Tuesday, May 24, 2011

كيف يستعمل القرآن الكريم كلمة "أمة"؟

كيف يستعمل القرآن الكريم كلمة "أمة"؟

كما لاحظنا فإن المترجمين قد اختاروا كلمة غير دينية مثل ملة أو جماعة لتفسير كلمة أمة، هل هذا يبرر موقفهم؟ وحيث أن معرفة معنى كلمة أمة هي في غاية الأهمية دعونا نواصل تحقيقاتنا، ولعل أفضل طريقة لفهم معنى كلمة "أمّة" هي في مراجعة كيفيّة إستعمالها في القرآن الكريم نفسه، فلنتأمل الآية التاليه:

كل أمّةٍ* تُدْعَى إلى كتابها. سورة 45, آية: 28.

تصرِّحُ هذه الآية أنه عندما يأتي رسول جديد، يذكّر أتباع الأديان السابقة بأن ظهورَه ومجيئه قد حقق نبوءات كتبهم المقدسة. فقد دُعِي اليهود لإختبار أو دراسة ما قيل في كتابهم عن السيد المسيح عليه السلام. وينطبق الأمر ذاته على المسيحيين والمسلميين. فالآية السابقة تشير بوضوح أن كلمة "أمّة" تشير إلى أتباع كتاب معيّن، لا إلى شعب أو قوم.

ولنفرض هنا أن كلمة "أمّة" تعني شعب معيّن. فمعنى هذا أن لكل شعب كتاب. فلنسأل أنفسنا، ما هو كتاب أمريكا مثلاً؟ وما هو كتاب الهند، أو كتاب ايطاليا، أو إيران؟ فمن الواضح هنا أن كلمة " شعب " ليس لها صلة بموضوع الآية السابقة، ولكن إذا أخذنا معنى الآية كما هي بأن "كل أمّةٍ تُدْعىٰ إلى كتابها" أي بمعنى الأمّة اليهودية تُدعى إلى كتابها أو الأمّة المسيحية تُدعى إلى كتابها أو الأمّة الاسلامية تُدعى إلى كتابها، فتعطينا هذه الآية الكريمة المعنى الحقيقي المراد.

ولننظر أيضا إلى الآيات التالية:

ولكل أمّة جعلنا منسكا ليذكروا اسم الله. سورة 22, آية: 34 و67 أيضًا.

وهمّتْ كل أمّةٍ برسولهم. سورة 40, آية: 5.

إن أنت إلاّ نذيرٌ إنّا أرسلناك بالحق بشيرًا ونذيرًا ... وإن من أمّةٍ إلاّ خلا فيها نذيرٌ. سورة 35, آية: 23-24.

وكما نلاحظ أن القاموس أدرج كلمة "دين" كمعنى آخر لكلمة "أمة", والقرآن الكريم يؤكد هذا المعنى. فلنتأمل الآن الآيتين التاليتين حيث يصف القرآن الكريم المؤمنين أي أتباع الدين الواحد بأنهم قسّموا الدين إلى طوائف وفرق:

وإن هذه أمّتكم أمة واحدةً ... فتقطّعوا أمرهم* بينهم. سورة 23, آية: 52-53.

{ (فتقطعوا) أي الأتباع (أمرهم) دينهم { تفسير الجلالين.

إنا وجدنا آباءنا على أمّةٍ وإنّا على آثارهم مقتدون. سورة 43, آية: 23.

إن الآية التالية والتي ورد ذكرها مرتين في القرآن الكريم تشتمل على كلٍ من الكلمتين الهامتين وهما "أمّة" و "أجل":

ما تسبق من أمّةٍ أجلها وما يستأخرون. سورة 23, آية: 43، أنظر أيضًا سورة 15, آية: 5.

