Friday, September 4, 2009

الرجعة

الرجعة

كتب أبو الفضل الگلپايگاني، المعروف بأبو الفضائل، ما يلي في باب "الرجعة":

... ما يرجع إلى مسألة "الرجعة" فإنه ما من دين الأديان الموجودة إلاّ ويعتقد أهله بهذه المسألة، وينتظرون رجوع شخصٍ معينٍ مخصوص أو أشخاص معلومة لتعميم ديانتهم وإعادة رونق شريعتهم، فكما ترون مثلاً الأمة النصرانية منتظرة لرجوع سيدنا المسيح له المجد، ومعتقدة كمال الاعتقاد بمحتوميّة نزوله عليه السلام من السماء، كذلك الأمّة اليهودية منتظرة لنزول إيليا النبي أي إلياس عليه السلام من السماء قبل ظهور الرب الموعود وقيامه في اليوم المعهود، والأمم الإسلامية أهل السنّة والجماعة منهم يعتقدون نزول عيسى عليه السلام بعد ظهور المهدي، وأمّا الشيعة الإثني عشرية فتعتقد أولاً رجوع المهدي عليه السلام، وهو بزعمهم محمد بن الحسن العسكري الذي غاب في سنة مائتين وستين من الهجرة وهو الثاني عشر من أئمة أهل البيت عليهم السلام، وتعتقد ثانياً برجوع السبط الشهيد حسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام، والثالث من أهل البيت، ويُعبّرون عن رجوعه بالظهور الحسيني بعد ظهور المهدي، وأمّا الأمة الزرادشتية فتنتظر رجوع الملك الكياني الشهير كي خسرو -الذي فسّره بعض الأوروبيين غلطاً بكورش الملك الفارسي المعروف- في أيام ظهور الموعود الذي يعتقدون أنه يظهر من إيران في آخر الزمان ويُقيم الأموات ويوحّد الأديان. وينتظرون أيضاً رجوع رجال آخرين ممّن لا سبيل هنا إلى استقصاء تفصيل أسمائهم وذكر سبب رجوعهم، وكذلك سائر الأديان والملل كما يعرفه المتتبّع في عقائد المذاهب والنِحَل.

فثبت مما ذكرناه بالإجمال أن مسألة الرجعة هي من المسائل المهمة التي ابتليَتْ بها أصحاب الأديان، وبها كذّبوا كبار الأنبياء وأعرضوا عن مظاهر أمر الله في جميع الأزمان، نعم قام في القرن الثامن الهجري ابن خلدون المؤرخ المغربي الشهير، وأنكر في كتابه الكبير ظهور المهدي عليه السلام، وتبعه في رأيه هذا بعضٌ من أصحاب العقول الصغيرة والضمائر المظلمة لكي يتم بهم ما بَشّر وصرّح وأخبر به النجوم الزاهرة والأنوار الباهرة من أئمة أهل البيت عليهم السلام: "أن المهديّ خروجه عند اليأس والقنوط" أي حينما تقنط النفوس الغافلة عن ظهوره وتنكر بشارات خروجه وتيأس من آخر رجاء للتخلص من نوائب يوم عبوسٍ مستطير بمصائبه وشروره.

