Sunday, November 25, 2007

من لئالئ المعانى فى صدف الكلمات الإلهية والمفاهيم البهائية

(المعجزات وخوارق العادات)
(سؤال)
هل تفسر المعجزات المنسوبة الى حضرة المسيح
بحسب المعاني الظاهرية للالفاظ او ان لها معان اخرى وقد ثبت علميا ان حقائق الاشياء لاتتغير
وان جميع الكائنات خاضعة لقانون ونظام كلي
لا تتخلف عنه ابدا ولهذا لايمكن خرق القانون الكلي0
(الجواب)

ان المظاهر المقدسة الالهية هم مصدر المعجزات ومظهر الاثار العجيبة فكل امر مشكل وغير ممكن يصير ممكنا وجائزا بالنسبة اليهم لانهم بقوة خارقة للعادة يظهر منهم خارق العادة وبقدرة ما وراء الطبيعة يؤثرون في عالم الطبيعة ومنهم جميعا قد صدرت عجائب الامور ولها في الكتب المقدسة اصطلاح خاص في حين ان المظاهر لا يعلقون على تلك المعجزات ولا تلك الاثار العجيبة اية اهمية حتى انهم لا يريدون ذكرها لاننا لو اعتبرناها اعظم برهان على صدقهم لكان ذلك حجة وبرهانا بالنسبة لمن كان موجودا وشهد المعجزات دون سواه فمثلا لو تروى معجزات حضرة موسى وحضرة المسيح لشخص طالب للحقيقة غير مؤمن بهما فانه ينكرها ويقول قد رويت ايضا عن الاصنام اثار عجيبة بشهادة خلق كثير ودونت في الكتب وقد كتب البراهمة كتابا دونوا فيه الاثار العجيبة التي صدرت من براهما فيقول الطالب ايضا ومن اين نعرف صدق اليهود والنصارى وكذب البراهمة فكلاهما رواية وكلاهما خبر متواتر وكلاهما مدون في الكتب وكلاهما يحتمل الصدق والكذب وبمثل هذا يقال فيما ترويه الملل الاخرى فان صدق احدها لزم صدق الاخرين وان قبل احدها وجب قبول الباقين فمن اجل هذا لا تكون المعجزات برهانا وان صح ان تكون برهانا للحاضرين فلا يصح ان تكون حجة على الغائبين0اما اهل البصيرة في يوم الظهور فهم يعتبرون جميع شئون مظهر الظهور معجزات لانها تمتاز عما سواها ومادامت ممتازة فهي خارقة للعادة0
فحضرة المسيح رفع العلم الالهي امام من على الارض وقاومهم جميعا فريدا وحيدا بدون ظهير ولا نصير ولم يكن له جند ولا جيوش بل كان مضطهدا مظلوما ومع هذا ففي النهاية غلب الجميع ولو انه صلب في الظاهر فهذه القضية معجزة محضة لايمكن انكارها ابدا فلا حاجة بعدئذ الى برهان اخر يثبت احقية حضرة المسيح وليس للمعجزات الظاهرية اهمية لدى اهل الحقيقة فمثلا لو صار الاعمى مبصرا فانه في النهاية سيفقد بصره ثانيا عندما يموت ويحرم من جميع الحواس والقوى فلا اهمية اذا لابصار الاعمى اذ ان هذه القوة مصيرها ان تزول0 وكذلك مافائدة احياء جسم ميت
سيموت مرة اخرى0
اما الاهمية ففي اعطاء البصيرة والحياة الابدية اي الحياة الروحية الالهية لان هذه الحياة الجسمانية لا بقاء لها ووجودها عين العدم مثال ذلك ان حضرة المسيح يقول في جواب احد التلاميذ(دع الموتى يدفنون الموتى المولود من الجسد جسد هو والمولود من الروح فهو الروح) فلاحظوا ان تلك النفوس مع انها قد كانت احياء بالاجسام الا ان المسيح اعتبرها امواتا لان الحياة هي الحياة الابدية والوجود هو الوجود الحقيقي فمن اجل هذا لو ذكر احياء الموتى في الكتب المقدسة فالمقصود ان موتى الارواح يوفقون للحياة الابدية وكذلك لو ذكر ابصار العمي فالمقصود من هذا الابصار هي البصيرة الحقيقة وكذلك لو ذكر اسماع الصم فالمقصود حصول السمع الروحي والتوفق الى السمع الملكوتي وهذا ثابت بنص الانجيل حيث يقول حضرة المسيح (هؤلاء مثل الذين قال عنهم اشعياء (لهم اعين لا يبصرون بها ولهم اذان لا يسمعون بها وانا شفيهم) وليس المقصود من هذا ان مظاهر الظهور عاجزون عن اجراء المعجزات بل هم قادرون ولكن المقبول والمهم لديهم هوالبصيرة الباطنية والسمع الروحاني والحياة الابدية فعلى هذا ما جاء في اي موضع من الكتب المقدسة من ان اعمى صار بصيرا معناه انه كان اعمى الباطن وفاز بالبصيرة الروحانية او كان جاهلا فصار عالما او كان غافلا فصار متنبها او كان ناسوتيا فصار ملكوتيا وحيث ان هذه البصيرة والسمع والحياة والشفاء كلها ابدية لهذا كانت ذات اهمية والا فما اهمية الحياة الحيوانية وقواها وقدرها وحيثيتها التي هي كالاوهام تنتهي في ايام معدودة مثلا: لو اضيئ سراج مطفأ فأنه لا شك ينطفأ مرة اخرى اما نور الشمس فمضيئ دائما وذو اهمية0

(السؤال عن قيام المسيح بعد ثلاثة ايام)
(سؤال)
ما معنى قيام المسيح بعد ثلاثة ايام
(الجواب)

ليس قيام المظاهر الالهية قياما جسديا فجميع شئونهم وحالاتهم واعمالهم وتأسيساتهم وتعاليمهم وتعبيرهم وتشبيههم وترتيبهم عبارة عن امور روحية معنوية لا تتعلق بالجسمانيات مثلا: مسالة مجئ المسيح من السماء هذا المطلب مصرح به في مواضع متعددة من الانجيل حيث يقول(جاء ابن الانسان من السماء وابن الانسان في السماء وسيذهب الى السماء) وكما يقول في الاصحاح السادس من انجيل يوحنا اية 38 (لاني قد نزلت من السماء ) وكذلك في الاية الثانية والاربعين منه( وقالوا اليس هذا هو يسوع ابن يوسف الذي نحن عارفون بابيه وامه فكيف يقول هذا اني نزلت من السماء)وكذلك في انجيل يوحنا في الاصحاح الثالث في الاية الثالثة عشر يقول(وليس احد صعد الى السماء الا الذي نزل الى السماء ابن الانسان الذي هو في السماء) فلاحظوا انه يقول ابن الانسان في السماء والحال ان حضرته في ذلك الوقت كان على الارض وكذلك لاحظوا انه يقول صراحة (جاء المسيح من السماء) والحال انه اتى من رحم مريم وتولد جسم حضرته من العذراء: اذا اتضح ان المقصود من هذه العبارة التي يقول فيها جاء ابن الانسان من السماء امر معنوي لا ظاهري روحي لا جسماني 0 يعني وان كان حضرة المسيح تولد من رحم مريم ظاهرا ولكنه في الحقيقة قد اتى من سماء مركز شمس الحقيقة من العالم الالهي والملكوت الرحماني وحيث اتضح ان المسيح اتى من السماء الروحية والملكوت الالهي فالمقصود اذا من بقاء حضرته ثلاثة ايام في القبر ايضا امر معنوي لا ظاهري وكذلك قيام حضرته من بطن الارض ايضا امر معنوي وكيفيه روحانية لا جسمانية0وكذلك صعود المسيح ايضا الى السماء امر روحاني لا جسماني 0وفضلا عن هذا البيان فقد ثبت وتحقق علميا ان هذه السماء الظاهرة فضاء غير متناهي وفراغ خلاء تسبح فيه النجوم والكواكب التي لا عداد لها لهذا نقول ان قيام المسيح عبارة عن اضطراب الحواريين وحيرتهم بعد شهادة حضرته0 وقد خفيت واستترت حقيقة المسيح التي هي عبارة عن التعاليم والفيوضات والكمالات والقوة الروحية المسيحية مدة يومين او ثلاثة بعد استشهاد حضرته ولم يكن لها جلوة ولا ظهور بل كانت في حكم المفقود لان المؤمنين كانوا انفسا معدودة وكانوا ايضا مضطربين حائرين0فبقى امر حضرة روح الله كجسم لا روح فيه 0ولما رسخ حضرات الحواريين وثبتوا بعد ثلاثة ايام وقاموا على خدمة امر المسيح وصمموا على ترويج التعاليم الالهية واجراء وصايا المسيح والقايم على خدمة المسيح تجلت لهم حقيقة المسيح فظهرت فيوضاته وسرت روح الحياة في شريعته وظهرت تعاليمه واتضحت وصاياه يعني ان امر المسيح كان كجسم بلا روح فدخلته الحياة واحاط به فيض روح القدس هذا هو معنى قيام المسيح وقد كان قياما حقيقيا ولما لم يفهم القسس المعنى الانجيلي ولم يهتدوا الى رمزه قالوا ان الدين مخالف للعلم والعلم معارض للدين لان من جملة هذه المسائل مسألة صعود حضرة المسيح بجسمه العنصري الى هذه السماء الظاهرة وذلك مخالف للعلوم الرياضية 0 ولكن بعد ان تنكشف حقيقة هذه المسألة ويفسر هذا الرمز فانها لا تتعارض مع العلم باي وجه من الوجوه بل العلم والعقل يصدقانها ويؤيدانها.

