Friday, June 26, 2009

في تفسير بسم الله الرحمن الرحيم-(2)


في تفسير بسم الله الرحمن الرحيم-(2)

و ايضاً قال فی شرح القصيدة و هو باء بسم اللّه الرحمن الرحيم الّتی ظهرت الموجودات فيها و هی الالف المبسوطة و شجرة طوبی و اللوح الأعلی. فاذا اطّلعت بهذه الاسرار و أشرق عليک الانوار و هتکت الاستار و خرقت الحجبات المانعة عن مشاهدة العزيز الجبّار و شربت الرحيق فی الکأس الانيق من يد الرحمن فی رياض العرفان و لاحظتک عين العناية بجود واحسان و عرفت حقائق المعانی و الرموز و الاسرار الفائضة من حرف الاسم الاعظم فی عالم الانوار قل تعالی من هذا السرّ العجيب و تبارک اللّه من هذا الکنز الغريب و القدرة و القوّة و العزّة و الکبرياء للناطق بالحقّ و الهدی من هذا الحرف الّذی جمع الحقائق و المعانی کلّها و دقائق الکلمات باسرها حتّی الزبر و الصحف الأولی و ألواح ملکوت ربّک الأبهی و هذا بيان فی منتهی الاجمال و تبيان فی غاية الاختصار فی معانی هذا الحرف الکريم من النبأ العظيم فانّ أطلق زمام جواد المداد فی مضمار المعانی الکلّيّة و الحقائق الجليلة الّتی تتموّج کالبحار و تتلاطم کالمحيط الزخّار فی حقيقة سرّ الاسرار، الساری فی بواطن هذا الحرف المبين و النور القديم لضاقت صفحات الآفاق و تتابع هذا الاشراق. مستمرّاً فی مطالع الاوراق و لکن أين المجال فی مثل هذه الاحوال و انّی لهذا الطير المنکسر الجناح الطيران فی أوج العرفان بعد ما حجبت الابصار عن مشاهده الانوار و صمت الآذان عن استماع نداء الرحمن و القوم فی حجاب عظيم و ضلالهم القديم لعلّ اللّه بيد القدرة العظمی يشقّ الحجبات الظلماء عن أعين الرمداء و البصائر المبتلية بالعمی عند ذلک تسمع نغمات عندليب الوفاء علی أفنان دوحة الذکری. و أمّا الآن نمسک العنان فی ميدان التبيان و نبتدء ببيان معنی الاسم و نقول انّ الاسماء الالهيّة مشتقّة من الصفات الّتی هی کمالات لحقيقة الذات و هی أی الاسماء فی مقام أحديّة الذات ليس لها ظهور و تعيّن و لا سمة و لا اشارة و لا دلالة بل هی شؤون للذات بنحو البساطة و الوحدة الاصليّة ثمّ فی مقام الواحديّة لها ظهور و تعيّن و تحقّق و ثبوت و وجود فائض منبعث من الحقيقة الرحمانيّة علی الحقائق الروحانيّة و الکينونات الملکوتيّة فی حضرة الاعيان الثابتة. فمن ثمّ انّ الذات من حيث الربوبيّة لها تجلّيات و اشراقات علی الحقائق الکونيّة و الموجودات الامکانيّة. يستغرق بها تلک الحقائق فی مقتضياتها و آثارها و شؤونها و کمالاتها و أسرارها فی الحقيقة الاولی بالوجه الأعلی فبذلک الاعتبار أی أحديّه الذات الاسم عين المسمّی و حقيقته و هويّته و ليس له وجود زائد ممتاز عن الذات فانّ الوجود امّا عين الماهيّة أو غيرها. فاذا کان غيرها هل هو ملازم لها و من مقتضاها من غير تعطيل و أنفکاک أو جاز التعطيل و الانفکاک فالأوّل حقيقة الذات من حيث أحديتّه وجوده عين ماهيّته و ماهيّته عين وجوده و الثانی مقام الوجوب فالوجود ممتاز عن الماهيّة و ملازم لها بوجه لا يتصوّر الانفکاک و لا يتخطّر الانفصال لانّه من مقتضاها و الثالث مقام الامکان أی الوجود المستفاد من الغير المکتسب عمّن