Friday, October 31, 2008

خروج الدابة

خــروج الدابــة

علامات يوم القيامة كثيرة ومتباينة ما بين البشارة الحالمة بمجيء ملكوت الله وتأسيسه على الأرض إلى حد الإنذارات المخوفة لكل البشر0 لكن خروج الدابة التي تكلم الناس كانت وما زالت إحدى هذه العلامات المحيرة لعقول الناس على مر التاريخ الإسلامي والتي اجمع علي خروجها كل من القران والسنة المطهرة0
وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ }النمل82
اختلف المفسرون والعلماء فيما تراءى لهم فى وصفها ونعتها وشكلها ومهمتها فقالوا أنها ستكلم الناس الموجودين حين خروجها باللغة العربية وحتى تنبأوا فيما ستحكيه وتقوله هذه الدابة للناس أى لكفار مكة بأنهم (كانوا بآياتنا لا يوقنون) لا يؤمنون بالقرآن المشتمل على البعث والحساب والعقاب وبخروجها ينقطع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا يؤمن كافر كما أوحى الله إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن0
وأمر هذه المرويات والأقوال التى لا تستند إلى نصوص إلهية مؤكدة لا يترك مجالاً إلا للشك فيما حكوا عن شكلها ورسمها فهذا الإرسال أو الخروج ليس من قبيل التسلية بل لابد له من سبب يقتضى خروجها لحكمة يعلمها الله ومهمة لابد من أدائها على أكمل وجه0 فالله سبحانه وتعالى يأخذ كل الأمور بغاية الجدية فلا يعبث أو يلهو ولا يفعل شيئا من قبيل استعراض القوة أو القدرة وحذرنا الله سبحانه وتعالى من هذه الظنون فقال تعالى :
{لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْواً لَّاتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّا إِن كُنَّا فَاعِلِينَ }الأنبياء17
{وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ }الأنعام70
{الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هَـذَا وَمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ }
الأعراف51
والإنسان العاقل البصير بل المميز المتبصر فى حقائق الأمور يرى فى خروج الدابة أمرًا ذا بال يستحق التمحيص والسعي وراء حقائق تترى فى آيات القران الكريم وقارئ القرآن الكريم والباحث فى كلماته وآياته وإشاراته ودقة أسراره إنما يتوقف طويلاً عند شرح الشارحين.
فنتسائل معا لماذا – كما قال المفسرون - هى أو هو حيوان ذو شكل غريب لم تشهده الأرض من قبل ولن تشهده من بعد ، وربما كان سببهم أن يكون ذلك في حد ذاته معجزة للناس 0 ولكن لماذا هى دابة بمعنى انه حيوان يتكلم ؟ وبأية لغة وبأي أسلوب ولغات العالم ولهجاته لا نقول بالآلاف بل نكتفى بالمئات.
وقبل أن نحاول البحث فى هذه القضية الشائكة بلا شك اسمحوا لي أن أروى لكم حادثة من التاريخ سترسم البسمة على شفاهكم بكل تأكيد ولكن غرضى أن أوضح لكم من خلالها الفرق الشاسع ما بين مناهج تفكير الأجداد الاقدمين وبين طريقة التفكير والحكم على الأمور فى أيامنا هذه0 الحكاية أوردها احد الباحثين فى سجلات المحاكم فى العصور الوسطي ووجد الكثير من هذه الأمور نشرها تحت عنوان كتاب " محاكمة الحيوان فى القرون الوسطي " والقصة تقول أن هناك جماعة من الناس اتهموا ديك ( ذكر الدجاج ) اتهموه بأنه ساحر !!! وارجوا ألا تدهشوا أو تقولوا اننى اسخر من عقول حضراتكم بل هذا صحيح مائة فى المائة المهم أن الديك المتهم قدم للعدالة ووجدت المحكمة الموقرة أن الديك المتهم مذنب بالاشتغال بالسحر والهرطقة فحكمت المحكمة على الديك بالإعدام حرقا كعقوبة كل من يعمل كان بالسحر فى تلك الأيام 0 ولكن الطريف انه جاء فى حيثيات الحكم كما سجل القاضي العالم بمواد القانون وعلوم اللاهوت أنه حكم على الديك بالإعدام حرقا ليكون عبرة لغيرة من الديكه 0 ولابد أن بعضكم الآن يهز رأسه فى سخرية من مثل هذه الأفكار أو هذا الخرف الذي كان سائدا ويجرى مجرى الدم فى عقول الناس فى تلك الأيام 0فاذا ما اتفقنا الآن أن أفكارهم وأحكامهم كانت بالية فاسدة لا يمكن أن يحكمها منطق علمى أو عقل ناضج بل كانت على قدر مفاهيمهم القاصرة فارجوا أن ادعوكم الآن لنناقش هذا الموضوع – أى موضوع خروج الدابة – من جديد دون التقيد بمفاهيم السابقين بل كما يقال بلغة العصر – دون قيد أو شرط مسبق - ونحكم عليه من واقع مفاهيمنا المتحضرة وأفكارنا المنطقية التى استدلت وتفهمت ما وراء الكون والطبيعة , وعلومنا التقنية التى خبرت واكتشفت أسرار عالمنا المعاصر الذى جاب سماوات الفضاء المتناهى فى علوه ونزلت الى أعماق المحيطات المتناهى فى اغواره0
ولنبدأ بالبديهيات والمسلمات المتعارف عليها فنقول إن كل من دَبَّ على الأرض بروح وحياة فهو دابة ، فالإنسان والحيوان والطير جميعها يعتبر دابة0 ورغم أن العلماء يعتبرون الإنسان حيوان إلا أن الله ميزه ومنحه سمة العقل والفهم والحِجَى وشَرَّفّه على كافة المخلوقات واختار منه الرسل والأنبياء والأوصياء والنقباء والنجباء والأتقياء وبقية سائر البشر على مختلف درجاتهم ومرتباتهم ولهذا اصطفى الرسل منهم واجتباهم.
وإذا كان خروج الدابة معجزة كما توقعنا – ولنحسن الظن فى مفهوم الاقدمين - فالمعجزة لا تكون إلا مما يستوعبه العقل ويجد القلب له دلالة على القدرة الإلهية لأنها من صنع الله على يد مختاريه من رسله وأنبيائه وخصوصا أن تلك المعجزة تتأتى وتتلازم مع نزول المهدي المنتظر وسيدنا عيسى عليه السلام0
والقرآن الكريم لم يقل لم يشر أى إشارة من بعيد او قريب عما إذا ما كانت هذه الدابة حيوانًا أو إنسانًا بل قال دابة ليترك للناس أن يفهموا ويعوا لأنه لو كانت كل الكلمات الآلهية سهلة وميسورة لما بقى إنسان لم يؤمن بالرسول اللاحق الجديد منذ آدم إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ولأصبح الدخول إلى ملكوت السموات بدون امتحان0
1. لذلك نعود وننظر ونتمعن فى قول الله تعالى
: كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ. [سورة البقرة:213].

