوة والقوة والسلطان والغلبة عل كل من حوله ولو كانوا سكان الأرض جميعًا 0
ونقترب حثيثا إلى المعنى المجرد الروحي العميق الذى يتكشف على مهل فى آيات الله قوله تباركت أسماؤه:
حم تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَابَّةٍ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ . [سورة الجاثية:1: 4].

وفى الآية الأخيرة وفى خلقكم أى الإنسان وما يبث الله من دابة هي آية لقوم يوقنون أى يوقنون بآيات الله فما هي يا ترى الآية المعنية التي يبثها الله للقوم الموقنون 0
ونتأمل مرة أخرى آيات القران الكريم فقال تعالى موجها كلماته إلى سيدنا موسى ( ع) :
{فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ }يونس92 وكذلك جعل سيدنا عيسى عليه السلام وأمه مريم العذراء آية
{قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْراً مَّقْضِيّاً }مريم21

{وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ }الأنبياء91

{وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ }المؤمنون50

وبناءً على ما قدمناه من آيات بينات وضحت معنى الدابة والدواب فإننا اقول إن الدابة التى تظهر فى آخر الزمان أو فى القيامة أو فى يوم البعث ما هو إلا المهدى أو المسيح

{رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفاً مُّطَهَّرَةً }البينة2

وإنسان كامل معصوم مبعوث من الله الواهب المعطى ليكلم البشرية عامة

{وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ }ق41

ووهب الكلمة التى بواسطتها يمتاز ويرتفع ويتغلب بها على معارضيه، ووهب التنزيل والوحي الذى يستعلى به على غيره من الناس ومنح الحجة

{فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ }البينة3ا

التى يدفع بها معارضيه ودفعت إليه كل قوى السماء في هذا الجسم البشرى النقى الشفاف الممرد المعصوم
.

Sunday, October 12, 2008

تحري الحقيقة

تحري الحقيقة
متّى 1:25:" حينئذ يشبه ملكوت السموات عشر عذارى اخذن مصابيحهن وخرجن للقاء العريس
2: وكان خمس منهن حكيمات وخمس جاهلات ".
8:" فقالت الجاهلات للحكيمات اعطيننا من زيتكن فإن مصابيحنا تنطفئ
9: فأجابت الحكيمات قائلات لعله لا يكفي لنا ولكن بل اذهبن للباعة وابتعن لكُنَّ".
13:" فاسهروا اذا لأنكم لا تعرفون اليوم ولا الساعة التي يأتي فيها ابن الانسان"
متّى 8:23:" واما انتم فلا تدعوا سيدي لأن معلمكم واحد المسيح وانتم جميعا اخوة
9: ولا تدعوا لكم اباً علي الأرض لأن اباكم واحد الذي في السموات
10: ولا تدعوا معلمين لأن معلمكم واحد المسيح
11: واكبركم يكون خادما لكم
12: فمن يرفع نفسه يتضع ومن يضع نفسه يرتفع".

ان هذا التعليم يوافق المبادئ البهائية ولو انه لا يتفق والعادات المألوفة الجارية اذ يقرر بأن لا يعتبر شخص نفسه ارفع من شخص آخر بأنه سيد أو أب أو معلم كما كان كذلك في الماضي لأن الرب وحده سيعلو في هذا اليوم . وحضرة بهاء الله يحث البشر علي أن يدركوا الكمالات المودعة فيهم ويعبروا تعبيرا اكمل عن النفس الحقيقية الباطنية التي تمتاز عن النفس المحدودة الظاهرية التي ليست في الواقع الا الهيكل والتي هي في الغالب سجن للانسان الحقيقي ويتفضل في الكلمات المكنونة :
"يا ابن الوجود صنعتك بأيادي القوة وخلقتك بأنامل القدرة واودعت فيك جوهر نوري فاستغن به عن كل شئ لأن صنعي كامل وحكمي نافذ لا تشك به ولا تكن فيه مريبا".

"يا ابن الروح خلقتك غنياً كيف تفتقر وصنعتك عزيزاً بما تستذل ومن جوهر العلم اظهرتك لم تستعلم عن دوني ومن طين الحب عجنتك كيف تشتغل بغيري فارجع البصر اليك لتجدني فيك قائما قادراً مقتدراً قيوماً" (من الكلمات المكنونة العربية)

والحياة التي يدعو حضرة بهاء الله اتباعه اليها هي في الواقع على شأن من النبل بحيث لا يمكن ان يوجد في عالم الامكان أسمى وأجمل منها وان ادراك الحياة الروحانية يعني ادراك الحقيقة العليا وهي اننا من الله واننا اليه سنعود وهذا الرجوع الي الله هو الهدف الأسمى لدى البهائي سواء أبلغه في الأرض أم في السماء وكلما وصلنا الهدف في أي اقليم بصورة أعجل كلما كان ذلك أحسن وان السبيل للوصول الي هذا الهدف هو الطاعة والحب لاصفياء الله الحاضرين والماضين.