سواه. فوجوده غير ماهيّته و ماهيّته غير وجوده مع جواز الانفکاک و الانفصال و مثله فی المضيئات. فانظر فی جرم القمر حال کونه ساطعاً منيراً لامعاً. انّما اکتسب و استفاد النور من الشمس و غير ملازم له و يجوز انفکاکه منه و هذا مقام الوجود الامکانی و شأنه الحدوث فی عالم الکيان. لانّ الماهيّة غير الوجود و الوجود غير الماهيّة و يجوز الانفکاک بينهما. و أمّا الشمس مع وجود الجرم و الضياء أی الماهيّة و الوجود بالاستقلال و الامتياز بينهما الالتزام و الاقتضاء أی الضياء ملازم لجسمها و جسمها مقتضی له بوجه لا انفکاک و لا انفصال و لا انقطاع. لانّها شمس بوجوب الضياء و اذ وقع أدنی توهّم التعطيل سقطت عن الوجوب الذاتی و الضياء الاستقلالی و ثبت الاستفادة و الاستفاضة من الغير و هذا شأن الامکان ليس شأن الوجوب. و امّا حقيقة النور بذاته فی ذاته فشعاعه عين جسمه و جسمه عين شعاعه أی ماهيّته عين وجوده و وجوده عين ماهيّته لا تتصوّر الکثرة و الامتياز و لا تتوهّم الغيريّة و الاختلاف. و هذا مقام الوجود البحت و واحديّة الذات. مع بساطة و وحدة الاسماء و الصفات. فاذا کان الوجود المفهوم المحاط الواقع تحت التصوّر و الادراک من حيث حقيقته المجرّدة عن النسب و الاضافات هويّة مقدّسة عن الکثرات فی أحديّة الذات فما ظنّک بالحقيقة البسيطة الکلّيّة الّتی هی محيطة بالحقائق و الادراکات و منزّهة عن الاوهام و الاشارات بل عن کلّ وصف و نعت من جوهر الأحديّة و ساذج الواحديّة. لانّها حقيقة صمدانيّة مجرّدة عن کلّ سمة و اشارة و دلالة فهل يتصوّر فيها التکثّر و التعدّد و الامتياز من حيث کمالات الذات و وجه تعلّقه بالصفات و جامعيّة للاسماء الالهيّة و الربوبيّة المقتضية لوجود الممکنات. أستغفر اللّه عن ذلک تبارک اسم ربّک ذو الجلال و الاکرام. فبهذا الدليل و البرهان و المکاشفة و العيان ثبت انّ الاسم فی الحقيقة الاولی عين المسمّی و کنهه و هويّته و ذاته و حقيقته لانّ الاسماء و الصفات فی الحقيقة تعبيرات کماليّة و عنوانات حقيقة واحدة. کان اللّه و لم يکن معه شیء و هذا بيان شاف کاف ظاهر باهر لا رموز و لا غموض يزيل کلّ حجاب و يکشف کلّ نقاب عن وجه الحقيقة عند من بلغ مقام المکاشفة و الشهود. بتأييد من الربّ الودود. و المقصود من الاسماء معانيها المقدّسة و حقائقها المنزّهة. عن کلّ دلالة و اشارة فانّ الاسماء المنطوقة الملفوظة باعانة الهواء فی عالم الشهادة لا شکّ انّها غير المسمّی لانّها اعراض تعتری الهواء و اشارات للمعانی الموجودة المعقولة فی الافئدة المقدّسة و العقول المجرّدة بل المراد المعنی القائم بالذات بوجه البساطة و الوحدة دون شائبة الامتياز فلنختصر فی بيان الاسم و نذکر معانی الاسم الجليل و الذکر الحکيم و العنوان الالهی فی لسان القاصی و الدانی. أی اسم الجلالة المتصرّف فی عالم الغيب و الشهادة و نقول انّ المفسرّين و المأوّلين من أهل الظاهر و الباطن و اللبّ و القشور بمثل ما تحيرّت عقولهم و ذهل شعورهم. فی ادراک کنه ذات الأحديّة و حقيقة صفاته الکماليّة. قد تکثّرت بياناتهم و تعددّت تعريفاتهم و اختلفت معانيهم و احتارت عقولهم و عجزت نفوسهم فی بيان حقيقة