(مسألة حلول روح القدس)
(السؤال)
مذكور في الانجيل ان روح القدس حلت في الحواريين فكيف كان ذلك وما معناه

(الجواب )
ان حلول روح القدس ليس كحلول الهواء في جوف الانسان بل هو تعبير وتشبيه لا تصوير وتحقيق0بل هو كحلول الشمس في المرآة يعني ظهور تجلي الشمس فيها فالحواريون بعد صعود حضرة المسيح اضطربوا واختلفت ارائهم وتشتت افكارهم ثم ثبتوا واتحدوا واجتمعوا في عيد العنصرة وانقطعوا وغضوا الطرف عن انفسهم وتركوا راحة هذا العالم ومسراته وفدوا باجسامهم وارواحهم في سبيل المحبوب وتركوا الاهل والاوطان واصبحوا بلا نلجأ ولا مأوى وذهدوا في كل شئ حتى نسوا ذواتهم فأتاهم التأييد الالهي وظهرت قوة روح القدس وغلبت روحانية المسيح واخذت محبة الله زمام انفسهم من ايديهم فتأيدوا في ذلك اليوم وتوجه كل واحد منهم الى جهة لتبليغ امر الله ونطق بالحجة والبرهان0اذا فحلول روح القدس عبارة عن انجذابهم بالروح المسيحي واستقامتهم وثباتهم حتى اكتسبوا من روح محبة الله حياة جديدة ورأوا حضرة المسيح حيا ومعينا وظهيرا اذ كانوا قطرات فصاروا بحورا وبغاثا فاضحوا عقاب السماء وضعافا فاصبحوا اقوياء فمثل هؤلاء كمثل المرايا قبالة الشمس فلا بد وان تسطع فيها انوارها واشعتها.
(سؤال)
(ماهو المقصود من روح القدس)
(الجواب)

المقصود من روح القدس هو الفيض الالهي والاشعة الساطعة من مظهر الظهور لان المسيح كان مركز اشعة شمس الحقيقة ومن هذا المركز الجليل اشرقت حقيقة المسيح بالفيض الالهي على سائر المرايا التي كانت حقائق الحواريين0والمقصود من حلول روح القدس على الحواريين هو ان ذلك الفيض الجليل الالهي تجلى وافاض على حقائق الحواريين والا فالدخول والخروج والنزول والحلول من خواص الاجسام لا الارواح0يعني ان الدخول والحلول للحقائق المحسة لا للطائف المعقولة فالحقائق المعقولة مثل العقل والحب والعلم والتصور والفكر ليس لها دخول ولا خروج ولا حلول بل هي عبارة عن العلاقة الروحية مثلا العلم الذي هو عبارة عن الصور الحاصلة لدى العقل هو امر معقول والدخول والخروج بالنسبة للعقل امر موهوم0 بل له تعلق حصولي كالصور المنطبعة في المرآة0وحيث ثبت بالبرهان انه ليس للحقائق المعقولة دخول ولا حلول فلاشك ان الصعود والنزول والدخول والخروج والمزج والحلول للروح القدس ممتنع محال0وغاية ماهنالك ان روح القدس كالشمس تجلت في المرآة وفي بعض مواضع من الكتب المقدسة تذكر الروح والمقصود منها الشخص كما هو مصطلح عليه في المخاطبات والمكالمات ان الشخص الفلاني روح مجسم وحمية ومروءة مشخصة فليس النظر في هذا المقام الى الزجاج بل الى السراج كما يقول في انجيل يوحنا عند ذكر الموعود بعد حضرة المسيح في الاية12من الاصحاح16(إن لي أمورا كثيرة ايضا لاقول لكم ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن واما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم الى جميع الحق لانه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به)فانظروا بدقة في هذه العبارة(لانه لايتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به)تجدوا ان روح الحق هذا هو انسان مجسم له نفس واذن تسمع ولسان ينطق وكذلك يطلق روح الله على حضرة المسيح مثلما تقول سراج ومرادك السراج مع الزجاج0

Sunday, November 18, 2007

من اللئالئ البهائية فى المعانى الإلهية

(في تعميد حضرة المسيح)

ورد في انجيل متى في الاصحاح الثالث في الاية الثالثة عشر(حينئذ جاء يسوع من الجليل الى الاردن الى يوحنا ليتعمد منه ولكن يوحنا منعه قائلا انا محتاج ان اعتمد منك وانت تأتي الي فأجاب يسوع وقال له اسمح الان لانه هكذا يليق بنا ان نكمل كل بر حينئذ سمح له 0
سؤال:فما احتياج حضرة المسيح الى غسل التعميد مع وجود كماله الذاتي وماهي الحكمة في ذلك؟

الجواب: اصل التعميد هو غسل التوبة وكان حضرة يوحنا ينصح النفوس ويوصيهم ويتوبهم ثم يعمدهم0اذا صار من الواضح ان الغسل رمز للتوبة من جميع الذنوب يعني اي رب كما تطهر جسمي وتقدس عن الاوساخ البدنيه كذلك طهر روحي وقدسها من اوساخ عالم الطبيعة
ومما لايليق بباب احديتك0 فالتوبة رجوع عن العصيان الى الطاعة فيتوب الانسان ويغتسل بعد البعد والحرمان اذا فهذا الغسل رمز يعني اي رب طهر قلبي وطيبه وزكيه وقدسه عن حب ماسواك0
ولما اراد المسيح اجراء سنة يوحنا هذه بين العموم في ذلك الزمان تعمد حضرته ليكون سببا في تيقظ الخلق وليكمل الناموس(اي الشريعة السابقة)والتعميد وان كان سنة يوحنا الا انه كان في الحقيقة غسل التوبة وكان جاريا في الشرئع الالهية وما كان المسيح محتاج لغسل التعميد غير انه لما كان هذا العمل مقبولا ممدوحا في ذلك الزمان وعنوان بشارة الملكوت اجراه حضرة المسيح ولكنه تفضل وقال فيما بعد(ليس التعميد بالماء العنصري بل يجب ان يكون التعميد بالماء والروح)وقال في موضع اخر(ان التعميد بالروح والنار)وليس المقصود بالماء هنا الماء العنصري لانه يصرح في موضع اخر(التعميد بالروح والنار)ومن هنا يعلم انه ليس الغرض من النار والناء العنصريين لان التعميد بالنار محال0اذا فالروح فيض الهي والماء علم وحياة والنار محبة النار بمعنى ان الماء العنصري لايكون سبب طهارة قلب الانسان بل يطهر جسمه فقط ولكن الماء السماوي والروح التي هي علم وحياة تطيب قلب الانسان وتطهره يعني ان القلب الذي ياخذ نصيبه من فيض روح القدس ويتقدس به يصير قلبا طيبا طاهرا 0
المقصود تطهير حقيقة الانسان وتقديسها من اوساخ عالم الطبيعة كالغضب والشهوة وحب الدنيا والتكبر والكذب والنفاق والتزوير وحب الذات وامثالها من الصفات القبيحة0 ولا سبيل لنجاة الانسان من حكم النفس والهوى الا بتأييدات فيض روح القدس كما يقول(من الواجب اللازم التعميد بالروح والماء والنار) ويعني بالروح الفيض الالهي وبالماء العلم والحياة وبالنار محبة الله ويجب ان يتعمد الانسان بالروح والماء والنار ليستفيض من الفيض الابدي 0والا فما ثمرة التعميد بالماء العنصري ولكن التعميد بالماء كان رمزا للتوبة والاستغفار من الخطايا والذنوب ولا لزوم لهذا الرمز في دور الجمال المبارك لان حقيقته التي هي التعميد بالروح ومحبة الله امر محقق ومقرر0


