Sunday, September 30, 2007

الجبر والاختيار

من اللئالئ والأصداف البهائية
فى مسألة الجبر والاختيار


السّؤال: هل الإنسان في جميع أعماله فاعل مختار أو مجبور وليس له اختيار؟

الجواب: إنّ هذه المسألة من أمّهات المسائل الإلهيّة وهي غامضة جدّاً وإن شاء الله في يوم آخر عند الابتداء بالغداء سنشرع في بيانها بالتّفصيل ومع هذا فلنتكلّم عنها الآن مختصراً في كلمات قليلة، وذلك
إنّ الأمور الّتي تدخل تحت اختيار الإنسان كالعدل والإنصاف والظّلم والاعتساف وبالاختصار أعمال الخير وأفعال الشّر، فمن الواضح المعلوم أنّ لإرادة الإنسان دخلاً عظيماً فيها، ولكن هناك أمور مجبول ومجبر عليها الإنسان كالنّوم والموت والتّعرض للأمراض وانحطاط القوى والضّرر والخسارة فهي ليست تحت إرادة الإنسان وهو غير مسؤول عنها لأنّه مجبر عليها.
وأمّا في أعمال الخير وأفعال الشّر فهو مخيّر فيها وتصدر عنه باختياره، مثلاً يمكنه أن يشتغل بذكر الله، أو إذا أراد أن يشتغل بذكر غيره، وفي استطاعته أن يكون شمعة موقدة من نار محبّة الله، ومن الميسّر له أن يكون محبّاً للعالم أو مبغضاً لبني آدم، أو يشتغل بحبّ الدّنيا أو يكون عادلاً أو ظالماً، فهذه الأعمال والأفعال تحت تصرّفه واختياره ولهذا فهو مسؤول عنها.
وهناك مسألة أخرى وهي أنّ البشر عجز صرف وفقر بحت، والقوّة والقدرة مختصّتان بالحضرة الأحدية، والعلوّ والدّنوّ متعلّقان بمشيئة وإرادة الله ذي الكبرياء، كما هو مذكور في الإنجيل أنّ الله كالفّخّاريّ يصنع كأساً عزيزاً وقدحاً ذليلاً فليس للإبريق الذّليل حقّ الاعتراض على الفخَّاريّ بقوله لماذا لم تصنعني كأساً عزيزاً تتناوبه الأيدي، والمقصود من هذه العبارة أنّ مقامات النّفوس مختلفة، فالذي في المقام الأدنى من الوجود كالجماد لا حقّ له في الاعتراض بقوله إلهي لماذا لم تعطني الكمالات النّباتيّة، وكذلك ليس للنّبات حق الاعتراض بقوله لماذا حرمتني من كمالات العالم الحيوانيّ، كذلك الحيوان لا يليق به أن يشكو من حرمانه من الكمالات الإنسانيّة، بل إنّ كلّ الأشياء كاملة في مراتبها ويجب عليها أن تتحرّى الكمالات في رتبتها فالكائنات الدّانية
كما سبق ليس لها الحقّ ولا الصّلاحيّة لمقام وكمالات ما هو أعلى منها، بل يجب عليها أن تطلب الكمال والرّقيّ في رتبتها، وكذلك سكون الإنسان وحركته يتوقّفان على تأييد الحضرة الأحديّة، وإذا انقطع عنه المدد الإلهيّ لما استطاع عمل الخير أو فعل الشّر، ولكن عندما يأتيه مدد الوجود من ربّ الجود فإنّه يستطيع أن يعمل الخير وأن يفعل الشّر كليهما، أمّا لو انقطع المدد يكون عاجزاً بالكلّيّة، هذا هو السّبب في ذكر أمر توفيق الباري وتأييده في الكتب المقدّسة، مثل هذا المقام مثل السّفينة تتحرّك بقوّة الرّياح والبخار، فإذا انقطعت هذه القوّة ما تحرّكت أبداً، ومع وجود هذا فحيثما يوجّهها السّكّان فإنّ قوّة البخار تدفعها إلى الاتّجاه المطلوب، فإن وجّهت إلى الشّرق تذهب إلى الشّرق وإن وجّهت إلى الغرب تذهب إلى الغرب، فهذه الحركة ليست من السّفينة بل من الرّياح والبخار، وكذلك جميع حركات الإنسان وسكناته مستمدّة من فيض الرّحمن، ولكنّ اختيار الخير أو الشّر راجع للإنسان
وكذلك لو عيَّن الملك حاكماً لهذه المدينة وأعطاه السّلطة والنّفوذ وعلّمه طريق العدل والظّلم بموجب القانون، فلو ظلم هذا الحاكم – ولو أنّ ظلمه بقوّة الملك ونفوذه – فإنّ الملك لا يرضيه هذا الظّلم، ولو عدل كان ذلك بنفوذ الملك أيضاً، والملك يرضيه هذا ويسرّ به، والمقصود أنّ اختيار الخير والشّر راجع إلى الإنسان وفي كلّ الأحوال يتوقّف على مدد وجوديّ من الله القدير، فالسّلطنة الإلهيّة عظيمة والكلّ أسير في قبضة قدرته، والعبد لا قدرة له على أمر بإرادته، والله هو المقتدر القويّ وواهب القوّة لجميع الكائنات، فهذه المسألة صارت واضحة مشروحة والسّلام(حضرة عبد البهاء)