مفهوم هذا الاسم الکريم و العلم العظيم و اشتقاقه قوم ذهبوا انّ اللام للتعريف و الاله اسم مصدر بمعنی المألوه کالکتاب بمعنی المکتوب و قالوا معناه المعبود بالاستحقاق و المنعوت بکلّ کمال جامع عند ملأ الآفاق و قوم اعتقدوا انّ معناه و فحواه المحتار فی ادراک کنهه کلّ العقول و النفوس علی الاطلاق و أمثال ذلک کما هو المذکور فی الکتب و الاوراق. و أصحّ الاقوال عند المحقّقين منهم انّه علم للذات المستجمع لجميع الصفات الکماليّة الفائض بالوجود و الشؤون الالهيّة علی الموجودات الکونيّة و اختصروا علی ذلک و نحن لسنا بصدد ذلک و لا نسلک فی أضيق المسالک بل نقول انّ هذه الکلمة الجامعة و الحقيقة الکاملة من حيث دلالتها علی کنه الذات البحت البات لا يتصوّر عنها الاشارة و لا تدخل فی العبارة. أمّا من حيث ظهور الحقّ سبحانه و تعالی بمظهر نفسه و استقراره و استوائه علی العرش الرحمانی. هذه الکلمة الجامعة بجميع معانيها و مبانيها و اشاراتها وبشاراتها و شؤونها و حقائقها و آثارها و أنوارها و باطنها و ظاهرها و غيبها و شهودها و سرّها و علانيتها و أطوارها وأسرارها ظاهرة باهرة ساطعة لامعة فی الحقيقة الکلّيّة الفردانيّة و السدرة اللاهوتيّة و الکينونة الربّانيّة و الذاتيّة السبحانيّة، الهويّة المطلقة المجلّيّة بصفتها الرحمانيّة و شؤونها الصمدانيّة، الناطقة فی غيب الامکان قطب الاکوان، المشرقة فی سيناء الظهور طور النور فاران الرحمن المتکلّمة فی سدرة الانسان. انّی أنا اللّه الظاهر الباهر المتجلّی علی آفاق الامکان بحجّة و برهان و قدرة و قوّة أحاطت ملکوت الاکوان خضعت الاعناق لآياتی و خشعت الاصوات لسلطانی و شاخصت الابصار من أنواری و ملئت الآفاق من أسراری و قامت الاموات بنفحاتی و استيقظت الرقود من نسماتی و حارت العقول فی تجلّياتی و اهتزّت النفوس من فوحاتی و قرّت العيون بکشف جمالی و تنورّت القلوب بظهور آثاری و انشرحت الصدور فی جنّة لقائی و فردوس عطائی. فآه آه يا ايّها السائل الناظر الی الحقّ بعين الخلق، المستوضح الدليل من ابناء السبيل لو استمعت باذن الخليل لسمعت الصريخ و العويل و الانين و الحنين من حقائق الموجودات و الالسنة الملکوتيّة من الممکنات بما غفل العباد و ضلّوا عن الرشاد فی يوم الميعاد عن الصراط الممتدّ بين ملکوت الأرض و السموات. مع انّ کلّ الأمم مبشّرة و موعودة فی صحائف اللّه و کتبه و صحفه و زبره بصريح العبارة، المستغنية عن الاشارة، بهذا الظهور الاعظم و النور الاقدم و الصراط الاقوم و الجمال المکرّم و النيّر الافخم. فاذا راجعت تلک الصحائف و الرّقاع تجدها ناطقة بانّ هذا القطر العظيم و الاقليم الکريم منعوت بلسان الانبياء و المرسلين، موصوف و موسوم بانّه أرض مقدّسة و خطّة طيّبة طاهرة و انّها مشرق ظهور الرّبّ بمجده العظيم و سلطانه القويم و انّها مطلع آياته و مرکز راياته و مواقع تجلّياته و سيظهر فيها بجنود حياته و کتائب أسراره و انّها البقعة البيضاء و انّ فيها الجرعاء بوادی طوی و فيها طور سيناء و مواضع تجلّی ربّک الأعلی. علی أولی العزم من الانبياء. و فيها الوادی الايمن البقعة المبارکة و الوادی المقدّس و فيها