"يا عبادي لو تعرفون بدائع وجودي وفضلي عليكم لانقطعتم بأنفسكم عن كل الأشياء ولعرفتم انفسكم عرفانكم نفسي ولرأيتم أنفسكم مستغنية عن كل ما سواي ولشاهدتم بأعينكم الظاهرة والباطنة بحور رحمتي وفضلي متموجة فيكم وظاهرة بكل وضوح ظهور اسمى الفياض" (مترجم عن الفارسية من كتاب منتخباتي از آثار حضرت بهاء الله ص 210 رقم 153)

"قل إن دليله نفسه ثم ظهوره ومن يعجز عن عرفانهما جعل الدليل له آياته وهذا من فضله علي العالمين وأودع في كل نفس ما يعرف به آثار الله ومن دون ذلك لم يتم حجته علي عباده ان أنتم في أمره من المتفكرين. انه لا يظلم نفساً ولا يأمر العباد فوق طاقتهم "وانه لهو الرحمن الرحيم". (من كتاب منتخباتي از آثار حضرت بهاء الله ص75 رقم52)

"... أن افتحوا أبصاركم لتشهدوها (الشمس التي استضاءت عن أفق مشية ربكم) بعيونكم ولا تعلقوا أبصاركم بذي بصر لأن الله ما كلف نفساً إلا وسعها وكذلك نزل في كل الألواح علي النبيين والمرسلين..." (من كتاب منتخباتي از آثار حضرت بهاء الله ص76 رقم 52)

"ان أول الالطاف التي منحها الإله القدير للانسان هي موهبة الادراك. ولم يكن مقصوده تعالى من هذه الموهبة الا ان يمكِّن مخلوقاته من عرفان الله تعالى وهذه المنحة تهب المرء قوة البصيرة لمشاهدة الحقيقة في جميع الأشياء وترشده الي الحق وتساعده علي اكتشاف اسرار الخلقة والتكوين . وتأتي بعدها في المنزلة موهبة البصر وهي أول واسطة يستطيع بها الادراك ان يقوم بعمله. وحواس السمع والقلب وما شابهها يمكن حسابها كذلك في عداد المواهب التي وهبها الله لجسد الانسان. تعالى الذي خلق هذه القوى واظهرها في جسد الانسان ... وأبرز موهبة من هذه المواهب هبة لا يعتريها الفناء بل تخص الله نفسه ألا وهي موهبة التجلي الالهي وكل موهبة أخرى مادية أو روحانية يمنحها الخالق للانسان ثانوية بالنسبة لهذه الموهبة وهي في ذاتها الخبز الذي ينزل من السماء وهو مستمر في نزوله الي أبد الآباد. وهي الدليل الأعلى علي ذاته سبحانه وتعالى والبرهان الأتم علي حقيقته وآية موهبته التي لا تفنى ومنحه عنايته وبرهان شفقته ورمز فضله الجزيل ومن عرف مظهره في هذا اليوم فقد شارك في فضله العظيم . أن أشكر ربك بهذا الفضل العظيم وقل لك الحمد يا مقصود العارفين".
(مترجم عن الفارسية من كتاب منتخباتي از آثار حضرت بهاء الله ص127-128 رقم95)
"يا عبادى لوتطلعون على بدائع جودي وفضلي التى أودعتها فى أنفسكم لتنقطعن عن جميع الجهات ولتصلن إلى عرفان أنفسكم وذلك عين عرفاني ولتستغنن عن غيري ولتشهدن طمطام العناية وقمقام المكرمة فيكم بأعينكم الظاهرة والباطنة ظاهراً ظهور الشمس المشرقة".

"مزّق باسمي الحجب التي منعتك عن مشاهدة الأنوار وشتت بقوة ايمانك بوحدانيته اصنام الوهم والخيال... لو يجتمع أهل الأرض كلهم في هذا اليوم في محضر الله ويسأل أحدهم" لم كفرت بجمالي واعرضت عن وجهي" ويجيب" ان الكل قد اعرضوا وما توجه احد بوجهه الي الحق فاتبعتهم فحرمت عن عرفان الجمال القديم" فان حجته هذه تكون مردودة لأن ايمان كل شخص لا يتوقف علي ايمان ما سواه" (مترجم عن الفارسية من كتاب منتخباتي از آثار حضرت بهاء الله ص97-98 رقم75) "
انه قال تعاليا لأجعلكما صيادي الانسان واليوم نقول تعالوا لنجعلكم محيي العالم كذلك قضي الحكم في لوح كان من قلم الأمر مسطورا"(من لوح البابا).
وينتظر من كل بهائي ان يقوم بنصيبه في تبليغ أمر الله اضافة الي حرفته التي يكتسب بها قوت عيشه وبهذه الوسيلة يستطيع أن "يحيي العالم" فبولس الرسول كان يحصل على قوته من عمل الخيام وكان المسيح نجارا وبطرس سماكا وكذا لا نجد في البهائية حرفة الكهنوت ولكنه قد يسمح للبهائيين في بعض الأحيان أن يتبرعوا للمبلغ البهائي بمصاريف اسفاره ونفقاته. وقد كان الكهنوت في السابق ضروريا لأن الناس كانوا أميين جهلاء يعتمدون علي رجال الدين في الوعظ والارشاد والقضاء وغير ذلك ولكن الزمان قد تبدل الآن فصارت المعارف شائعة وحينما ستنفذ تعاليم حضرة بهاء الله سينال كل ولد وبنت حظاً وافراً من التربية والتعليم وسيستطيع كل فرد أن يدرس الصحف المقدسة بنفسه لنفسه ويرتشف ماء الحياة بنفسه من منبعه الأصلي وليس في نظام الادارة البهائي طقوس مفصلة وتقاليد تتطلب عبادات خاصة وقد أنيطت ادارة الشؤون العدلية بسلطات أسّست لهذه الغاية.
ووجود المعلم ضروري للطفل ولكن هدف المعلم الصحيح يجب ان يكون ابلاغ التلميذ الي المنزلة التي فيها يستغني عن المعلم فيرى الأشياء بعينيه ويسمع بأذنيه ويفهم بعقله وهكذا الأمر في طفولة الجنس البشري فقد كان الكاهن ضروريا لكن عمله الحقيقي هو أن يمكن البشر من العمل بدونه. فالآن انتهى عمل الكاهن ويكفي البشر ظهور الآب السماوي ليجعلهم أغنياء عن دون الله فيتوجهون الى مظهره رأسا طلبا للهداية والعرفان وعندما يتوجه الكل إلى مركز واحد لن يكون هناك فوضى أو أغراض متعارضة وكلما انجذب الكل الى المركز كلما اقتربوا من بعضهم أيضا.
اشعيا 8:52:" صوت مراقبيك يرفعون صوتهم يترنمون معا لأنهم يبصرون عينا لعين عند رجوع الرب".