(ضرورة التعميد)
(وهل هو موافق ولازم ام لا)

سؤال: هل غسل التعميد موافق ولازم ام لا؟ فان كان موافقا ولازما كيف نسخ وان لم يكن كذلك فكيف اجراه يوحنا؟
الجواب: ان تطور الزمان وتغير الاحوال من اللوازم الذاتية للممكنات ولا انفكاك للزوم الذاتي عن حقيقة الاشياء ومثلا ان انفكاك الحرارة عن النار والرطوبة عن الماء والشعاع عن الشمس ممتنعا محال لان هذه لوازم ذاتية وحيث ان تغير الاحوال وتبدلها من اللوازم الذاتية للممكنات فكذلك تتبدل الاحكام ايضا تبعا لتغيرات الزمان ومثلا كانت الشريعة الموسوية في زمن حضرة موسى مناسبة لمقتضى الحال ولما تغيرت تلك الحال وتبدلت في زمن حضرة المسيح نسخت تلك الشريعة لانها اصبحت غير مناسبة ولا موفقة للعالم الانساني فأبطل حضرة الروح حكم السبت وحرم الطلاق ومن بعد حضرته حلل اربعة من الحواريين منهم بطرس وبولس لحم الحيوانات المحرمة في التوارة ماعدا لحم المنخنقة والدم وقرابين الاصنام ورنا وابقوا هذه الاحكام الاربعة ثم حلل بولص الدم والمنخنقة وذبائح الاصنام وابقى تحريم الرنا كما كتب في رسالته الى اهل رومية في الاصحاح 14 الاية14(اني عالم ومتيق في الرب يسوع ان ليس شئ نجسا بذاته الا من يحسب شيئا نجسا فله هو نجس ) وكذلك ذكر في الاية15 من الاصحاح الاول من رسالة بولس الرسول الى طيطوس ( كل شئ طاهر للطاهرين واما للنجسين وغير المؤمنين فليس شئ طاهرا بل قد تنجس ذهنهم ايضا وضميرهم) فكان هذا النسخ والتغيير والتبديل لان عصر المسيح كان مغايرا لعصر موسى بل لان الاحوال ومقتضاياتها قد تغيرت بالكلية ولذا نسخت كل الاحكام0 وحيث ان عالم الوجود بمثابة انسان وانبياء الله ورسله هم اطباؤه الحاذقون0ولا يبقى شخص الانسان على حالة واحدة بل تعتريه الامراض المختلفة ولكل مرض علاج مخصوص 0اذا فالطبيب الحاذق لا يعالج كل العلل والامراض بوسيلة واحدة بل يغير في العلاج والادوية بما يناسب الاحوال ومختلف الامراض0 فاذا اصيب هذا الشخص بحمى شديدة يضطر الطبيب الحاذق الى اعطائه ادوية باردة 0 واذا انقلب مزاج هذا الشخص في وقت اخر وتبدلت الحرارة بالبرودة يضطر الطبيب الحاذق الى استبدال الادوية الباردة بأدوية حارة 0وهذا التغيير والتبديل من مقتضيات حال المريض0ودليل جليل على حذق الطبيب0فانظروا مثلا هل من الممكن اجراء شريعة التوارة في هذا العصر والاوان لا والله 0 هذا مستحيل ومحال0اذا من الضروري ان تنسخ شريعة التوارة هذه في زمن المسيح ثم انظروا الى ان غسل التعميد في زمن يوحنا المعمدان فانه كان سبب تذكر النفوس وتنببها حتى يتوبوا من جميع المعاصي وينتظروا ظهور ملكوت المسيح0اما في هذه الايام فالكاثوليك والارثوذوكس بآسيا يعمدون الاطفال الرضع في الماء المخلوط بزيت الزيتون حتى ان بعض الاطفال يمرض من هذا العمل المتعب ويرتعشون في وقت التعميد ويضطربون وبعض القسس في جهات اخرى يرشون مياه التعميد على الجباه وليس للاطفال احساس روحاني من العمل الاول ولا من العمل الثاني باي وجه من الوجوه0اذا فما فائدة هذا العمل0 بل ان سائر الملل يتعجبون ويندهشون قائلين :لماذا يغطسون هؤلاء الاطفال الرضع في هذا الماء 0فلا هو تنبه الطفل ولا هو سبب ايمانه ولا خو سبب تيقظه بل هو مجرد عادة يجرونها0
اما في زمن يوحنا المعمدان فلم يكن هكذا بل كان حضرة يوحنا ينصح النفوس اولا ويدلهم على التوبة من الخطايا والذنوب ثم يشوقهم لانتظار ظهور المسيح وكان كل نفس عندما تغتسل غسل التعميد تتوب من الذنب بنهاية التضرع والخشوع وتطهر جسدها من الاوساخ الظاهرية ايضا وكانوا بالليل والنهار ينتظرون ظهور المسيح والدخول في ملكوت روح الله انا بعد ان بكمال الاشتياق0 والخلاصة ان تغير الاحوال وتبدل مقتضيات القرون والاعصار سبب لنسخ الشرائع لانه يأتي زمان تكون تلك الاحكام غير موافقة ولا مطابقة للاحوال فانظروا كم من تفاوت بين مقتضيات القرون الاولى والقرون الوسطى والقرون الاخيرة0فهل من الممكن الان اجراء احكام القرون الاولى في هذا القرن الاخير من الواضح ان ذلك ممتنع محال وكذلك لا تكون مقتضيات القرون الحالية موافقة للقرون الاتية بعد مضي قرون عديدة0 بل لابد من التغيير والتبديل فالاحكام في اوروبا في تغيير و تبديل متواصل فكم من احكام كثيرة كانت موجودة في قوانين اوروبا ونظمها في تالسنين السابقة قد نسخت الان 0فهذا التغيير والتبديل انما جاء من تغير الافكا وتبدل الاحوال والاطوار0وبدون ذلك تختل سعادة عالم البشر مثلا:من احكام التوراة حكم القتل لمن كسر السبت بل في التوراة عشرة احكام للقتل فهل من الممكن اجراء تلك الاحكام في هذه القرون0
من الواضح ان هذا ممتنع محال 0لهذا تغيرت وتبدلت وتغيير الاحكام وتبديلها دليل كاف على الحكمة البالغة الالهية0 فيلزم امعان النظر في هذه المسائل لان السبب واضح لائح طوبى للمتفكرين0

(ما المراد من الخبز والخمر)
(سؤال)
يقول حضرة المسيح
( اني انا الخبز الذي نزل من السماء
ان اكل احد من هذا الخبز يحيا الى الابد)
فما المقصود من هذا البيان؟
(الجواب)