ولننظر الآن إلى آية أخرى في القرآن الكريم والتي تثبت ما ذكرناه في أول هذا الفصل، وهو أن للإسلام أجل معيّن ومحدد من عند الله سبحانه وتعالى، فتؤكد الآيات التالية وتحمل نفس المفهوم الذي ورد في الآية التي درسناها سابقاً ( سورة 7, آية:34) ولكن بتعبير أو صياغة أخرى:

ولكل أمّة رسول فإذا جاء رسولهم قضيَ بينهم بالقسط وهم لا يظلمون ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين قل... لكل أمةٍ أجلٌ إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون. سورة 10, آية: 47-49.

تحتوي الآية السابقة على جميع الكلمات المهمة التي درسناها. فبالإضافة إلى الكلمتين المهمتين،

· أمّة

· أجل

يوجد أيضا ثلاث كلمات أخرى مهمة:

· الرسول

· الوعد

· الساعة

إن الآية السابقة تؤكّد المعنى الذي شرحناه من قبل وهو أن كلمة "أمّة" تعني أتباع رسول من عند الله. ولكنها تكشف لنا عن فكرة أخرى لم يسبق شرحها. تلك الفكرة تم التعبير عنها في هذا السؤال: متى يتحقق هذا الوعد؟ تنص الآية الكريمة أن نهاية كل "أمّة" مرتبطة بوعد. فما هو هذا الوعد؟ أيُّ وعد سيكون أكثر عقلانية من مجيء رسول جديد ليحيي "الأمّة" في تلك الساعة الحاسمة من موتها روحانياً؟

يمكننا أن نفهم معنى هذه الكلمة بكل بساطة وبغض النظر عن الاستخدام القرآني لكلمة "أمّة" ذلك إذا تركنا العقل يرشدنا إلى المعنى المنطقي لهذه الكلمة فنجد حينئذ بأن المفسّرين يفترضون أن الآية تشير إلى جماعة مدنية مثل "شعب". هل لافتراضهم أي معنى؟ إن شعوباً مثل أهالي الصين والهند ومصر وإيران قد وُجِدت منذ آلاف السنين وقدّمت حضارة غنيّة للعالم. فلماذا ينبغي أو ربما سوف يختفي شعب ما ؟ كيف يمكن لشعب مثل أهالي كندا, أستراليا وأمريكا تختفي من على وجه الأرض في ساعةٍ معينة؟ لقد تم فتح بعض البلدان مراراً وتكراراً وعلى مر السنين وما زال أبناؤها يعيشون كدول أو أمم. فما السبب لتغيّر هذا النظام؟ وماذا سوف يجني العالم إذا اختفت أمم مثل الأرجنتين أو البرازيل أو المملكة المتحدة (بريطانيا) ؟

إذا كانت كلمة "أمّة" تشير إلى مجموعة من مواطنين يعيشون في بلد ما، فبماذا يسمّى المواطنون المسلمون الذين يعيشون في بلاد غير إسلاميّة مثل الصين أو الهند؟ وإذا كانت كلمة "أمّة"تعني المواطنين المسلمين، بغض النظر عن البلد أو الدولة التي يعيشون فيها، ففي هذه الحالة يكون لكلمة "أمّة"معنى معيّن ثابت مثل: الأمّة الإسلامية.

ولو فرضنا أن كلمة "أمّة" تعني شعب، فهذا المعنى يشمل الشعوب كلها بما في ذلك الأمة الإسلامية، وسيكون لهذه الدول الإسلامية وغير الإسلامية أجلٌ أو نهاية لأن الآية تشير إلى كل أمة وبالتالي علينا أن ننتهي إلى أن جميع الشعوب الإسلامية سوف تموت أو تختفي. ماذا سوف يحدث بعد ذلك؟ هل سيظل الله سبحانه وتعالى صامتاً ؟ ألن يرسل رسولاً آخر ليحييهم؟

إن هذه الملاحظات ترشدنا إلى النتيجة التالية: إذا كان المفهوم من كلمة "أمّة" هو أن كل أمّة سوف تزول أو تُدَمَّّر في ساعة معيّنة من التاريخ، فليس لهذا المفهوم معنى أو مغزى ولكن إذا كان المفهوم من كلمة "أمّة" هم أتباع دين من الأديان وأن لحياتهم الروحانية أجل، فهذا صحيح, أي أنه سيظهر رسول جديد في ساعة محددة ويُعلن نهاية عصر الدين السابق وبزوغ فجر يوم جديد.