سمع موسی بن عمران نداء الرحمن من الشجرة المبارکة الّتی أصلها ثابت و فرعها فی السماء. و فيها نادی يحيی بن زکريّا يا قوم توبوا قد اقترب ملکوت اللّه. و فيها انتشرت نفحات روح اللّه و رفع منه النداء . ربّی ربّی الهی الهی ايّدنی بروحک علی أمرک الّذی تزلزل منه أرکان الأرض و قواة السماء. و فيها المسجد الاقصی . الّذی بارک اللّه حوله و اليها أسری بالجمال المحمّدی فی ليلة الاسراء. ليری من آيات ربّه الکبری و وروده عليها هو العروج الی الملکوت الأعلی و الافق الأبهی. فتشرّف بلقاء ربّه و سمع النداء و اطّلع باسرار الکلمة العليا و بلغ سدرة المنتهی و دنی فتدلّی فکان قاب قوسين أو أدنی و دخل الجنّة المأوی و الفردوس الأعلی و أراه اللّه ملکوت الأرض و السماء. کلّ ذلک بوفوده علی ربّه فی هذه البقعة المبارکة النوراء و هذه الحظيرة المقدّسة البيضاء و هذا کلّه صريح الآية من غير تفسير و تأويل و اشارة لا ينکره الّا کلّ معاند جحود جهول و لا يتوقّف فی الاذعان به الّا کلّ من انکر صحف اللّه و زبره و نعوذ باللّه من کلّ لجوج و عنود. و اذا عاند معاند و قال تلک الاوصاف و النعوت و المحامد الّتی شاعت و ذاعت فی صحائف الملکوت انّما حازها هذا الاقليم الکريم و القطر العظيم حيث کان منشأ الانبياء و موطن الاصفياء و ملجأ الاتقياء و ملاذ الاولياء. فی زمن الأوّلين فالجواب القاطع و البرهان الساطع انّ اللّه شرّف و بارک و قدّس هذه البقعة النوراء. بتجلّياته و ظهور آياته و نشر راياته و بعث رسله و انزال کتبه. و ما نبيّ و لا رسول الّا و هو بعث منها. أو هاجر اليها. أو تشرّف بطوافها أو کان معراجه فيها. فالخليل آوی الی کهف الربّ الجليل فيها و موسی بن عمران سمع نداء الربّ المنّان. من الشجرة المبارکة المرتفعة فی طور سيناء فيها و الی الآن لم يلتفتوا الناس ما معنی هذه الواقعة العظيمة المذکورة فی کلّ الصحف و الزبر و ما هذه الشجرة المبارکة زيتونة لا شرقيّة و لا غربيّة يکاد زيتها يضیء و لو لم تمسسه نار نور علی. نور فالشجرة هذه الحقيقة الظاهرة الباهرة اليوم . الناطق من فی نارها بورک من فی النار فموسی ابن عمران کان يسمع هذا النداء منها و ذلک الاستماع و الاصغاء مستمرّ الی الآن. لانّ حدود الزمان ليس لها حکم فی عالم الرحمن و مقامات الالوهيّة و الربوبيّة المقدّسة عن الوقت و الأوان. جميع الازمنة فيها زمن واحد و الاوقات وقت واحد و فيها يتعانق الماضی و الحال و الاستقبال لأنّه عالم أبد سرمد دهر ليس له أوّل و لا آخر فلذرجع الی بيان ما کنّا فيه و نقول و انّ المسيح نادی ربّه لبيّک اللّهمّ لبيّک فی جبالها و سهولها و انتشرت روائح قدسه فيها و الحبيب أسری به اليها و تشرّف بلقاء ربّه و رأی آياته العظمی فی مشارقها و مغاربها بوفوده عليها و قس علی ذلک سائر الانبياء و المرسلين. الی ان ظهر هذا الامر المبين الکريم و النبأ العظيم و السرّ القديم و دار فی الاقطار الشاسعة و الاقاليم الواسعة الی ان تلألأ هذا الاشراق فی هذه الآفاق و استقرّ العرش الاعظم فی هذا القطر المکرّم. فلو کان شرفها و عزّها و سموّها و تقديسها وتنزيهها لبعث الانبياء فيها و هجرتهم اليها