(من كتاب- ملكوت الآب السماوي)

Wednesday, October 1, 2008

تحقق الوعد وظهر الموعود-دكتور نبيل حنا


علامات المجئ

تحتوى الكتب المقدّسة على آيات عديدة بخصوص ظهور الموعود. ففى كلٌ من التوراة والإنجيل والقرآن علامات يمكن فهمها ظاهريًا كما هى، وعلامات باطنية يجب التفكّر والتمعّن فيها. من بين هذه العلامات،نجد نبوءات بتغيّرات في الكواكب والأبراج، كوارث طبيعيّة، زلازل، مجاعات، أمراض، انتشار الفسق والتدنى الأخلاقي، العجرفة، الظلم والشر، إنتشار المسيحية في جميع أنحاء العالم، عودة اليهودإلى أرض الميعاد، انتشار الثقافة والعلم في جميع أنحاء المعمورة. يصبح الدين لفظاً ، ويصيب البؤس شعوبٍ الأرض على يد حكّامها. وتهجر المرأة المرضعة رضيعها، وتضع كل حامل حملها ، ويهجر الإنسان أخيه وأمه وأبيه وزوجته وأولاده، ويصاب الإنسان بالقلق والهم والغم.
وبالرغم من وضوح هذه العلامات ، إلا أن هناك علامات آخرى يجب النظر إليهاروحانياً. فمثلاً، كان اليهود ينتظرون تحقق جميع علامات مجئ السيد المسيح المذكورة في التوراة حرفيًا. ولكن هل إظلمّت الشمس أو تحوّل القمر إلى دمٍ؟ إذا فرضنا أن هذه النبوءات سوف تتحقق حرفيًا هذه المرة و’الشَمس والقمر يظلمان‘ و’النجوم تتساقط من السماء وقوّات السموات تتزعزع‘ فإذا حدث ذلك حرفيًا فكيف يمكننا بعد ذلك أن نرى ’ابن الإنسان آتيًا على سحاب السماء بقوّةٍ ومجدٍ عظيم‘. هل من الممكن أن يبقى أي إنسان حي بعد اظلام الشمس والقمر وتساقط النجوم وتزعزع قوّات السماء؟ كما نعلم اليوم أن بعض النجوم هي أكبر بآلاف وملايين المرّات من الكرة الأرضية, فإذا إقترب نجم واحد فقط من الكرة الأرضية لدمّرت الأرض كلها من اقتراب هذا النجم، فما بالك بتساقط النجوم؟ إن المكان الوحيد الذي يمكن تمثيل هذه الأحداث فيه هو في استديوهات هوليود، إذا أردنا أن نعيش في عالم الخيال
!.
أيضاً، نقرأ فى الإنجيل المقدس: ’لا يأتي ملكوت الله بمراقبة. ولا يقولون هو ذا ههنا أو هو ذا هناك لأن ها-هو ذا ملكوت الله داخلكم‘. فكيف يكون ممكنًا أن توصف بعض الآيات مجئ ملكوت الرب بعد اظلام الشمس والقمر وتساقط النجوم، وآية أخرى تقول أن ملكوت الله لا يأتي بمراقبة، وتقول الآية نفسها أن ملكوت الله ’داخلكم‘! ومن المحير أن آية أخرى تقول أن الرَّبِّ ’سيأتي كلصٍّ في الليل‘. أي سيكون مثل مجيء لص للمنزل ولا علم لصاحب المنزل بوجوده. من الواضح أن هذه الآيات لها معانيها الروحانية وأن الموعود سيكون في العالم ’داخلكم‘ كما كان الحال مع المظاهر الإلهية السابقة في العصور الماضية –فلم يكن معظم البشر على علم بظهور الموعود. أن اليوم الموعود من أعظم الأيّام ولكن الناس فى غفلة عنه ولا علم لهم بعظمة هذا اليوم ، ستستمر الشمس في الاشراق والغروب يومًا بعد يوم ويبقى القمر والنجوم لامعة في أبراجها.

توضح لنا الكتب البهائيّة المقدسة أن العلامات والرموز الخاصة بالموعود لها معانيها الخاصة وأن جميع هذه النبوءات قد تحققت، يقول حضرة بهاءالله: لَقَدْ قَامَ الْيَوْمَ عِيدٌ عَظِيمٌ فِي الْمَلأِ الأَعْلَى إِذْ ظَهَرَ كُلُّ مَا وُعِدَ بِهِ فِي الْكُتُبِ الإِلَهِيَّةِ. وَهُوَ يَوْمُ الْفَرَحِ الأَكْبَرِ. يَجِبُ عَلَى الْكُلِّ أَنْ يَقْصِدُوا بِسَاطَ الْقُرْبِ بِكَمَالِ الْفَرَحِ وَالنَّشَاطِ وَالسُّرُورِ وَالانْبِسَاطِ. وَيُنَجُّوا أَنْفُسَهُمْ مِنْ نَارِ الْبُعْدِ. [محموعة من ألواح حضرة بهاءالله نُزِّلت بعد الكتاب الأقدس، ص 96).