Thursday, September 27, 2007

من اللئالئ والأصداف البهائية

تعالى معى عزيزى القارئ لنستخرج لؤلؤالمعانى من صدف الكلمات
اصحاب الكهف

" من البيانات الشفاهية لحضرة عبدالبهاء أن ( قصة اصحاب الكهف ) كانت في ايام دقيانوس امبراطور الروم بعد السيد المسيح.
كان دقيانوس يكّن الكثير من العداء والبغضاء للمسيح والمسيحيين ، فقد آذى السيد المسيح كثيرا، بحيث أمر بأن ينفذ القتل العام للمسيحيين لـ 12 مره. كما تعّرض ملك فرنسا ( قسطنطين ) للمسيحيين أيضا، وكان معارضاً جداً لهم وحاول جاهداً أن يستأصل جذورهم ولكنه لم يستطع ، في النهاية جمع وزراءه ووكلاءه وابناءه، وقال لهم انكم تعلمون كم انا تعرضت للمسيحيين ، سعيت ليل نهار ان اقطع دابرهم بأية وسيلة ولم تبقى أية وسيلة من الوسائل إلا وقد استخدمتها، ولكن الآن أرى أن هذه الراية تنزل رايتنا وتستأصل جذورنا وتقضي علينا، اذاً من الافضل ان نستظل تحت رايته قبل ان تقضي علينا ، أننا قتلناهم وحبسناهم ولكنهم يزدادون ليل نهار، الاجدر بنا أن نقبل هذا الدين سواء لدنيانا او لآخرتنا. في البداية اعترضوا عليه ، ثم اثبت لهم بالادلة والبراهين قال لهم لاحظوا كم من ملوك الروم والشرق تعرضوا له، ولكنهم بدون شك سيغلبون في النهاية، إذاً من الافضل أن ندخل هذا الامر ، فأرسل في طلب بعض المخلصين للسيد المسيح وسألهم: لو اردا شخصا أن يدخل الدين المسيحي ماذا عليه أن يفعل ، قال له يجب ان يُخلي احد اماكن الاصنام العظيمة ويتخلص منها، ثم يبني معبدا جديداً بدلها ويأتون يوم الاحد إلى المعبد ويتوبوا ويتضرعوا ويصلوا.
كان هناك معبداً عظيماً، اخلوه وعمَّروه وهيَّئوه. ويوم الاحد ذهب السلطان بتاجه ولباسه الملكي ومعه جميع الوزراء والوكلاء بلباسهم الرسمي ، دخلوا المعبد ، خلع السلطان تاجه وصلّى ثم خرج وأعلن بان الدين المسيحي دين عام للجميع ، وبذلك بقيت سلطنته في عائلته حتى ايام بونابرت حيث اصبحت فرنسا جمهورية وتطاولت ايدي الظلم والاعتداء، وانحرفوا عن الطريق المستقيم.
أن النورانية الأبدية والروحانية السرمدية والبقاء إلى الابد لجميع الخلق من الملوك والمملوك هي في الاقبال والدخول في الامر الالهي، لذلك طال حكم قسطنطين الذي دخل في ظل السيد المسيح لحين ظهور الاسلام.
يحتوي القرآن على قسمين المحكمات والمتشابهات، هذه القصة (اصحاب الكهف ) من قبيل المتشابهات ولها تأويل وهي من تلك الفئة التي ( لا يعلم تأويله الا الله والراسخون في العلم ) ومن قبيل هذه الآيات كثيرٌ مثل قصة ذو القرنين، سليمان بلقيس وامثالها.
الكهف هو أمر الله ، وتلك المغاره ملجأ ، و الامر الالهي أيضا ملجأ العالمين وكهف الأمان لاهل العالم، المقصود من الشمس هي شمس الحقيقة بحيث تأسس امرالله في ظل شمس الحقيقة ، وهؤلاء النفوس هم اولئك اللذين آووا إلى كهف أمر الله، لذلك تسطع عليهم الشمس دائما "تزاور عن كهفهم ذات اليمين واذا غربت تقرضهم ذات الشمال وهم في فجوة من ذلك من آيات الله" أي لو ينظروا من أي صوب يروا اشعة الشمس الساطعة.
والمقصود من طول المدة ، عظمة وجلال شؤون تلك الايام ولو انه يبدو مكثهم قليلاً انما ظهرت منهم الشؤون العظيمة التي كانت ستظهر طي قرون كثيرة، مثلما تحدث يوم القيامة امورٌ عظيمة كالتي تظهر في 50 الف سنة.
وقد حرك اليهود، اهل قريش ان يسألوا موضوع اصحاب الكهف من الرسول وعندما سُئل من حضرته قال سأخبركم غداً بروايتي.. وكان حضرته يعلم انها اسطورة ، فلم يرغب ان يجيبهم ولم يكن الرسول يريد ان يخبرهم بأنها اسطورة أو حكاية بكل صراحة ، ولم يرض ان يقول شيئا غير حقيقي، وعندما رأى ان الاعداء لم يكّفوا عن السؤال ، لذا جاء جواب حضرته في قالب الحقيقة، لأن في الواقع ان بعض المواضيع ما هي إلا اسطورة ، فيوضح المظاهر الالهية تلك المواضيع في قالب الحقيقة، لانهم لو انكروا المسائل المسّلم بها والمشهورة التداول بين الناس، فان الاعداء يأخذون ذلك على محمل عدم علم المظاهر الالهية لذا تظهر تلك المسائل في قالب الحقيقة.

وفي خطاب من حضرته لميرزا تقي خان خياط مرشد زاده، في طهران ، قوله الكريم:
هوالله
" يا ايها العبد لله …. سألت بخصوص اصحاب الكهف بانه حدد عددهم في القران الكريم، في حين يتفضل بكل وضوح: " سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب " اي مثل السهم الذي يرمى في الظلام، اذن هذا القول غير صحيح، ثم يتفضل " ويقولون سبعه وثامنهم كلبهم " يعني هذا ليس رجما بالغيب ، والصحيح هو ان نوم هؤلاء، لم يكن نوم جسماني بل نوم الغفلة عن هذه الدنيا ( السراب ) ولان هؤلاء النفوس انقطعوا كلية عن هذا العالم وتعلقوا بالعالم الآخر، لذا طبق عليهم حكم النوم, ولكنهم كانوا يشاهدون الرؤيا الحقيقية ، وماكان عسيرا على الخلق في مدة طويلة، حصلوا عليه في مدة قليلة. لو كنت تنظر الى اهل العالم ، الطريق الذي كانوا يسلكونه في ثلاثمائة ونيف من السنين ، عبرتها تلك النفوس المقدسة في مدة قليلة وجاوزوا تلك المسافة البعيدة. واما قطمير، فهو الأمير الحافظ لتلك النفوس، ليحفظهم من اعتداءات اي شرير.".
في خطاب اخر قوله العزيز:
" ان اصحاب الكهف والرقيم عباد فازوا بالفوز العظيم وآووا الى كهف رحمة ربك الكريم ، رقدوا عن الدنيا واستيقظوا بنفحات الله والتجأوا الى ذلك الغار ملاذ الابرار وملجأ الاخيار شريعة ربك المختار وشمس الحقيقة تقرضهم ذات اليمين وذات الشمال".
ان معنى الرقيم في الآية ( ام حسب ان اصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا) هو اللوح الذي كتب فيه اسماء هؤلاء الاصحاب وانسابهم...
_____________

سورة الكهف 5 آيات مكية:
( أم حسبت ان اصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا ) 9
( اذ آوى الفتية الى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهئ لنا من أمرنا رشدا ) 10
(وترى الشمس اذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين واذا غربت تقرضهم ذات الشمال وهم في فجوة من ذلك من آيات الله ، من يهد الله فهو المهتد ومن يُضلل فلن تجد له وليا مرشدا ) 17
(سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم ، قل ربي اعلم بعدتهم ما يعلمهم الا قليل فلا تمار فيهم الا مِرَاءً ظاهرا ولا تستفت فيهم منهم احدا) 22
( ولا تقولن لشائ اني فاعل ذلك غدا ) 23
( وتحسبهم ايقاظا وهم رقود ) 18

معاني الكلمات :
تقرضهم : تتركهم وتتجاوز عنهم
تمار : تجادل
مراء : ما انزل عليك
لشائ : لاجل شئ