و وفودهم عليها لما خوطب موسی بن عمران "فاخلع نعليک انّک بالوادی المقدّس طوی" لو کانت البقعة المبارکة شرفها بقدومه لما امر بخلع نعله بخضوع و خشوع الّذی من لوازم آداب الوفود علی ملک کريم و سلطان عظيم و قال "بورک من فی النار" و بهذه کفاية لمن ألقی السمع و هو شهيد و الّا ولو يأتيهم بکلّ آية لن يؤمنوا بها و "ما تغنّی الآيات و النذر" صدق اللّه العظيم . و فی کتاب محيی الدين انّ هذه الأرض المقدّسة أرض ميعاد أی تقوم فيها القيامة الکبری و هی البقعة البيضاء. و انّ الملحمة الکبری بمرج عکّا و تصبح أرضها کلّ شبر منها بدينار و فی جفر ابن مجله انّ مرج عکّا مأدبة اللّه و اذا أردنا بيان الاحاديث و الاخبار و الروايات الواردة فی مناقب هذه الأرض المقدّسة ليطول بنا الکلام و نقع فی الملام. فاختصرنا بما هو صريح القرآن و اشرنا مجملاً لما هو فی الصحف الاولی و السلام علی من اتّبع الهدی.(المكاتيب-ج1-حضرة عبد البهاء)

وانتظرونا وبقية هذا التفسير في مقالنا القادم


Sunday, June 14, 2009

تفسير البسملة (بسم الله الرحمن الرحيم(1)

بسم اللّه الرحمن الرحيم


اعلم انّ البسملة عنوانها الباء و انّ الباء التدوينی هی الحقيقة المجملة الجامعة الشاملة للمعانی الالهيّة و الحقائق الربّانيّة و الدقائق الصمدانيّة و الاسرار الکونيّة. و هی فی مبدء البيان و جوهر التبيان عنوان الکتاب المجيد و فاتحة منشور التجريد بظهور لا اله الّا اللّه کلمة التوحيد و آية التفريد و التقديس. من حيث الاجمال و التفصيل و انّ الباء التکوينی هی الکلمة العليا و الفيض الجامع اللامع الشامل المجمل الحائز للمعانی و العوالم الالهيّة و الحقائق الجامعة الکونيّة. بالوجه الأعلی. لانّ التدوين طبق التکوين و عنوانه و ظهوره و مثاله و مجلاّه و تجلّيه و شعاعه عند تطبيق المراتب الکونيّة بالعالم الأعلی فانظر فی منشور هذا الکون الالهی تلقاه لوحاً محفوظاً و کتاباً مسطوراً و سفراً جامعاً و انجيلاً ناطقاً و قرآناً فارقاً و بيانا" واضحاً. بل أمّ الکتاب الّذی منه انتشر کلّ الصحائف و الزبر و الالواح و انّ الموجودات و الممکنات و الحقائق و الاعيان کلّها حروف و کلمات و أرقام و اشارات تنطق بافصح لسان و ابدع بيان بمحامد موجدها و نعوت منشئها و تسبيح بارئها و تقديس صانعها. بل کلّ واحدة منها قصيدة فريدة غرّا ء و خريدة بديعة نوراء "قل لو کان البحر مداداً لکلمات ربّی لنفد البحر قبل أن تنفد کلمات ربّی ولو جئنا بمثله مدداً" و لا يحيطون بشیء من علمه و هذا الرق المنشور و حقيقة الزبور المحتوی علی کلمات الوجود منظوماً و منثور . تلاه علينا الربّ الغفور تلاوة آيات الکينونة بسرّ البينونة اجمالاً و تفصيلا من حيث الايجاد من الغيب الی الشهود. و لا زالت هذه الکلمات صادرة و الآيات نازلة و البيّنات واضحة و المعانی ظاهرة و الحقائق بارزة و الاسرار کاشفة و الرموز سافرة و الالسن ناطقة. سرمداً أبداً فی هذه النشأة الکبری و مجالی القدرة العظمی، فسبحان ربّی الأعلی طوبی لاذن واعية و أسماع صاغية و أفئدة صافية و ادراکات کافية تنتبه لاستماع هذه الآيات الجليلة و ادراک المعانی الکلّيّه الالهيّة.
