Monday, November 12, 2007

من اللئالئ فى تبيين المعانى



(في بيان أن المعقولات لا سبيل لاظهارها وبيانها
إلا في قميص المحسوسات)

هناك مسألة لها دخل عظيم في ادراك المسائل التي نذكرها حتى نهتدي الى جوهر المسائل وتلك هي ان المعلومات الانسانية تنقسم الى قسمين: معلومات تدرك بالحس يعني ان الشئ الذي تدركه العين او الاذن او الشم او الذوق او اللمس يسمونه محسا0مثلا هذه الشمس تدرك بالحس لانها ترى فلهذا يقولون انها محسه وكذلك الاصوات تدرك بالحس لان الاذن تسمعها والروائح تدرك بالحس لان الانف تشمها والطعوم تدرك بالحس لان الذوق يدرك حلوها وحامضها ومالحها0 والحرارة والبرودة يدركان بالحس لان اللمس يدركهما فيقولون لكل هذا حقائق محسه0
واما القسم الاخر من المعلومات الانسانية هو المعقولات يعني الحقائق المعقولة التي ليست لها مكان ولا صورة خارجية وليست بمحسه مثلا ان القوى العقلية ليست بمحسه والصفات الانسانية بتمامها ليست بمحسه بل انها حقائق معقوله وكذلك الحب ايضا حقيقة معقولة لا محسه لان هذه الحقائق لا يسمعها الاذن ولا تراها العين ولا يشمها الانف ولا يدركها الذوق ولا تحس باللمس حتى المادة الاثيرية التي يقولون عن قواها في الحكمة الطبيعية حرارة ونور وكهرباء ومغناطيس تلك ايضا حقيقة معقوله لا محسه وكذلك نفس الطبيعة ايضا حقيقة معقولة لا محسه وكذلك الروح الانساني حقيقة معقولة لا محسة وعندما تريد بيان هذه الحقائق المعقولة فانت مجبر عند تبيانها على افراغها في قالب محس اذ لايوجد في الخارج سواه0 اذاً اذا اردت بيان حقيقة الروح وشئونها ومراتبها فانت مجبر على بيانها في صورة محسة اذ لا يوجد في الخارج سواه مثلا:ان الحزن والسرور من الامور المعقولة فاذا اردت بيان تلك الكيفية الروحانية تقول :ضاق قلبي أواتسع في حال انه لم يحصل في روح الانسان ولا في قلبه ضيق ولا سعة 0بل هي كيفية روحانية معقولة 0واذا اردت البيان فانت مجبر ان تبينها بصورة محسة مثلا تقول: ان الشخص الفلاني ترقى كثيرا في حال انه باق مستقر في مقامه ومحله0والشخص الفلاني علا مقامه في حال انه كسائر الاشخاص يمشي على الارض ولكن هذا العلو والترقي كيفية روحانية وحقيقة معقولة واذا اردت البيان فانت مجبر ان تبين ذلك بصورة محسه لانه لايوجد في الخارج سواه:مثلا تؤول العلم بالنور والجهل بالظلمة فانظر الان هل العلم نور يحس او الجهل ظلمة محسه ! لا بل انهما فقط كيفية معقولة فوقتما تريد بيانهما تعبر عن العلم بالنور وعن الجهل بالظلمة وتقول :ان قلبي كان مظلما ثم استنار في حال ان نور العلم وظلمة الجهل حقيقة معقوله ليست بمحسه ولكننا مجبرون عندما نريد البيان ان نعبر عنها بصورة محسة 0اذا صار من المعلوم ان الحمامة التي دخلت في المسيح ليست هي الحمامة التي بالحس بل كانت كيفية روحانية وبيت بصورة محسة للتفهيم والفهم مثلا:ذكر في التوراة ظهر الله في عمود من نار والحال انه ليس المقصد هذه الصورة المحسة بل الحقيقة المعقولة التي بينت في صورة محسة 0 ويتفضل حضرة المسيح بقوله(الاب في الابن والابن في الاب) فهل كان حضرة المسيح في باطن الله او الله في باطن المسيح0 لا والله 0بل هذه كيفية معقولة بينت في صورة محسة ولنأتي ببيان عبارة حضرة الجمال المبارك التي يتفضل بها قائلا(ياسلطان اني كنت كأحد العباد وراقدا على المهاد مرت على نسائم السبحان وعلمني علم ماكان ليس هذا من عندي بل من لدن عزيز عليم)هذا مقام التجلي وهو معقول وليس بمحس وهو منزه عن الزمان الماضي والحال والاستقبال فهذا تمثيل وتعبير مجاز لا حقيقة وليس المقصود منه انه كان حقيقة نائما ثم استيقظ بل هو عبارة عن انتقال من حال الى حال 0مثلا:النوم حال السكون والتيقظ حال الحركة النوم حال الصمت واليقظة حال النطق النوم حال اخفاء واليقظة حال الظهور0مثلا يعبر بالفارسي والعربي ان الارض كانت نائمة فاستيقظت بمجئ الربيع او الارض كانت ميتة فأحييت بمجئ الربيع0فهذا تعبير تمثيلي وتشبيه وتأويل في عالم المعاني والخلاصة0ان المظاهر المقدسة كانت ولا تزال حقائق نورانية لا يحصل التغيير والتبديل في ذواتها وغاية ما هنالك انهم يكونون قبل الظهور ساكنين صامتين كالنائم ويكونون بعد الظهور ناطقين ومشرقين بمثابة اليقظان0