المقصود من هذا الخبز هو المائدة السماوية والكمالات الالهية يعني ان كل من يتناول من هذه المائدة اي يكتسب من الفيوضات الالهية ويقتبس من الانوار الرحمانية ويأخذ نصيبا من كمالاتي يحيا حياة ابدية 0
والمقصود من الدم ايضا هو روح الحياة وتلك هي الكمالات الالهية والجلوة الربانيةوالفيض الصمداني لان جميع اجزاء بدن الانسان بواسطة جريان دورته تكتسب المادة الحيوية من الدم0يقول في اية 26 من الاصحاح6من انجيل يوحنا(اقول لكم انتم تطلبونني ليس لانكم رأيت ايات بل لانكم اكلتم من الخبز فشبعتم )ومن الواضح ان الخبز الذي اكله الحواريون فشبعوا منه هو الفيوضات السماوية لانه يقول في اية 33 من الفصل المذكور(لان خبز الله هو النازل من السماء الواهب حياة للعالم) ومعلوم ان جسد المسيح لم ينزل من السماء بل نزل من رحم مريم وكل ما نزل من السماء الالهية هو روح المسيح 0 ولما ظن اليهود ان حضرته يقصد الجسد اعترضوا عليه كما ورد في الاية42من الاصحاح المذكور اذ قالوا(اليس هذا هو يسوع ابن يوسف الذي كنا عارفون بابيه وامه فكيف يقول هذا اني نزلت من السماء) فانظروا كيف اتضح ان مقصد حضرة المسيح من الخبر السماوي هو روح حضرته وفيوضاته وكمالاته وتعاليمه كما يبين في اية 63 من الفصل المذكور(الروح هو الذي يحيا اما الجسد فلا يفيد شيئا)اذا اتضح ان روح المسيح كانت نعمة سماوية نازلة من السماء وكل من يستفيض من هذه الروح يعني يأخذ من التعاليم السماوية يجد حياة ابدية لذا يقول في الاية 35 منه(فقال لهم يسوع انا هو خبز الحياة من يقبل الي فلا يجوع ومن يؤمن بي فلا يعطش ابدا) فلاحظوا كيف انه يوضح الاكل بالاقبال والشرب بالايمان0 اذا صار من الواضح المحقق ان المائدة السماوية والفيوضات الرحمانية والتجليات الروحية والتعاليم السماوية والمعاني الكلية هي حضرة المسيح0والا كل عبارة عن الاقبال والشرب كناية عن الايمان حيث كان لحضرته جسد عنصري وهيكل سماوي فالجسد العنصري صلب واما الهيكل السماوي فحي باق وسبب الحياة الابدية الجسد العنصري كان طبيعة بشرية والعنصر السماوي كان طبيعة رحمانية:سبحان الله قد يتصور البعض بان خبز القربان هو حقيقة حضرة المسيح حل فيه اللاهوت وروح القدس مع انه عندما يتناول القربان يصير فاسدا ويتغير بالكلية بعد عدة دقائق فكيف يمكن اذا تصورهم كهذا0استغفر الله عن هذا الوهم العظيم0
وخلاصة المقال
: ان بظهور حضرة المسيح انتشرت تعاليمه المقدسة التي هي الفيض الابدي وسطعت انوار الهداية وبذلت روح الحياة للحقائق الانسانية فكل من اهتدى صار حيا ومن ضل مات موتا ابديا 0وذلك الخبز النازل من السماء هو الهيكل الملكوتي لحضرة المسيح وعنصره الروحاني هو الذي تناول منه الحواريون ففازوا بالحياة الابدية وقد تناول الحواريون من يد حضرة المسيح اطعمة كثيرة فلماذا امتاز العشاء الرباني0اذا صار من المعلوم انه ليس المراد من الخبز السماوي الخبز العنصري بل المقصود منه المائدة الالهية والهيكل الروحاني لحضرة المسيح وهي تلك الفيوضات الربانية والكمالات الرحمانية التي اخذ الحواريون منها نصيبا حتى شبعوا وكذلك لاحظوا لما ان بارك حضرة المسيح الخبز وقال هذا جسدي ووهبه للحواريين كان حضرته موجودا بينهم بشخصه وذاته وما استحال الى خبز وخمر ولو استحال الى خبز وخمر لوجب بعد هذا ان لا يكون حضرة المسيح مجسما ولا مشخصا ولا معينا عند الحواريين في ذلك الوقت0
اذا اتضح ان الخبز والخمر رمزان ارادا بهما ان يقول اعطيت لكم فيوضاتي وكمالاتي وحيث انكم استفضتم منها فقد وجدتم حياة ابدية وفزتم بحظ من المائدة السماوية0







Monday, November 12, 2007

من اللئالئ فى تبيين المعانى



(في بيان أن المعقولات لا سبيل لاظهارها وبيانها
إلا في قميص المحسوسات)

هناك مسألة لها دخل عظيم في ادراك المسائل التي نذكرها حتى نهتدي الى جوهر المسائل وتلك هي ان المعلومات الانسانية تنقسم الى قسمين: معلومات تدرك بالحس يعني ان الشئ الذي تدركه العين او الاذن او الشم او الذوق او اللمس يسمونه محسا0مثلا هذه الشمس تدرك بالحس لانها ترى فلهذا يقولون انها محسه وكذلك الاصوات تدرك بالحس لان الاذن تسمعها والروائح تدرك بالحس لان الانف تشمها والطعوم تدرك بالحس لان الذوق يدرك حلوها وحامضها ومالحها0 والحرارة والبرودة يدركان بالحس لان اللمس يدركهما فيقولون لكل هذا حقائق محسه0
واما القسم الاخر من المعلومات الانسانية هو المعقولات يعني الحقائق المعقولة التي ليست لها مكان ولا صورة خارجية وليست بمحسه مثلا ان القوى العقلية ليست بمحسه والصفات الانسانية بتمامها ليست بمحسه بل انها حقائق معقوله وكذلك الحب ايضا حقيقة معقولة لا محسه لان هذه الحقائق لا يسمعها الاذن ولا تراها العين ولا يشمها الانف ولا يدركها الذوق ولا تحس باللمس حتى المادة الاثيرية التي يقولون عن قواها في الحكمة الطبيعية حرارة ونور وكهرباء ومغناطيس تلك ايضا حقيقة معقوله لا محسه وكذلك نفس الطبيعة ايضا حقيقة معقولة لا محسه وكذلك الروح الانساني حقيقة معقولة لا محسة وعندما تريد بيان هذه الحقائق المعقولة فانت مجبر عند تبيانها على افراغها في قالب محس اذ لايوجد في الخارج سواه0 اذاً اذا اردت بيان حقيقة الروح وشئونها ومراتبها فانت مجبر على بيانها في صورة محسة اذ لا يوجد في الخارج سواه مثلا:ان الحزن والسرور من الامور المعقولة فاذا اردت بيان تلك الكيفية الروحانية تقول :ضاق قلبي أواتسع في حال انه لم يحصل في روح الانسان ولا في قلبه ضيق ولا سعة 0بل هي كيفية روحانية معقولة 0واذا اردت البيان فانت مجبر ان تبينها بصورة محسة مثلا تقول: ان الشخص الفلاني ترقى كثيرا في حال انه باق مستقر في مقامه ومحله0والشخص الفلاني علا مقامه في حال انه كسائر الاشخاص يمشي على الارض ولكن هذا العلو والترقي كيفية روحانية وحقيقة معقولة واذا اردت البيان فانت مجبر ان تبين ذلك بصورة محسه لانه لايوجد في الخارج سواه:مثلا تؤول العلم بالنور والجهل بالظلمة فانظر الان هل العلم نور يحس او الجهل ظلمة محسه ! لا بل انهما فقط كيفية معقولة فوقتما تريد بيانهما تعبر عن العلم بالنور وعن الجهل بالظلمة وتقول :ان قلبي كان مظلما ثم استنار في حال ان نور العلم وظلمة الجهل حقيقة معقوله ليست بمحسه ولكننا مجبرون عندما نريد البيان ان نعبر عنها بصورة محسة 0اذا صار من المعلوم ان الحمامة التي دخلت في المسيح ليست هي الحمامة التي بالحس بل كانت كيفية روحانية وبيت بصورة محسة للتفهيم والفهم مثلا:ذكر في التوراة ظهر الله في عمود من نار والحال انه ليس المقصد هذه الصورة المحسة بل الحقيقة المعقولة التي بينت في صورة محسة 0 ويتفضل حضرة المسيح بقوله(الاب في الابن والابن في الاب) فهل كان حضرة المسيح في باطن الله او الله في باطن المسيح0 لا والله 0بل هذه كيفية معقولة بينت في صورة محسة ولنأتي ببيان عبارة حضرة الجمال المبارك التي يتفضل بها قائلا(ياسلطان اني كنت كأحد العباد وراقدا على المهاد مرت على نسائم السبحان وعلمني علم ماكان ليس هذا من عندي بل من لدن عزيز عليم)هذا مقام التجلي وهو معقول وليس بمحس وهو منزه عن الزمان الماضي والحال والاستقبال فهذا تمثيل وتعبير مجاز لا حقيقة وليس المقصود منه انه كان حقيقة نائما ثم استيقظ بل هو عبارة عن انتقال من حال الى حال 0مثلا:النوم حال السكون والتيقظ حال الحركة النوم حال الصمت واليقظة حال النطق النوم حال اخفاء واليقظة حال الظهور0مثلا يعبر بالفارسي والعربي ان الارض كانت نائمة فاستيقظت بمجئ الربيع او الارض كانت ميتة فأحييت بمجئ الربيع0فهذا تعبير تمثيلي وتشبيه وتأويل في عالم المعاني والخلاصة0ان المظاهر المقدسة كانت ولا تزال حقائق نورانية لا يحصل التغيير والتبديل في ذواتها وغاية ما هنالك انهم يكونون قبل الظهور ساكنين صامتين كالنائم ويكونون بعد الظهور ناطقين ومشرقين بمثابة اليقظان0