دعونا نتمعُّن مرة أخرى في الآيات 47-49 من سورة يونس, إن الآيات التي تشير إلى نهاية حياة كل أمة تتنبأ أيضاً بأن الوقت المعين لموتها سوف يحين في الساعة المحددة. يوجد الآن أكثر من مئتي دولة وشعوب ودول تابعة في العالم، فلماذا نحتاج أن نعرف بأن كلاً منها سوف يأتي أجلها أو تختفي في ساعة محددة؟ ماهي قيمة معرفة شيءٍ كهذا؟ ولكن العكس هو الصحيح : عند بزوغ فجر دين جديد وظهور الرسول ينتهي أجل الدين السابق وتفقد تعاليمه الروحانية قوتها وعندئذٍ يفقد أتباع الدين أو أمته حياتهم الروحانية, في هذه الحالة يكون لكلمة "أمّة" معنى ومغزى ؟ يقول القرآن الكريم:

"كنتم أمواتًا فأحياكم". سورة 2, آية: 28.

إن كل أمّة ستواجه في آخر المطاف موت روحاني، فهذه حقيقة يجب علينا أن نقبلها مهما صعُب الأمر. ألا تشير أحوال العالم اليوم إلى ذلك؟ فلننظر إلى ما تنبّأ به السيد المسيح:

ولكن متى جاء ابن الإنسان ألعلَّه يجد الإيمان على الأرض (إنجيل لوقا 18: 8).

ولننظر أيضاً لما ذكره القرآن الكريم:

يا ربّ إنَّ قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورًا. سورة 25, آية: : 30.

ألم يحن الوقت في هذا العصر لإحياء الروح الإنساني؟ أليس العالم اليوم في أشد الحاجة لرسولٍ جديد من عند الله لكي يجمع شمل البشر ويعيد السلام والطمأنينة إلى هذا العالم المنقسم والذي يفتقر إلى الروحانية ؟ ألسنا اليوم في أشد الحاجة إلى الهداية والنعم الإلهيّة والتحذير من عواقب الابتعاد من تلك البركات السماوية ؟

إن أجل كل دورة دينية أو عصر يتمثل في الموت الروحاني الذي تتجاهله البشرية في كل دورة. هذا لهو نوع من الموت ( أي الموت الروحاني) والذي يجب أن تعترف به البشرية في كل عصر عند مجيء رسولٍ جديد. والقرآن الكريم كتاب شامل فيه تفصيل كل شيء:

وتفصيل كلّ شيء. سورة 12, آية: 111.

فقد تنبأ بهذا الإنكار, فما أبدعه! إن هذا الكتاب السماوي البديع موسوعة العلم والحكمة يتنبّأ بأن هذه الظاهرة ستعود مرةً أخرى ويُنكر البشر موتهم الروحاني:

وأن عَسَى أن يكون قد اقترب أجلهم فبأيّ حديث بعده يؤمنون. سورة 7, آية: 185.

إن الآية السابقة تطرح لنا أسئلة مثل:

إن موعد أجلهم قريب، هل يؤمنون بذلك؟

إن موعد أجلهم قد إقترب، كيف ينكرون ذلك؟

إن الآية السابقة تشير إلى المستقبل، فما هو المقصود بـ "هم" في كلمة "أجلهم"؟ عند نزول هذه الآية، أي أجل لم يأتِ ولم ينته بعد؟ إنه أجل الإسلام ( أي الأمة الإسلامية) فمن هم الذين أنكروا أن أجلهم أو موتهم قد إقترب؟ المسلمون فقط، الذين كانوا يعيشون وقت نزول هذه الآية الكريمة وبعدها. إن لآية تُصَّرِّح وبمهارة هذه الرسالة وهي: ما الذي يمكن أن يقوله الله أكثر من هذا لإقناع المسلمين بأن أجلهم أو نهاية حياتهم الروحانية قد إقتربت؟ إن الآية الكريمة هي فعلاً وحي إلهي، فهي تتنبّأ بالمفهوم الخاطئ عند المسلمين بأن حياة الإسلام وحياتهم الروحانية لن يكون لها نهاية.