و لنرجع الی بيان الباء و نقول انّها متضمنّة معنی الالف المطلقة الالهيّة بشؤونها و أطوارها اللينية و القائمة و المتحرّکة والمبسوطة و نحوها فی البسملة الّتی هی عنوان کتاب القدم بالطراز الأوّل، المشتملة علی جميع المعانی الالهيّة و الحقائق الربّانيّة و الاسرار الکونيّة المبتدء فيها بالحرف الأوّل، من الاسم الاعظم . بالوجه الاتمّ الاقوم کما قال امام الهدی جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام فی تفسير البسملة "الباء بهاء اللّه" و القوم انّما اعتبروا الحذف و التقدير للالف بين الباء و السين جهلاً و سفهاً. حيث لم ينتبهوا لمعرفة الآيات الباهرة و البيّنات الظاهرة و الجامعية الکاملة الشاملة الزاهرة السافرة فی هذا الحرف المجيد و السرّ الفريد. لانّها متضمنّة بالوجه الأعلی جميع المعانی الکلّية المندمجة المندرجة فی هويّة الحروفات العاليات و الکلمات التامّات. أما تری انّ الالف ظهرت فی سبح اسم ربّک الأعلی و اقرأ باسم ربّک و باسم اللّه مجريها و مرسيها. لا سيّما انّها أی الباء الف مطلقة الهية فی غيبها و ألف مبسوطة فی شهادتها و عينها فاجتمعت الشهادة و الغيب و العلم و العين و الباطن و الظاهر و الحقيقة و الشؤون فی هذا الحرف الساطع البارع الصادع العظيم. و انّ سائر الحروف و الکلمات شؤونها و أطوارها و آثارها و أسرارها. فانّها مبدء الوجود .
و مصدر الشهود فی عالمی التکوين و التدوين و انّها عنوان الکتب الالهيّة و الصحف الربّانيّة و الزبر الصمدانيّة. فی البسملة الّتی هی فاتحة الالواح و الاسفار و الصحائف و القرآن العظيم. و هذه الکتب باجمعها و اتمّها و أکملها و جميع معانيها الالهيّة المندرجة المندمجة فی حقيقة کلماتها سارية جارية فی هويّة هذا الحرف الکريم و العنوان المجيد کما هو مسلّم عند أولی العلم. و مروی عن علی عليه السلام انّ کلّ ما فی التوراة و الانجيل و الزبور فی القرآن و کلّ ما فی القرآن فی الفاتحة و کلّ ما فی الفاتحة فی البسملة و کلّ ما فی البسملة فی الباء و کلّ ما فی الباء فی النقطة. و المراد من النقطة الالف اللينية الّتی هی باطن الباء و عينها فی غيبها و تعينّها وتشخصّها و تميزها فی شهادتها.