___________________








Tuesday, September 25, 2007

لا نهاية للفضل والفيض الإلهيّ

هو الله

لو نظرنا إلى الكائنات جميعها بنظر الحقيقة لرأينا أنّ لكلّ كائن في الواقع حياة وكان الفلاسفة يقولون في سالف الأيّام إنّ الجماد ليست له حياة. ولكن اتّضح أخيرًا من التّحقيقات العميقة أنّ الجماد له أيضًا حياة وقد أقيمت الأدلّة العلميّة على ذلك في الفلسفة الجديدة.
ونحن نقول على سبيل الاختصار إنّ للكائنات حياة لكنّ حياة كلّ كائن على قدر استعداده. فمثلاً هناك في عالم الجماد حياة لكنّها ضعيفة جدًّا كالنّطفة في رحم الأمّ فهي لها حياة ولكنّها حياة ضعيفة. وإذا نظرتم إلى عالم النّبات لرأيتم أنّ له روحًا أيضًا. ولكنّها روح أقوى من روح عالم الجماد وكذلك تظهر الرّوح بمظهر أوضح في عالم الحيوان إذا ما قيست بظهورها في عالم النّبات. وإذا نظرنا إلى عالم الإنسان رأينا أنّ حياة الإنسان في منتهى القوّة.
ولهذا فكلّما بذل الإنسان جهدًا ظهرت فيه قوّة الرّوح ظهورًا أوضح.. فالمولود الجديد مهما كان ضعيف الرّوح وضعيف الإدراك ولكنّه حينما يصل مرحلة البلوغ تظهر الرّوح فيه في منتهى القوّة وتتجلّى قوّة الإنسان المعنويّة فيه كمال التّجلّي وليس هناك في العالم الحيواني مثل هذه الحياة والقوّة لأنّ الرّوح الإنسانيّة كاشفة لحقائق الأشياء. إنّها تخترع هذه المخترعات وتكتشف كلّ هذه العلوم وتميط اللّثام عن أسرار الطّبيعة وتسير الأمور في الغرب وهي في مكانها في الشّرق وتكتشفها في السّماء وهي في مكانها على الأرض. ولهذا فإنّها على قسط عظيم من القوّة خاصّة إذا ارتبطت بالله واستفاضت من النّور الأبديّ فإنّها تصبح تجلّيًا من تجلّيات شمس الحقيقة وتصل إلى أعظم المقامات في العالم الإنسانيّ وتصبح الرّوح الإنسانيّة في هذا المقام كمرآة تتجلّى فيها شمس الحقيقة. فمثل هذه الرّوح ولا شكّ أبديّة وباقية وثابتة ليس لها فناء وجامعة لجميع كمالات بل إنّها فيض من الفيوضات الإلهيّة ونور من الأنوار غير المتناهية وهذا المقام مقام النّفوس الّتي تستفيض من الفياض الحقيقيّ والّتي تظهر فيه الكمالات غير المتناهية وهذه الرّتبة هي أعلى رتبة في الوجود.
وإذا ألقينا نظرة أخرى على الكائنات رأينا أنّ ذرات فرديّة تركّبت وجاء إلى الوجود من كلّ تركيب كائن من الكائنات وعندما يتحلّل ذلك التّركيب ينعدم ذلك الكائن ويفنى. إذن فوجود الكائنات وانعدامها إنّما هو عبارة عن تركيبها وتحليلها. وعندما تنحلّ العناصر الفرديّة في جسم ما تمتزج كلّ ذرّة من ذرّاته مع العناصر الأخرى ويظهر إلى الوجود كائن آخر ولهذا فإنّ كلّ ذرّة من هذه الذّرّات لها سير في جميع المراتب وهذا بديهيّ ومحسوس وليس مجرّد عقيدة من العقائد.
فيثبت من هذا أنّ كلّ ذرّة لها سيرها في جميع الكائنات فمثلاً الذّرّات الفرديّة الموجودة الآن في الإنسان كانت ذات يوم موجودة في الجماد وسارت في مراتب الجماد في صور غير متناهية وكان لها في كلّ صورة كمال.
وكذلك الأمر في الصّور غير المتناهية لعالم الحيوان ولعالم الإنسان وحيث إنّ صور الكائنات غير متناهية لهذا فإنّ كلّ ذرة فرديّة تنتقل في صور غير متناهية وتحصل في كلّ صورة على كمال.
إذن فجميع الكائنات سارت في جميع الكائنات، فلاحظوا أيّة وحدة هي هذه الوحدة! بحيث إنّ كلّ ذرة من الكائنات هي بمثابة الكلّ وهذا ثابت علميًّا. فأيّة وحدة هذه الوحدة الموجودة في عالم الوجود وأيّة انتقالات وأيّة كمالات! ولا يمكن أن تكون هناك انتقالات وكمالات أعظم من هذه الانتقالات والكمالات. أي أنّ كلّ كائن فيض من الفيوضات الإلهيّة.
إذن فقد اتّضح أنّ الفيوضات الإلهيّة لا نهاية لها وليس لها حدّ وحصر. لاحظوا هذا الفضاء الوسيع الّذي لا يتناهى كم فيه من أجسام عظيمة نورانيّة! وهذه الأجسام لا منتهى لها أيضًا لأنّ وراء هذه النّجوم نجوم أخرى ووراء تلك النّجوم أيضًا نجوم أخرى.