ويقول أمير المؤمنين على بن أبى طالب كرم الله وجهه : "والله ليمحصن والله ليغربلن". فالامتحان وارد والاختبار لازم وهذه سنّة الله وهو ما حدث مع كل الرسل ومن الأزل وسيحدث أيضًا إلى الأبد. وإلا لما رأينا عند كل ظهور رسول جديد شرذمة قليلة مستضعفة هي التي تؤمن بينما عَيرَ المشركون رسولهم بقولهم ساخرين مستهزئين: فَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَرًا مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ. [سورة هود:27].

ولفظة الدابة فيما جاءت به الآيات البينات أحيانا مطلقة وعامة وان الدابة هى كل ما يدب على وجه الأرض من مخلوقات هوام وطير وحيوان وإنسان فهو دابة قوله تبارك وتعالى: وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاء إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ . [سورة النور:45]

وأيضًا قوله سبحانه: وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ [سورة هود:6]. إلى هنا كان الكلام عامًا
واحيانا جاءت محددة وخاصة ومنها ما يشير خاصة إلى روحانية الإنسان.
وأيضًا ما ورد فى سورة النحل قوله تبارك وتعالى:
وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِن دَآبَّةٍ وَالْمَلآئِكَةُ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ [سورة النحل:49].
كما جاء فى قول سيدنا هود مواجهًا المعترضين عليه والكافرين برسالته قوله عزت كلماته:
إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ [سورة هود:56]
وفى إشارة أكثر وضوحا أن المعنى بالدابة هنا هو الإنسان
قوله تعالى:
وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ. [سورة النحل:61].