وكذلك ظهرت في الأمم النصرانية جماعة غير قليلة أنكروا رجوع المسيح عليه السلام في الجسد، وحرّفوا تلك البشارات الصريحة في مجيئه وظهوره وفسّروها بإحاطة دينه وغلبةِ أتباعه مما لا ينطبق على تلك البشارات أصلاً، لكي يتمّ فيهم ما أخبر به بطرس الرسول كما جاء في الإصحاح الثاني من رسالته الثانية حيث قال: "ولكن كان أيضاً في الشعب أنبياء كذبة كما سيكون فيكم أيضاً معلّمون كذبة الذين يدسّون بِدَعَ هلاكٍ وإذ هم ينكرون الرب الذي اشتراهم يجلبون على أنفسهم هلاكاً سريعاً. وسيتبع كثيرون تهلكاتهم. الذين بسببهم يُجدّف على طريق الحق". إلى آخر كلامه في هذا الإصحاح، مما يطول بنا الكلام لو جئنا بجميع كلماته المقدسة في هذا المقام، ولكننا نوجّه أنظار أولي الأبصار إلى التبصّر والتعمق فيما جاء في هذا الإصحاح، فإن ذاك الرسول المُجتبى والإمام المرتضى أخبر بأفصح عبارة وأبلغ بيان بجميع الحوادث التي حدثت من هذا القبيل في الأمّة النصرانية في القرون الأخيرة بكليّاتها وجزئيّاتها، مما يدل على روحٍ مقدسٍ طاهرٍ محيطٍ ناظر بحقائق الأمور الآتية بدقائقها وخصوصياتها، فإذا تقررّ عند أمّةٍ أنّ المسيح له المجد لا ينزل مِن السماء رغماً عمّا وَعَدَ به صريحاً وصار هذا الرأي عقيدة عمومية ثابتة عند جماعةٍ، فلا بد من أنهم ينكرونه حين نزوله أي عند ظهوره ويجدّفون على طريقته، فيتم فيهم نبأ الرسول المُجتبى بأنهم ينكرون الرب الذي اشتراهم، وبسببهم يُجدَّف على طريق الحق، كما وقع تماماً في هذا القرن الأنور الأبهى، وستظهر صحة هذا النبأ بأتم وأجلى، وقال أيضاً كما جاء في الفقرة الثالثة من الإصحاح الثالث من هذه الرسالة: "عالمين هذا أولاً أنه سيأتي في آخر الأيام قوم مستهزئون، سالكين بحسب شهوات أنفسهم، وقائلين أين هو موعد مجيئه، لأنه من حين رقد الآباء كل شيْ باقٍ هكذا من بدء الخليقة". إلى آخر هذا الإصحاح، وهذا أيضاً مما يستحق كل التفسير والإيضاح بما فيه من جواهر المعاني الغالية المختومة كما سنفسّره في محلّه إن شاء الله تعالى في غاية الوضوح والإفصاح، وهذه العبارة أيضاً تدل على ما ذكرناه من أن جماعة كثيرة ينكرون مجيء سيدنا المسيح له المجد، فلا نتعجب إذاً من إنكار الكثيرين لنزوله وتحريفهم البشارات الصريحة في مجيئه وظهوره، ومما يجب الانتباه إليه هو أنه بمقدار ما أوجدت محاولات المنكرين لنزوله عليه السلام بالجسد شكوكاً في القلوب المريضة، كذلك أوجدت في القلوب الصافية علماً ويقيناً أظهر وأجلى، وأورثت في النفوس الطاهرة ثبوتاً ورسوخاً أتم وأقوى، إذاً أي برهان يمكن أن يُقام على صحة مبدأ تلك البشارات في مفاهيمها الأصلية، أيْ نزول روح الله في الهيئة البشرية أعظم وأظهر وأقوى من تحقق تلك الأخبار بعد انقضاء قرون وأدوار، أليس أخبار ذاك الرسول المُجتبى - حينما لم يكن للنصرانية جمعية وهيئة اجتماعية يذكرها المؤرخون، ويعتبرها الكاتبون بأخبار وحوادث تحققت وظهرت بعد انقضاء تسعة عشر قرناً - أدلّ دليل على أنها من الأخبار السماويّة والأنباء المُعلنة بالقوّة القدسيّة الإلهية. ("من مؤلفات أبو الفضائل"، الصفحات 232-235)

ويعرّف حضرة عبدالبهاء موضوع المعاد والرجعة بقوله الأحلى: "الفرق بين المعاد والرجعة، المعاد أمر عينيّ والرجعة أمر عِلمي. من حيث الشؤون والآثار يدل على الوحدة الحقيقية بين الأبرار." ("مائدة آسماني"، المجلد 9، الصفحة 26)

