Thursday, May 12, 2011

تجدد الدين بعد موته الروحاني

تجدد الدين بعد موته الروحاني


إن البراهين التي قُدّمت في الفصل السابق تكفي لإزالة السحب المظلمة التي حجبت المعنى الحقيقي والهدف من كلمة "خاتَم". الآن وبعد أن أُزيلت غمامة سوء التفاهم دعونا نتْبَعُ الضوءَ الذي يفيضه أروعُ كتب الله ألا وهو القرآن الكريم على هذا الموضوع البالغ الأهمية, ونسمح لذلك الكتاب المنزل بأن يرشدنا إلى المفهوم أو الغاية الحقيقيّة من سنّة الله وإرادته الأبدية للبشر التي لا تتبدّل. يمكن تصنيف نبوءات القرآن إلى ثلاث فئات:

تلك التي تُنبِّئ بالموت الروحاني للمسلمين ونهاية الدورة الإسلامية في وقت محدد من التاريخ.

تلك التي تُنبِّئ بظهور رسول جديد من عند الله لإعادة أو إحياء الحياة الروحانية للبشر أجمعين بما في ذلك المسلمين.

تلك التي تُنبِّئ بمجئ دين جديد بعد الإسلام.

يركز هذا الفصل على الموضوع الأوّل، وتركّز الفصول التالية على الموضوعين الثاني والثالث.

الحياة والموت الروحاني

لكي نحلّ الرموز الخاصة بالنبوءات التي تشير إلى الموت الروحاني للإسلام والمسلمين، نحتاج أولاً إلى مراجعة بعض آيات القرآن الكريم. فجميع الكتب المقدّسة تستعمل تعابير "الموت" و "الحياة" للتعبير عن الحياة الروحانيّة والموت الروحاني, فالوثنيين الذين أقروا واعترفوا بوحدانية الله لم يكونوا أمواتاً (جسدياً ) قبل قبولهم الإسلام، ومع ذلك قيل لهم:

"وكنتم أمواتًا فأحياكم". سورة 2, آية: 28.


"يا أيّها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ...". سورة 8, آية: 24.

(إذا دعاكم لما يحييكم) من أمر الدين لأنه سبب الحياة الأبدية. المصحف الرقمي, تفسير الجلالين.

فإنّك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصُّمّ الدّعاء إذا ولّوا مدبرين" (سورة 30, آية: 52؛ أنظر أيضًا سورة 27, آية: 80)

إنك -أيها الرسول- لا تقدر أن تُسمع الحق مَن طبع الله على قلبه فأماته..... التفسير الميسر.

وكذلك لم يكن اليهود جسدياً أمواتاً عندما قبلوا نور الإيمان، ومع ذلك فقد قيل لهم:

"ثمّ بعثناكم من بعد موتكم لعلّكم تشكرون". سورة 2, آية: 56.

"أوَ من كان ميّتًا فأحييناه وجعلنا له نورًا يمشي به في النّاس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها". سورة 6, آية: 122؛ أنظر أيضًا سورة 18, الآية: 30؛ سورة 36, آية: 70؛ سورة 16, آية: 21؛ سورة 17, آية: 17.

وكثيرا ما تستعمل كلمة "الحياة" و "الموت" في الإنجيل المقدّس للتعبير عن الحياة الروحانية والموت الروحاني:

"الحقّ الحقّ أقول لكم إن كان أحد يحفظ كلامي فلن يرى الموت إلى الأبد." (إنجيل يوحنّا 8: 51).

كما سنرى ، تعلن الكتب السماوية المقدسة بأنه كما أن للإنسان دورة حياة, فإن للأديان أيضاً دورة حياة, وعند إنتهاء الدورة الروحانية للدين، تنتهي أيضاً الحياة الروحانية لأتباع هذا الدين. فماذا يفعل الله بعد ذلك؟ أليس من شأنه أن يحيي الناس عن طريق إرسال رسول جديد؟ يُخبر سيدنا محمد المؤمنين برسالته بأنهم بعد إيمانهم أصبحوا أحياءً فيقول القرآن الكريم: "وكنتم أمواتًا فأحياكم" (سورة 2, آية: 28). وتنبّأ سيدنا محمد أن التاريخ سيعيد نفسه وأنه في الوقت المعيّن سوف تفقد الأمّة الإسلامية حياتها الروحانية كما فقدتها الأمم السابقة. هل يبقى الله الرحمن الرحيم صامتاً ؟ لا بل في الوقت المحدد وحسب سنّة الله التي لا تتغيّر ولا تتبدّل، سيأتي لإنقاذهم ويبعث برسول جديد لينقذ الإنسانيّة من غفلتها، ويهب كل من كان له رغبة أو متعطّشاًًًً لمعرفة الحقيقة بصيرة روحانية للإيمان بهذه الهبة الإلهية.

