Sunday, June 14, 2009

تفسير البسملة (بسم الله الرحمن الرحيم(1)

بسم اللّه الرحمن الرحيم


اعلم انّ البسملة عنوانها الباء و انّ الباء التدوينی هی الحقيقة المجملة الجامعة الشاملة للمعانی الالهيّة و الحقائق الربّانيّة و الدقائق الصمدانيّة و الاسرار الکونيّة. و هی فی مبدء البيان و جوهر التبيان عنوان الکتاب المجيد و فاتحة منشور التجريد بظهور لا اله الّا اللّه کلمة التوحيد و آية التفريد و التقديس. من حيث الاجمال و التفصيل و انّ الباء التکوينی هی الکلمة العليا و الفيض الجامع اللامع الشامل المجمل الحائز للمعانی و العوالم الالهيّة و الحقائق الجامعة الکونيّة. بالوجه الأعلی. لانّ التدوين طبق التکوين و عنوانه و ظهوره و مثاله و مجلاّه و تجلّيه و شعاعه عند تطبيق المراتب الکونيّة بالعالم الأعلی فانظر فی منشور هذا الکون الالهی تلقاه لوحاً محفوظاً و کتاباً مسطوراً و سفراً جامعاً و انجيلاً ناطقاً و قرآناً فارقاً و بيانا" واضحاً. بل أمّ الکتاب الّذی منه انتشر کلّ الصحائف و الزبر و الالواح و انّ الموجودات و الممکنات و الحقائق و الاعيان کلّها حروف و کلمات و أرقام و اشارات تنطق بافصح لسان و ابدع بيان بمحامد موجدها و نعوت منشئها و تسبيح بارئها و تقديس صانعها. بل کلّ واحدة منها قصيدة فريدة غرّا ء و خريدة بديعة نوراء "قل لو کان البحر مداداً لکلمات ربّی لنفد البحر قبل أن تنفد کلمات ربّی ولو جئنا بمثله مدداً" و لا يحيطون بشیء من علمه و هذا الرق المنشور و حقيقة الزبور المحتوی علی کلمات الوجود منظوماً و منثور . تلاه علينا الربّ الغفور تلاوة آيات الکينونة بسرّ البينونة اجمالاً و تفصيلا من حيث الايجاد من الغيب الی الشهود. و لا زالت هذه الکلمات صادرة و الآيات نازلة و البيّنات واضحة و المعانی ظاهرة و الحقائق بارزة و الاسرار کاشفة و الرموز سافرة و الالسن ناطقة. سرمداً أبداً فی هذه النشأة الکبری و مجالی القدرة العظمی، فسبحان ربّی الأعلی طوبی لاذن واعية و أسماع صاغية و أفئدة صافية و ادراکات کافية تنتبه لاستماع هذه الآيات الجليلة و ادراک المعانی الکلّيّه الالهيّة.
و لنرجع الی بيان الباء و نقول انّها متضمنّة معنی الالف المطلقة الالهيّة بشؤونها و أطوارها اللينية و القائمة و المتحرّکة والمبسوطة و نحوها فی البسملة الّتی هی عنوان کتاب القدم بالطراز الأوّل، المشتملة علی جميع المعانی الالهيّة و الحقائق الربّانيّة و الاسرار الکونيّة المبتدء فيها بالحرف الأوّل، من الاسم الاعظم . بالوجه الاتمّ الاقوم کما قال امام الهدی جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام فی تفسير البسملة "الباء بهاء اللّه" و القوم انّما اعتبروا الحذف و التقدير للالف بين الباء و السين جهلاً و سفهاً. حيث لم ينتبهوا لمعرفة الآيات الباهرة و البيّنات الظاهرة و الجامعية الکاملة الشاملة الزاهرة السافرة فی هذا الحرف المجيد و السرّ الفريد. لانّها متضمنّة بالوجه الأعلی جميع المعانی الکلّية المندمجة المندرجة فی هويّة الحروفات العاليات و الکلمات التامّات. أما تری انّ الالف ظهرت فی سبح اسم ربّک الأعلی و اقرأ باسم ربّک و باسم اللّه مجريها و مرسيها. لا سيّما انّها أی الباء الف مطلقة الهية فی غيبها و ألف مبسوطة فی شهادتها و عينها فاجتمعت الشهادة و الغيب و العلم و العين و الباطن و الظاهر و الحقيقة و الشؤون فی هذا الحرف الساطع البارع الصادع العظيم. و انّ سائر الحروف و الکلمات شؤونها و أطوارها و آثارها و أسرارها. فانّها مبدء الوجود .