وينتظر معظم أصحاب الديانات السابقة عودة مظاهرهم بأعيانها وهذا هو معنى المعاد كما فسرّه حضرة عبدالبهاء ولكنها في عُرف أهل البهاء رجعة الصفات. فيتفضل حضرة بهاءالله عن هذا بقوله الأحلى:

"هذا كتاب من لدى المظلوم الذي سُمي في ملكوت البقاء بالبهاء... وقد ورد عليه في كلّ عهد ما لا يحصيه أحد إلاّ الله الملك العلي العظيم. مرة ابتلي بيد القابيل وقُتل في سبيل الله وصعد إليه مظلوماً وكذلك كان الأمر من قبل وكان الله على ذلك لشهيد وخبير. ومرة ابتلي بيد النمرود وألقاه على النار وجعل الله النار عليه نوراً ورحمة وإنه ليحفظ عباده المقربين. ومرة ابتلي بيد الفرعون وورد عليه ما يحترق به أفئدة المخلصين. ومرة عُلّق على الصليب ورُفع إلى الله العزيز الجميل. ومرة ابتلي بيد بو جهل ثمّ الذين هم قاموا عليه بالشقاق من أهل النفاق ووردوا عليه ما لا يُذكر بالبيان وكان نفس الرحمن على ما ورد عليه لعليم وشهيد. ومرة قُتل مظلوماً في أرض الطفّ واستشهدوا معه الذين نسبهم الله إلى نفسه المقدس المنير، إلى أن قطعوا رأسه وأساروا اهله وداروهم في البلاد وكذلك قُضي عليه من جنود الشياطين. ومرة عُلّق على الهواء واستشهد في سبيل الله المهيمن المقتدر القدير..." ("آثار قلم أعلى"، المجلد 4، الصفحة 301)

ويتفضل حضرة بهاءالله جل اسمه الأعظم في "كتاب الإيقان" عن موضوع المعاد والرجعة ما يلي:

"من الواضح المعلوم لدى أهل العلم، أنه لمّا أحرقت نار المحبة العيسوية حجبات حدود اليهود، ونفذ حكم حضرته نوعاً ما حسب الظاهر، ذَكَرَ ذاك الجمال الغيبي في يوم من الأيام لبعض من أصحابه الروحانيين أمر الفراق، وأشعل فيهم نار الإشتياق قائلاً لهم :[إني ذاهب ثمّ أعود] وقال في مقام آخر: [إني ذاهب ويأتي غيري حتى يقول ما لم أقله ويتمّم ما قلته] وهاتان العبارتان هما في الحقيقة شيء واحد، لو أنتم في مظاهر التوحيد بعين الله تشهدون... نشاهد في الحقيقة أن كتاب عيسى وأمره قد ثبتا في عهد خاتم الأنبياء فمن حيث الاسم قال حضرة محمد [إني أنا عيسى]... فمن هذه الوجهة قال عيسى بنفسه إني ذاهب وراجع. مَثَلُ ذلك مَثَلُ الشمس، فإذا قالت شمس اليوم إنني أنا شمس الأمس فهي صادقة ولو قالت إنني غيرها نظراً لاختلاف الأيام فهي صادقة أيضاً..." (الصفحتين 17-18)

أما بالنسبة لانتقال حقيقة النقطة الغيبية وتجلّيها على مظاهر أمر الله فقد وضّح حضرة بهاءالله هذا الأمر من حيث الإجمال في مقدمة "لوح الإشراقات" قوله المقدس الأحلى:

"فلما أراد الخلق البديع فصّل النقطة الظاهرة المشرقة من أفق الإرادة وإنها دارت في كلّ بيت على كلّ هيئة إلى أن بلغت منتهى المقام أمراً من لدى الله مولى الأنام. وإنها هي مركز دائرة الأسماء ومِخْتَم ظهورات الحروف في ملكوت الإنشاء وبها برز ما دلّ على السرّ الأكتم والرمز المنمنم الظاهر الحاكي عن الاسم الأعظم في الصحيفة النوراء والورقة المقدسة المباركة البيضاء فلّما اتّصلت بالحرف الثاني البارز في أول المثاني دارت أفلاك البيان والمعاني وسطع نور الله الأبدي. وتقبّب على وجه سماء البرهان وصار منه النيران. تبارك الرحمن الذي لا يُشار بإشارة ولا يعبّر بعبارة ولا يُعرف بالأذكار ولا يُوصف بالآثار إنه هو الآمر الوهّاب في المبدأ والمآب وجعل لهما حُفّاظاً وحُرّاساً من جنود القدرة والاقتدار إنه هو المهيمن العزيز المختار." ("مجموعة من ألواح حضرة بهاءالله"، لوح الإشراقات، الصفحتين 3-4)

ويعود حضرة عبدالبهاء ويشرح المعاد والرجعة بما يلي:

... ولنذكر عنوان هذه المسألة من الإنجيل فقد صرّح فيه أنه لمّا ظهر يحيى بن زكريا وكان يبشّر الناس بملكوت الله سألوه ’مَن أنت؟ هل أنت المسيح الموعود؟‘ فأجاب: ’لستُ بالمسيح‘، ثمّ سألوه: ’أأنت إيليا؟‘ قال: ’لا‘. فمن هذا البيان ثبت وتحقّق أن حضرة يحيى بن زكريا ليس بإيليا المعهود، ولكن حضرة المسيح يوم التجلّي في جبل طابور صرّح بأن يحيى بن زكريا كان إيليا الموعود, ففي الآية 11 من إصحاح 9 من إنجيل مرقس يقول: ’فسألوه لماذا يقول الكَتَبَة أن إيليا ينبغي أن يأتي أولاً فأجاب وقال لهم إن إيليا يأتي أولاً ويردّ كلّ شيء وكيف هو مكتوب عن ابن الإنسان أن يتألم كثيراً ويُرذل لكن أقول لكم أن إيليا أيضاً قد أتى وعملوا به كلّ ما أرادوا كما هو مكتوب عنه.‘

وفي إنجيل متّى آية 13 إصحاح 17 يقول ’حينئذ فهِم التلاميذ أنه قال لهم عن يوحنا المعمدان‘ والحال أنهم سألوا يوحنا المعمدان هل أنت إيليا؟ قال لا، على أنه في الإنجيل يقول أن يوحنا المعمدان كان نفس إيليا الموعود، ويصرّح المسيح أيضاً بهذا، حينئذ كان حضرة يوحنا هو حضرة إيليا فلماذا قال لستُ إيليا؟ وإن لم يكن هو إيليا فكيف يقول حضرة المسيح أنه كان إيليا؟

إذاً لم يكن النظر إلى الشخصية في هذا المقام، بل النظر إلى حقيقة الكمالات أي أن تلك الكمالات التي كانت في حضرة إيليا كانت متحققة بعينها في يوحنا المعمدان فليس النظر هنا إلى الذات بل إلى الصفات. ("من مفاوضات عبدالبهاء"، الصفحة 86)

أمثلة على الرجعة

يتفضل حضرة بهاءالله في لوح خطاباً "نصير":

"وقد أرسل النقطة الأولى روح مَن في المُلك فداه إلى محمد حسن النجفي الذي كان من كبار العلماء والمشايخ ما مضمونه... إننا بعثنا عليّاً من مرقده وأرسلناه إليك بألواح مبين ولو عرفته وسجدت بين يديه في كلّ آن كان أفضل من عبادتك سبعين سنة وَلَكُنّا بعثنا من حرفك الأول محمد رسول الله ومن حرفك الثاني الحرف الثالث الذي هو الإمام الحسن ولكنكَ احتجبتَ عن هذا الشأن وخاطبناك بما ينبغي لك...

لاحظوا عظمة الأمر وأن عليّاً الذي أرسلناه إلى الشيخ المذكور كان الملاّ علي البسطامي." (مجموعة "ألوح مباركة حضرة بهاءالله"، الصفحتين 190-191)

ذكر المرحوم المجلسي في المجلد الثالث عشر من "بحار الأنوار" في باب الرجعة:

1- روى البُزَنطي بسنده عن حضرة الصادق أنه قال:

"أول من يَنشقّ الأرض عنه ويرجع إلى الدنيا الحسين بن علي عليه السلام."