وكما نعلم، أن المِحَنْ والآلام المحيطة بالعالم اليوم لم تنتهي بمجئ الموعود، بل أنها في إزدياد وستستمر فى الإزدياد يوماً بعد يوم، وذلك بسبب إعتراض البشر ومعارضتهم لتعاليم حضرة بهاءالله، المظهر الإلهي لهذا العصر، وتمسّكهم بتعاليم غير ملائمة لتعاليم العصر الجديد، مثل ماكان في العهودٍ السابقة،فى تمسك البشر بالموروثات ورفضهم التعاليم الجديدة المنزلة. كما يقول القرآن الكريم: وما كنّا معذّبين حتّى نبعث رسولاً [سورة الإسراء 17: 15]. وبسبب غفلة البشر ستستمر الشدائد والرزايا، يتفضل حضرة عبد البهاء: اعلم أن الشدائد والرزايا سوف تزداد يوماً بعد يوم وسوف يبتلى الناس بالبؤس والنكبات وتغلق أبواب السرور والراحة والاطمئنان من جميع الجهات وتقع حروب مهيبة ويحيط اليأس والقنوط بجميع الخلق إلى درجة يضطرون فيها إلى التوجه إلى الله. حينذاك تنير أنوار السعادة جميع الآفاق وترتفع صيحات "يا بهاء الأبهى" من جميع الأطراف والأكناف"(منتخبات من كتاب بهاءالله والعصر الجديدص299) ، ويتفضل حضرة بهاءالله: "وستتأزّم الأمور، وتشتدُّ إلى درجة ليس من المجدي شرحها الآن". [بهاءالله، ’منتخباتي از آثار حضرة بهاءالله‘ ص 83]. ويتفضل حضرته أيضًا: ’واذا تمّ الميقات يظهر بغتةً ما يرتعد به فرائص العالم اذاً ترتفع الاعلام و تغرّد العنادل علی الأفنان‘ [بهاءالله، ’منتخباتي از آثار حضرة بهاءالله‘ ص 83].

Friday, September 26, 2008

دين عالمي موحد

دين عالمي موحد

يوحنا 16:10:" ولي خراف أخر ليست من هذه الحظيرة ينبغي ان آتي بتلك أيضا فتسمع صوتي وتكون رعية واحدة وراع واحد".
لم تتحقق نبوات المسيح البديعة هذه تحققا تاما حتى جاء هذا القرن. ففي أثناء الدورة المسيحية او ما يسمى عصر البركة تعلمت الأمم والأجناس حياة المسيح ومبادءه واطلعت علي نبوات العهدين القديم والجديد ثم انتهى ذلك العصر فلم يبق الآن من مبادئ المسيح شئ لدى المسيحيين .وقد أرسل الله أنبياءه ومعلميه للانسانية تباعا كما تشهد بذلك كل الكتب المقدسة وهس سواء أكانت تعود الي الكليميين أو الي المسيحيين أو البوذيين، أو الزردشتيين أو المسلمين متطابقة مع بعضها وعلي وئام واتفاق. وقد صدق المسيح العهد القديم وبواسطته قبلت الأمم الوثنية العهد القديم وهكذا سوى الطريق لكل الأمم والأجناس والأديان لتسير في سبيلها نحو فهم حقيقة كلمات حضرة بهاء الله الذي يعلمنا ان أساس جميع الأديان واحد وان الأرض ستكون فردوسا أبهى حالما يعترف المؤمنون بالله بحكمة أمره تعالى حين يأمرهم بأن يلقوا جانبا جميع التعصبات الدينية والجنسية والقومية ويتعاونوا في ظل الميثاق الذي قدمه الآب السماوي كما خبرت النبوات بذلك. فهلا يتحد أحباء الله بهذا الميثاق الذي قدمه الآب السماوي ووهبه لجميع العالم ويغضوا الطرف عن الانقسامات الموجودة منذ سابق العصور. ويوضح لنا ذلك حضرة بهاء الله بشكل أحسن حين يتفضل:" ومقصوده تعالى من اظهار نفسه الي البشر هو ان يكشف لهم عن تلك الجواهر المخزونة المكنونة في أنفسهم وجوهر دين الله في هذا اليوم هو ان يمنع العلائق الأرضية والعقائد الدينية المختلفة من ان تغذي شعور العداوة بين الناس فهذه المبادئ والأحكام وهذه النظم المحكمة البنيان قد جرت من منبع واحد وهي أشعة لنور واحد واختلافها عن بعضها يرجع سببه الي اختلاف مقتضيات العصور التي انتشرت فيها.
" يا اهل البهاء شدوا أواصر الهمة لعل تزول المنازعات والمجادلات المذهبية من بين أهل العالم. قوموا علي هذا الأمر العظيم الخطير حبا لوجه الله ولعباده. ان الضغينة والبغضاء المذهبية نار تشعل العالم واطفاؤها امر علي غاية من الصعوبة الا اذا قامت يد القدرة الالهية علي انقاذ الناس من هذا البلاء العقيم. ان البيان الالهي بمثابة المشكاة وهذه الكلمة بمثابة المصباح فيها وهي : يا أهل العالم كلكم أثمار شجرة واحدة وأوراق غصن واحد. سيروا بكمال المحبة والاتحاد والمودة والاتفاق. قسما بشمس الحقيقة ان نور الاتفاق كفيل بانارة جميع الآفاق يشهد بهذا ربك العليم" ( مترجم من لوح ابن الذئب ص10-11).