(ولادة حضرة المسيح)
سؤال:كيف كانت ولادة حضرة المسيح من روح القدس؟

الجواب: اختلف الالهيون والماديون في هذه المسألة0 فالالهيون متفقون على ان حضرة المسيح ولد من روح القدس وتصور الماديون ان ولادته على هذه الكيفية ممتنعة مستحيلة فلابد له من اب ويتفضل في القرآن بقوله(وارسلنا اليها روحنا فتمثل بها بشرا سويا) يعني تمثل روح القدس بصورة بشرية كالصورة التي تتمثل في المرآة وخاطب مريم. فالماديون مجمعون على انه لابد من الازدواج ويقولون ان الجسم الحي لا يتكون من جسم ميت ولا يتحقق وجوده بدون ان يلحق الذكور الاناث ومتفقون بان هذه الكيفية عدم الازدواج ليست ممكنة في الحيوان فكيف للانسان ولا في النبات فكيف بالحيوان لان هذه زوجية الذكور والاناث موجودة في جميع الكائنات الحية والنباتية حتى انهم ايضا يستدلون بالقرآن على زوجية الاشياء بقوله تعالى(سبحان الذي خلق الازواج كلها مما تنبت الارض ومن انفسهم ومما لا يعلمون) يعني ان الانسان والحيوان والنبات جميعها مزدوجة(ومن كل شئ خلقنا زوجين)يعني خلقنا الكائنات جميعها مزدوجة0 والخلاصة انهم يقولون لا يتصور انسان من غير أب 0ولكن الالهيين يقولون في جوابهم ان هذه القضية ليست من القضايا المستحيلة الممتنعة ولكنها لم تحدث من قبل وهناك فرق بين شئ مستحيل وشئ لم يحدث من قبل 0مثلا ان مخابرة الشرق والغرب بالاسلاك البرقية في آن واحد لم يحصل من قبل ومع ذلك لم تكن مستحيلة وفوتوغراف لم يكن معروفا من قبل ومع هذا لم يكن مستحيلا ومثل ذلك آلة التصوير فانها لم تكن معروفة من قبل ومع ذلك لم تكن مستحيلة ومع ذلك ظل الماديون مصرين على رأيهم فيقول الالهيون في الجواب: هل هذه الكرة الارضية قديمه او حادثة فيقول الماديون ثبت انها حادثة بموجب الفنون والكشفيات الكاملة وكانت كرة نارية في البداية وحصل الاعتدال لها بالتدريج فظهرت القشرة ثم تكون فوقها النبات وبعده وجد الحيوان ثم الانسان فيقول الالهيون قد علم واتضح من تقريركم ان نوع الانسان على الكرة الارضية حادث لا قديم فيقينا ما كان للانسان الاول أم ولا أم لان وجود النوع الانساني حادث0 فهل تكون الانسان من غير اب ولا ام ولو بالتدريج اعظم اشكالا ام وجوده بدون اب على انكم معترفون بان الانسان الاول وجد سواء بالتدريج او في مدة قليلة من غير اب و ام0فلا شبهه اذاً في امكان وجود الانسان من غير اب ولا يمكن ان يعد هذا مستحيلا0 وان تعدوه مستحيلا فليس من الانصاف0 مثلا:لو تقول كان هذا السراج مضيئا وقتا ما بدون الفتيلة والدهن ثم تقول انه من المستحيل ان يضيئ بدون فتيلة فذلك بعيد عن الانصاف فحضرة المسيح كان له أم وأما الانسان الاول باعتقاد الماديين لم يكن له اب ولا ام0

(سؤال : عن ميزة من لا اب له)

سؤال :ما افضلية شخص وجد من غير اب
الجواب:ان وجود الشخص الجليل سواء كان من اب او من غير اب على حد سواء فاذا كان لوجود الانسان من غير اب فضل فآدم اعظم وافضل من كل الانبياء والرسل لانه وجد من غير اب وام وانما سبب العزة والعظمة هو التجليات والفيوضات والكمالات الالهية فالشمس تولدت من المادة والصورة وهما بمثابة الاب والام ولكنها كمال محض والظلمات لا مادة لها ولا صورة ولا اب ولا ام ولكنها نقص صرف فالمادة الجسدية لحضرة ادم هي التراب والمادة الجسدية لحضرة ابراهيم هي النطفة الطاهرة ولا شك ان النطفة الطيبة والطاهرة احسن من التراب والجماد وفضلا عن هذا فانه يقول متفضلا في الاية الثالثة عشر من الاصحاح الاول من انجيل يوحنا(واما الذين قبلوه فاعطاهم سلطانا ان يصيروا اولاد الله اي المؤمنين باسمه الذين ولودوا ليس من دم ولا من مشيئة جسد ولا من مشيئة رجل بل من الله)فيعلم من اية يوحنا هذه ان وجود الحواريين لم يكن من القوة الجسمانية ايضا بل من الحقيقة الروحانية فليس شرف حضرة المسيح وعظمته لانه وحد من غير اب بل شرفه ومجده بالكمالات والفيوضات والتجليات الالهية0ولو كانت عظمة حضرة المسيح بكونه ولد من غير اب لوجب ان يكون ادم اعظم منه لانه وجد من غير اب ولا ام0وفي التوارة يقول الرب متفضلا في الاصحاح الثاني من سفر التكوين الاية السابعة(وجبل الرب الاله ادم ترابا من الارض ونفخ في انفه نسمة الحياة فصار ادم نفسا حيه) فانظروا قوله وجد ادم من روح الحياة وفضلا عن هذا فان عبارة يوحنا في حق الحواريين تدل على انهم ايضا من الاب السماوي اذا صار من المعلوم0 ان الحقيقة المقدسة يعني ان الوجود الحقيقي لكل عظيم هو من الحق ومن نفخة روح القدس والخلاصة انه اذا كان وجود الانسان من غير اب اعظم فضلا فآدم اعظم من الجميع لانه لا اب له ولا ام0فهل الانسان الذي يخلق من المادة الحية احسن ام الانسان الذي يخلق من التراب0لاشك ان الذي يخلق من المادة الحية احسن اما حضرة المسيح فقد ولد وتحقق وجوده من روح القدس 0
وخلاصة القول ان شرف النفوس المقدسة وعظمة المظاهر الالهية انما يكون بالكمالات الالهية والفيوضات والتجليات الربانية لا بسواها0

Monday, November 5, 2007

معانى وتفاسير

(المعجزات وخوارق العادات)
(سؤال)
هل تفسر المعجزات المنسوبة الى حضرة المسيح
بحسب المعاني الظاهرية للالفاظ او ان لها معان اخرى وقد ثبت علميا ان حقائق الاشياء لاتتغير
وان جميع الكائنات خاضعة لقانون ونظام كلي
لا تتخلف عنه ابدا ولهذا لايمكن خرق القانون الكلي0
(الجواب)