والآية فى غاية الدلالة أن المعنى هنا بالدابة هو الإنسان والا فإذا كان الإنسان هو من ظلم وطغى فما ذنب الدواب كالحمير والبغال والآخرين ليأخذهم الله بذنب لم يرتكبوه 0وحيث تؤيد هذه الآية رحمة الله وحنانه على خلقه فى الأرض وأخذ الكل بيد الرحمة قبل النقمة وبالفضل قبل العدل وإنما يعطيهم الفرصة لكى يعرفوا الحق بأنفسهم0
ونقول إن من الأزل إلى وقت نزول القرآن الكريم على سيدنا أشرف المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم كان الرسل والأنبياء يتوافدون إلى الأرض تباعًا برسالاتهم للبشر أى للناس العقلاء الواعين المتفهمين المتفرسين المقدرين الذين يمكنهم أن يزنوا بالقسطاس المستقيم ويميزوا الحق من الباطل بما يعرض ليهم من كلمات فى كل عصر وزمان ولم نسمع أن دابة من الدواب من الخيل والبغال والحمير والجمال والشاه أو من الهوام والزواحف او من وحش العراء أو حتى من الفراش الناعم الرقيق – قد آمن وانضم إلى زمرة الموحدين الصادقين لأن الرسل لا يأتون إلا للعقلاء من بنى الانسان اى من أولاد آدم كما قال تعالى :
{يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }الأعراف35
لهذا ينطق الذكر الحكيم بالنطق البديع موجهًا مفهوم الناس إلى أن الدابة التى عناها وقصد الله ذكرها هى إنسان دون شكل ولكن بأسلوب منطقى لا يفهمه إلا من نقّب وبحث وتعب ليصل إلى الفهم الحقيقى ووجّه القلب والروح بكله وذاته إلى الله بوجه خاضع خاشع منكسر متذلل سليم فتوالت الآيات الإلهية لتكشف بكل جلاء ووضوح هذه المعاني الخفية قوله تبارك وتعالى
:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ [سورة الأنفال:20].
وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ. إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ. وَلَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ [سورة الأنفال:21، 22، 23].
ويؤكد ذلك قوله سبحانه وتعالى:
إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللّهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ. الَّذِينَ عَاهَدتَّ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لاَ يَتَّقُونَ. [سورة الأنفال:55، 56].

ولكن هل يعنى ذلك أن تلك الدابة التى ستكلم الناس جميعا هي إنسان عادى مثلنا أم إنسانًا كاملاً مختارًا رسولاً مؤيدًا منزهًا له القدوة والقوة والسلطان والغلبة عل كل من حوله ولو كانوا سكان الأرض جميعًا 0
ونقترب حثيثا إلى المعنى المجرد الروحي العميق الذى يتكشف على مهل فى آيات الله قوله تباركت أسماؤه:
حم تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَابَّةٍ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ . [سورة الجاثية:1: 4].

وفى الآية الأخيرة وفى خلقكم أى الإنسان وما يبث الله من دابة هي آية لقوم يوقنون أى يوقنون بآيات الله فما هي يا ترى الآية المعنية التي يبثها الله للقوم الموقنون 0
ونتأمل مرة أخرى آيات القران الكريم فقال تعالى موجها كلماته إلى سيدنا موسى ( ع) :
{فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ }يونس92 وكذلك جعل سيدنا عيسى عليه السلام وأمه مريم العذراء آية
{قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْراً مَّقْضِيّاً }مريم21

{وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ }الأنبياء91

{وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ }المؤمنون50

وبناءً على ما قدمناه من آيات بينات وضحت معنى الدابة والدواب فإننا اقول إن الدابة التى تظهر فى آخر الزمان أو فى القيامة أو فى يوم البعث ما هو إلا المهدى أو المسيح

{رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفاً مُّطَهَّرَةً }البينة2

وإنسان كامل معصوم مبعوث من الله الواهب المعطى ليكلم البشرية عامة

{وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ }ق41

ووهب الكلمة التى بواسطتها يمتاز ويرتفع ويتغلب بها على معارضيه، ووهب التنزيل والوحي الذى يستعلى به على غيره من الناس ومنح الحجة

{فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ }البينة3ا

التى يدفع بها معارضيه ودفعت إليه كل قوى السماء في هذا الجسم البشرى النقى الشفاف الممرد المعصوم
.