2- روى حمّاد بسنده عن الإمام الباقر أنه قال:

"إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليّاً سيرجعان."

3- روى سعد عن حضرة الباقر بسنده أنه قال:

"أول من يرجع الحسين عليه السلام فيملك حتى تقع حاجباه على عينيه مِن الكبر."("قاموس الإيقان"، -فارسي- المجلد 2، الصفحة 765)

4- في خطبة لحضرة الأمير (علي) عليه السلام في شرح مقاماته العالية إلى أن يقول:

... إن لي الكرّة بعد الكرّة والرجعة بعد الرجعة وأنا صاحب الرجعات والكرّات وأنا صاحب الصولات والنقمات والدولات العجبات.

5- سُئل الإمام أبو عبد الله عن قوله تعالى "ويوم نحشر مِن كلّ أمّة فوجاً" قال ما يقول الناس فيها؟ قلت يقولون أنها القيامة، فقال أبو عبد الله: يحشر الله يوم القيامة من كلّ أمّة فوجاً ويترك الباقين إنما ذلك في الرجعة فأمّا آية القيامة فهذه: وحشرناهم فلم نغادر منهم أحداً...

وقد روى المجلسي أخباراً كثيرة كالتي ذُكرت وعيّن في عدة أحاديث دورة سلطنة الحسين في الرجعة بأربعين سنة. وعن حضرة الصادق أنه قال: "أول من يكرّ في الرجعة الحسين بن علي ويمكث في الأرض أربعين سنة حتى يسقط حاجباه على عينيه..."

... وقال الصدوق في رسالة العقايد: "اعتقادنا في الرجعة أنها حقّ..."

يتفضل حضرة بهاءالله عن رجعة الحسين بما يلي:

"هو العزيز العليم الباقي الكريم"

"... قل يا قوم إن لن تؤمنوا بهذه الآيات فبأيّ برهان آمنتم بالله مِن قبل فأتوا به ولا تكونن من الصابرين، قل يا قوم ألست ابن عليّ بالحق، أما سُمّيت بالحسين في جبروت الله المهيمن العزيز الكريم وأما قرأت عليكم في كلّ يوم من آيات عجزت الأفئدة عن إحصائها بل عقول المقربين..." (كتاب "لئالئ الحكمة"، المجلد 2، الصفحة 22)

ويقول الشيخ أحمد الأحسائي في رسالة العصمة والرجعة:

اعلم أن الرجعة سرّ من الأسرار الإلهية، وثمرة ونتيجة الإيمان بالغيب هو الإقرار بالرجعة والمراد من الرجعة هو أن الأئمة عليهم السلام والشيعة وأعداء الأئمة، يعني المؤمنين المخلصين والأعداء اللدودين سيرجعون وأن الناس الذين هلكوا في هذه الدنيا نتيجة العذاب لا يرجعون ولا يعودون إلى هذه الدنيا. ("قاموس الإيقان"، -فارسي- المجلد 2، الصفحة 766)

"ادخلوها بسلام آمنين"

كانت هذه الآية المباركة هي أول ما طرق سمع الملاّ حسين البشروئي (باب الباب) حين دخوله من عتبة باب منزل حضرة الأعلى (الباب) في شيراز يوم 4 ليلة 5 جُمادى الأولى أي ليلة إعلان دعوة حضرة الباب للملاّ حسين المذكور سنة 1260ه‍ حيث سمع النداء الذي كان مؤهلاً لسماعه منذ القِدَم وبه دخل الجنة فكان أول رجل يدخلها وتشرّف بلقاء الله، ولم يكن ذلك الأمر مصادفة فإن حقيقة الملاّ حسين القديمة تمنّت هذا اليوم الذي تدخل فيه جنة اللقاء وتحقّق له حكم الآية: "أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر".