ان المظاهر المقدسة الالهية هم مصدر المعجزات ومظهر الاثار العجيبة فكل امر مشكل وغير ممكن يصير ممكنا وجائزا بالنسبة اليهم لانهم بقوة خارقة للعادة يظهر منهم خارق العادة وبقدرة ما وراء الطبيعة يؤثرون في عالم الطبيعة ومنهم جميعا قد صدرت عجائب الامور ولها في الكتب المقدسة اصطلاح خاص في حين ان المظاهر لا يعلقون على تلك المعجزات ولا تلك الاثار العجيبة اية اهمية حتى انهم لا يريدون ذكرها لاننا لو اعتبرناها اعظم برهان على صدقهم لكان ذلك حجة وبرهانا بالنسبة لمن كان موجودا وشهد المعجزات دون سواه فمثلا لو تروى معجزات حضرة موسى وحضرة المسيح لشخص طالب للحقيقة غير مؤمن بهما فانه ينكرها ويقول قد رويت ايضا عن الاصنام اثار عجيبة بشهادة خلق كثير ودونت في الكتب وقد كتب البراهمة كتابا دونوا فيه الاثار العجيبة التي صدرت من براهما فيقول الطالب ايضا ومن اين نعرف صدق اليهود والنصارى وكذب البراهمة فكلاهما رواية وكلاهما خبر متواتر وكلاهما مدون في الكتب وكلاهما يحتمل الصدق والكذب وبمثل هذا يقال فيما ترويه الملل الاخرى فان صدق احدها لزم صدق الاخرين وان قبل احدها وجب قبول الباقين فمن اجل هذا لا تكون المعجزات برهانا وان صح ان تكون برهانا للحاضرين فلا يصح ان تكون حجة على الغائبين0اما اهل البصيرة في يوم الظهور فهم يعتبرون جميع شئون مظهر الظهور معجزات لانها تمتاز عما سواها ومادامت ممتازة فهي خارقة للعادة0
فحضرة المسيح رفع العلم الالهي امام من على الارض وقاومهم جميعا فريدا وحيدا بدون ظهير ولا نصير ولم يكن له جند ولا جيوش بل كان مضطهدا مظلوما ومع هذا ففي النهاية غلب الجميع ولو انه صلب في الظاهر فهذه القضية معجزة محضة لايمكن انكارها ابدا فلا حاجة بعدئذ الى برهان اخر يثبت احقية حضرة المسيح وليس للمعجزات الظاهرية اهمية لدى اهل الحقيقة فمثلا لو صار الاعمى مبصرا فانه في النهاية سيفقد بصره ثانيا عندما يموت ويحرم من جميع الحواس والقوى فلا اهمية اذا لابصار الاعمى اذ ان هذه القوة مصيرها ان تزول0 وكذلك مافائدة احياء جسم ميت سيموت مرة اخرى0
اما الاهمية ففي اعطاء البصيرة والحياة الابدية اي الحياة الروحية الالهية لان هذه الحياة الجسمانية لا بقاء لها ووجودها عين العدم مثال ذلك ان حضرة المسيح يقول في جواب احد التلاميذ(دع الموتى يدفنون الموتى المولود من الجسد جسد هو والمولود من الروح فهو الروح) فلاحظوا ان تلك النفوس مع انها قد كانت احياء بالاجسام الا ان المسيح اعتبرها امواتا لان الحياة هي الحياة الابدية والوجود هو الوجود الحقيقي فمن اجل هذا لو ذكر احياء الموتى في الكتب المقدسة فالمقصود ان موتى الارواح يوفقون للحياة الابدية وكذلك لو ذكر ابصار العمي فالمقصود من هذا الابصار هي البصيرة الحقيقة وكذلك لو ذكر اسماع الصم فالمقصود حصول السمع الروحي والتوفق الى السمع الملكوتي وهذا ثابت بنص الانجيل حيث يقول حضرة المسيح (هؤلاء مثل الذين قال عنهم اشعياء (لهم اعين لا يبصرون بها ولهم اذان لا يسمعون بها وانا شفيهم) وليس المقصود من هذا ان مظاهر الظهور عاجزون عن اجراء المعجزات بل هم قادرون ولكن المقبول والمهم لديهم هوالبصيرة الباطنية والسمع الروحاني والحياة الابدية فعلى هذا ما جاء في اي موضع من الكتب المقدسة من ان اعمى صار بصيرا معناه انه كان اعمى الباطن وفاز بالبصيرة الروحانية او كان جاهلا فصار عالما او كان غافلا فصار متنبها او كان ناسوتيا فصار ملكوتيا وحيث ان هذه البصيرة والسمع والحياة والشفاء كلها ابدية لهذا كانت ذات اهمية والا فما اهمية الحياة الحيوانية وقواها وقدرها وحيثيتها التي هي كالاوهام تنتهي في ايام معدودة مثلا: لو اضيئ سراج مطفأ فأنه لا شك ينطفأ مرة اخرى اما نور الشمس فمضيئ دائما وذو اهمية0

Sunday, November 4, 2007

ليلة البعث


شيراز 23 مايو سنة 1844م
المشهد الأول


"حدث المشهد الأول من الفصل الافتتاحي من هذا الحدث العظيم في غرفه علوية من بيت متوسط الحال يسكنه تاجر أقمشة من شيراز ويقع في حي متواضع من أحياء المدينة 00 وكان الوقت قبيل غروب شمس اليوم الثاني والعشرين من شهر أيار 1844 بساعة 00 أما المشتركان فيه فكانا حضرة الباب وهو سيد في الخامسة والعشرين لا تشوب انتسابه إلى العتره الطاهرة شائبة وملا حسين الشاب أول من يؤمن به 0 والظاهر أن لقائهما من قبل ذلك كان وليد الصدفة البحتة أما اللقاء نفسه فقد طال حتى مطلع الفجر حيث بات صاحب البيت منفردا بضيفه في الغرفة العلوية, ولم تكن المدينة النائمة على علم قليل أو كثير بمضمون ما دار بينهما من حديث, ولم ينتقل للأجيال القادمة أى تسجيل لتلك الليلة الفريدة, اللهم إلا تلك الرواية التي صدرت عن شفتي الملا حسين جزئيه مهلهله وان كانت على قسط كبير من التنوير 0 ويحدثنا الملا حسين عن تلك الليلة ولقاءه مع حضرة الباب فيقول " جلست مسحورا بحديثه غافلا عن مضى الوقت وعن أولئك الذين كانوا في انتظاري وفجأة ايقظنى المؤذن من النشوة التي غرقت فيها وكان يؤذن لصلاة الفجر! وفى تلك الليلة يبدو اننى فزت بكل النعم والألطاف التي ذكرها العلى القدير في كتابه ( القران الكريم ) وأعدها لأهل الجنة حتى ظننت اننى كنت في بقعه يقال فيها بحق " لا يمسنا فيها نصب ولا ويمسنا فيها لغوب " " لا يسمعون فيها لغوا, ولا تأثيما إلا قيلا سلاما سلاما " "دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين " ولقد جافاني النوم في تلك الليلة وغمرتني موسيقى ذلك الصوت الذي كان يعلو حين ينزل آيات " قيوم الأسماء " ويهبط بنغمه حلوه أثيريه إذ يتلوا المناجاة التي ينزلها وعقب كل مناجاة كان يكرر هذه الايه " سبحان ربك رب العزة عما يصفون, وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين " 0 ويمضى الملا حسين فى روايته فيقول "نزل على هذا الظهور فجأة نزول الصاعقة التي خيل إلى أنها عطلت حواسي وعقلي بعض الوقت 00 لقد اعمانى بهائه وفتنتني عن نفسي قوته الساحقة 00 وتحركت في أعماق روحي مشاعر كثيرة مختلطة من الهيجان والسرور والذهول والعجب وساد كل هذه المشاعر شعور غامر بالسعادة والقوه خيل إلى انه حولني تحويلا0 فكم كنت اشعر بالعجز والخور والجبن والذله من قبل بحيث لم أكن أستطيع أن اكتب أو أمشى فلقد شعرت بقوه وشجاعة خيل إلى معها اننى أستطيع أن أقف وحيدا لا أتزعزع في وجه العالم كله بكل شعوبه وحكامه وبدا لي الكون لا يزيد عن حفنه من التراب في يدي وحسبت اننى صوت جبريل المتجسد يهيب بالناس جميعا أن أفيقوا فان نور الصبح قد لاح 00 انهضوا فان أمره قد ظهر وفتح باب عنايته وفضله فادخلوا يا أهل الأرض لان موعودكم قد جاء 0 " وعندما اكتمل انضمام حروف الحي السبعة عشر فيما بعد " استدعاهم إلى محضره – قبل أن يتفرقوا – وألقى عليهم كلمة الوداع وعهد إلى كل منهم بمهمته الخاصة 00000 وأشار لهم من طرف خفي إلى سر يوم أعظم من يومه يوشك أن يجيء وأمرهم بأن يستعدوا للقاؤه 0000 والى الملا حسين عهد بمهمة أكثر خصوصية وأعظم مضمونا, وأكد أن ميثاقه معه قد ابرم, وأوصاه بان يكون لين الجانب مع من يقابلهم من رجال الدين, وأرشده إلى أن يتوجه إلى طهران, وبأشد العبارات إشراقا لوح بذلك السر المحجوب المودع في تلك المدينة, مؤكدا انه سر يفوق في بهائه النور الذي أشرق من أفق الحجاز وشيراز معا0