وخلاصة القول إنّه ثبت علميًّا أنّ العوالم لا نهاية لها. لاحظوا أنّ الفيض الإلهيّ غير محدود مع أنّ هذا الفيض فيض جسمانيّ فانظروا كيف يكون الأمر في الفيض الرّوحانيّ. ففي الوقت الّذي يكون فيه الفيض الجسمانيّ غير محدود كيف يصحّ أن يكون الفيض الرّوحانيّ محدودًا؟ مع أنّه هو الأصل والأساس لأنّ ذلك الفيض هو أعظم من الفيض الجسمانيّ.
ولا مجال للمقارنة بين هذا الفيض الجسمانيّ وذاك الفيض الرّوحانيّ. فالجسم الإنسانيّ له آثار إلى درجة محدودة، أمّا الرّوح الإنسانيّة فآثارها غير متناهية وحتّى إنّ لها وهي على الأرض اكتشافات فلكيّة ولها إحساسات سماويّة. لاحظوا كيف أنّ القوّة الرّوحانيّة في الإنسان أعظم من جسده مع أنّ الفيض الجسمانيّ والرّوحانيّ إلهيّان وغير محدودين. وبعض الأغبياء يزعم أنّ هذا الفيض محدود ويقول إنّ هذا العالم عمره عشرة آلاف سنة وإنّ بداية الفيض الإلهيّ معلومة ومحدودة في حين أنّ الفيض الإلهيّ قديم وغير محدود وكان ولا يزال موجودًا وسيبقى كذلك لا بداية له ولن تكون له نهاية. لأنّ عالم الوجود محلّ الكمالات الإلهيّة، فهل نستطيع أن نحدّد الله تعالى؟ وكما أنّ الحقيقة الإلهيّة غير محدودة فكذلك الفيوضات الإلهيّة غير محدودة ولا نهاية لها.
ومن جملة الفيوضات الإلهيّة هي المظاهر المقدّسة، فكيف يكون ظهورها محدودًا مع أنّها أعظم الفيوضات الإلهيّة؟ وبعد أن ثبت أنّ الفيض الجسمانيّ غير محدود كيف يكون الفيض الرّوحانيّ محدودًا؟ وبعد أن ثبت أنّ القطرة غير محدودة كيف يمكن أن يكون البحر محدودًا وبعد أن ثبت أن الذّرّة غير محدودة كيف يمكن أن تكون الشّمس محدودة؟ وبعد أن ثبت أنّ العالم الجسمانيّ غير متناهٍ كيف يمكن أن يكون العالم الرّوحانيّ محدودًا ومتناهيًا؟
ولهذا فالمظاهر المقدّسة الّتي هي أعظم الفيوضات الإلهيّة كانت موجودة في الماضي وستكون إلى الأبد. فكيف نستطيع إذًا أن نحدّد الفيض الإلهيّ؟ فإن استطعنا أن نحدّد الله استطعنا أن نحدّد فيضه.
وخلاصة القول بالرّغم من أنّ كلّ ملّة لها موعود وكلّ أمة كانت لها ذات مقدّسة تنتظرها فوا أسفًا عندما كان يظهر ذلك الموعود كانوا يحتجبون عنه وكانوا ينتظرون طلوع شمس الحقيقة وعندما كانت تطلع كانوا يقتنعون بالظّلمة بدلاً عنها.
مثال ذلك الملّة الموسوية الّتي كانت تنتظر ظهور المسيح وتتضرّع ليلاً ونهارًا قائلة: "يا إلهنا أظهر لنا المسيح!" ولكن عندما ظهر السّيّد المسيح احتجبوا عنه وما عرفوه لأنّ حجاب التّقليد غطّى بصائرهم فما شاهدوه وما سمعوا النّداء الإلهيّ ومنذ حوالي ألفي سنة وحتّى الآن وهم لا يزالون منتظرين.
إذن يجب أن تكون أعيننا مفتوحة وعقولنا طليقة متحرّرة كي لا تحتجب في وقت الظّهور الإلهيّ وكي نسمع النّداء الإلهيّ عندما يرتفع. وكي لا تكون مشامّنا مزكومة عندما تنتشر نفحات الجنّة الإلهيّة فنستنشق نفحة القدس تلك ونشاهد تلك الأنوار الإلهيّة ونتعرّف إلى ذلك اللّحن ونحصل على تلك الرّوح فنجدّد حياتنا ونحيا من نفحات الرّوح القدس حتّى نتوصّل إلى أسرار الكائنات ونرفع علم وحدة العالم الإنسانيّ وننال جميعًا نصيبًا من الفيض الإلهيّ ويصبح كلّ فرد منّا كالموج وعندما ننظر إلى بحر الوجود نشاهد بحرًا من الصّنع الإلهيّ وعندما ننظر إلى بحر الأمواج نراها كلّها صادرة من ذلك البحر ومهما كانت الأمواج مختلفة ولكنّ البحر بحر واحد وهناك شمس واحدة تسطع على جميع الكائنات ونورها نور واحد ولكنّ الكائنات مختلفة.
وخلاصة القول إنّ هذا القرن قرن الوحدة، قرن المحبّة، قرن الصّلح العموميّ، قرن طلوع شمس الحقيقة، قرن ظهور ملكوت الله لذا يجب أن نتشبّث بجميع الوسائل كي ننال من هذه الفيوضات غير المتناهية نصيبًا وافرًا.
وها إنّنا نرى اليوم وسائل وحدة العالم الإنسانيّ مهيّأة من كلّ الجهات وهذا دليل على التّأييدات الإلهيّة. ومن بين التّأييدات الإلهيّة في هذا القرن اللّغة العموميّة الّتي نراها تنتشر. ولا شكّ أنّ اللّغة العموميّة سبب لزوال سوء التّفاهم لأنّ بواسطتها يطّلع كلّ فرد على أفكار سائر البشر وهذا سبب من أسباب وحدة العالم الإنسانيّ. لهذا يجب أن نبذل الجهد في ترويجها. (حضرة عبد البهاء)
الخطبة المباركة في مجلس التّياصفة في باريس ليلة شباط 1913