الآية القرآنية الكريمة التالية تشير إلى نفس مفهوم الآية السابقة:

هو الذي خلقكم من طين ثمّ قضى أجلاً وأجلٌ مسمَّى عنده ثمّ أنتم تمترون. سورة 6, آية: 2.

الآية السابقة تشير إلى أجلين أو مدّتين محدَّدتين. الأجل الأول أي الموت فهو خاص بجسد الإنسان، وجميع البشر خلقوا "من طين"، والمسلمون جميعاً لا ينكرون هذا الأجل. فما هو الأجل الآخر المحدد من عند الله، والذي ينكره المسلمون؟ الأجل الآخر هو أن كل دين أيضاً له أجل أو مدة محددة، مثلما يموت الإنسان، كذلك الديانات لها وقت محدد يحدده الله سبحانه وتعالى.

يحتوي القرآن الكريم على آية قصيرة تشير إلى الوقت المحدد لكل رسالة ولكن يستعمل فيها كلمة نبأ:

لكل نبإ مستقرٌ وسوف تعلمون. سورة 6, آية: 67.

لقد ترجم يوسف علي كلمة نبأ بالرسالة.

إن كلمة نبأ أي رسالة أو خبر، لها مفهوم ديني. فالآية الكريمة توضح بجلاء الآيات التي درسناها من قبل وهي أن لكل رسالة "أجل" أو وقت محدد. تُختم الآية السابقة بالكلمتين "وسوف تعلمون". فمن الواجب إذاً السؤال: ما هو الخبر الذي "سوف تعلمون"؟ نبأ مجيء رسول جديد من عند الله. إن عبارة "سوف تعلمون" تدل على شيء قريب، ولكن كما نعلم أنه يوجد في كلٍ من الكتابين المقدسين القرآن والإنجيل عن أن اليوم عند الله بألف سنة: "يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدّون". سورة 32, آية: 5.

معنى كلمة "أجل"

لكي نختم نقاشنا، فإنه يجب علينا أن لا نتجاهل المعنى الدقيق للكلمة الحاسمة الأخرى في هذا الموضوع وهي كلمة " أجل". كما أشير من قبل، يستعمل القرآن الكريم كلمة "أمّة" مع كلمة "أجل" في تحديد الوقت المقدّر للأمّة الإسلامية. ومرة أخرى، لجأ المفسّرون في اتخاذ نفس السياق لتخفيف المعنى المراد من كلمة "أجل" وذلك بتفسيرها بمرادفات أكثر "ملاءمة" مثل "زمن معيّن" بدلاً من المعنى القاطع مثل "زمن محدد ينتهي بالموت". فباختيار مرادفات مثل هذه نجحوا في صرف النظر عن المعنى المراد من كلمة "أجل" وهو "الموت". بعض الناس فقط يُوَدّون التفكير بأنهم هالكون ولهم ميعاد محدد مع الموت. ففكرة الموت فكرة غير محببة للنفس سواء أكانت خاصة بحياة الفرد أو بدينه، وبالأخص حين يفترض المؤمنون أن دينهم خالد وأبدي. كما نعلم، فكلمة " أجل" حسب القاموس يحمل معنيين:

· الموت

· مدّة من الزمن

ليس هناك فرق في المعنى الذي نختاره من المعنيين السابقين، هل من الممكن أن يكون هناك:

"مدّة من الزمن" بدون "نهاية"؟ , الموت هو النهاية!

على الرغم من أن معنى كلمة "أجل" واضح تماما، ولكنه من المفيد أن ننظر في كيفيّة إستعمال القرآن الكريم لهاتين الكلمتين في سياق مواضيع أخرى. في إحدى الآيات المباركة يشير القرآن الكريم (سورة 40, آية: 67) إلى أطوار حياة الإنسان – طور الطفولة والشباب – ويستعمل بعد ذلك كلمة "أجل" للطور الذي ينتهي بالموت. توضّح الآية التالية المعنى المراد من كلمة "أجل":

ولن يؤخّر الله نفسًا إذا جاء أجلها. (سورة 63, آية: 11).

يغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمّى إنّ أجل الله إذا جاء لا يؤخر لو كنتم تعلمون. (سورة 71, آية: 4، وسورة 6, آية: 60، وسورة 22, آية: 5).

إن دراسة هاتين الكلمتين الهامتين "أمّة" و "أجل" مفيدةٌ ومنوّرة للأذهان ، وإن فهمهما لا يعطينا درساً هاماً فقط، بل يجعلنا على علم بنتيجةٍ وأهميةٍ بعيدةِ الأثر:

الدرس : مقدرة العقل البشري غير المحدودة على تحريف مفهوم آيات

بسيطة وواضحة إن لم تكن تتماشى مع الموروث الثقافى أو

الأفكار المحدودة المكتسبة.

النتيجة البعيدة الأثر: النتائج الوخيمة والتي لا يمكن تصورها نتيجة تحريف

معنى كلمة رئيسة واحدة. (من كتاب-خاتم النبيين)

سوف ندرس في المقال التالي الكلمة الثالثة الحاسمة المستعملة في القرآن الكريم والتي تشير إلى الفترة الزمنية المحددة للإسلام. وهذه الكلمة هي "وسط" وهي كلمة أخرى حرّف العلماء معناها لحماية المفهوم المفترض والمتعلِّق في الأذهان لكلمة "أجل".



* يعلن المسيح بانه أُرسِلَ على وجه التحديد لانقاذ الأمة اليهودية.

"أنا أرسلت إلى الخراف الضالة [السكان] من بيت إسرائيل وإليها وحدها." متى 24:15

* إن الكلمة العربية ــ أمر ــ لها عدة معاني مثل: أمر, دعوىٰ, دين وقضية الخ. ولكنها تشير هنا إلى ما وهبنا الله إياه ألا وهي عقيدتنا. ما هو الشيء الذي تسبب الناس في تفريقه؟ أليس هو الدين, ذلك الذي فرّقوا فيه؟

Thursday, May 12, 2011

تجدد الدين بعد موته الروحاني

تجدد الدين بعد موته الروحاني


إن البراهين التي قُدّمت في الفصل السابق تكفي لإزالة السحب المظلمة التي حجبت المعنى الحقيقي والهدف من كلمة "خاتَم". الآن وبعد أن أُزيلت غمامة سوء التفاهم دعونا نتْبَعُ الضوءَ الذي يفيضه أروعُ كتب الله ألا وهو القرآن الكريم على هذا الموضوع البالغ الأهمية, ونسمح لذلك الكتاب المنزل بأن يرشدنا إلى المفهوم أو الغاية الحقيقيّة من سنّة الله وإرادته الأبدية للبشر التي لا تتبدّل. يمكن تصنيف نبوءات القرآن إلى ثلاث فئات:

تلك التي تُنبِّئ بالموت الروحاني للمسلمين ونهاية الدورة الإسلامية في وقت محدد من التاريخ.

تلك التي تُنبِّئ بظهور رسول جديد من عند الله لإعادة أو إحياء الحياة الروحانية للبشر أجمعين بما في ذلك المسلمين.

تلك التي تُنبِّئ بمجئ دين جديد بعد الإسلام.

يركز هذا الفصل على الموضوع الأوّل، وتركّز الفصول التالية على الموضوعين الثاني والثالث.

الحياة والموت الروحاني

لكي نحلّ الرموز الخاصة بالنبوءات التي تشير إلى الموت الروحاني للإسلام والمسلمين، نحتاج أولاً إلى مراجعة بعض آيات القرآن الكريم. فجميع الكتب المقدّسة تستعمل تعابير "الموت" و "الحياة" للتعبير عن الحياة الروحانيّة والموت الروحاني, فالوثنيين الذين أقروا واعترفوا بوحدانية الله لم يكونوا أمواتاً (جسدياً ) قبل قبولهم الإسلام، ومع ذلك قيل لهم:

"وكنتم أمواتًا فأحياكم". سورة 2, آية: 28.