" ان الدين هو السبب الأعظم لنظم العالم واطمئنان من في الامكان وان ضعف اركان الدين صار سببا لقوة الجهال وجرأتهم. حقا أقول ان كل ما ينقص من علو مقام الدين يزيد في غفلة الأشرار ويؤول الأمر أخيرا الي الهرج والمرج" (من الكلمات الفردوسية).
متى 29:24:" وللوقت بعد ضيق تلك الأيام تظلم الشمس والقمر لا يعطي ضوءه والنجوم تسقط من السماء وقوات السموات تتزعزع".

ان هذا البيان لا يشير الي الشمس الظاهرية بل إلي ظلام شمس الحقيقة الروحانية كما هو حادث اليوم في كافة أنحاء العالم. ويعتبر أهل الأديان القمر رمزا للكنيسة. والمسألة هي هل ان القمر قد فقد قوة عكس النور واصبح معتما؟ وحينما تتزعزع قوة الدين يعبر عن ذلك بتزعزع "قوات السماوات" لأن الدين سماء للحقيقة. "انظروا الي تمدن أهل الغرب كيف أصبح سببا لاضطراب العالم ووحشيتهم حيث هيئت آلات جهنمية وتجلت في ابادة النفوس قسوة لم تر عين العالم شبهها ولم تسمع آذان الأمم نظيرها وان اصلاح هذه المفاسد القوية القاهرة مستحيل الا باتحاد أحزاب العالم في أمورها أو تتفق علي مذهب من المذاهب(مترجم عن الفارسية من الكلمات الفردوسية).
متى 7:24:" لأنه تقوم أمة علي أمة ومملكة علي مملكة وتكون مجاعات وأوبئة وزلازل في أماكن
8:ولكن هذه كلها مبتدأ الأوجاع
10: وحينئذ يعثر كثيرون ويسلمون بعضهم بعضا و يبغضون بعضهم بعضا
12: ولكثرة الإثم تبرد محبة الكثيرين
".
وتؤيد حالة العالم الحاضرة بكل وضوح حقيقة هذه الكلمات التي كتبت منذ ذلك العهد ومن تلك السنوات . فاهمال اوامر الدين وشيوع اللادينية قد اقترنا بفوضى ودمار علي أوسع مقياس وأشده هولا . وما أصدق كلمات حضرة بهاء الله التالية في تشخيص أمراض العالم سيما وهي تعيد الي ذاكرتنا نبوة حضرة المسيح بقوله"هذه كلها مبدأ الأحزان"

وقد شهد حضرة بهاء الله "بأن حيوية ايمان الناس بالله تموت في كل أرض ولا شئ غير دوائه المحيي يمكن ان يردها أو يبقي عليها. ومبدأ اللادينية يمتص حيوية المجتمع البشري فأي شئ غير اكسير ظهوره القوي يستطيع ان يطهره ويحييه"
وكتب حضرته كذلك" ان العالم في محنة وعناء ويزداد قلقه يوما قيوما وهو متوجه نحو الضلال والالحاد وسوف تزداد هذه النقطة وتشتد الي درجة لا يمكن الآن ذكرها.
" ولا نبالغ اذا قلنا اننا متوجهون الآن نحو قترة سوف يعتبرها المؤرخون في المستقبل فترة من أحرج الفترات في تاريخ النصرانية وقد سبق لبعض أبطال الدين المسيحي ان اعترفوا بخطورة الحالة التي تجابههم .وبشهادة ارسالياتهم التبشيرية كما لوحظ من نص التقارير الرسمية:" ان موجه من المادية تكتسح العالم"... وتجابه الكنيسة خطرا جديدا في ارض بعد أخرى وهجمات عدائية مصوبة قصدا. فمن روسيا السوفياتية تنتشر نحو الغرب شيوعية ضد الدين الي داخل اوروبا وامريكا وشرقا الي داخل ايران والهند والصين واليابان وهي نظرية اقتصادية مقادة قيادة خاصة نحو عدم الاعتقاد بالله وهي دين اللادينية ولها شغف وحماس في قيامها برسالتها هذه وهي تصوب حملتها اللادينية نحو أسس الكنيسة في بلادها كما توجه عداءها نحو الخط الأمامي للدين في الأقطار غيرالمسيحية ومثل هذا الهجوم المنظم الصريح اليقظ المصوب نحو الدين بصورة عامة والمسيحية بصورة خاصة شئ جديد في التاريخ. وهناك شكل آخر من المعتقدات السياسية والاجتماعية في بعض الأقطار لا يقل تعقلا وفطنة في عدائه المقصود نحو المسيحية الا وهو القومية ولكن القومية في مهاجمتها المسيحية علي خلاف الشيوعية ترتبط غالبا ببعض أشكال الدين القومي فترتبط بالاسلام في ايران ومصر وبالبوذية في سيلان في حين ان الكفاح في سبيل حقوق الشعب العامة في الهند مقترن ببعث واحياء لكلا الدينين الهندي والاسلامي" (مترجم عن تواقيع نظام حضرة بهاء الله العالمي ص181و182). ولا يشخص حضرة بهاء الله امراض العالم فحسب بل يرشد الأمم الي المنبع الذي يمكن ان يوجد فيه الدواء الحقيقي. والمسيح نفسه كذلك تنبأ بأنه سيكون هناك دواء ميسور بين ايدي اتباعه الذين" ينظرون الي الأعلى ويرفعون رؤوسهم" كما شهدت النبوة التالية بذلك:
لوقا 28:21:" ومتى ابتدأت هذه تكون فانتصبوا وارفعوا رؤوسكم لان نجاتكم تقترب".