Thursday, September 20, 2007

أزلية وأبدية الإمكان والكائنات

تغيير الأنواع

ولنتكلّم الآن في مسألة تغيير النّوع وترقّي الأعضاء أي فيما إذا كان أصل الإنسان من عالم الحيوان
إنّ هذه النّظريّة تمكّنت من عقول بعض الفلاسفة في أوروبا وليس من السّهل الآن تفهيم بطلانها، ولكنّها في المستقبل ستتّضح وتظهر ويهتدي فلاسفة أوروبا بأنفسهم إلى بطلان هذه المسألة، لأنّها في الحقيقة بديهيّ البطلان، ولو ينظر الإنسان في الكائنات نظرة إمعان ويهتدي إلى دقائق أحوال الموجودات وينظر نظام عالم الوجود ووضعه وكماله ليتيقّن أنّه (ليس في الإمكان أبدع ممّا كان)، لأنّ جميع الكائنات سواء أكانت علويّة أو أرضيّة وحتّى هذا الفضاء الذّي لا يتناهى وجميع ما فيه خُلق ونُظّم وتركّب وترتّب وتكامل كما يليق وينبغي، لا نقصان فيه أبداً بحيث لو صارت جميع الكائنات عقلاً صرفاً، وتفكّر إلى أبد الآباد لا يمكنه أن يتصوّر أحسن ممّا كان، ولو لم تكن الخليقة منذ القدم على هذا الكمال وفي نهاية الإبداع أي كانت أقلّ وأدنى لكان الوجود حينئذ مهملاً وناقصاً، أي لم يكن كاملاً، إذاً فهذه المسألة تحتاج إلى نهاية الدّقّة والتّفكير، مثلاً تصوّر عالم الإمكان أي عالم الوجود بصفةٍ عامّة أنه يشبه هيكل إنسان، فلو كان هذا التّركيب والتّرتيب وهذا الجمال والكمال الموجود الآن في الهيكل البشريّ على غير ذلك لكان نقصاً محضاً، لهذا لو يتصوّر أنّ الإنسان زمناً ما كان في عالم الحيوان يعني كان حيواناً محضاً لكان الوجود ناقصاً، لأنّ معنى هذا أنّه لم يكن هناك إنسان، وهذا العضو الأعظم الذّي هو في هيكل العالم بمنزلة الرّأس والمخّ كان مفقوداً، إذاً فالعالم كان نقصاً محضاً، وبذلك ثبت أنّه لو كان الإنسان وقتاً ما في حيّز الحيوان لكان كمال الوجود مختلاً، لأنّ الإنسان هو العضو الأعظم في هذا العالم، ولو لم يكن العضو الأعظم في هذا الهيكل موجوداً فلا شك أنّ الهيكل ناقص، ونحن نعدّ الإنسان العضو الأعظم لأنّه جامع كمالات الوجود بين الكائنات، والمقصود من الإنسان هو الفرد الكامل أي أكمل شخصٍ في العالم جامع الكمالات المعنويّة والظّاهريّة كالشّمس بين الكائنات، ولو نتصوّر أنّ الشّمس لم تكن موجودة وقتاً ما أو كانت كأحد النّجوم لاختلّت حينئذٍ روابط الوجود من غير شكّ، فكيف يمكن أن يتصوّر الإنسان شيئاً كهذا، وفي ذلك كفاية لمن يتبصّر في عالم الوجودوهاك برهاناً آخر أدقّ وهو، أنّ هذه الكائنات الموجودة الّتي لا تتناهى في عالم الوجود، سواء كانت إنساناً أم حيواناً أم نباتاً أم جماداً مهما كانت فإنّها مركّبة من العناصر، وهذا الكمال الموجود في كلّ كائن من الكائنات لا شكّ أنّه وجد بصنع إلهيّ ومنبعث من تركيب العناصر وحسن الامتزاج وتحقّق من تناسب مقادير العناصر وكيّفيّة التّركيب وتأثيرات سائر الكائنات، إذاً فجميع الكائنات كسلسلة مرتبط بعضها ببعض، وإنّ التّعاون والتّعاضد والتّفاعل من خواصّ الكائنات وسبب وجودها ونشوئها ونموّها، وثبت بالدّلائل والبراهين أنّ كلّ كائن من هذه الكائنات عامّةً له فعلٌ وتأثيرٌ في بقيّة الكائنات إمّا بالاستقلال أو بالتّعاون مع الغيروالخلاصة أنّ كمال كلّ كائن من الكائنات أيّ أنّ الكمال الذّي نراه في الإنسان ودونه من الكائنات من حيث الأجزاء والأعضاء والقوّة هو منبعث من تركيب العناصر ومقاديرها وموازينها وكيفيّة امتزاجها وتفاعلاتها والتّأثير الذّي للكائنات السّائرة في الإنسان، وحيثما اجتمعت هذه يظهر هذا الإنسان، ولما أن كان هذا الكمال حاصلاً من تركيب أجزاء العناصر بمقادير متناسبة ومن كيفيّة الامتزاج وتفاعل الكائنات المختلفة ولكون تركيب الإنسان قبل عشرة آلاف سنة أو مائة ألف سنة إنّما هو من هذه العناصر التّرابيّة وبهذه المقادير والموازين وعلى هذا النّحو من التّركيب والامتزاج ومن تفاعل سائر هذه الكائنات كان إنسان ذلك اليوم هو عين هذا وهذا أمر بديهيّ لا يقبل التّردّد، يعني لو اجتمعت هذه العناصر الإنسانيّة بعد ألف مليون سنة وتخصّصت بهذه المقادير والتّراكيب وحصل امتزاج العناصر على هذا النّحو وتأثّرت بهذه التّفاعلات من سائر الكائنات لوجد هذا البشر الموجود بعينهمثلاً لو يوجد بعد مائة ألف سنة مثل هذا الدّهن والنّار والفتيل والمشكاة ومن يوقدها، وبالاختصار يتكامل جميع ما يلزم للإضاءة الآن يوجد هذا السّراج بعينه، وهذه مسألة قطعيّة الدّلالة وأمر واضح، وأمّا الدّلائل الّتي ذكرها حضرات الفلاسفة فهي ظنّيّة الدّلالة وليست قطعيّة الدّلالة
ليس لعالم الوجود بداية
مبدأ الإنسان
اعلم أنّ إحدى غوامض المسائل الإلهيّة هي أنّ هذا الكون الذّي لا يتناهى لا أوّل له، ولقد سبق بيان أنّ نفس أسماء وصفات الذّاتالإلهيّة تقتضي وجود الكائنات، ومع أنّ ما قد بيّنّاه كان مفصّلاً إلاّ أنّنا سنتكلّم عنه الآن ثانية باختصارفاعلم أنّه لا يمكن أن يتصوّر ربّ بلا مربوب، ولا يتحقّق وجود ملك بلا رعيّة، ولا معلّم بغير متعلّم، ولا يمكن وجود خالق بدون مخلوق، ولا يخطر بالبال رازق من غير مرزوق، لأنّ جميع الأسماء والصّفات الإلهيّة تستدعي وجود الكائنات، فلو نتصوّر أنّ الكائنات عامّة لم تكن موجودة وقتاً ما، فهذا التّصوّر إنكار لألوهيّة الله، وفضلاً عن هذا فالعدم المطلق غير قابل للوجود، فلو كانت الكائنات عدماً مطلقاً لما تحقّق الوجود، ولما كان وجود ذات الأحديّة أي الوجود الإلهيّ أزليّاً سرمديّاً يعني لا أوّل له ولا آخر، فلا بدّ وأنّ عالم الوجود يعني هذا الكون الذّي لا يتناهى لم تكن قطّ له بداية.