و قد صرح به من شاع و ذاع فی الآفاق علمه و فضله السّيّد الأجلّ الرشتی فی ديباجة کتابه و فصل خطابه شرحاً علی القصيدة اللاميّة.
"فقال الحمد للّه الّذی طرّز ديباج الکينونة بسرّ البينونة بطراز النقطة البارز عنها الهاء بالالف بلا اشباع و لا انشقاق" فهذه النقطة هی الالف اللينية الّتی هی غيب الباء و طرازها و عينها و جمالها و حقيقتها و سرّها و کينونتها کما بيّنّاه آنفاً و هذه العبارة الجامعة اللامعة الواضحة الصريحة ما أبدعها و أفصحها و أبلغها و أنطقها. للّه درّ قائلها و ناطقها و منشئها الّذی اطّلع باسرار القدم و کشف اللّه الغطاء عن بصره و بصيرته و أيّده شديد القوی فی ادراکه و استنباطه و جعل اللّه قلبه مهبط الهامه و مشرق أنواره و مطلع أسراره و معدن لآلی حکمه. حتّی صرّح بالاسم الاعظم و السرّ المنمنم و الرمز المکرّم و مفتاح کنوز الحکم. بصريح عبارته و بديه اشارته و وضوح کلامه و رموز خطابه فانّک اذا جمعت النقطة الّتی هی عين الباء و غيبها و الهاء و الالف بلا اشباع و لا انشقاق استنطق منهنّ الاسم الاعظم الاعظم و الرسم المشرق اللائح فی أعلی أفق العالم، الجامع لجوامع الکلم، المشتهر اليوم بين الأمم. ثمّ انظر الی المتلبسين بالعلم المنتسبين الی ذلک المنادی فی أعلی النادی. کم من ليال تلوا هذه الخطبة الغرّاء . و کم من ايّام رتلّوا هذه الديباجة النوراء و لم يلتفتوا الی هذه الصراحة الکبری و هذه البشارة العظمی و الحال انّ هذه العبارة صريحة اللفظ واضحة المعنی، معلومة منطوقة من معالم التنزيل، و لا تحتاج الی تفسير و تأويل و ايضاح و تفصيل . ليثبت انّهم مصداق الآية المبارکة "انّک لا تهدی العمی عن ضلالتهم و لا تسمع الصمّ الدعاء انّک لا تهدی من أحببت و لکن اللّه يهدی من يشاء" و هذا الراسخ فی العلم الشهير الشريف. قد بيّن فی جميع المواضع من شرحه المنيف بعبارات شتّی و اشارات غير معمّی و بشارات أظهر من الصبح اذا بدا. سرّ هذا الظهور. الناطق فی شجرة الطور و السرّ المکنون و الرمز المصون و القوم يدرسون و يدرسون و لا يفهمون و لايفقهون بل فی طغيانهم يعمهون. ذرهم فی خوضهم يلعبون. و لو لا يطول بنا الحديث و نخرج عن صدد ما نحن به حثيث لبينّت بيانه و شرحت عباراته و أتيت بصريحه و کناياته و لکن فلنضرب صفحاً الآن عن هذا البيان و تترکه لزمان قدّره العزيز المنّان. و نعود الی ما کنّا فيه من انّ القرآن عبارة عن کلّ الصحف و الالواح و الفاتحة جامعة القرآن. و البسملة مجملة الفاتحة و الباء هی الحقيقة الجامعة للکلّ بالکلّ فی الکلّ. و انّ الحمد فاتحة القرآن و البسملة فاتحة الفاتحة و انّ الباء فاتحة فاتحة الفاتحة. و انّها لعنوان البسملة فی الصحف الاولی، صحف ابراهيم و موسی و الاناجيل الاربعة الفصحی و القرآن الّذی علمه شديد القوی و البيان النازل من الملکوت الأعلی و صحائف آيات ربّک الّتی انتشرت فی مشارق الأرض و مغاربها و لمّا نزلت سورة البراءة فی الفرقان. مجرّدة عن البسملة فابتدء فيها بالباء دون غيرها من الحروف لجامعيّتها و کامليّتها و عظيم