الوقت المحدد للأمّة الإسلامية

إن النبوءات التي تشير إلى انتهاء الحياة الروحانية للمسلمين واضحة وحاسمة. ولكن بما أن هذه النبوءات تقوّض الإدّعاء المتأصّل عند المسلمين بأن الإسلام صالح لكل زمان ومكان ولن يعفي عليه الزمن، فقد تعهّد علماء المسلمين على تشويه معنى هذه النبوءات بطريقة فذة وماهرة من تغيير وطمس لمعنى ثلاث كلمات رئيسة مكّنهم من ابطال تلك النبوءات وإزالتها وتعطيل الوعود التي قدّمت للإنسانية أعظم نبأ وأكثرها بهجة ، وهو نبأ ظهور رسول جديد من لدى الله.

إنه من الضروري إظهار المعاني المحددة لهذه الكلمات الثلاثة التي أسيء فهمها. كما أن هذه الكلمات هي مفتاح لمعاني ومفاهيم لآيات قرآنية أخرى. هذه الكلمات هي:

أمّة

أجل

وسط

وبما أن القرآن الكريم يستعمل الكلمتين الأولى والثانية معاً فلنبدأ بتعريف معانيهم من القاموس:

أمّة

1) إنها مجموعة من الناس يُرسَلُ لها رسول من عند الله.

2) إنها أتباع دين معيّن، مثال ذلك: "الأمّة الإسلامية".

3) إنها الدين.(مجموعة من الناس ذات ثقافة واحدة وتنتمي لدينٍ أو فكرٍ واحدٍ).

4) مجموعة من الناس، أو قوم.

أجل

1) زمن محدّد، مدّة محدّدة، أو زمن معيّن؛ والأجل هو فترة من الزمن تكتمل وتنقضي أو تنتهي بالموت.

2) نهاية الوقت لشيء ما؛ نهاية الحياة؛ ميعاد الموت.

3) الموت.

فلندرس الآن آية تحتوي على الكلمتين السابقتين وكما تُرجِمتْ على نهجٍ تقليدي:

ترجمة داوود

ولكل أمّة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون. سورة 7, آية: 34

يترجم داوود هذه الآية بأن هناك وقت معين (أجل) لكل مجتمع أو جمهور, لنقارن هذه الترجمة بذلك المعنى الصحيح الدقيق للكلمتين العربيتين.

إن الموت الروحاني ( الأجل) أمر محتوم على أتباع كل دين أي ( الأمة ), وعندما يأتي أجلهم لا يستأخرون الأجل ساعة ولا يستقدمون.

إننا نلاحظ الفرق الشاسع بين الترجمتين, فالمترجم بتغيير معنى الكلمتين أمة وأجل قد أخفى تماما الغرض الحقيقي من تلك النبوءة.

كيف يمكن أن يُخفى معنى الكلمة عن العرب المسلمين, فلنلاحظ النقاط التالية:

· ألم يقرأ اليهود الكتب العبرية (التوراة), وهي مُنزَلة بلغتهم ؟ لماذا إذاً رفضوا السيد المسيح؟

· ألم يقرا علماء المسيحيين الإنجيل بلغته الأصلية, لماذا إذاً واصلوا رفضهم لسيدنا محمد؟

· ألم يقرأ العرب المسيحيون القرآن بلغتهم لماذا هم أيضاً رفضوا سيدنا محمد؟

يبيّن لنا التاريخ أن أصحاب السلطة أو "قادة الدين" كانوا دائما يحرّفون أو يسيئون تفسير الآيات التي تمس أو تهدد الإعتقادات الموروثة، وبالأخص الآيات التي تقوِّض منفعة أو مصلحة المؤسسات الدينية. إن عامة الناس تثق في سلطة رجال الدين وعادةً لا يجرؤ المرء في الشك أو الاعتراض على هذه السلطة. إن الأفكار الجديدة وبعد النظر خلافا للمعتقدات السائدة تُقمَع بسرعة.

دعونا نواصل تحقيقاتنا للكلمتين الخطيرتين واللتين تحملان الطابع الانتقادي وهما أمة وأجل لذلك سوف نتطرق إلى ترجمة تقليدية أخرى لنفس الآية ( سورة الأعراف آية: 34 ) لعالم مسلم آخر وهو شاكر.