تحقّق للملاّ حسين البشروئي ما تمنّى وذلك فيما ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم في أحاديثه: وعن جابر رضي الله عنه قال:

"قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَن قال حين بسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة والدرجة الرفيعة وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته، إلاّ حلّت له الشفاعة يوم القيامة. (رواه البخاري ومسلم)

وكما قال أحمد، أنبأنا سفيان عن ليث عن كعب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا صلّيتم فسلوا الله لي الوسيلة، قيل يا رسول الله وما الوسيلة؟ قال أعلى درجة في الجنة لا ينالها إلاّ رجل واحد، وأرجو أن أكون أنا هو.

ولمسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا أول الناس يشفع في الجنة، وأنا أكثر الناس تبعاً يوم القيامة، وأنا أول من يقرع باب الجنة. (رواه البخاري ومسلم)

(كتاب "اليوم الآخر في ظلال القرآن"، الصفحتين 315-316)

ونلقي مزيداً من الضوء على موضوع المعاد والرجعة في الآيات التالية النازلة من قلم حضرة بهاءالله في "سورة وفا" قوله تعالى:

"... أمّا ما سألتَ في المعاد فاعلم بأن العَوْد مثل البدء وكما أنت تشهد البدء [ظهور حضرة الأعلى] كذلك فاشهد العَوْد [ظهور حضرة بهاءالله] وكن من الشاهدين بل فاشهد البدء نفس العَوْد وكذلك بالعكس لتكون على بصيرة منير... وأمّا عَوْد الذي هو مقصود الله في ألواحه المقدس المنيع وأخبر به عباده هو عَوْد الممكنات في يوم القيامة وهذا أصل العَوْد كما شهِدتَ في أيام الله وكنتَ من الشاهدين... فاشهد في ظهور نقطة البيان جل كبرياؤه إنه حكم لأول من آمن بأنه محمد رسول الله هل ينبغي لأحد أن يعترض ويقول هذا عجمي وهو عربي أو هذا سُمي بالحسين وهو كان محمداً في الاسم؟... وإن فَطِنَ البصير لن ينظر إلى الحدود والأسماء بل ينظر بما كان محمداً عليه وهو أمر الله وكذلك ينظر في الحسين على ما كان عليه من أمر الله... ولمّا كان أول من آمن بالله في البيان على ما كان عليه محمد رسول الله لذا حَكَمَ عليه بأنه هو هو أو بأنه عَوْده ورجعه. وهذا المقام مقدس عن الحدود والأسماء ولا يُرى في هذا إلاّ الله الواحد الفرد العليم. ثمّ اعلم بأنه في يوم الظهور لو يحكم على ورقة من الأوراق كلّ الأسماء من أسمائه الحسنى ليس لأحد أن يقول لِمَ وبِمَ ومن قال فقد كفر بالله وكان من المنكرين." (كتاب "مجموعة من ألواح حضرة بهاءالله"، الصفحتين 173-174)

رأى علي خان [حاكم قلعة ماه كو] رؤيا قال: "رأيت كأني أُخبِرت فجأة بعزم محمد رسول الله على المجيء إلى ماه كو وأنه سوف يحضر إلى القلعة ليزور الباب وليهنئه بعيد النوروز فخرجت جرياً لمقابلته وأنا مشتاق لأقدّم خضوعي وترحيبي لزائر مقدس مثله، وبفرح لا يوصف أسرعت لناحية النهر، ولما وصلتُ إلى القنطرة التي هي على بُعد ميدان [جزء من فرسخ] من بلدة ماه كو، رأيت اثنين قادمين نحوي وظننت أن أحدهما رسول الله نفسه والآخر الذي يسير خلفه أحد أصحابه الممتازين، فأسرعت إلى الوقوع على أقدامه وانحنيت لأقبّل طرف ردائه وإذ ذاك استيقظت فجأة... وإذ أيقنت بصحة رؤياي... ذهبت إلى تلك البقعة التي نظرتُ فيها في الرؤيا وجهَ الرسول وأمرتُ أحد أتباعي أن يسرج لي ثلاث جياد من خيارها وأسرعها وأن يقودها إلى القنطرة. وعند طلوع الشمس خرجت وحدي وبدون حرس ومررت في مدينة ماه كو في طريق النهر وما كدت أصل إلى القنطرة حتى عجبت لرؤيتي الرجلين اللذين شاهدتهما في الرؤيا يمشيان الواحد خلف الآخر ويسيران نحوي وبدون أيّ تفكّر وقعت على قدم الشخص الذي اعتقدت أنه الرسول وقبّلته بإخلاص ورجوته هو ورفيقه أن يركبا الجياد التي أحضرها أحد أتباعي بقية الطريق... لكنه رفض طلبي قائلاً: كلاّ لقد أقسمت أن أقوم بالرحلة كلّها سيراً على الأقدام وسأمشي إلى قمة هذا الجبل حيث سأقوم بزيارة سجينك. (من كتاب "مطالع الأنوار"، الصفحة 204)