برهانها و کثرة معانيها و قوّة مبانيها و انّها أی الباء أوّل حرف نطقت به ألسن الموحّدين و انشقّت به شفة المخلصين فی کور الظهور و الاختراع. بل أوّل حرف خرج من فم الموجودات و فاهت به أفواه الممکنات فی مبدأ التکوين و الابداع عند ما خاطب الحقّ سبحانه و تعالی خلقه فی ذرّ البقاء و نادی ألست بربّکم قالوا بلی. فابتدؤا بهذا الحرف الشفوی التامّ دون غيره من سائر الاحرف و بهذا ثبت له خصوصيّة ليس عليها کلام. و فی الباء الواقعة المتّصلة بخبر ليس فی الخطاب اشارة لطيفة بديعة يعرفها العارف الخبير و الناقد البصير فافهم و بالجملة انّ الباء حرف لاهوتی جامع لمعانی جميع الحروف و الکلمات و شامل لکلّ الحقائق و الاشارات و مقامه مقام جمع الجمع فی عالم التدوين و التکوين و الادلّة واضحة و البراهين قاطعة و الحجج بالغة فی ذلک. و انّها سبقت الاحرف الملکوتيّة و الارقام الجبروتيّة فی جميع الشؤون و المراتب و المقامات و التعينّات الخاصّة بالحروفات العاليات. فهو فی أعلی مقامات الوحدة و الاجمال فی الحقيقة الأولی علی الوجه الأعلی. و قد قال العالم البصير ما رأيت شيأ الّا و رأيت الباء مکتوبة عليه. فالباء المصاحبة للموجودات من حضرة الحقّ فی مقام الجمع و الوجود أی بی قام کلّ شیء و ظهر. و قال محيی الدين بالباء ظهر الوجود و بالنقطة تميّز العابد من المعبود و النقطة للتمييز و هو وجود العبد بما تقتضيه حقيقة العبودية انتهی. و النقطة فی هذا المقام آية الباء و رايتها و من علائمها و معالمها و تعيّن من تعيّناتها و بها تمييزها و تعريفها و تشخيصها. يا ايّها السائل المبتهل اذا اطّلعت علی بعض المعانی و الحقائق و العلوم من المنقول و المعقول، المودوع فی هذا الحرف الکريم، القديم الساطع الجامع المبين الّذی هو عنوان الاسم الاعظم العظيم قل فتبارک اللّه أحسن الناطقين و تعالی اللّه خير المقدّرين و نعم المنشئين. و قال السيّد السند فی شرح القصيدة و قد قال سبحانه و تعالی "اللّه نور السموات و الأرض" فاطلق النور علی الاسم الّذی هو العلّة لانّ الظاهر بالالوهيّة هو الاسم الاعظم الاعظم الی ان قال لقول مولانا و سيّدنا أبو عبد اللّه جعفربن محمّد الصادق عليهما آلاف التحيّة و الثناء من الملک الخالق فی تفسير البسملة انّ الباء بهاء اللّه. يا أيّهاالسائل فاکرع خمر المعانی من هذه الکأس الّتی ملئت من فيض عنايه الباری و تمعّن فی هذا التصريح الّذی قدّسه اللّه عن التفسير و التأويل حتّی تعرف أسرار اللّه المودعة فی هذا الحرف المجيد و الرکن الشديد. فثبت بالبرهان الواضح المبين و الدليل اللائح العظيم انّ الاسم الاعظم و الطلسم الاکرم و السرّ الاقدم هو عنوان جميع الکتب السماوية و الصحف و الالواح النازلة الالهيّة و مبتدء به فی اللوح المحفوظ و الرقّ المنشور و مستعان به فی أمّ الکتاب الّذی انتشر منه التوراة و الانجيل و الفرقان و الزبور. بل کان ملجأ منيعاً للانبياء و کهفاً رفيعاً و ملاذاً آمناً للاصفياء فی کلّ کور و دور من الاکوار و الادوار. (عبد البهاء)

Powered By Blogger