Sunday, October 12, 2008

تحري الحقيقة

تحري الحقيقة
متّى 1:25:" حينئذ يشبه ملكوت السموات عشر عذارى اخذن مصابيحهن وخرجن للقاء العريس
2: وكان خمس منهن حكيمات وخمس جاهلات ".
8:" فقالت الجاهلات للحكيمات اعطيننا من زيتكن فإن مصابيحنا تنطفئ
9: فأجابت الحكيمات قائلات لعله لا يكفي لنا ولكن بل اذهبن للباعة وابتعن لكُنَّ".
13:" فاسهروا اذا لأنكم لا تعرفون اليوم ولا الساعة التي يأتي فيها ابن الانسان"
متّى 8:23:" واما انتم فلا تدعوا سيدي لأن معلمكم واحد المسيح وانتم جميعا اخوة
9: ولا تدعوا لكم اباً علي الأرض لأن اباكم واحد الذي في السموات
10: ولا تدعوا معلمين لأن معلمكم واحد المسيح
11: واكبركم يكون خادما لكم
12: فمن يرفع نفسه يتضع ومن يضع نفسه يرتفع".

ان هذا التعليم يوافق المبادئ البهائية ولو انه لا يتفق والعادات المألوفة الجارية اذ يقرر بأن لا يعتبر شخص نفسه ارفع من شخص آخر بأنه سيد أو أب أو معلم كما كان كذلك في الماضي لأن الرب وحده سيعلو في هذا اليوم . وحضرة بهاء الله يحث البشر علي أن يدركوا الكمالات المودعة فيهم ويعبروا تعبيرا اكمل عن النفس الحقيقية الباطنية التي تمتاز عن النفس المحدودة الظاهرية التي ليست في الواقع الا الهيكل والتي هي في الغالب سجن للانسان الحقيقي ويتفضل في الكلمات المكنونة :
"يا ابن الوجود صنعتك بأيادي القوة وخلقتك بأنامل القدرة واودعت فيك جوهر نوري فاستغن به عن كل شئ لأن صنعي كامل وحكمي نافذ لا تشك به ولا تكن فيه مريبا".

"يا ابن الروح خلقتك غنياً كيف تفتقر وصنعتك عزيزاً بما تستذل ومن جوهر العلم اظهرتك لم تستعلم عن دوني ومن طين الحب عجنتك كيف تشتغل بغيري فارجع البصر اليك لتجدني فيك قائما قادراً مقتدراً قيوماً" (من الكلمات المكنونة العربية)

والحياة التي يدعو حضرة بهاء الله اتباعه اليها هي في الواقع على شأن من النبل بحيث لا يمكن ان يوجد في عالم الامكان أسمى وأجمل منها وان ادراك الحياة الروحانية يعني ادراك الحقيقة العليا وهي اننا من الله واننا اليه سنعود وهذا الرجوع الي الله هو الهدف الأسمى لدى البهائي سواء أبلغه في الأرض أم في السماء وكلما وصلنا الهدف في أي اقليم بصورة أعجل كلما كان ذلك أحسن وان السبيل للوصول الي هذا الهدف هو الطاعة والحب لاصفياء الله الحاضرين والماضين.

"يا عبادي لو تعرفون بدائع وجودي وفضلي عليكم لانقطعتم بأنفسكم عن كل الأشياء ولعرفتم انفسكم عرفانكم نفسي ولرأيتم أنفسكم مستغنية عن كل ما سواي ولشاهدتم بأعينكم الظاهرة والباطنة بحور رحمتي وفضلي متموجة فيكم وظاهرة بكل وضوح ظهور اسمى الفياض" (مترجم عن الفارسية من كتاب منتخباتي از آثار حضرت بهاء الله ص 210 رقم 153)

"قل إن دليله نفسه ثم ظهوره ومن يعجز عن عرفانهما جعل الدليل له آياته وهذا من فضله علي العالمين وأودع في كل نفس ما يعرف به آثار الله ومن دون ذلك لم يتم حجته علي عباده ان أنتم في أمره من المتفكرين. انه لا يظلم نفساً ولا يأمر العباد فوق طاقتهم "وانه لهو الرحمن الرحيم". (من كتاب منتخباتي از آثار حضرت بهاء الله ص75 رقم52)