ترجمة شاكر

وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ. سورة 7, آية: 34

مرة أخرى ترجم شاكر هذه الآية بأن كل شعب أو ملة لها مدة وفترة محددة فهي لا تستطيع أن تؤخر أو تُقّدَِم فترتها المحددة, ولكن هذه الآية تُبَيِّن بوضوح تام أن لكل أمّة أجلٌ محدود (ومنها الأمة الإسلامية) وحيث أن هذا المفهوم الواضح من قوله تعالى يخالف التقليد الموروث بأنه لن تأتي أي "أمّة" بعد الأمّة الإسلامية ، لذلك لجأ " قادة الدين" إلى إساءة تفسير الآية بقولهم أن كلمة "أمّة" في هذه الآية تعني "شعب أو ملة أو دولة"، ونرى نتائج هذا التفسير الخاطئ في بعض تراجم القرآن الكريم إلى اللغة الإنجليزية.

كما ترون فإن الترجمة السابقة تتيح معنى واضحاً وبسيطاً ومعقولاً. وببساطة تصرِّح بأنه كما أن للفرد فترة زمنية من العمر في هذه الحياة كذلك يصدق الحال على أتباع كل دين. ومن الواضح أن هذه الرسالة البسيطة تقوض وجهة النظر التقليدية السائدة وهي أنه لن تتبع أيُّ أمةٍ الأمةَ الإسلامية.

ثم ما الذي أنجزه رجال الدين بتغيير معنى الكلمة الهامة (الأمة) في هذه الآية الكريمة. إنهم تمكنوا من صرف انتباه المؤمنين عن الموضوع الحقيقي ونجحوا في تحويل أفكارهم من "أمّة" إلى "شعب وقوم"؟ نجحوا في صرف نظر المؤمنين عن الفكرة الأساسية، فبتغيير الموضوع من "الدين" إلى "الشعب"، نجحوا في تبديل معنى كلمة "الأمّة الإسلاميّة" (مثال ذلك الأمّة المسيحية أو الأمّة اليهودية)، إلى كلمة "شعب" والتي لا معنى لها في هذا الموضوع وكما جاء أيضاً: ( أمة: هي جماعة اجتمعت على الكفر بالله وتكذيب رسله, وأيضاً: لكل قوم وقت لانقضاء مدتهم وأجلهم, إذا جاء وقت انقضاء أجلهم وفناء أعمارهم... المصحف الرقمي: التفسير الميسر والجلالين). فبدلاً من القول بأن لكل دين أجل، حُرّف المعنى إلى أن لكل جماعة أجل وبتغيير كلمة واحدة فقط، قام رجال الدين الذين هم أكثر ولاءً للمعنى التقليدي الموروث عن المعنى الحقيقي بالقضاء على الغاية التي أرادها الله سبحانه وتعالى من هذه الآية الكريمة للمسلمين. فحوَّلوا المعنى والهدف وهي الحياة الروحانية المقدّرة للأمّة الإسلامية ومصيرها، إلى الحياة الدنيوية الغير دينية المقدّرة لكل شعب! فغدت الآية أوالأحرى كلمة " أمة" كما فُسِرت من قبل الفقهاء لا صلة لها بـ الدين. فتحوّل المعنى الرئيسي من تحذير الأمّة الإسلامية بأن حياة المسلمين الروحانية لها أجل، إلى معنى آخر لا علاقة له بالآية المذكورة.

أنظر إلى الآية التالية كيف تصف أولئك الذين يغيرون كلمة الله سبحانه وتعالى:

فبدّل الذين ظلموا منهم قولاً غير الذي قيل لهم. سورة 7, آية: 162.

إن تغيير وتحريف كلمات الله لإخراجها عن مضمونها، هو شيء ليس بجديد في تاريخ الأديان. ففي تاريخ جميع الأديان، نجد بعض المؤمنين يحرّفون ويعدّلون أو يُضعِفون الحقيقة التي لا يرغبون أن يرونها في كتبهم.

من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضيعه... فلا يؤمنون إلاّ قليلاً. سورة 4, آية: 46.

ما الذي يمكن أن يحققه رجال الدين من تغيير أو تحريف معنى كلمة أو آية؟ يمكن لهم أن يخفوا المعنى الحقيقي أو المغزى من الكلمة؛ كما قام المسيحييون بإخفاء النبوءات الخاصة بسيدنا محمد عليه السلام في الإنجيل المقدس ، فيشير إليها القرآن الكريم قائلاً:

يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبيّن لكم كثيرًا مما كنتم تخفون من الكتاب. سورة 5, آية: 15. أنظر أيضاً سورة 5, آية: 13.

وتابعوا معي كيف يستعمل القرآن الكريم كلمة "أمة"؟


No comments:

Powered By Blogger