"يا أيّها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ...". سورة 8, آية: 24.

(إذا دعاكم لما يحييكم) من أمر الدين لأنه سبب الحياة الأبدية. المصحف الرقمي, تفسير الجلالين.

فإنّك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصُّمّ الدّعاء إذا ولّوا مدبرين" (سورة 30, آية: 52؛ أنظر أيضًا سورة 27, آية: 80)

إنك -أيها الرسول- لا تقدر أن تُسمع الحق مَن طبع الله على قلبه فأماته..... التفسير الميسر.

وكذلك لم يكن اليهود جسدياً أمواتاً عندما قبلوا نور الإيمان، ومع ذلك فقد قيل لهم:

"ثمّ بعثناكم من بعد موتكم لعلّكم تشكرون". سورة 2, آية: 56.

"أوَ من كان ميّتًا فأحييناه وجعلنا له نورًا يمشي به في النّاس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها". سورة 6, آية: 122؛ أنظر أيضًا سورة 18, الآية: 30؛ سورة 36, آية: 70؛ سورة 16, آية: 21؛ سورة 17, آية: 17.

وكثيرا ما تستعمل كلمة "الحياة" و "الموت" في الإنجيل المقدّس للتعبير عن الحياة الروحانية والموت الروحاني:

"الحقّ الحقّ أقول لكم إن كان أحد يحفظ كلامي فلن يرى الموت إلى الأبد." (إنجيل يوحنّا 8: 51).

كما سنرى ، تعلن الكتب السماوية المقدسة بأنه كما أن للإنسان دورة حياة, فإن للأديان أيضاً دورة حياة, وعند إنتهاء الدورة الروحانية للدين، تنتهي أيضاً الحياة الروحانية لأتباع هذا الدين. فماذا يفعل الله بعد ذلك؟ أليس من شأنه أن يحيي الناس عن طريق إرسال رسول جديد؟ يُخبر سيدنا محمد المؤمنين برسالته بأنهم بعد إيمانهم أصبحوا أحياءً فيقول القرآن الكريم: "وكنتم أمواتًا فأحياكم" (سورة 2, آية: 28). وتنبّأ سيدنا محمد أن التاريخ سيعيد نفسه وأنه في الوقت المعيّن سوف تفقد الأمّة الإسلامية حياتها الروحانية كما فقدتها الأمم السابقة. هل يبقى الله الرحمن الرحيم صامتاً ؟ لا بل في الوقت المحدد وحسب سنّة الله التي لا تتغيّر ولا تتبدّل، سيأتي لإنقاذهم ويبعث برسول جديد لينقذ الإنسانيّة من غفلتها، ويهب كل من كان له رغبة أو متعطّشاًًًً لمعرفة الحقيقة بصيرة روحانية للإيمان بهذه الهبة الإلهية.

الوقت المحدد للأمّة الإسلامية

إن النبوءات التي تشير إلى انتهاء الحياة الروحانية للمسلمين واضحة وحاسمة. ولكن بما أن هذه النبوءات تقوّض الإدّعاء المتأصّل عند المسلمين بأن الإسلام صالح لكل زمان ومكان ولن يعفي عليه الزمن، فقد تعهّد علماء المسلمين على تشويه معنى هذه النبوءات بطريقة فذة وماهرة من تغيير وطمس لمعنى ثلاث كلمات رئيسة مكّنهم من ابطال تلك النبوءات وإزالتها وتعطيل الوعود التي قدّمت للإنسانية أعظم نبأ وأكثرها بهجة ، وهو نبأ ظهور رسول جديد من لدى الله.

