Thursday, November 12, 2009


كلمة الله-(د.نبيل حنا)

تفضل السيد المسيح: ’في البَدْءِ كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمةُ الله‘. وقال أيضًا: ’السَّماءُ والأرضُ تزولان ولكنَّ كلامي لا يزول‘. بما أن ’الكلمةُ الله‘ والكينونة الإلهية كانت من الأوّل الذي لا أوّل له إذًا فالكلمة أيضًا كانت من الأول الذي لا أول له. يقول حضرة بهاءالله: "كَانَ الْحَقُّ وَالْخَلْقُ فِي ظِلِّهِ مِنَ الأَوَّلِ الَّذِي لاَ أَوَّلَ لَهُ. إِلاَّ أَنَّهُ مَسْبُوقٌ بِالأَوَّلِيَّةِ الَّتِي لاَ تُعْرَفُ بِالأَوَّلِيَّةِ وَبِالْعِلَّةِ الَّتِي لَمْ يَعْرِفْهَا كُلُّ عَالِمٍ عَلِيمٍ. قَدْ كَانَ مَا كَانَ وَلَمْ يَكُنْ مِثْلَ مَا تَرَاهُ الْيَوْمَ" [مجموعة من ألواح حضرة بهاءالله (نُزِّلت بعد الكتاب الأقدس) ص 120].

إذا فهذا العالم العارض لم يكن بداية خلق الله ولن يكون نهاية خلقه، لأن الله سبحانه وتعالى ليس له بداية وليس له نهاية. عندما قال السيد المسيح ’السَّماءُ والأرضُ تزولان ولكنَّ كلامي لا يزول‘ فهذه العبارة بالطبع حق، لأن ’في البَدْءِ كان الكلمة‘ و ’كان الكلمةُ الله‘ وكان الله من الأوّل الذي لا أول له وستبقى كلمة الله إلى الآخر الذي لا آخر لها حتى بعد زوال ’الأرض والسماء‘. اضافة إلى ذلك قال حضرة بهاءالله أن ’كلمة الله‘ كانت ’علّة الخلق‘ ويقول: "إِنَّ الْفَاعِلَيْنِ وَالْمُنْفَعِلَيْنِ قَدْ خُلِقَتْ مِنْ كَلِمَةِ اللهِ الْمُطَاعَةِ وَإِنَّهَا هِيَ عِلَّةُ الْخَلْقِ وَمَا سِوَاهَا مَخْلُوقٌ مَعْلُولٌ إِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْمُبَيِّنُ الْحَكِيمُ." [مجموعة من ألواح حضرة بهاءالله (نُزِّلت بعد الكتاب الأقدس) ص 120].

إن الله سبحانه وتعالى لم يكن في أي وقت من الأوقات بدون خليقة، ولم تكن مخلوقات الله محرومة في أي وقت من الأوقات من ’كلمة الله‘ وأفضاله، يشرح حضرة عبد البهاء هذه النقطة بقوله: "وللحق دائما خلق، واشعة شمس الحقيقة لم تزل كانت ساطعة لامعة اذ أن الشمس بدون نور هي ظلام ديجور، وان الاسماء والصفات الالهية تقتضي وجود الكائنات، والفيض القديم لا يمكن ان ينقطع لأن انقطاعه ينافي الكمالات الالهية." [من مفاوضات حضرة عبد البهاء، ص 209]. ويضيف حضرة عبد البهاء: "كلمة الله مقدسة عن الزمان، فالماضي والحال والمستقبل كلها بالنسبة الى الحق على حد سواء، فليس للشمس أمس ولا اليوم ولا الغد". [من مفاوضات حضرة عبد البهاء، ص 74.]

فحقيقة السيد المسيح هي كلمة الله، وهي نفس حقيقة جميع الرسل أو المظاهر الالهية. وكلمة الله أبدية ليس لها بداية أو نهاية، وبواسطة الرسل أو المظاهر الالهية أمكن تبليغ البشر الكلمة أي الرسالة الالهية. يشرح حضرة عبد البهاء كلمة الله قبل ظهورها بقوله: ’وكانت كلمة الله قبل الظهور في الهيكل البشري في نهاية العزة والتقديس ومستقرة في أوج عظمتها في كمال الجلال والجمال، وعندما اشرقت كلمة الله من أوج الجلال بحكمة الحق المتعال في عالم الجسد اُعتدىَ عليها بواسطة هذا الجسد...‘ [من مفاوضات عبد البهاء، ص 74.]