نعم قد يصحّ ويمكن أن يحدث وجود جزء من أجزاء الممكنات أي جرم من الأجرام أو أن يتلاشى، غير أنّ سائر الأجرام اللامتناهيّة تظلّ موجودة، فعالم الوجود أبديٌّ لا ينعدم، وحيث أنّ لكلّ جرم من هذه الأجرام بداية فلا بدّ له من نهاية، لأنّ كلّ تركيب سواء كان جزئيّاً أم كلّيّاً لا بدّ له من أن يتحلّل، وغاية ما هنالك هو أنّ بعض المركبات سريع التّحليل وبعضها بطيء التّحليل، فمن المستحيل أن يتركّب شيء وثمّ لا يتحلّل، إذاً يجب أن نعلم كيف كان كلّ موجود من الموجودات العظيمة في أوّل أمره، ولا مريَة أنّه في البدء كان الأصل واحداً ولا يمكن أن يكون اثنين، لأنّ مبدأ جميع الأعداد واحد لا اثنان، فالاثنان محتاجة إلى المبدأ. إذاً صار من المعلوم أنّ المادّة في الأصل واحدة، وتلك المادّة الواحدة تحوّلت في كلّ عنصر بصور مختلفة، ولهذا ظهرت صور متنوّعة، ولمّا ظهرت هذه الصّور المتنوّعةأخذ كلّ منها شكلاً خاصّاً وصار عنصراً مستقلاً، ولم يتحقّق استقلال العنصر ولم يتمّ تكوينه إلاّ بعد مدّة مديدة، ثمّ إنّ هذه العناصر تركّبت وترتّبت وامتزجت بصور غير متناهية، يعني ظهرت الكائنات الّتي لا تتناهى من تركيب وامتزاج هذه العناصر، وحصل هذا التّركيب والتّرتيب بحكمة الله وقدرته القديمة بنظمٍ طبيعيٍّ واحدٍ، ومن حيث أنّها تركّبت وامتزجت بهذا النّظم الطّبيعيّ في كمال الإتقان ومطابقة للحكمة تحت قانون كلّيّ، فمن الواضح أنّها إيجاد إلهيّ وليس تركيبها وترتيبها صدفة، لأنّ معنى الإيجاد أن يوجد من كلّ تركيب كائن، أمّا من التّركيب التّصادفيّ فلا يوجد أيّ كائن، مثلاً لو أنّ الإنسان مع عقله وذكائه يجمع عناصر ويركبّها فلا يمكن أن يوجد منها كائن حيّ، لأنّها أتت على غير النّظم الطّبيعيّ، وهذا جواب عن سؤال مقدّر وهو من حيث أنّ هذه الكائنات حادثة من تركيب وامتزاج هذه العناصر، فنحن أيضاً نجمع هذه العناصر ونمزجها لإيجاد كائن حيّ، فلو نتصوّر مثل هذا لكان هذا التّصوّر خطأ، لأنّ أصل هذا التّركيب تركيب وامتزاج إلهيّ على نظم طبيعيّ، وبذلك يوجد كائن ويتحقّق وجود، أما من التّركيب البشريّ فلا يحصل ثمر، لأنّ البشر لا يقدر على الإيجاد، والخلاصة أنّنا قلنا قد ظهرت الصّور والحقائق الّتي لا تتناهى والكائنات الّتي لا تنحصر من تركيب العناصر وامتزاجها وكيفيّتها وتراكيبها وموازينها وتأثير بعضها على بعض.أمّا هذه الكرة الأرضية فمن الواضح أنّها لم تتكوّن دفعة واحدة على هيئتها الحاضرة، بل إنّ هذا الموجود الكلّيّ اجتاز أطواراً مختلفة بالتّدريج حتّى بلغ هذا الكمال، والموجودات الكلّيّة تقاس بالموجودات الجزئيّة وتطبّق عليها، لأنّ الموجود الكلّيّ والموجود الجزئيّ كليهما تحت نظم طبيعيّ واحد وقانون كلّيّ وترتيب إلهيّ، مثلاً تجد الكائنات الذرّيّة ينطبق عليها في النّظام العامّ ما ينطبق على أعظم الكائنات، فمن الواضح أنّها تكوّنت في مصنع قدرة واحدة على نظم طبيعيّ واحد وقانون عامّ واحد، فلهذا يقاس بعضها ببعض، مثلاً إنّ نطفة الإنسان نشأت ونمت في رحم الأمّ بالتّدريج وأخذت صوراً من أطوار مختلفة حتّى وصلت إلى البلوغ في نهاية درجة من الجمال وتجلّت بهيئة كاملة في نهاية اللّطافة، وعلى هذا المنوال بذر هذه الزّهرة الّتي نشاهدها، فقد كان في بدايته شيئاً حقيراً في نهاية الصّغر ثمّ نشأ ونما في بطن الأرض ومرّ بصورٍ مختلفة إلى أن تجلّى بكمال الطّراوة واللّطافة في هذه الرّتبة. وكذلك من الواضح أنّ هذه الكرة الأرضيّة تكوّنت في رحم العالم، ونشأت ونمت ومرّت بصور وحالات مختلفة حتّى وصلت بالتّدريج إلى كمالها وزيّنت بمكوّنات غير متناهيّة وتجلّت في نهاية الإتقان.إذاً اتّضح أنّ تلك المادة الأصليّة الّتي هي بمنزلة النّطفة كانت عناصرها المركّبة الممتزجة الأوّليّة موجودة، وهذا التّركيب نشأ ونما بالتّدريج في الأعصار والقرون، وانتقل من شكل وهيئة إلى شكل وهيئة أخرى حتّى بلغ هذا الكمال والنّظام والتّرتيب والإتقان بحكمة الله والآن فلنرجع إلى مسألة أنّ الإنسان في بدء الوجود نشأ ونما تدريجيّاً في رحم الكرة الأرضيّة كالنّطفة في رحم الأمّ، وانتقل من صورة إلى صورة ومن هيئة إلى هيئة حتّى تجلّى بهذا الجمال والكمال وهذه القوى والأركان، ويقيناً أنّه ما كان في البداية بهذه اللّطافة والجمال والكمال، بل وصل بالتّدريج إلى هذه الهيئة والشّمائل والحُسن والملاحة كنطفة الإنسان في رحم الأمّ، ولا شكّ أنّ النّطفةالبشريّة ما أخذت هذه الصّورة دفعة واحدة وما كانت مظهر قوله تعالى "فتبارك الله أحسن الخالقين"[i]. لهذا أخذت حالات متنوّعة بالتّدريج وظهرت في هيئات مختلفة حتّى تجلّت بهذه الشّمائل وهذا الجمال والكمال والحسن واللّطافة، إذاً صار من الواضح المبرهن أنّ نشوء الإنسان ونموّه على الكرة الأرضيّة حتّى بلوغه هذا الكمال كان مطابقاً لنشوء الإنسان ونموّه في رحم الأمّ بالتّدريج وانتقاله من حال إلى حال ومن هيئة وصورة إلى هيئة وصورة أخرى، حيث أنّ ذلك تمّ بمقتضى النّظام العامّ والقانون الإلهيّ الكلّيّ، يعني تمرّ نطفة الإنسان بحالات مختلفة ودرجات متعدّدة حتّى ينطبق عليها قوله تعالى "فتبارك الله أحسن الخالقين" وتظهر فيها آثار الرّشد والبلوغ. وعلى هذا المنوال كان وجود الإنسان على هذه الكرة الأرضيّة من البدء حتّى وصل إلى هذه الحال من الهيئة وجمال الأخلاق، بعد أن مضت عليه مدّة طويلة واجتاز درجات مختلفة، ولكنّه من بدء وجوده كان نوعاً ممتازاًكذلك نطفة الإنسان في رحم الأمّ كانت في أوّل أمرها بهيئة عجيبة، فانتقل هذا الهيكل من تركيب إلى تركيب ومن هيئة إلى هيئة ومن صورة إلى صورة حتّى تجلّت النّطفة في نهاية الجمال والكمال، ولكنّها عندما كانت في رحم الأمّ وفي تلك الهيئة العجيبة – الّتي تغاير تماماً ما هي عليه الآن من الشّكل والشّمائل – كانت نطفة نوع ممتاز لا نطفة حيوان، وما تغيّرت نوعيّتها وماهيّتها أبداً، وعلى فرض تحقّق وجود أثر لأعضاء تلاشت فإنّ هذا لا يكون دليلاً على عدم استقلال النّوع وأصالته، وغاية ما هنالك أنّ الهيئة والشّمائل والأعضاء الإنسانيّة قد ترقّت ولكنّها مع ذلك التّحوّل كانت نوعاً ممتازاً، وكان إنساناً لاحيواناً، مثلاً لو انتقلت نطفة الإنسان في رحم الأمّ من هيئة إلى هيئة بحيث لا تشابه الهيئة الأولى بأيّ وجه من الوجوه فهل يكون ذلك دليلاً على أنّ النّوعيّة تغيّرت بأن كانت في البداية حيواناً ثمّ نشأت أعضاؤها وترقّت حتّى صارت إنساناً!! لا والله.والخلاصة إنّ هذه النّظريّة في غاية من الضّعف وواهيّة الأساس لأنّ أصالة نوع الإنسان واستقلال ماهيّته واضحة مشهودة القرآن الكريم سورة المؤمنون الآية4
(حضرة عبد البهاء-المفاوضات على المائدة

