Sunday, May 1, 2011

ما المقصود بعبارة خاتَم النبيين-2-2

راندا شوقى الحمامصى - ما المقصود بعبارة خاتَم النبيين-2

ما المقصود بعبارة خاتَم النبيين-2-2

إذا كانت كلمة خاتَم لا تنقل معنى النهائية أو الختامية, لماذا إذاً يشتق العلماء المسلمون منه مثل هذا المعنى ؟ إنهم يلجأون إلى أسلوبين متميِّزين لتحقيق هدفهم. دعونا الآن نتحرى المعنيين.
إن الطريقة الأولى التي يتخذها ويعتمدها المفسرون المسلمون هو استبدال معنى "خاتَم" كإسم (صورة مميزة) مع معناه كفعل (يختم). المترجم المشهور والمفسِّر للقرآن الكريم السيد يوسف علي يتَّبِع هذه الإستراتيجية. يكتب يوسف علي:

عندما تُختَم وثيقة تصبح كاملة ولن تكون هناك أي إضافة أخرى. لقد ختم محمد عليه السلام السلسلة المتتالية للرسالات. 1

كما نرى يستبدل يوسف علي معنى كلمة "خاتَم" كإسم (ومعناها: صورة مميزة وهي مرادفة لكلمة
signature كما هو موضح في المورد) وهو المعنى المقصود ( أي صيغة الإسم) يستبدله بمعناه كفعل (يختم). فيكتب السيد يوسف بأن الوثيقة عندما تُختَم تكون كاملة أي يستخدم الفعل في هذا المقام رغم أن القرآن لم يقل بأن محمداً ختم ظهور الأنبياء و مجيئهم. بل يقول بأن محمداً عليه السلام هو خاتَم. إن القرآن يمنحه لقب شرف. ولكن كما نرى السيد يوسف علي يستمد المعنى المنشود من كلمة "خاتم" كفعل. ونحن في أذهاننا نربط بين معنى كلمة خاتم كفعل ومعناه كإسم, بالرغم من أن لهما معانٍ مختلفة تماماً.

والعديد من المؤمنين وافقوا على هذا النوع من المنطق, فهذا يبين بأن هذه الاستراتيجية كانت فعالة للغاية.

أما الطريقة الثانية التي يعتمد عليها علماء الدين المسلمين لكي يشتقوا معنى "ختامية" من كلمة "خاتم" هي أن يشيروا إلى موقع الكلمة على وثيقة ( بالرغم من أن كلمة خاتم مرتبطة في الآية بالرسول ). فيُصرِّح العلماء المسلمون بأنه مادام موقع الختم أو التوقيع هو في نهاية أي وثيقة لذلك فإن محمداً عليه السلام قد أنهى السلسلة الطويلة المتوالية من الرسل. يفضل عالم مسلم آخر شهير ومفسِّر للقرآن الكريم وهو السيد محمد أسد أن يُطبِّقَ هذه الإستراتيجية. فيكتب :

إن محمداً كان خاتم الأنبياء تماماً كما يُمّثِّلُ (خاتم) نهاية أي وثيقة. 2

يستمد المترجم مرةً أخرى المعنى المقصود عن طريق ربط كلمة "خاتم" بصيغتها المفترضة. لذلك تحمل العبارة السابقة العديد من العيوب منها :
• الغرض الأساسي من وضع ختم شخصٍ ما على وثيقة هو ليس لإظهار نهايتها بل للتأكد من صحة وموثوقية الوثيقة.
• لا يكون موضع الختم دائماً في نهاية الوثيقة. قد يوضع في بعض الأحيان على جانب الوثيقة أو في المقدمة!
• يستطيع الكاتب أن يُنهي رسالته ومن ثّمَّ يوقعه ويختمه, ولكن بمقدوره دائماً أن يكتب رسالة جديدة.
إن سبب نجاح هاتين الاستراجيتين أو خطوط المنطق تلك [ استبدال معنى "خاتَم" كإسم (صورة مميزة) مع معناه كفعل (يختم), أي اشتقاق معنى "ختامية" من الكلمة "خاتم" وذلك بالاشارة إلى موقع الكلمة على وثيقة ] هو هذه النتيجة المستنبطة التي يود الناس سماعها: إن أتباع الأديان يريدون ــ مهما يكن دينهم ــ أن يُقال لهم بأنهم مميَّزون كأمة ودينهم مميز أيضاً. ومن المؤسف أن هذا الضعف في البشر يصيبنا جميعاً إلى حدٍ ما. النبوءة التالية من الكتاب المقدس ينطبق على جميع أتباع الأديان.