إنه من الضروري إظهار المعاني المحددة لهذه الكلمات الثلاثة التي أسيء فهمها. كما أن هذه الكلمات هي مفتاح لمعاني ومفاهيم لآيات قرآنية أخرى. هذه الكلمات هي:

أمّة

أجل

وسط

وبما أن القرآن الكريم يستعمل الكلمتين الأولى والثانية معاً فلنبدأ بتعريف معانيهم من القاموس:

أمّة

1) إنها مجموعة من الناس يُرسَلُ لها رسول من عند الله.

2) إنها أتباع دين معيّن، مثال ذلك: "الأمّة الإسلامية".

3) إنها الدين.(مجموعة من الناس ذات ثقافة واحدة وتنتمي لدينٍ أو فكرٍ واحدٍ).

4) مجموعة من الناس، أو قوم.

أجل

1) زمن محدّد، مدّة محدّدة، أو زمن معيّن؛ والأجل هو فترة من الزمن تكتمل وتنقضي أو تنتهي بالموت.

2) نهاية الوقت لشيء ما؛ نهاية الحياة؛ ميعاد الموت.

3) الموت.

فلندرس الآن آية تحتوي على الكلمتين السابقتين وكما تُرجِمتْ على نهجٍ تقليدي:

ترجمة داوود

ولكل أمّة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون. سورة 7, آية: 34

يترجم داوود هذه الآية بأن هناك وقت معين (أجل) لكل مجتمع أو جمهور, لنقارن هذه الترجمة بذلك المعنى الصحيح الدقيق للكلمتين العربيتين.

إن الموت الروحاني ( الأجل) أمر محتوم على أتباع كل دين أي ( الأمة ), وعندما يأتي أجلهم لا يستأخرون الأجل ساعة ولا يستقدمون.

إننا نلاحظ الفرق الشاسع بين الترجمتين, فالمترجم بتغيير معنى الكلمتين أمة وأجل قد أخفى تماما الغرض الحقيقي من تلك النبوءة.

كيف يمكن أن يُخفى معنى الكلمة عن العرب المسلمين, فلنلاحظ النقاط التالية:

· ألم يقرأ اليهود الكتب العبرية (التوراة), وهي مُنزَلة بلغتهم ؟ لماذا إذاً رفضوا السيد المسيح؟

· ألم يقرا علماء المسيحيين الإنجيل بلغته الأصلية, لماذا إذاً واصلوا رفضهم لسيدنا محمد؟

· ألم يقرأ العرب المسيحيون القرآن بلغتهم لماذا هم أيضاً رفضوا سيدنا محمد؟

يبيّن لنا التاريخ أن أصحاب السلطة أو "قادة الدين" كانوا دائما يحرّفون أو يسيئون تفسير الآيات التي تمس أو تهدد الإعتقادات الموروثة، وبالأخص الآيات التي تقوِّض منفعة أو مصلحة المؤسسات الدينية. إن عامة الناس تثق في سلطة رجال الدين وعادةً لا يجرؤ المرء في الشك أو الاعتراض على هذه السلطة. إن الأفكار الجديدة وبعد النظر خلافا للمعتقدات السائدة تُقمَع بسرعة.

دعونا نواصل تحقيقاتنا للكلمتين الخطيرتين واللتين تحملان الطابع الانتقادي وهما أمة وأجل لذلك سوف نتطرق إلى ترجمة تقليدية أخرى لنفس الآية ( سورة الأعراف آية: 34 ) لعالم مسلم آخر وهو شاكر.

ترجمة شاكر

وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ. سورة 7, آية: 34

مرة أخرى ترجم شاكر هذه الآية بأن كل شعب أو ملة لها مدة وفترة محددة فهي لا تستطيع أن تؤخر أو تُقّدَِم فترتها المحددة, ولكن هذه الآية تُبَيِّن بوضوح تام أن لكل أمّة أجلٌ محدود (ومنها الأمة الإسلامية) وحيث أن هذا المفهوم الواضح من قوله تعالى يخالف التقليد الموروث بأنه لن تأتي أي "أمّة" بعد الأمّة الإسلامية ، لذلك لجأ " قادة الدين" إلى إساءة تفسير الآية بقولهم أن كلمة "أمّة" في هذه الآية تعني "شعب أو ملة أو دولة"، ونرى نتائج هذا التفسير الخاطئ في بعض تراجم القرآن الكريم إلى اللغة الإنجليزية.