Friday, September 14, 2007

وتنتهى قصتنا مع آدم عليه السلام

فهم آدم أن إبليس عدوه. فهم بشكل عملي أن إبليس هو السبب في فقدانه للنعيم وفي شقائه. فهم أن الله يعاقب على المعصية. وأن الطريق إلى الجنة يمر بطاعة الله. فهم أن الله يقبل التوبة ويعفو ويرحم ويجتبي. علمهما الله تعالى أن يستغفرا قائلين:قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ وقبل الله توبته وعفا عنه وأرسله إلى الأرض. أول رسول لأبنائه.بدأت حياة آدم على الأرض. خرج من الجنة مهاجرا إلى الأرض.. واستن بذلك لأبنائه وأحفاده من الأنبياء سنة الخروج.لا يكاد النبي يبدأ دعوته إلى ربه حتى يضطره قومه إلى الخروج.. والهجرة.هناك في الجنة خرج آدم قبل نبوته، وهنا في الأرض يخرج الأنبياء بعد نبوتهم عادة.عرف آدم أنه ودع السلام حين خرج من الجنة.هنا في الأرض كان عليه أن يواجه شقاء وصراعا لا ينتهي أحدهما إلا ليبدأ الآخر، وكان عليه أن يشقى ليأكل، كان عليه أن يحمي نفسه بالملابس والأسلحة، ويحمي زوجته وأطفاله من الحيوانات والوحوش التي تعيش في الأرض. وكان عليه قبل هذا كله وبعده أن يستمر في صراعه مع روح الشر. إن الشيطان هو السبب في خروجه من الجنة. وهو في الأرض يوسوس له ولأولاده ليدخلهم الجحيم. والمعركة بين الخير والشر لا تتوقف، ومن يتبع هدى الله فلا خوف عليه ولا يحزن. ومن يعص الله، ويتبع المخلوق الناري إبليس فهو معه في النار.فهم آدم هذا كله مع الشقاء الذي بدأت به حياته على الأرض. الشيء الوحيد الذي كان يخفف حزنه. أنه قد جاء سلطانا عليها. وعليه أن يخضعها، ويستعمرها، ويزرعها ويبنيها ويعمرها، ينجب فيها نسلا يكبرون ويغيرون شكل الحياة ويجعلونه أفضل.كانت حواء تلد في البطن الواحد ابنا وبنتا. وفي البطن التالي ابنا وبنتا. فيحل زواج ابن البطن الأول من البطن الثاني.. وكبر أبناء آدم وتزوجوا، وملئوا الأرض نسلا.. ودعاهم آدم إلى الله تعالى.وقدر لآدم أن يشهد أول انحياز من أحد أبنائه لروح الشر إبليس. وقعت أول جريمة قتل على الأرض. قتل أحد أبناء آدم شقيقه. قتل الشرير أخاه الطيب. قال تعالى في سورة (المائدة):وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ يقال أن القاتل كان يريد زوجة شقيقه لنفسه.. وأمرهما آدم أن يقدما قربانا، فقدم كل واحد منهما قربانا، فتقبل الله من أحدهما ولم يتقبل من الآخر.قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَإِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ لاحظ كيف ينقل إلينا الله تعالى كلمات القتيل الشهيد، ويتجاهل تماما كلمات القاتل أنشب أظافره في الأرض وراح يحفر قبر شقيقه. قال آدم حين عرف القصة:هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ عاد القاتل برفع يده فقال المقتولإِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ انتهى الحوار بينهما وانصرف الشرير وترك الطيب مؤقتا. بعد أيام.. كان الأخ الطيب نائما وسط غابة مشجرة.. مات في نفس الغابة حمار عجوز فأكلت النسور لحمه وشربت الأرض دمه وبقي فكه العظمي ملقى على الأرض.. حمله الشرير وتوجه نحو شقيقه النائم، ورفع يده وأهوى بها بعنف وسرعة.ارتج الوجه الطيب حين انبثق منه الدم واستيقظ، كان يحلم وهو نائم وترتسم على شفتيه ابتسامة فغطت دماؤه بسمته.. وعاد القتيل ينهال على شقيقه حتى سكنت حركته.. أدرك القاتل أن شقيقه فارق الحياة .جلس القاتل أمام القتيل ساكنا مصفر الوجه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقتل نفس ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها لأنه كان أول من سن القتل". جلس القاتل أمام شقيقه المضرج في دمه. ماذا يقول لأبيه آدم لو سأل عنه؟ لقد شاهدهما يخرجان معا. فكيف يعود وحده؟ ولو أنكر أمام أبيه أنه قتل شقيقه، فأين يخفي جثته؟ أين يذهب بها؟ كان هذا الأخ القتيل أول إنسان يموت على الأرض.. ولم يكن دفن الموتى شيئا قد عرف بعد. وحمل الأخ جثة شقيقه وراح يمشي بها.. مزق الهواء صوت طائر يصرخ. أفزعته الصرخة وملأت نفسه بشؤم مجهول. التفت القاتل، فوجد غرابا حيا يصرخ فوق جثة غراب ميت. وضع الغراب الحي الغراب الميت على الأرض وساوى أجنحته إلى جواره وبدأ يحفر الأرض بمنقاره ووضعه برفق في القبر ثم صرخ صرختين قصيرتين وعاد يهيل عليه التراب.. بعدها طار في الجو وهو يصرخ.وقف القاتل وانكفأ على جثة شقيقه.. صرخ:قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخي اندلع حزنه على أخيه كالنار فأحرقه الندم. اكتشف فجأة. اكتشف أنه وهو الأسوأ والأضعف، قد قتل الأفضل والأقوى. نقص أبناء آدم واحدا. وكسب الشيطان واحدا من أبناء آدم. واهتز جسد القاتل ببكاء عنيف.
وحزن حزنا شديدا على خسارته في ولديه. مات أحدهما، وكسب الشيطان الثاني.صلى آدم على ابنه، وعاد إلى حياته على الأرض: إنسانا يعمل ويشقى ليصنع خبزه. ونبيا يعظ أبنائه وأحفاده ويحدثهم عن الله ويدعوهم إليه، ويحكي لهم عن إبليس ويحذرهم منه. ويروي لهم قصته هو نفسه معه، ويقص لهم قصته مع ابنه الذي دفعه لقتل شقيقه. وكبر آدم. ومرت سنوات وسنوات.. وعلى فراش من أغصان الشجر والورد يرقد آدم بلحيته البيضاء ووجهه الطيب. أبناؤه جميعا يقفون حوله في انتظار وصيته. وتحدث آدم فأفهم أبناءه أن هناك سفينة واحدة لنجاة الإنسان، وسلاحا واحدا لانتصاره، هذه السفينة هي هدى الله، وهذا السلاح هو كلمات الله ، طمأن آدم أبناءه بأن الله لن يترك الإنسان وحده على إنما سيرسل أنبياءه لهدايته وإنقاذه। وسيختلف الأنبياء في الأسماء والصفات ولكنهم سيجمعون على شيء واحد: الدعوة إلى عبادة الله وحده
وتلك كانت وصية آدم لأبنائه .