وأي نجاة أيسر من النجاة التي قدمها لنا حضرة بهاء الله حين نصحنا متفضلا:-" يا أهل البهاء كل أمر من الأوامر المنزلة حصن لعالم الوجود" . (مترجم من كتاب المقتطفات ص35).
ويوضح هذا توضيحا أكثر فيتفضل :" اعلم ان العقلاء قد شبهوا العالم بجسم بشري فكما ان جسم الانسان يحتاج الي رداء يرتديه فكذلك جسم البشرية يحتاج الي ان يتزين برداء العدل والحكمة ورداؤه هو التجلي الالهي عليه".

فلا عجب ان انطفأ نور الدين في قلوب الناس نتيجة انحرافهم وضلالهم ولما نبذ الرداء الالهي المخلص لتزيين الهيكل البشري نبذا تاما لا عجب ان يظهر في الحال انحطاط محزن في مقدرات البشر يجر وراءه كل الشرور التي تقدر الأنفس الضالة الهائمة ان تظهره فانحراف الطبيعة البشرية عن الحق وتدني السلوك البشري وفساد وانحلال المؤسسات البشرية تظهر تحت تأثير هذه الظروف في أردأ المظاهر وأكثرها ثورة فقد انحط الخلق البشري وتزعزعت الثقة وارتخت اعصاب الانضباط الاخلاقي واخمد صوت الضمير البشري وخملت حاسة الخجل والحشمة وشوهت وحرفت الآراء الاخلاقية مثل الاخلاص والواجب والاتحاد والاستقامة بالأخذ والعطاء كما ويتلاشى بالتدريج كل شعور بالمسالمة والفرح والأمل والرجاء। وانا لنقر بأن هذه هي الحالة التي يقترب منها الأفراد والمؤسسات। فقد كتب حضرة بهاء الله ناعيا الورطة والوهدة التي تدنت اليها بشرية مخطئة بقوله:" لا يرى في الحقيقة نفسان متحدتان ظاهرا وباطنا بل ترى آثار النفاق في جميع الآفاق مع ان الكل قد خلقوا للاتحاد والاتفاق
(مترجم من لوح المقصود ص6)
وتفضل كذلك "الي متى هذه الغفلة؟ والى متى هذا الاعتساف؟ والى متى هذا الانقلاب والاختلاف؟ وفي الواقع ان ارياح اليأس تهب من جميع الجهات وتتزايد انقلابات العالم واختلافاته يوما فيوما
(من لوح المقصود ص18) .
وبالرغم من الأحوال التي تنبأ عنها المسيح بقوله" وحينئذ سيتهم كل واحد الآخر ويخونه ويبغض الواحد الآخر ويزدريه" أفليس من الصحيح انه" حينما ستتم هذه الأمور يقترب عهد خلاصكم" بعد ان اعطينا ضمانا كالضمان التالي:
"عما قريب سيأتي اليوم الذي فيه ستخترق انوار الوحدة الالهية الشرق والغرب علي شأن لا يستطيع انسان بعد ذلك ان يتجاسر علي انكاره والآن وضعت يد القدرة الإلهية أسس هذه الموهبة الكبرى وهذه المنحة العظمى وكل ما هو مكنون في هذه الدورة المقدسة سيتجلى تدريجيا لأن الساعة ساعة أول نموه والوقت صبح ظهور آياته. وقبل انتهاء هذا القرن سيتضح كيف ان الفيض كان عجيبا وكيف ان الموهبة كانت سماوية "(مترجم عن كتاب نظام حضرة بهاء الله العالمي ص111).

Wednesday, September 17, 2008

الأمة الوسط

الأمة الوسط

قال تعالى فى القران الكريم : {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً }البقرة143

ولكن ما معنى كلمة او اصطلاح الشهادة هنا فى تلك الاية وما معنى ان تكون الامة الاسلامية شهيدة على الناس ويكون الرسول شهيد عليهم

{إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ }المائدة44

اذن الشهادة هنا تعنى الاقرار بما جاء فى كتاب الله من اوامر واحكام فلا نكتم الشهادة وعدم تحريف المعانى والمقاصد والمفاهيم الالهية المراد من اوامر الله ونواهيه لنشترى بتحريف تلك الايات ثمنا قليلا من متاع الدنيا وزخرفها ورضا الناس والعامة واشعال حماسة الاتباع والسلطان وقطع ما امر الله به ان يوصل بين وحدة الاديان السماوية وطمس جوهر رسله ورسالات وقد حكم الله بان من يفعل ذلك " فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ " , وايضا " أُولَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ "

ولفظة وسط تفيد بين سابق ولاحق ولم تعنى باى حال ان الامة الاسلامية جاءت وسطية فى مكارم الاخلاق وعدم الغلو فى الدين والتدين كما حاول البعض تفسيرها0

وفى حديث صحيح للرسول الكريم صلوات الله عليه وسلامة يؤكد وسطية الامة الاسلامية بين الامم يقول : " القران فيه خبر من قبلكم وحكم ما بينكم ونبأ من بعدكم "

ويوثق القران الكريم هذا الحديث الشريف فيقول تعالى :

{أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وِأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ }التوبة70

وايات كثيرة تحكى نفس المعنى بنفس الكلمات كما فى سورة ابراهيم ايه 9 مثلا

وتعالوا حضراتكم نتأمل ونتدبر هذا الحديث الشريف وما جاء فى القران الكريم عن تاريخ تلك الامم السابقة الى توالت اليهم رسالات الله حاملة لهم الهداية والبشارة 0

{وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ }القصص80

ولكن الامم السابقة لم تنصاع للاوامر الالهية واستكبروا وعاندوا رسل الله فتوالت الانذارات الالهية لتلك الامم لمن رفض التسليم لله والانقياد لشرائعه0