"... أن افتحوا أبصاركم لتشهدوها (الشمس التي استضاءت عن أفق مشية ربكم) بعيونكم ولا تعلقوا أبصاركم بذي بصر لأن الله ما كلف نفساً إلا وسعها وكذلك نزل في كل الألواح علي النبيين والمرسلين..." (من كتاب منتخباتي از آثار حضرت بهاء الله ص76 رقم 52)

"ان أول الالطاف التي منحها الإله القدير للانسان هي موهبة الادراك. ولم يكن مقصوده تعالى من هذه الموهبة الا ان يمكِّن مخلوقاته من عرفان الله تعالى وهذه المنحة تهب المرء قوة البصيرة لمشاهدة الحقيقة في جميع الأشياء وترشده الي الحق وتساعده علي اكتشاف اسرار الخلقة والتكوين . وتأتي بعدها في المنزلة موهبة البصر وهي أول واسطة يستطيع بها الادراك ان يقوم بعمله. وحواس السمع والقلب وما شابهها يمكن حسابها كذلك في عداد المواهب التي وهبها الله لجسد الانسان. تعالى الذي خلق هذه القوى واظهرها في جسد الانسان ... وأبرز موهبة من هذه المواهب هبة لا يعتريها الفناء بل تخص الله نفسه ألا وهي موهبة التجلي الالهي وكل موهبة أخرى مادية أو روحانية يمنحها الخالق للانسان ثانوية بالنسبة لهذه الموهبة وهي في ذاتها الخبز الذي ينزل من السماء وهو مستمر في نزوله الي أبد الآباد. وهي الدليل الأعلى علي ذاته سبحانه وتعالى والبرهان الأتم علي حقيقته وآية موهبته التي لا تفنى ومنحه عنايته وبرهان شفقته ورمز فضله الجزيل ومن عرف مظهره في هذا اليوم فقد شارك في فضله العظيم . أن أشكر ربك بهذا الفضل العظيم وقل لك الحمد يا مقصود العارفين".
(مترجم عن الفارسية من كتاب منتخباتي از آثار حضرت بهاء الله ص127-128 رقم95)
"يا عبادى لوتطلعون على بدائع جودي وفضلي التى أودعتها فى أنفسكم لتنقطعن عن جميع الجهات ولتصلن إلى عرفان أنفسكم وذلك عين عرفاني ولتستغنن عن غيري ولتشهدن طمطام العناية وقمقام المكرمة فيكم بأعينكم الظاهرة والباطنة ظاهراً ظهور الشمس المشرقة".

"مزّق باسمي الحجب التي منعتك عن مشاهدة الأنوار وشتت بقوة ايمانك بوحدانيته اصنام الوهم والخيال... لو يجتمع أهل الأرض كلهم في هذا اليوم في محضر الله ويسأل أحدهم" لم كفرت بجمالي واعرضت عن وجهي" ويجيب" ان الكل قد اعرضوا وما توجه احد بوجهه الي الحق فاتبعتهم فحرمت عن عرفان الجمال القديم" فان حجته هذه تكون مردودة لأن ايمان كل شخص لا يتوقف علي ايمان ما سواه" (مترجم عن الفارسية من كتاب منتخباتي از آثار حضرت بهاء الله ص97-98 رقم75) "
انه قال تعاليا لأجعلكما صيادي الانسان واليوم نقول تعالوا لنجعلكم محيي العالم كذلك قضي الحكم في لوح كان من قلم الأمر مسطورا"(من لوح البابا).
وينتظر من كل بهائي ان يقوم بنصيبه في تبليغ أمر الله اضافة الي حرفته التي يكتسب بها قوت عيشه وبهذه الوسيلة يستطيع أن "يحيي العالم" فبولس الرسول كان يحصل على قوته من عمل الخيام وكان المسيح نجارا وبطرس سماكا وكذا لا نجد في البهائية حرفة الكهنوت ولكنه قد يسمح للبهائيين في بعض الأحيان أن يتبرعوا للمبلغ البهائي بمصاريف اسفاره ونفقاته. وقد كان الكهنوت في السابق ضروريا لأن الناس كانوا أميين جهلاء يعتمدون علي رجال الدين في الوعظ والارشاد والقضاء وغير ذلك ولكن الزمان قد تبدل الآن فصارت المعارف شائعة وحينما ستنفذ تعاليم حضرة بهاء الله سينال كل ولد وبنت حظاً وافراً من التربية والتعليم وسيستطيع كل فرد أن يدرس الصحف المقدسة بنفسه لنفسه ويرتشف ماء الحياة بنفسه من منبعه الأصلي وليس في نظام الادارة البهائي طقوس مفصلة وتقاليد تتطلب عبادات خاصة وقد أنيطت ادارة الشؤون العدلية بسلطات أسّست لهذه الغاية.
ووجود المعلم ضروري للطفل ولكن هدف المعلم الصحيح يجب ان يكون ابلاغ التلميذ الي المنزلة التي فيها يستغني عن المعلم فيرى الأشياء بعينيه ويسمع بأذنيه ويفهم بعقله وهكذا الأمر في طفولة الجنس البشري فقد كان الكاهن ضروريا لكن عمله الحقيقي هو أن يمكن البشر من العمل بدونه. فالآن انتهى عمل الكاهن ويكفي البشر ظهور الآب السماوي ليجعلهم أغنياء عن دون الله فيتوجهون الى مظهره رأسا طلبا للهداية والعرفان وعندما يتوجه الكل إلى مركز واحد لن يكون هناك فوضى أو أغراض متعارضة وكلما انجذب الكل الى المركز كلما اقتربوا من بعضهم أيضا.
اشعيا 8:52:" صوت مراقبيك يرفعون صوتهم يترنمون معا لأنهم يبصرون عينا لعين عند رجوع الرب".