Wednesday, September 12, 2007

رمضان ومزيد من الحب والسلام والتواصل الروحانى



أجمل التهانى للعالم الإسلامى لقدوم شهر رمضان الكريم، أعاده الله على الأمة الإسلامية والعالم بكل الحب والسلام، وليسرع بنا العلى القدير نحو السلام ليعُمّ ويشمل العالم، فلنسعى جميعاً لبذر بذور السلام أولاً فى قلوبنا لتنعكس على أرواحنا وبذلك تنعكس على
كل من حولنا وعلى البشر فى كل أنحاء العالم
و
سلام إلى كل إنسان

Saturday, September 8, 2007

آدم والعصمة


و إنّي مع عدم المجال و تشتّت البال و تتابع البلبال أبادر إلی الجواب مقرّاً بضعفی و قلّة بضاعتی و فقری فی العلوم و فاقتی و ليس لی أمل الّا تأييد ربّی فأقول و علی اللّه التکلان. انّ عصيان آدم عليه السلام فی الذکر الحکيم أتی و قال اللّه سبحانه و تعالی " و عصی آدم ربّه فغوی و لم نجد له عزماً" و قال بحقّ ذی النون عليه السلام و "ذا النون اذ ذهب مغاضباً فظنّ أن لن نقدر عليه فنادی فی الظلمات" و خاطب الرسول الکريم "إنّا فتحنا لک فتحاً مبيناً ليغفر لک اللّه ما تقدّم من ذنبک و ما تأخّر" فهذه الآيات صريحة ناطقة بحقّ الانبياء و يخالف العصمة الکبری. و الحال أنّ المظاهر المقدّسة الإلهيّة نور علی نور لا يعتريهم ظلام الذنوب الديجور و لا يشوب حقيقتهم الرحمانيّة شوائب العصيان. لأنّهم شموس الهدی و بدور الدجی و نجوم السماء فکيف يجوز أن يعتری الشمس ظلام أو يسترّ البدر عوارض و حجاب نعم إنّ الغيوم المتکاثفة فربّما تمنع الأعين الناظرة عن مشاهدة الکواکب الساطعة و لکن تلک العوارض تعتری و تحول دون کرة الأرض و تحجبها عن الشمس. و أمّا تلک الکواکب النورانيّة و السيّارات الشعشعانيّة منزّهة عن کلّ غيم و محفوظة عن کلّ ضيم. بناء علی ذلک نقول أنّ تلک الآيات الدالّة علی عصيان آدم عليه السلام أو خطأ بعض الأنبياء إنّما هی آيات متشابهات ليست من المحکمات و لها تآويل فی قلوب ملهمة و معانی خفيّة عند النفوس المطمئنّة أمّا قضيّة آدم عليه السلام ليس المراد ظواهرها بل ضمائرها و ليس المقصد من ظواهرها الاّ سرائرها فالشجرة هی شجرة الحياة الثابتة الأصل الممتدّة الفرع إلی کبد السماء المثمرّة بأکل دائم و المفطرة لکلّ مرتاض صائم. فمنع آدم عليه السلام ليس منع تشريعی تحريمی إنّما هو منع وجودی کمنع الجنين عن شؤون البالغ الرشيد. فالشجرة مقام اختصّ به سيّد الوجود الحائز علی المقام المحمود. حبيب ربّ الودود محمّد المصطفی عليه التحيّة و الثناء. و المقصد من حوّاء نفس آدم عليه السلام فآدم أحبّ و تمنّی ظهور الکمالات الإلهيّة و الشؤون الرحمانيّة الّتی ظهورها منوطة بظهور سيّد الوجود. فخوطب بخطاب وجودی أنّ هذا الأمر ممتنع الحصول مستحيل الوقوع کامتناع ظهور العقل و الرشد للاجنّة فی بطون الأرحام و النطفة فی الأصلاب فبما کأن يتمنّی ظهور هذه الکمالات الرحمانيّة و الشؤون الربّانيّة فی دور الجنين و ذلک ممتنع مستحيل. فالدور وقع فی أمر عسير و ما کانت النتيجة الّا شيء يسير و هذا عبارة عن الخروج من الجنّة. و أمّا صدور هذا المنی عن الآية الکبری فليس بأمر مستغرب عند أولی النهی. و سليمان عليه السلام قال هب لی ملکا لا ينبغی لأحد من بعدی و هذا أمر ممدوح و مقصد مرغوب و ما عدا ذلک إذا نسب شأن من الشّئون إلی مظاهر الحيّ القيّوم لا يقاس بشئون غيرهم. فإذا قلنا آمن الرسول بما أنزل إليه ليس إيمانه کإيمان السائرين و إذا قلنا أنّ موسی عليه السلام و صاحبه نسيا حوتهما ليس نسيانهما کنسيان غيرهما بل هذا مقام يقال "حسنات الأبرار سيّئات المقرّبين" فلربّما تعتری أحداً من المقرّبين زلّة لحکمة و لکن المظاهر المقدّسة منزّهة عنها أيضاً انّما هذا في شأن المؤمنين الموحّدين و ما عدا ذلک فلربّما خوطب و عوتب الرسول بما يراد به فی نفوس المؤمنين لئلّا يثقل علی السمع العتاب الشديد کما قال و لو لا أن ثبّتناک لقد کدت ترکن اليهم شيئا قليلا و فاستقم کما أمرت و لا تکن للخائنين خصيما. و عبس و تولّی أن جاءه الأعمی و وجدک
ضالّاً فهدی انّما هذا الخطاب موجّه لسائر الاصحاب فتهويناً و تخفيفاً وجه العتاب الی ذلک الجناب کما أنّ حبيب النجّار قال مخاطباً للقوم "و ما لی لا أعبد الّذی فطرنی و إليه ترجعون" و الحال مراده ما لکم لا تعبدون الّذی فطرکم إنّما أسند إلی نفسه لئلّا يثقل الخطاب علی سمع غيره. فبالإجمال أنّ الرسل الکرام و الأنبياء العظام المظاهر النورانيّة و الحقائق الرحمانيّة و الکلمات التامّة و الحجج البالغة و الشموس الساطعة و البدور اللامعة و النجوم البازغة کلّهم تقدّست سرائرهم النورانيّة عن إعتراء الظلام و تنزّهت ضمائرهم الرحمانيّة عن شوائب الأوهام و إنّما لحکمة ما يخاطبهم اللّه بهذا الخطاب حتّی يخضع و يخشع أولو الألباب و يتذلّلوا ألی العزيز الوهّاب و لا يستکبروا ولو رقوا إلی أعلی القباب بل ينتبهوا أنّ الحيّ القيّوم خاطب الحبيب المعظّم و النور المکرّم هادی الأمم و الناطق بالاسم الأعظم بهذا الخطاب المبرم و العتاب الواضح المحکم فما ذا شأن مقاماتنا السافلة و حقائقنا الخامدة و نفوسنا الهامدة و عقولنا الجاهلة فتخشع أصواتهم و تخضع نفوسهم و يبتهلون إلی اللّه و يتضرّعون إليه و يقولون اللّهمّ يا حيّ يا قيّوم و يا مؤيّد کلّ خاضع و حافظ کلّ خاشع و دالّ کلّ سليم و هادی کلّ ذليل الی المقامات العالية و المراتب السامية نسألک الصون و الحماية فی حصنک الحصين و الحرس و الرعاية بلحظات أعين کلائتک فی ظلّک الظليل. اللّهمّ ربّنا لا تدعنا بأنفسنا فاحفظنا بقوّتک المحيطة علی الأشياء و احرسنا عن کلّ زلّة و خطيئة و اسلک بنا فی المنهج البيضآء و المحجّة السويّة النورآء لانّنا خطاة و أنت الغفور الکريم و نحن عصاة و أنت الرحمن الرحيم و لو لا فضلک و عفوک لوقعنا فی سواء الجحيم و لو لا جودک و غفرانک لخضنا فی غمار بحار الطغيان العميق محرومين عن فضلک العظيم ربّنا أيّدنا علی السلوک علی الصراط المستقيم و المنهج القويم انّک أنت الکريم . إنّک أنت العظيم. إنّک أنت الرحمن الرحيم . ع ع (من مكاتيب حضرة عبد البهاء ص122-127)
Powered By Blogger