ليلة الميلاد الميمون

طهران 23مايو 1844
المشهد الثاني

لم تكن طهران في تلك الليلة بأفضل حالا من مدينة شيراز00 فما كاد الليل أن ينتصف حتى كانت المدينة تغط في سبات عميق وقد أسدل الليل الحالك السواد أستاره الثقيلة فوق شوارعها الملتوية الضيقة فغرقت في ظلام دامس عدا بضع مشاعل بترولية متناثرة هنا أو هناك عند بوابات الحارات أو فوق مداخل بيوت الأغنياء والموسرين بددت بأضوائها المرتعشة بعضا من ذلك الظلام المطبق ولم تعرف المدينة في تلك الليلة أي من الحوادث المؤسفة التي كانت دائمة الوقوع والتكرار كالاعتداءات الدموية أو أعمال السلب والنهب وسرقات منازل الأغنياء بل كانت ليله سأكنه هادئة تمام الهدوء 0
إلا أن أهل بيت واحد في تلك المدينة النائمة قدر لهم أيضا أن يظلوا ساهرين مستيقظين لا يعرف النوم طريقا إلى عيونهم حتى مطلع الفجر0
كان هذا البيت يقع في حي (دروازه شميران) القريب من احد بوابات مدينة طهران والمعروف ببوابة شميران تقطنه أسره كريمه نبيلة هم عائلة المرحوم ميرزا عباس برزك نورى نسبة إلى مقاطعة نور في ولاية مازندران في أقصى شمال إيران حيث كانت منطقة آبائه وأجداده0
" كان البيت يشغل مساحه واسعة من الأرض ويتكون من طابقين يحيط به سور مرتفع من الحجر له بوابه من الخشب السميك تفتح على ممشى عريض طويل بطول المنزل يزين مقدمته عقد على شكل قوس من الطوب الآجر, ويفصل الممشى التي فرشت أرضيته ببلاط مزخرف بين احد جوانب السور والواجهة الرئيسية للمنزل والتي تفضي إلى عدة غرف لاستقبال الضيوف والزوار ثم نجد في نهايته حديقة جميله زرعت بالورود والرياحين وغرست في أرجائها بعض أشجار البرتقال والليمون الحلو يفتح عليها باب أو بابان في الواجهة الخلفية للمنزل لاستعمال أهل البيت والمقيمين
كان البيت أشبه بقصر صغير فرشت غرفه الواسعة برياش ثمين فاخر وزينت جدرانه بزخارف جصيه دقيقة الصنع وعلقت فوق بعضها لوحات من الآيات بديعة التكوين كتبت بخط فارسي جميل كتب بعضا منها ميرزا عباس نفسه "0 (1)
"كان نهار ذلك اليوم مشرقا ودافئا وكانت الحديقة مليئة بالأزهار والورد0 وفى داخل البيت كان الخدم مشغولين في إعداد وليمه, والضيوف جالسين على كراسي مريحة يشربون عصير الليمون ويأكلون ما لذ وطاب من الحلويات 0 كان الجميع محل ترحاب في هذا اليوم0
وأخيرا انتهى اليوم, 00 وأتم أصحاب البيت واجباتهم وبدأوا في الدعاء ليشكروا ربهم على كل الأشياء الجميلة التي حدثت في ذلك اليوم0 ومع أخر خيوط الشمس الغاربة بدأت سيدة البيت النورى الشابة الجميلة آسيا خانم زوجة ميرزا حسين على والتي كان زوجها المحب يلقبها (نواب خانم ) تعانى الآم المخاض والتي بدأت علاماته بعد غروب ذلك اليوم0 فدبت في البيت حركة غير عاديه واضائت الشموع الكبيرة والمشاعل كل أرجاء المنزل وطرقاته0
ظل الجميع فيها ساهرا متيقظا يبتهلون إلى الله بقلوب دافقة بالأمل والرجاء أن يدخل هذا الميلاد السعادة والفرح والسرورعلى قلبي والديه وان يكون اسعد حظا من شقيقيه الذين سبقاه وطالت ساعات المخاض حتى كاد الليل أن ينصرم ويبزغ فجر اليوم الجديد 0
إلا انه ما أن ارتفعت أصوات المؤذنين فوق مآذن المساجد تدعوا إلى صلاة الفجر حتى علت صيحات الطفل الوليد فاختلطت بصيحات التهليل بالفرح والاستبشار في حين سارعت إحدى سيدات البيت تزف البشارة المنتظرة إلى بهاء الله والد الطفل وتهنئه بسلامة الأم ووليدها فأطلق عليه اسم جده الوزير( عباس أقا ) الذي كان يكن له كل محبه وإكبار وإعجاب".

(1) حاشية " هذا الوصف لمنزل حضرة بهاء الله هو وصف تخيلي مقتبس عن مجموعة من الصور الفوتوغرافية لمنزل حضرة بهاء الله في طهران منشورة بكتاب النبيل ص83 وأقرر انه محض خيال ولا يؤخذ على انه وصف من مصدر معتمد "
مشهد الأنوار
على انه يجب أن نسجل هنا مشهدا ثالثا لمشاهد تلك الليلة " ليلة الليالي" خلدته للأجيال السيدة خديجة بيكم حرم حضرة الأعلى0 يضفى على أحداث تلك الليلة عبقا لا يضارع وضوءا ساطعا لن يخبو فتروى في ذكرياتها عن تلك الليلة فتقول:-
" وتتذكر خديجة بيكم بان حضرته ( حضرة الباب ) عاد إلى المنزل أصيل ذات يوم مبكرا على غير عادة واخبر بان أمرا هاما ينتظرة وطلب الإسراع بتهيئة وجبة العشاء 0 فأعدتها فضة ( الخادمة ) على عجل في حجرة والدة السيد على محمد حيث تناولتها الأسرة, وانسحب على الأثر إلى خلوتة ليلا0
وإذا تحدثنا عن وقائع تلك الليلة المشهودة, التي وقعت طبقا لسجل مذكرات عائلة الأفنان قبل إعلان الباب لأمره بقليل, تذكرها خديجة بيكم بكامل تفاصيلها وتروى: " بعد أن آوى أهل الدار جميعا إلى فراشهم وساد الصمت والهدوء المنزل ما يقرب من ساعة, إذ بحضرتة ينهض ويغادر الغرفة دون أن أعير ذلك اهمية0 ولما طال انتظاري بدأ القلق يساورني, فخرجت ابحث عنه في كل مكان دون أن اعثر له على اثر, وظننت انه ربما غادر الدار للعمل الهام الذي اخبرنا به0 ولكنني ارتعت عندما لاحظت الرتاج الداخلي لباب الدار موصدا كالعادة0
فهرعت إلى غرفته في الطابق العلوي, وشد نظري ضؤها الساطع 0 فتسائلت عما قد ألجأه - على غير عادته – في هذا الليل إلى هذه الغرفة التي لا يأوي إليها إلا تكريما لضيف0 ولما لم ينبئنا سلفا كعادته عن مقدم زائر في هذه الليلة, ثارت هواجسي وأخذت اصعد على أطراف أصابعي السلم المؤدى إلى الغرفة الشمالية, التي اخذ نورها يتضاعف في ناظري وعندما بلغت عتبتها رأيته واقفا ويداه مرفوعتان في تبتل وقنوت, مبتهلا مستغرقا في الترنم بالدعاء بصوت ولحن مليح رخيم, والدموع تنساب بغزارة على خديه وتبلل صفحة وجهة الوضاء الذي انبعث عنه نور عجيب بينما طلعته المهيبة تتوسط هالة من البهاء والجلال0 فأخذتني الخشية والرهبة وجمدت في مكاني عاجزة عن التقدم أو التراجع, وارتعدت فرائصي وفقدت التحكم في قواي وكدت اصرخ لولا أن تداركني حضرته وأشار في رفق بيديه المباركتين إلى بالانصراف0 تلك الحركة العطوفة ليديه ردت إلى بعض شجاعتي وتمكنت بكثير من الجهد أن أعود ادراجى والحق بحجرتي وفراشى0
وقضيت ليلتي مسهدة وأنا انتفض اضطرابا وحيرة0 وعندما غالبنى النعاس اخذ هذا المشهد العجيب الرهيب يطارد خيالي ويطرد الكرى عن جفوني 0 وفى لحظات الوعي المتناوبة كنت أتساءل عما سبب له الأسى العميق الذي استدر منه الدموع واستوجب استغراقه في التضرع والابتهال إلى هذا الحد0
" وإذا بعيني وتفكيري يعجزان عن اسعافى بتبرير أو تعليل يهدئ من روعي فيعز على المنام وأغوص في ذهولي فريسة لهواجسي إلى أن لاحت طلائع الفجر وارتفع صوت المؤذن للصلاة0
عند الشروق حملت فضة " السماور " وطاقم الشاي إلى حجرة حماتي, وتوجه حضرتة كالعادة إليها لتناول الشاي, وتبعته وأنا مبهورة مأخوذة0 وما أن وقع بصري على هيكله الجليل حتى عاودني مشهد الليلة الفائتة وتجسم امامى كاملا, فشحبت وهزت الرجفة كل كياني 0
في تلك اللحظة غادرت والدته الحجرة فيما كان حضرتة يتناول الشاي بكل هدوء, فرفع رأسه وتطلع إلى بنظرة ملؤها العطف والحنان ردت إلى هدوئي وسكينتى 0 ثم دعاني للجلوس وناولني ما تبقى من شاي في كأسه, فاحتسيته0 عندئذ سألني عما دهاني, فصارحته بشئ من شجاعة بأن التغيير الكلى الذي ألم به هو علة حيرتي ومصدر قلقي واضطرابي " وهمست انك لم تعد ذلك الشخص الذي عرفته منذ طفولتي, ومع إننا نشأنا معا ومضى عامان على زواجنا ونحن نعيش معا في بيت واحد, إلا اننى أراك وقد تبدلت تماما وصرت فجأة شخصا اخر0 هذا هو سبب اضطرابي وعلة حيرتي " فابتسم واجاب بأنه كان يتمنى أن لا أراه وأشاهده في تلك الصورة والحالة التي رأيت0 غير أن الله قدر غير ذلكثم عقب: " ولكن هكذا شاءت الإرادة والتقدير الالهى, أن تشاهديني بالكيفية التي فعلت في الليلة الماضية حتى لا يراودك أدنى شك من بعد0
وتوقني كل اليقين باني أنا ذلك المظهر الالهى والموعود0المنتظر منذ ألف سنة 0 وهذا النور الذي شاهدت وبهرك سطوعه كان ينبعث من كياني وكينونتي " بمجرد أن نطق بهذه الكلمات صدقت وآمنت فورا ووجدت نفسي ساجدة امامة وقد اطمأن قلبي وهدأ 0 منذ تلك اللحظة وهبت حياتي وأوقاتها لخدمته بكل تفان وخلوص ونسيت نفسي ووجودي وصرت محوا صرفا تلقاءه " 0
ويشهد جناب النبيل بسمو المقام الذي فازت به خديجة بيكم بإيمانها التلقائي الفذ هذا ويقول: " أما حرم حضرة الباب 000 فقد أدركت عظمة وجلال أمره الفريد منذ فجر ظهوره واشراقة, وأحست بجسامة قدرتة منذ اللحظات الأولى لبعثته0 وباستثناء الطاهرة, لم تنافسها وتبلغ مقامها امرأة من جيلها في الاستجابة التلقائية بمثل هذا الخلوص وحرارة الإيمان والعقيدة " وبشر حضرة بهاء الله في لوح الزيارة الذي انزله بعد صعود خديجة بيكم ويخاطبها بهذه العبارات: " أنت التي وجدت عرف قميص الرحمن قبل خلق الامكان وتشرفت بلقائه وفزت بوصاله وشربت رحيق القرب من يد عطائه " 0 (من كتاب خديجة بيكم تأليف حسن م 0 باليوزى )