كما ترون فإن الترجمة السابقة تتيح معنى واضحاً وبسيطاً ومعقولاً. وببساطة تصرِّح بأنه كما أن للفرد فترة زمنية من العمر في هذه الحياة كذلك يصدق الحال على أتباع كل دين. ومن الواضح أن هذه الرسالة البسيطة تقوض وجهة النظر التقليدية السائدة وهي أنه لن تتبع أيُّ أمةٍ الأمةَ الإسلامية.

ثم ما الذي أنجزه رجال الدين بتغيير معنى الكلمة الهامة (الأمة) في هذه الآية الكريمة. إنهم تمكنوا من صرف انتباه المؤمنين عن الموضوع الحقيقي ونجحوا في تحويل أفكارهم من "أمّة" إلى "شعب وقوم"؟ نجحوا في صرف نظر المؤمنين عن الفكرة الأساسية، فبتغيير الموضوع من "الدين" إلى "الشعب"، نجحوا في تبديل معنى كلمة "الأمّة الإسلاميّة" (مثال ذلك الأمّة المسيحية أو الأمّة اليهودية)، إلى كلمة "شعب" والتي لا معنى لها في هذا الموضوع وكما جاء أيضاً: ( أمة: هي جماعة اجتمعت على الكفر بالله وتكذيب رسله, وأيضاً: لكل قوم وقت لانقضاء مدتهم وأجلهم, إذا جاء وقت انقضاء أجلهم وفناء أعمارهم... المصحف الرقمي: التفسير الميسر والجلالين). فبدلاً من القول بأن لكل دين أجل، حُرّف المعنى إلى أن لكل جماعة أجل وبتغيير كلمة واحدة فقط، قام رجال الدين الذين هم أكثر ولاءً للمعنى التقليدي الموروث عن المعنى الحقيقي بالقضاء على الغاية التي أرادها الله سبحانه وتعالى من هذه الآية الكريمة للمسلمين. فحوَّلوا المعنى والهدف وهي الحياة الروحانية المقدّرة للأمّة الإسلامية ومصيرها، إلى الحياة الدنيوية الغير دينية المقدّرة لكل شعب! فغدت الآية أوالأحرى كلمة " أمة" كما فُسِرت من قبل الفقهاء لا صلة لها بـ الدين. فتحوّل المعنى الرئيسي من تحذير الأمّة الإسلامية بأن حياة المسلمين الروحانية لها أجل، إلى معنى آخر لا علاقة له بالآية المذكورة.

أنظر إلى الآية التالية كيف تصف أولئك الذين يغيرون كلمة الله سبحانه وتعالى:

فبدّل الذين ظلموا منهم قولاً غير الذي قيل لهم. سورة 7, آية: 162.

إن تغيير وتحريف كلمات الله لإخراجها عن مضمونها، هو شيء ليس بجديد في تاريخ الأديان. ففي تاريخ جميع الأديان، نجد بعض المؤمنين يحرّفون ويعدّلون أو يُضعِفون الحقيقة التي لا يرغبون أن يرونها في كتبهم.

من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضيعه... فلا يؤمنون إلاّ قليلاً. سورة 4, آية: 46.

ما الذي يمكن أن يحققه رجال الدين من تغيير أو تحريف معنى كلمة أو آية؟ يمكن لهم أن يخفوا المعنى الحقيقي أو المغزى من الكلمة؛ كما قام المسيحييون بإخفاء النبوءات الخاصة بسيدنا محمد عليه السلام في الإنجيل المقدس ، فيشير إليها القرآن الكريم قائلاً:

يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبيّن لكم كثيرًا مما كنتم تخفون من الكتاب. سورة 5, آية: 15. أنظر أيضاً سورة 5, آية: 13.

وتابعوا معي كيف يستعمل القرآن الكريم كلمة "أمة"؟


Powered By Blogger