(من كتاب- ملكوت الآب السماوي)

Wednesday, October 1, 2008

تحقق الوعد وظهر الموعود-دكتور نبيل حنا


علامات المجئ

تحتوى الكتب المقدّسة على آيات عديدة بخصوص ظهور الموعود. ففى كلٌ من التوراة والإنجيل والقرآن علامات يمكن فهمها ظاهريًا كما هى، وعلامات باطنية يجب التفكّر والتمعّن فيها. من بين هذه العلامات،نجد نبوءات بتغيّرات في الكواكب والأبراج، كوارث طبيعيّة، زلازل، مجاعات، أمراض، انتشار الفسق والتدنى الأخلاقي، العجرفة، الظلم والشر، إنتشار المسيحية في جميع أنحاء العالم، عودة اليهودإلى أرض الميعاد، انتشار الثقافة والعلم في جميع أنحاء المعمورة. يصبح الدين لفظاً ، ويصيب البؤس شعوبٍ الأرض على يد حكّامها. وتهجر المرأة المرضعة رضيعها، وتضع كل حامل حملها ، ويهجر الإنسان أخيه وأمه وأبيه وزوجته وأولاده، ويصاب الإنسان بالقلق والهم والغم.
وبالرغم من وضوح هذه العلامات ، إلا أن هناك علامات آخرى يجب النظر إليهاروحانياً. فمثلاً، كان اليهود ينتظرون تحقق جميع علامات مجئ السيد المسيح المذكورة في التوراة حرفيًا. ولكن هل إظلمّت الشمس أو تحوّل القمر إلى دمٍ؟ إذا فرضنا أن هذه النبوءات سوف تتحقق حرفيًا هذه المرة و’الشَمس والقمر يظلمان‘ و’النجوم تتساقط من السماء وقوّات السموات تتزعزع‘ فإذا حدث ذلك حرفيًا فكيف يمكننا بعد ذلك أن نرى ’ابن الإنسان آتيًا على سحاب السماء بقوّةٍ ومجدٍ عظيم‘. هل من الممكن أن يبقى أي إنسان حي بعد اظلام الشمس والقمر وتساقط النجوم وتزعزع قوّات السماء؟ كما نعلم اليوم أن بعض النجوم هي أكبر بآلاف وملايين المرّات من الكرة الأرضية, فإذا إقترب نجم واحد فقط من الكرة الأرضية لدمّرت الأرض كلها من اقتراب هذا النجم، فما بالك بتساقط النجوم؟ إن المكان الوحيد الذي يمكن تمثيل هذه الأحداث فيه هو في استديوهات هوليود، إذا أردنا أن نعيش في عالم الخيال
!.
أيضاً، نقرأ فى الإنجيل المقدس: ’لا يأتي ملكوت الله بمراقبة. ولا يقولون هو ذا ههنا أو هو ذا هناك لأن ها-هو ذا ملكوت الله داخلكم‘. فكيف يكون ممكنًا أن توصف بعض الآيات مجئ ملكوت الرب بعد اظلام الشمس والقمر وتساقط النجوم، وآية أخرى تقول أن ملكوت الله لا يأتي بمراقبة، وتقول الآية نفسها أن ملكوت الله ’داخلكم‘! ومن المحير أن آية أخرى تقول أن الرَّبِّ ’سيأتي كلصٍّ في الليل‘. أي سيكون مثل مجيء لص للمنزل ولا علم لصاحب المنزل بوجوده. من الواضح أن هذه الآيات لها معانيها الروحانية وأن الموعود سيكون في العالم ’داخلكم‘ كما كان الحال مع المظاهر الإلهية السابقة في العصور الماضية –فلم يكن معظم البشر على علم بظهور الموعود. أن اليوم الموعود من أعظم الأيّام ولكن الناس فى غفلة عنه ولا علم لهم بعظمة هذا اليوم ، ستستمر الشمس في الاشراق والغروب يومًا بعد يوم ويبقى القمر والنجوم لامعة في أبراجها.