صدفة الميلاد وليلة البعث
لم تكن ليلة ميلاد حضرة عبد البهاء مجرد حدث سعيد تصادف وقوعه ليلة بعث حضرة الأعلى فهي إن كانت قد حدثت على هذا النحو فهي بلا شك مصادفة سعيدة رائعة " وكيف لا وهو الذي صادف ميلاده الميمون تلك الليلة الخالدة التي بين فيها حضرة الباب طبيعة رسالته الفائقة لملا حسين أول من امن به " (40 بديع 291)
لكنها في الواقع لم تكن كذلك بل كانت تقديرا إلهيا سابقا تنبأ به العديد من الرسل والأنبياء السابقين كما وردت بعضها في التوراة0
"فهو يبنى هيكل الرب وهو يحمل الجلال ويجلس ويتسلط على كرسية وتكون مشورة السلام بينهما كليهما " 0 ( زكريا 6 أية 13, 14 العهد القديم و اشعيا 9, 11 )
" ثم ولد ابنا وما بيده شئ كما خرج من بطن أمه عريانا يرجع ذاهبا كما جاء ولا يأخذ شيئا من تعبه فيذهب به في يده " سفر الجامعة إصحاح 5 إيه 14, 15 )
وفى القران الكريم نبوءات عديدة نجدها في سورة البلد
( لا اقسم بهذا البلد وأنت حل بهذا البلد ووالد وما ولد )
كذلك تطالعنا في سورة الرحمن عروس القران أيضا
نبؤتان
(فيهما
عينان تجريان)00 (فيهما عينان نضاختان )
(الرحمن 50 - 34
وكان المقصـود بهاتين العـينان هو حضـرة عبد البـهاء عباس.
ويتفضل جناب أديب طاهر زاده في إحدى محاضراته قائلا : -
" أن حضرة بهاء الله عندما طلب الإذن من ساحة القدس الإلهي ليهب الخلق ماء الحياة الالهيه وطلب كشف النقاب عن حور المعاني وفك رحيق الوصال جاء النداء من مصدر الأمر الإلهي بأننا لا نشاهد خلقا لائقا وقابلا لهذا التجلي والإشراق وهنا صدر الأمر بالخلق الجديد والصنع البديع ليكون لائقا وقابلا لهذا التجلي والإشراق فكان هذا الخلق في ليلة المبعث 5 جمادى الأولى 1260 هـ وهى الليلة التي تم الإعلان فيها عن رسالة المبشر بالظهور الأعظم وتزامنت مع مولد حضرة عبد
البهاء 00 أنها الاراده الالهيه المطلقة المعلنة عن بداية الخلق الجديد والقابل لتلقى ماء الحياة الإلهية والقادر على أن يستوعب حور المعاني
ويستنشق رحيق الوصال0
ويضيف السيد كاظم الرشتى في كتابه ( شرح القصيدة ) بعدا جديدا لتلك الليلة فيقول:
( عندما اقترنت الباء ونقطتها ( ب ) بعالم الغيب برمز ( ا ) ظهر( با ) ونتج عن هذا الاقتران رمز العين ( عـ ) اشاره إلى التعين الأول (عـ با) وكان ذلك في سنة الستين ( س ) فظهر عباس الإمام برمز ( ع ) قائما ظاهرا أمام الناس0 (شرح القصيدة كاظم الرشتى)
إلا أن هذا التدبير الالهى الفائق الإمكانيات الذي حدث ليلة23مايو 1844
" شرع يعمل في نفس الليلة الخالدة التي أفضى فيها حضرة الباب

بهدف رسالته إلى الملا حسين في حي متواضع من أحياء مدينة شيراز" ( قرن بديع287 )
حيث يشير حضرة المولى شوقي افندى إلى كتاب قيوم الأسماء أول كتب حضرة الباب في إشارة واضحة ليلقى مزيدا من الضوء الباهر على أحداث تلك الليلة قائلا:
" على أن ضوءا اكبر دلاله يفيض على هذه القصة الخاصة بإعلان رسالة حضرة الباب إذا نحن تصفحنا ( أول وأعظم واكبر ) كتب الدورة البابيه وهو تفسير سورة يوسف الشهير الذي نزل فصله الأول كله على وجه التحقيق من قلم منزله الأعلى في تلك الليلة – ليلة اليالى " (قرن بديع ص17)
فيتفضل حضرة الأعلى بقوله الكريم في كتاب قيوم الأسماء (سورة الظهور)
( إنا نحن قد أنزلناك من منظر العرش في ليلة القدر إلى بطن الأم وانك في ذلك اليوم على العرش قد كنت لله العلى ساجدا وعلى الملك محمودا 000 000 إن هذا لهو اليوم في الفصل وهو اليوم في الجمع الذي قد كان بالحق ميقاتا ) (قيوم الأسماء – سورة الظهور)
وفى كتاب شئون خمسه كان حضرة الباب أول من أطلق لقب ( سر الله) فتفضل حضرته قائلا ( هل تعرفون سر الله أولا تعرفون ذلك هو أول من امن بمن يظهره الله فكيف لا تعرفون ؟ ) (حضرة الباب – كتاب شئون خمسة)
هذا اللقب " الذي شاء والده المحب المعصوم أن ينعم عليه بهذا اللقب العزيز, ألا وهو سر الله " (قرن بديع ص 293)






Powered By Blogger