لم يكن هذا الزائر سيدنا محمد كما رأى علي خان في حلمه بل كان الملاّ حسين البشروئي...

ويتفضل حضرة بهاءالله في "كتاب الإيقان" أيضاً:

إذا فادرك الآن حكم الرجوع الذي نزل في نفس الفرقان بتلك الدرجة من الصراحة، والذي ما فهمه أحد إلى اليوم. والآن فماذا تقول؟ لو تقول أن محمداً كان رجعة الأنبياء الأولين كما هو مستفاد من الآية،[1] فكذلك أصحابه أيضاً هم رجعة أصحاب الأنبياء الأولين، حيث أن رجعة عباد القبل واضحة ولائحة أيضاً من الآيات المذكورة. ولو ينكرون ذلك يكونون قائلين بخلاف حكم الكتاب الذي هو الحجة الكبرى. إذاً فادرك أنت على هذا المنوال حكم الرجع والبعث والحشر الذي كان في أيام ظهور مظاهر الهوية، حتى ترى بعينيّ رأسك رجوع الأرواح المقدسة في الأجساد الصافية المنيرة، وتزيل غبار الجهل، وتطهر النفس الظلمانية بماء الرحمة المتدفق من العِلم الرحماني، لعل تُميّز سبيل الهداية من ليل الضلالة بسراجه النوراني، وتُفرّق بينهما بقوة الرحمن وهداية السبحان...

... إن جميع الأنبياء هم هياكل أمر الله، الذين ظهروا في أقمصة مختلفة... فإذاً لو

يقول أحد من هذه المظاهر القدسية، إني رجعة كلّ الأنبياء فهو صادق. وكذلك يثبت في كلّ ظهور لاحق صدق رجوع الظهور السابق. وإذا كان قد ثبت رجوع الأنبياء وفقاً للآيات وطِبقاً للأخبار كذلك يثبت ويتحقّق رجوع الأولياء أيضاً وهذا الرجوع أظهر من أن يحتاج إلى أيّ دليل أو برهان... (الصفحات 119-121)

رجعة الأولياء والمؤمنين

أمّا عن رجعة الأولياء والمؤمنين فيتفضل حضرة بهاءالله بقوله العزيز:

"... اكرعوا يا أهل الأرض والسماء كأس البقاء من أنامل البهاء في هذا الرضوان العلي الأعلى. تالله مَن فاز برشح منها لن يتغير بمرور الزمان ولن يؤثر فيه كيد الشيطان، ويبعثه الله عند كلّ ظهور بجمال قدس عزيز..." (من كتاب "رسالة الأيام التسعة"، الصفحة 137)



1 الآية الخاصة بالبيان المذكور أعلاه "قد جاءكم رسل من قَبْلي بالبينات وبالذي قلتم فَلِم قتلتموهم إن كنتم صادقين" [سورة آل عمران، الآية 183]

(المرجع: قاموس الإيقان -فارسي- المجلد 3، الصفحة 1225)

Powered By Blogger