توضح لنا الكتب البهائيّة المقدسة أن العلامات والرموز الخاصة بالموعود لها معانيها الخاصة وأن جميع هذه النبوءات قد تحققت، يقول حضرة بهاءالله: لَقَدْ قَامَ الْيَوْمَ عِيدٌ عَظِيمٌ فِي الْمَلأِ الأَعْلَى إِذْ ظَهَرَ كُلُّ مَا وُعِدَ بِهِ فِي الْكُتُبِ الإِلَهِيَّةِ. وَهُوَ يَوْمُ الْفَرَحِ الأَكْبَرِ. يَجِبُ عَلَى الْكُلِّ أَنْ يَقْصِدُوا بِسَاطَ الْقُرْبِ بِكَمَالِ الْفَرَحِ وَالنَّشَاطِ وَالسُّرُورِ وَالانْبِسَاطِ. وَيُنَجُّوا أَنْفُسَهُمْ مِنْ نَارِ الْبُعْدِ. [محموعة من ألواح حضرة بهاءالله نُزِّلت بعد الكتاب الأقدس، ص 96).

وكما نعلم، أن المِحَنْ والآلام المحيطة بالعالم اليوم لم تنتهي بمجئ الموعود، بل أنها في إزدياد وستستمر فى الإزدياد يوماً بعد يوم، وذلك بسبب إعتراض البشر ومعارضتهم لتعاليم حضرة بهاءالله، المظهر الإلهي لهذا العصر، وتمسّكهم بتعاليم غير ملائمة لتعاليم العصر الجديد، مثل ماكان في العهودٍ السابقة،فى تمسك البشر بالموروثات ورفضهم التعاليم الجديدة المنزلة. كما يقول القرآن الكريم: وما كنّا معذّبين حتّى نبعث رسولاً [سورة الإسراء 17: 15]. وبسبب غفلة البشر ستستمر الشدائد والرزايا، يتفضل حضرة عبد البهاء: اعلم أن الشدائد والرزايا سوف تزداد يوماً بعد يوم وسوف يبتلى الناس بالبؤس والنكبات وتغلق أبواب السرور والراحة والاطمئنان من جميع الجهات وتقع حروب مهيبة ويحيط اليأس والقنوط بجميع الخلق إلى درجة يضطرون فيها إلى التوجه إلى الله. حينذاك تنير أنوار السعادة جميع الآفاق وترتفع صيحات "يا بهاء الأبهى" من جميع الأطراف والأكناف"(منتخبات من كتاب بهاءالله والعصر الجديدص299) ، ويتفضل حضرة بهاءالله: "وستتأزّم الأمور، وتشتدُّ إلى درجة ليس من المجدي شرحها الآن". [بهاءالله، ’منتخباتي از آثار حضرة بهاءالله‘ ص 83]. ويتفضل حضرته أيضًا: ’واذا تمّ الميقات يظهر بغتةً ما يرتعد به فرائص العالم اذاً ترتفع الاعلام و تغرّد العنادل علی الأفنان‘ [بهاءالله، ’منتخباتي از آثار حضرة بهاءالله‘ ص 83].
Powered By Blogger