Saturday, September 8, 2007

آدم والعصمة


و إنّي مع عدم المجال و تشتّت البال و تتابع البلبال أبادر إلی الجواب مقرّاً بضعفی و قلّة بضاعتی و فقری فی العلوم و فاقتی و ليس لی أمل الّا تأييد ربّی فأقول و علی اللّه التکلان. انّ عصيان آدم عليه السلام فی الذکر الحکيم أتی و قال اللّه سبحانه و تعالی " و عصی آدم ربّه فغوی و لم نجد له عزماً" و قال بحقّ ذی النون عليه السلام و "ذا النون اذ ذهب مغاضباً فظنّ أن لن نقدر عليه فنادی فی الظلمات" و خاطب الرسول الکريم "إنّا فتحنا لک فتحاً مبيناً ليغفر لک اللّه ما تقدّم من ذنبک و ما تأخّر" فهذه الآيات صريحة ناطقة بحقّ الانبياء و يخالف العصمة الکبری. و الحال أنّ المظاهر المقدّسة الإلهيّة نور علی نور لا يعتريهم ظلام الذنوب الديجور و لا يشوب حقيقتهم الرحمانيّة شوائب العصيان. لأنّهم شموس الهدی و بدور الدجی و نجوم السماء فکيف يجوز أن يعتری الشمس ظلام أو يسترّ البدر عوارض و حجاب نعم إنّ الغيوم المتکاثفة فربّما تمنع الأعين الناظرة عن مشاهدة الکواکب الساطعة و لکن تلک العوارض تعتری و تحول دون کرة الأرض و تحجبها عن الشمس. و أمّا تلک الکواکب النورانيّة و السيّارات الشعشعانيّة منزّهة عن کلّ غيم و محفوظة عن کلّ ضيم. بناء علی ذلک نقول أنّ تلک الآيات الدالّة علی عصيان آدم عليه السلام أو خطأ بعض الأنبياء إنّما هی آيات متشابهات ليست من المحکمات و لها تآويل فی قلوب ملهمة و معانی خفيّة عند النفوس المطمئنّة أمّا قضيّة آدم عليه السلام ليس المراد ظواهرها بل ضمائرها و ليس المقصد من ظواهرها الاّ سرائرها فالشجرة هی شجرة الحياة الثابتة الأصل الممتدّة الفرع إلی کبد السماء المثمرّة بأکل دائم و المفطرة لکلّ مرتاض صائم. فمنع آدم عليه السلام ليس منع تشريعی تحريمی إنّما هو منع وجودی کمنع الجنين عن شؤون البالغ الرشيد. فالشجرة مقام اختصّ به سيّد الوجود الحائز علی المقام المحمود. حبيب ربّ الودود محمّد المصطفی عليه التحيّة و الثناء. و المقصد من حوّاء نفس آدم عليه السلام فآدم أحبّ و تمنّی ظهور الکمالات الإلهيّة و الشؤون الرحمانيّة الّتی ظهورها منوطة بظهور سيّد الوجود. فخوطب بخطاب وجودی أنّ هذا الأمر ممتنع الحصول مستحيل الوقوع کامتناع ظهور العقل و الرشد للاجنّة فی بطون الأرحام و النطفة فی الأصلاب فبما کأن يتمنّی ظهور هذه الکمالات الرحمانيّة و الشؤون الربّانيّة فی دور الجنين و ذلک ممتنع مستحيل. فالدور وقع فی أمر عسير و ما کانت النتيجة الّا شيء يسير و هذا عبارة عن الخروج من الجنّة. و أمّا صدور هذا المنی عن الآية الکبری فليس بأمر مستغرب عند أولی النهی. و سليمان عليه السلام قال هب لی ملکا لا ينبغی لأحد من بعدی و هذا أمر ممدوح و مقصد مرغوب و ما عدا ذلک إذا نسب شأن من الشّئون إلی مظاهر