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ }هود25

{إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ }الشعراء142

وحاول سيدنا هود عليه السلام ان يعطى مثلا قريبا ليروا بأم اعينهم عذاب الله وعقابة

{وَيَا قَوْمِ لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَن يُصِيبَكُم مِّثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ }هود89

الا ان تلك الامم لم تؤمن لرسل الله ولم تتعظ وتستفيد من الدروس والعبر التى ساقها الله اليهم فى ايات بلغت خمسة الاف اية لم تخلو منها سورة من سور القران

{قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذَّبِينَ }آل عمران137

وانا اتمنى من حضراتكم ان تتأملوا فى سكون وفى تمعن تلك الاية الشريفة وقد امرنا الله فى القران ان نتدبر اياتة بمعنى ان نتفهم المراد والقصد من ايات الله 0فاذا كان الاسلام هو اخر الرسالات الالهية ولن يحدث للمسلمين المؤمنين بالقران ما حدث للاقوام السابقة من تكذيب للرسل لانه كما يعتقدون انه لا رسول بعد سيدنا محمد فلماذا طلب الله منهم فى القران ان يسيروا فى الارض لينظروا عاقبة المكذبين وسيقول البعض انها عظة وعبرة 0 نعم هى عظة وعبرة ولكن ما اثر هذه العبر اذا لم تكن تخويف وترهيب من ذات المصير مصير الاولين البائس0

فما ارسل الله رسولا لقوم الا كانوا به يستهزئون ويكذبون وكأنها سنة من سنن الخلق او الخلق الانسانى0

{كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ }الشعراء105

{كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ }الشعراء123

{كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ }الشعراء141

{كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ }الحاقة4

وازداد الناس البشر العقلاء مع الاسف تكبرا وقسوة حتى قال الله متعجبا

{أَوَلَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ }يس77

والانكى والادهى انهم اجمعوا على حربهم للرسل واستمرأوا قتلهم وتكذيبهم وهنا كان لا بد من العقاب والجزاء الصارم لما اكتسبت ايدهم فدمر الله جمعهم وبدد شملهم0

{سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ }الحاقة7

{وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَاباً أَلِيماً }الفرقان37

{وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ }فصلت17 {وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى }النجم51

وكانت سنة الله ان تظل كل اثار هذه الاقوام شاهدا لايموت ولا يفنى فجعلهم الله احاديث وروايات تحكى وتتلى فى كل الكتب المقدسة لغيرهم من الامم اللاحقة0

{ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا كُلَّ مَا جَاء أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُم بَعْضاً وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْداً لِّقَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ }المؤمنون44

والمعنى المتبادر الى الذهن ان هناك امما سابقة جاء خبرها فى القران الكريم واوضح الله اثارها وما جرى عليها عندما رفضت واستكبرت على الله وعلى رسلة فحاق بهم سوء العذاب0

هذا ما كان من خبر من قبلنا فماذا عن نبأ الذين من بعدنا أى بعد المسلمين ؟

جاءت وتوالت انذارات الله الينا فى ايات القران بالبشارات والوعدود والانذارات تماما كما جاءت لمن قبلنا مهددة منذرة فقال تعالى فى ايات بديعة مذكرا ومحذرا الناس والمؤمنين فى منتهى الصراحة والوضوح بأنهم لا يتوقعوا من الله شيئا الا سنن الله التى جرت وصدقت على كل السابقين من البشر0

(َهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ) فاطر43

(فَهَلْ يَنتَظِرُونَ إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِهِمْ) يونس102

{قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذَّبِينَ }آل عمران137

ولقد رجوت حضراتكم ان تتأملوا تلك الآيات لان فيها نظر كبير ومعانى عظيمة وتحوى حكمة ربما اذا ما تدبرناها وتفهمناها تغير كثيرا من نظرتنا لهذا الكون0 فلماذا حكم الله باستمرار سريان سنن الاولين والغابرين علينا وخضوعنا لنفس القانون وعين الناموس القديم ؟ وفى رأى المتواضع ان هذه المساواة فى الاحكام بين خلق الله هى العدالة الالهية فى اروع صورها لانه لو حكم الله على الاولين بقانون ثم حكم على المحدثين بقانون اخر لحسبنا ان الله يكيل للناس بمكيالين ولما تساوت الموازين بين البشر ولذلك ظهرت الوحدانية الالهية فى وحدة ذلك المنهج الالهى العادل0

وايضا يأتى فى طيات كتاب الله القران ذلك التحذير الصريح 00 ذلك التحذير الذى لا يخص الماضى الذى انقضى وانتهى وحدة بل يشير الى المستقبل بكل تأكيد 0

( وَلاَتَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ) ال عمران105

ولم يتركهم الرسول عليه السلام يظنون ان هذا التحذير قد قصد به اقواما اخرين غيرهم فكان التحذير الصارخ فى حديث الرسول علية السلام ( والله لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراع بذراع حتى اذا دخلوا جحر ضب دخلتموه فقالو اليهود يا رسول الله قال فمن ! )

وفى آية لها دلالة لا يخطأها الوجدان ولا تعمى عنها البصيرة يقول تعالى :

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهاً }الأحزاب69 وهذه الاية فيها ثلاث مفاهيم

والذين كذبوا موسى كانت الأمة السابقة على مجيئه , فمنهم فرعون وهامان ومنهم من كان من المؤمنين برسالة يوسف علية السلام فاتهموا سيدنا موسى علية السلام بالكذب والكفر والسحر 000000 الخ

{وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ }الشعراء19

{قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى }طه63

ولكن الله اظهر براءته وجعله الأعلى ووجيها في الأرض وفى السماء 0والمعنى المستفاد من هذا التحذير الذي أطلقه القران الكريم – هو التحذير الواضح من إتباع سنن الأولين – بمعنى أن لا تكذب الأمة الإسلامية الرسول القادم إليها هو حضرة بهاء الله كما فعل السابقين لان الله سوف يظهر براءته من هذا التكذيب تماما كما فعل مع سيدنا موسى عليه السلام ويبرز مقامه العظيم 0 وإذا كان هناك مفهوم آخر لتلك الآية فلماذا قال الله لا تكونوا مثل تلك الأمة إذا لم يكن هناك رسول جديد ياتى 0 وأيضا تتوالى التحذيرات وتترى لمن له سمع فليسمع

وتتوالى ما ينتظره الناس من نبأ ما بعدكم كالغيث الهاطل0

فيقول الله (وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ }ق41 -42

ومعنى المنادى هو رسول من عند الله كما يوضحه القران الكريم في سورة آل عمران آية 193

{رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ }آل عمران193

اما كلمة الحق فوهو الحق الذي لا ريب فيه توضحه الآية 91 من سورة البقرة

{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرونَ بِمَا وَرَاءهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَهُمْ } البقرة91

ولا يصح ان نقول ان هذا الخطاب كان لليهود دون غيرهم فعندما يوجه الله الخطاب الى قوم من الاقوام لا يختص هذا الخطاب بهم وحدهم بل يكون خطابا يشمل كل الانسانية قديمها وحديثها ايضا فرحمة الله تعم وتشمل كل الناس والتحذير والتبشير لكل خلق الله دون تفرقة او تمييز فمثلا عندما عاتب الله سبحانه وتعالى رسوله قائلا:

{عَبَسَ وَتَوَلَّى أَن جَاءهُ الْأَعْمَى وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى }عبس1 – 3

فهل كان المقصود من هذا العتاب الرسول وحده أم هو ومن بعده الأمة بكاملها وكان الرسول عندما يرى شيئا ينكره من احد الناس وفرد بعينه لم يكن يوجه خطابه له وحدة بل كان يقول ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا فكان خطابة شاملا وعاما للمحيطين من حوله ودرسا وعظة لمن يأتوا من بعده 0

{قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً }الجن 26

ويجيب الله عنا عن هذا التساؤل قائلا ومؤكدا { إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ }الذاريات5

{فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُّكُرٍ }القمر6

{يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَت الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً }طه108

{مُّهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ }القمر8

وأيضا من الأمور التي تترقبها الناس نزول المهدي وعيسى عليهم السلام

{وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً }مريم33

وفى سور عديدة منها ال عمران والقيامة والاعراف ينتظرون بيان وتأويل القران لان الله اختص به علمه ووعد ببيان تأويلة

(وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ) آل عمران 7

(ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ) القيامة19

(هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ) الاعراف 5

وفى معانى ذلك التأويل الذى سيوضح لكل الناس فيما كانوا فيه يختلفون تتضح ارادة الله وهيمنه حيث

(يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ) الرعد35

وتفضل حضرة بهاء الله موضحا هذا المعنى فى سور ايوب متفضلا :

" قل أما نزل في الفرقان بقوله الحق كذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً وفسرتم هذه الآية بأهواء أنفسكم وكنتم موقناً معترفاً بما نزل بالحق لا يعلم تأويله إلاّ الله والراسخون في العلم... إذاً فسئل عنهم كيف يفسرون ما نزل من جبروت العزة على محمد عربياً وما يقولون في معنى الوسط لو ختم النبوة به فكيف ذكرت أمته وسط الأمم... وقالت اليهود تالله هذا الذي افترى على الله أم به جِنة أو كان مسحوراً. قالوا إن الله ختم النبوة بموسى... والذي يأتي من بعد يبعث على شريعتها... والذين أوتوا الإنجيل قالوا بمثل قولهم... قل قد بعث الله رسلاً بعد موسى وعيسى وسيرسل من بعد إلى آخر الذي لا آخر له بحيث لن ينقطع الفضل من سماء العناية يفعل ما يشاء ولا يُسئل عما يفعل وكلٌ عن كل شئ في محضر العدل مسئولاً." ( لوح أيوب ص 273 )0

والقصد أن البشرية وعدت بان هناك امة ستأتيهم بالبيانات مثل باقي الأمم ويحذرهم الله من رفضها والاستكبار على آياته وشرائعة التي جاءت مصدقة لما بين أيدي أتباع الأديان جميعا ومؤكدة بتواصل الرسالات واستمراريتها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وفى خلال تلك الساعات العصيبة سوف نرى كيف ذلك اليوم الذى فيه (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ) الزمر69

(يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ) النور25

{يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَت الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً }طه108

وساعتها تتضح سنة الله فى نصرة المؤمنين فينزع الملك ممن يشاء ويهبه لمن يشاء من عباده الصالحين

{قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء }آل عمران26

{ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ }البقرة251

وقضى وعد الله ان يجعل هؤلاء المؤمنين الائمة ويجعلهم الوارثيين فيستخلفهم فى الارض ويجعلهم وارثوا ملكوت الله0

{وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ }الأنبياء105

{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ }النور55

ويؤكد التوراة هذا المبدأ " انجيل متى اصحاح الحادى والعشرين اية 43 " لذلك اقول لكم ان ملكوت الله ينزع منكم ويعطى لامة تعمل اثماره "

وعلى هذه السنة جاءت ايضا الامة الاسلامية وعليهم ان يعوا المراد من كلمات الله تماما فقال تعالى مشيرا الى هذا المصير لكل امم الارض قائلا :

{وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأَرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ } يونس13 – 14


Powered By Blogger