و مصدر الشهود فی عالمی التکوين و التدوين و انّها عنوان الکتب الالهيّة و الصحف الربّانيّة و الزبر الصمدانيّة. فی البسملة الّتی هی فاتحة الالواح و الاسفار و الصحائف و القرآن العظيم. و هذه الکتب باجمعها و اتمّها و أکملها و جميع معانيها الالهيّة المندرجة المندمجة فی حقيقة کلماتها سارية جارية فی هويّة هذا الحرف الکريم و العنوان المجيد کما هو مسلّم عند أولی العلم. و مروی عن علی عليه السلام انّ کلّ ما فی التوراة و الانجيل و الزبور فی القرآن و کلّ ما فی القرآن فی الفاتحة و کلّ ما فی الفاتحة فی البسملة و کلّ ما فی البسملة فی الباء و کلّ ما فی الباء فی النقطة. و المراد من النقطة الالف اللينية الّتی هی باطن الباء و عينها فی غيبها و تعينّها وتشخصّها و تميزها فی شهادتها.
و قد صرح به من شاع و ذاع فی الآفاق علمه و فضله السّيّد الأجلّ الرشتی فی ديباجة کتابه و فصل خطابه شرحاً علی القصيدة اللاميّة.
"فقال الحمد للّه الّذی طرّز ديباج الکينونة بسرّ البينونة بطراز النقطة البارز عنها الهاء بالالف بلا اشباع و لا انشقاق" فهذه النقطة هی الالف اللينية الّتی هی غيب الباء و طرازها و عينها و جمالها و حقيقتها و سرّها و کينونتها کما بيّنّاه آنفاً و هذه العبارة الجامعة اللامعة الواضحة الصريحة ما أبدعها و أفصحها و أبلغها و أنطقها. للّه درّ قائلها و ناطقها و منشئها الّذی اطّلع باسرار القدم و کشف اللّه الغطاء عن بصره و بصيرته و أيّده شديد القوی فی ادراکه و استنباطه و جعل اللّه قلبه مهبط الهامه و مشرق أنواره و مطلع أسراره و معدن لآلی حکمه. حتّی صرّح بالاسم الاعظم و السرّ المنمنم و الرمز المکرّم و مفتاح کنوز الحکم. بصريح عبارته و بديه اشارته و وضوح کلامه و رموز خطابه فانّک اذا جمعت النقطة الّتی هی عين الباء و غيبها و الهاء و الالف بلا اشباع و لا انشقاق استنطق منهنّ الاسم الاعظم الاعظم و الرسم المشرق اللائح فی أعلی أفق العالم، الجامع لجوامع الکلم، المشتهر اليوم بين الأمم. ثمّ انظر الی المتلبسين بالعلم المنتسبين الی ذلک المنادی فی أعلی النادی. کم من ليال تلوا هذه الخطبة الغرّاء . و کم من ايّام رتلّوا هذه الديباجة النوراء و لم يلتفتوا الی هذه الصراحة الکبری و هذه البشارة العظمی و الحال انّ هذه العبارة صريحة اللفظ واضحة المعنی، معلومة منطوقة من معالم التنزيل، و لا تحتاج الی تفسير و تأويل و ايضاح و تفصيل . ليثبت انّهم مصداق الآية المبارکة "انّک لا تهدی العمی عن ضلالتهم و لا تسمع الصمّ الدعاء انّک لا تهدی من أحببت و لکن اللّه يهدی من يشاء" و هذا الراسخ فی العلم الشهير الشريف. قد بيّن فی جميع المواضع من شرحه المنيف بعبارات شتّی و اشارات غير معمّی و بشارات أظهر من الصبح اذا بدا. سرّ هذا الظهور. الناطق فی شجرة الطور و السرّ المکنون و الرمز المصون و القوم يدرسون و يدرسون و لا يفهمون و لايفقهون بل فی طغيانهم يعمهون. ذرهم فی خوضهم يلعبون. و لو لا يطول بنا الحديث و نخرج عن صدد ما نحن به حثيث لبينّت بيانه و شرحت عباراته و أتيت بصريحه و کناياته و لکن فلنضرب صفحاً الآن عن هذا البيان و تترکه لزمان قدّره العزيز المنّان. و نعود الی ما کنّا فيه من انّ القرآن عبارة عن کلّ الصحف و الالواح و الفاتحة جامعة القرآن. و البسملة مجملة الفاتحة و الباء هی الحقيقة الجامعة للکلّ بالکلّ فی الکلّ. و انّ الحمد فاتحة القرآن و البسملة فاتحة الفاتحة و انّ الباء فاتحة فاتحة