أنزلت الكلمة الإلهية على مراحل بواسطة الأنبياء والرسل والمظاهر الإلهية. إنّ الكلمة الإلهية هي مثل أمطار الربيع، والإنسان دائمًا في حاجة لهذه الأمطار لإنتعاشه ونموّه وسنده، ولكن نتيجة ’الكلمة‘ وتأثيرها على الكائنات متوقّف على استعداد هذه الكائنات المتفاوتة ومراتبها المتعدده.

فالأنبياء العبرانيين الأوائل مثل سيدنا إبراهيم ونوح ويعقوب وجّهوا البشر بكلمة الله. ثم جاء سيدنا موسى عليه السلام وأنزلت عليه الكلمة الإلهية وجاء بقوانين وتعاليم جديدة لهداية البشر ونموهم الروحانى. وبعده جاء انبياء بني إسرائيل مثل إشعياء وإرميا وحزقيال وغيرهم واستمروا في هداية البشر وارشادهم بواسطة ’الكلمة الإلهية‘. وعندما جاء السيد المسيح كان هو ’كلمة الله‘ في عهده وكذلك سيدنا محمد وحضرة الباب وحضرة بهاءالله كلٌّ منهم كانوا ’كلمة الله‘ في دوراتهم.

عن طريق المظاهر الالهية التي تظهر في كل عهد أو زمن يرتقى البشر فى قدراتهم وأعمالهم وتقدم مسيرتهم لمعرفة الغاية من الإرادة الإلهية لهداية البشر. هذا التسلسل المستمر في دورات متتالية للمظاهر الإلهية‘Progressive Revelation’ يُعرفهُ البهائيون بـ ’استمرارية الوحى ‘. في كل دورة يُبعث مظهر إلهي جديد وتتجدد ’كلمة الله‘ حسب الغاية والارادة الالهية. وبمجئ كل مظهر إلهي جديد يأتي ربيع جديد وتتجدد التعاليم السابقة حسب متطلبات العصر الجديد. يمكننا تشبيه هذه التغيّرات باحتياجات ومفاهيم الفرد في مختلف عهود نموّه، يقول حضرة عبد البهاء: ’ان عالم الامكان شبيه بالانسان فللانسان عهد نطفة وعهد رضاعة وزمان نمو وزمان رشد وادراك ووقت للبلوغ. وكذلك لعالم الامكان درجات فالانسان في سن الرضاعة يكون حساسًا ويكون في سن المراهقة في بداية الادراك والتمييز ولكن ادراكاته ضعيفة فعندما يبلغ سن الرشد تظهر جميع قواه المعنوية والصورية بأقصى درجة من القوة وتصل قوة ادراكه الى حد يكشف فيه حقائق الاشياء، ولكن هذا الامر غير ممكن في سن الطفولة والرضاعة فهذه الكمالات تتجلى في سن البلوغ لا في سن الطفولة وكذلك كان عالم الامكان في وقت من الاوقات رضيعاً ثم أصبح طفلا ثم مراهقًا ثم نما ونشأ يومًا فيوما والآن بلغ سن الرشد‘. [خطب عبد البهاء في أوروبا وأمريكا، ص 343].

ولهذه الأسباب يبعث لنا الآب السماوي بمربي أو مظهر إلهي جديد ويعطينا ’كلمة الله‘ ليوم جديد في كتاب منزل من الإرادة الإلهية لتقدم مسيرة بناء الحضارات الإنسانية اللا متناهية. وكما يقول القرآن الكريم: ’لكل أجلٍ كتابٌ يمحوا الله ما يشاءُ ويثبتُ وعنده أمُّ الكتابِ‘. [سورة الرعد: 13 – 38-39].

إن الحقيقة الإلهية واحده، ومظاهره واحده، و’كلمة الله‘ تتجدد في كل زمن أو عهد، في مسيرة مستمرة ليس لها بداية ولا نهاية.



Powered By Blogger