الحيّ القيّوم لا يقاس بشئون غيرهم. فإذا قلنا آمن الرسول بما أنزل إليه ليس إيمانه کإيمان السائرين و إذا قلنا أنّ موسی عليه السلام و صاحبه نسيا حوتهما ليس نسيانهما کنسيان غيرهما بل هذا مقام يقال "حسنات الأبرار سيّئات المقرّبين" فلربّما تعتری أحداً من المقرّبين زلّة لحکمة و لکن المظاهر المقدّسة منزّهة عنها أيضاً انّما هذا في شأن المؤمنين الموحّدين و ما عدا ذلک فلربّما خوطب و عوتب الرسول بما يراد به فی نفوس المؤمنين لئلّا يثقل علی السمع العتاب الشديد کما قال و لو لا أن ثبّتناک لقد کدت ترکن اليهم شيئا قليلا و فاستقم کما أمرت و لا تکن للخائنين خصيما. و عبس و تولّی أن جاءه الأعمی و وجدک
ضالّاً فهدی انّما هذا الخطاب موجّه لسائر الاصحاب فتهويناً و تخفيفاً وجه العتاب الی ذلک الجناب کما أنّ حبيب النجّار قال مخاطباً للقوم "و ما لی لا أعبد الّذی فطرنی و إليه ترجعون" و الحال مراده ما لکم لا تعبدون الّذی فطرکم إنّما أسند إلی نفسه لئلّا يثقل الخطاب علی سمع غيره. فبالإجمال أنّ الرسل الکرام و الأنبياء العظام المظاهر النورانيّة و الحقائق الرحمانيّة و الکلمات التامّة و الحجج البالغة و الشموس الساطعة و البدور اللامعة و النجوم البازغة کلّهم تقدّست سرائرهم النورانيّة عن إعتراء الظلام و تنزّهت ضمائرهم الرحمانيّة عن شوائب الأوهام و إنّما لحکمة ما يخاطبهم اللّه بهذا الخطاب حتّی يخضع و يخشع أولو الألباب و يتذلّلوا ألی العزيز الوهّاب و لا يستکبروا ولو رقوا إلی أعلی القباب بل ينتبهوا أنّ الحيّ القيّوم خاطب الحبيب المعظّم و النور المکرّم هادی الأمم و الناطق بالاسم الأعظم بهذا الخطاب المبرم و العتاب الواضح المحکم فما ذا شأن مقاماتنا السافلة و حقائقنا الخامدة و نفوسنا الهامدة و عقولنا الجاهلة فتخشع أصواتهم و تخضع نفوسهم و يبتهلون إلی اللّه و يتضرّعون إليه و يقولون اللّهمّ يا حيّ يا قيّوم و يا مؤيّد کلّ خاضع و حافظ کلّ خاشع و دالّ کلّ سليم و هادی کلّ ذليل الی المقامات العالية و المراتب السامية نسألک الصون و الحماية فی حصنک الحصين و الحرس و الرعاية بلحظات أعين کلائتک فی ظلّک الظليل. اللّهمّ ربّنا لا تدعنا بأنفسنا فاحفظنا بقوّتک المحيطة علی الأشياء و احرسنا عن کلّ زلّة و خطيئة و اسلک بنا فی المنهج البيضآء و المحجّة السويّة النورآء لانّنا خطاة و أنت الغفور الکريم و نحن عصاة و أنت الرحمن الرحيم و لو لا فضلک و عفوک لوقعنا فی سواء الجحيم و لو لا جودک و غفرانک لخضنا فی غمار بحار الطغيان العميق محرومين عن فضلک العظيم ربّنا أيّدنا علی السلوک علی الصراط المستقيم و المنهج القويم انّک أنت الکريم . إنّک أنت العظيم. إنّک أنت الرحمن الرحيم . ع ع (من مكاتيب حضرة عبد البهاء ص122-127)

No comments:

Powered By Blogger