الفاتحة. و انّها لعنوان البسملة فی الصحف الاولی، صحف ابراهيم و موسی و الاناجيل الاربعة الفصحی و القرآن الّذی علمه شديد القوی و البيان النازل من الملکوت الأعلی و صحائف آيات ربّک الّتی انتشرت فی مشارق الأرض و مغاربها و لمّا نزلت سورة البراءة فی الفرقان. مجرّدة عن البسملة فابتدء فيها بالباء دون غيرها من الحروف لجامعيّتها و کامليّتها و عظيم برهانها و کثرة معانيها و قوّة مبانيها و انّها أی الباء أوّل حرف نطقت به ألسن الموحّدين و انشقّت به شفة المخلصين فی کور الظهور و الاختراع. بل أوّل حرف خرج من فم الموجودات و فاهت به أفواه الممکنات فی مبدأ التکوين و الابداع عند ما خاطب الحقّ سبحانه و تعالی خلقه فی ذرّ البقاء و نادی ألست بربّکم قالوا بلی. فابتدؤا بهذا الحرف الشفوی التامّ دون غيره من سائر الاحرف و بهذا ثبت له خصوصيّة ليس عليها کلام. و فی الباء الواقعة المتّصلة بخبر ليس فی الخطاب اشارة لطيفة بديعة يعرفها العارف الخبير و الناقد البصير فافهم و بالجملة انّ الباء حرف لاهوتی جامع لمعانی جميع الحروف و الکلمات و شامل لکلّ الحقائق و الاشارات و مقامه مقام جمع الجمع فی عالم التدوين و التکوين و الادلّة واضحة و البراهين قاطعة و الحجج بالغة فی ذلک. و انّها سبقت الاحرف الملکوتيّة و الارقام الجبروتيّة فی جميع الشؤون و المراتب و المقامات و التعينّات الخاصّة بالحروفات العاليات. فهو فی أعلی مقامات الوحدة و الاجمال فی الحقيقة الأولی علی الوجه الأعلی. و قد قال العالم البصير ما رأيت شيأ الّا و رأيت الباء مکتوبة عليه. فالباء المصاحبة للموجودات من حضرة الحقّ فی مقام الجمع و الوجود أی بی قام کلّ شیء و ظهر. و قال محيی الدين بالباء ظهر الوجود و بالنقطة تميّز العابد من المعبود و النقطة للتمييز و هو وجود العبد بما تقتضيه حقيقة العبودية انتهی. و النقطة فی هذا المقام آية الباء و رايتها و من علائمها و معالمها و تعيّن من تعيّناتها و بها تمييزها و تعريفها و تشخيصها. يا ايّها السائل المبتهل اذا اطّلعت علی بعض المعانی و الحقائق و العلوم من المنقول و المعقول، المودوع فی هذا الحرف الکريم، القديم الساطع الجامع المبين الّذی هو عنوان الاسم الاعظم العظيم قل فتبارک اللّه أحسن الناطقين و تعالی اللّه خير المقدّرين و نعم المنشئين. و قال السيّد السند فی شرح القصيدة و قد قال سبحانه و تعالی "اللّه نور السموات و الأرض" فاطلق النور علی الاسم الّذی هو العلّة لانّ الظاهر بالالوهيّة هو الاسم الاعظم الاعظم الی ان قال لقول مولانا و سيّدنا أبو عبد اللّه جعفربن محمّد الصادق عليهما آلاف التحيّة و الثناء من الملک الخالق فی تفسير البسملة انّ الباء بهاء اللّه. يا أيّهاالسائل فاکرع خمر المعانی من هذه الکأس الّتی ملئت من فيض عنايه الباری و تمعّن فی هذا التصريح الّذی قدّسه اللّه عن التفسير و التأويل حتّی تعرف أسرار اللّه المودعة فی هذا الحرف المجيد و الرکن الشديد. فثبت بالبرهان الواضح المبين و الدليل اللائح العظيم انّ الاسم الاعظم و الطلسم الاکرم و السرّ الاقدم هو عنوان جميع الکتب السماوية و الصحف و الالواح النازلة الالهيّة و مبتدء به فی اللوح المحفوظ و الرقّ المنشور و مستعان به فی أمّ الکتاب الّذی انتشر منه التوراة و الانجيل و الفرقان و الزبور. بل کان ملجأ منيعاً للانبياء و کهفاً رفيعاً و ملاذاً آمناً للاصفياء فی کلّ کور و دور من الاکوار و الادوار. (عبد البهاء)

No comments:

Powered By Blogger