فإنه سيأتي زمانٌ لا يُطيقُ الناسُ فيه التعليم الصحيح, بل تبعاً لشهواتِهم الخاصة يكدِّسون لأنفسهم معلمين (يقولون لهم كلاماً) يداعِبُ الآذان. تيموثاوس 2, الفصل 4, آية: 3

ولننظر الآن إلى الآية القرآنية بمزيد من التعمق والتي تعطي سيدنا محمد لقب خاتَم النبيين:
"ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين". سورة 33, آية: 40.

تعلِّمُنا الآية السابقة مفهومين عن سيدنا محمد:
1) أولاً، أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لم يكن أباً لأِحد. ( إنه يحدد الدور الذي لم يكن لسيدنا محمد)
2) ثانيًا، أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم-كان رسولاً من عند الله وكذلك خاتم الأنبياء. ( هنا تعلن الآية الدورين الذين يحققهما سيدنا محمد)

أولا، لقد أُخبِِرَ سيدنا محمد بأنه لم يكن أبًا لأحد من الرجال، وهذا ما يطابق الكثير من الآيات لأن سيدنا محمد كانت لديه مسئولية محدودة, ومهمته كانت إبلاغ الرسالة الإلهية للبشر. الآيات التالية تشير إلى أن الصلة والعلاقة بيننا وبين الرسول محمد ليست صلة الأب بإبنه, لأن الأب يجب أن يتحمل مسئوليات كثيرة تجاه أولاده, بينما هذا النوع من المسئولية لا يتوقعه الله من رسله. تؤكد الآيات التالية هذه الغاية:
"قل يا أيّها النّاس قد جاءكم الحق من ربكم فمن اهتدى فإنّما يهتدى لنفسه ومن ضلّ فانما يضل عليها وما أنا عليكم بوكيل". سورة 10, آية: 108.
"وما أنت عليهم بوكيل". سورة 39, آية: 41.
"فما أرسلناك عليهم حفيظًا". سورة 42, آية: 48
"ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء" سورة 6, آية: 52.
"لست عليهم بمسيطر". سورة 88, آية: 22. أنظر أيضًا سورة 5, آية: 94؛ سورة 6, آية: 104 و 107؛ سورة 4, آية: 79؛ سورة 6, آية: 52؛ سورة 11, آية: 86.

بعد أن يُبيِّن الله سبحانه وتعالى بأن محمداً ليس له دور الأب, يُحدِّد له مهمتين :
الأولى كما أشرنا إلى ذلك سابقًا وهي مهمة إبلاغ الرسالة الإلهية للبشر، وتشير الآيات التالية إلى ذلك:

"ما على الرسول إلا البلاغ". سورة 5, آية: 99.
"إن عليك إلا البلاغ". سورة 42, آية: 48.
"فإنّما عليك البلاغ وعلينا الحساب". سورة 13, آية: 40.
"فإن تولّوا فإنّما عليك البلاغ المبين". سورة 16, آية: 82.
"فهل على الرّسل إلا البلاغ المبين" سورة 16, آية: 35. أنظر أيضًا سورة 5, آية: 92؛ وسورة 2, آية: 272.

والمهمة الثانية التي أعطاها الله سبحانه وتعالى إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هي مهمة التصديق – الشخص الذي يضع الختم على رسائل الرسل السابقة ليشهد على أنها من عند الله. والآيات التي تشير إلى ذلك عديدة:

"والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحقُّ مصدّقًا لما بين يديه". سورة 35, آية: 31.
"... تصديق الذي بين يديه". سورة 12, آية: 111.
"يا أيّها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزّلنا مصدّقًا لما معكم من قبل..." سورة 4, آية: 47.
"نزّل عليك الكتاب بالحق مصدقًا لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل" سورة 3 , آية: 3. أنظر أيضًا سورة 6, آية: 92؛ سورة 2, آية: 41؛ سورة 35, آية: 31؛ سورة 5, آية: 59 ؛ سورة 5, آية: 48 ؛ سورة 2,آية: 29.

وفي بداية القرآن الكريم يصف الله سبحانه وتعالى المؤمن بالآية التالية:

"الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون". سورة 2,: آية 3-4.
"يا أيّها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسله.. والكتاب الذي أنزل من قبل" سورة 4, آية: 136.

ويذكر القرآن الكريم رسلاً آخرين قاموا أيضاً بهذه المهمة:

"وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدّقًا لما بين يديّ من التوراة ومبشّرًا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد فلمّا جاءهم بالبيّنات قالوا هذا سحرٌ مبين". سورة 61, آية: 6.
"الرسول النّبي الأمّيّ الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل" سورة 7, آية: 157.
"وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مريم مصدّقا لما بين يديه من التوراة وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقًا لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتّقين". سورة 5, آية: 46.
"ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة وهذا كتاب مصدّق". سورة 46, آية: 12.
"...كتابًا أنزل من بعد موسى مصدّقًا لما بين يديه...". سورة 46, آية: 30.
"لقد كان في قصصهم عبرة لأولى الألباب ما كان حديثًا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون". سورة, 12 آية: 111.

إذاً ما هي الدروس التي يمكننا أن نتعلمها من قصص الأنبياء السلف؟ من أهم تلك الدروس هو أنه كلَّما أتى رسول رفضه القوم لأن الناس وجدوا كلمة في كتابهم المقدّس أُسيء تفسيرها، فاتخذوا من هذه الكلمة أو العبارة (درعاً وحجة) لينكروا أو يعترضوا على الرسالة الإلهية الجديدة.

"أفكلّما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقًا كذّبتم وفريقًا تقتلون"؟ سورة 2, آية: 87 أنظر أيضًا سورة 22, آية: 3؛ سورة 21, آية: 2.
إن ظهور الرُسُل من عند الله بين حين وآخر مبني على ميثاق بين الله والبشر, ربما هو الأعظم من بين جميع المواثيق الإلهية. الآية القرآنية التالية تُصَوِّر هذا الميثاق على شكل حوار بين الله سبحانه وتعالى ورسله:

"وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمةٍ ثمّ جاءكم رسولٌ مصدّقٌ لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنَّه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين." سورة 3, آية: 81.


وعندما أنشأ الله عهده وميثاقه
مع أنبيائه قال:

وعد الله إنني آتيتكم الكتاب والحكمة, ثم جاءكم رسولٌ (محمد), فيجب عليكم
وأمله : أن تؤمنوا به وتنصروه. هل ستؤكدون وتقرِّون عهدي بهذه الصورة؟

إجابة الرسل: أقررنا بهذا الميثاق.

الله : فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين.

ثم بعد ثلاث آيات تالية , يعلن الله وحدة رُسُلِه:

"قل آمنّا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى والنّبييون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون". سورة 3, آية: 84.

إن العهد والميثاق في الآية السابقة يدل على أن الله سبحانه وتعالى وضع خاتم المصداقية على رسله وهم بدورهم يضعون خاتم التصديق على سائر الرسل. هذا هو معنى خاتم النبيين.

لقد أصبحت عقيدة خاتم النبيين محور العقائد في الدين الإسلامي. وإنها ربما تعتبر إحدى المفاهيم الهامة والشاملة التي يمكن للعقل البشري أن يتصورها. وسوف تقود هذه العقيدة المؤمنين إلى إنكار وإلحاق الأذى بأي رسول يبعثه الله سبحانه وتعالى. فكيف يمكن لهذه الإستراتيجية التي هي في محل شك وتساؤل أو لهذا التوجه والمسلك الجدلي للمنطق القائل ــ بمحل الختم على رسالة ما ــ أن يحمل عقيدة شاملة بهذا الوزن وبهذه النتيجة الرهيبة. كيف يمكن أن تصمد هذه العقيدة الهامة على هذه القاعدة الوحيدة ( لأن آية خاتم النبيين لم تُذكَر إلا مرة واحدة في القرآن الكريم) التي تحتمل معانٍ مختلفة.

..... إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ..... سورة 10, آية: 66

No comments:

Powered By Blogger