(ولادة حضرة المسيح)
سؤال:كيف كانت ولادة حضرة المسيح من روح القدس؟

الجواب: اختلف الالهيون والماديون في هذه المسألة0 فالالهيون متفقون على ان حضرة المسيح ولد من روح القدس وتصور الماديون ان ولادته على هذه الكيفية ممتنعة مستحيلة فلابد له من اب ويتفضل في القرآن بقوله(وارسلنا اليها روحنا فتمثل بها بشرا سويا) يعني تمثل روح القدس بصورة بشرية كالصورة التي تتمثل في المرآة وخاطب مريم. فالماديون مجمعون على انه لابد من الازدواج ويقولون ان الجسم الحي لا يتكون من جسم ميت ولا يتحقق وجوده بدون ان يلحق الذكور الاناث ومتفقون بان هذه الكيفية عدم الازدواج ليست ممكنة في الحيوان فكيف للانسان ولا في النبات فكيف بالحيوان لان هذه زوجية الذكور والاناث موجودة في جميع الكائنات الحية والنباتية حتى انهم ايضا يستدلون بالقرآن على زوجية الاشياء بقوله تعالى(سبحان الذي خلق الازواج كلها مما تنبت الارض ومن انفسهم ومما لا يعلمون) يعني ان الانسان والحيوان والنبات جميعها مزدوجة(ومن كل شئ خلقنا زوجين)يعني خلقنا الكائنات جميعها مزدوجة0 والخلاصة انهم يقولون لا يتصور انسان من غير أب 0ولكن الالهيين يقولون في جوابهم ان هذه القضية ليست من القضايا المستحيلة الممتنعة ولكنها لم تحدث من قبل وهناك فرق بين شئ مستحيل وشئ لم يحدث من قبل 0مثلا ان مخابرة الشرق والغرب بالاسلاك البرقية في آن واحد لم يحصل من قبل ومع ذلك لم تكن مستحيلة وفوتوغراف لم يكن معروفا من قبل ومع هذا لم يكن مستحيلا ومثل ذلك آلة التصوير فانها لم تكن معروفة من قبل ومع ذلك لم تكن مستحيلة ومع ذلك ظل الماديون مصرين على رأيهم فيقول الالهيون في الجواب: هل هذه الكرة الارضية قديمه او حادثة فيقول الماديون ثبت انها حادثة بموجب الفنون والكشفيات الكاملة وكانت كرة نارية في البداية وحصل الاعتدال لها بالتدريج فظهرت القشرة ثم تكون فوقها النبات وبعده وجد الحيوان ثم الانسان فيقول الالهيون قد علم واتضح من تقريركم ان نوع الانسان على الكرة الارضية حادث لا قديم فيقينا ما كان للانسان الاول أم ولا أم لان وجود النوع الانساني حادث0 فهل تكون الانسان من غير اب ولا ام ولو بالتدريج اعظم اشكالا ام وجوده بدون اب على انكم معترفون بان الانسان الاول وجد سواء بالتدريج او في مدة قليلة من غير اب و ام0فلا شبهه اذاً في امكان وجود الانسان من غير اب ولا يمكن ان يعد هذا مستحيلا0 وان تعدوه مستحيلا فليس من الانصاف0 مثلا:لو تقول كان هذا السراج مضيئا وقتا ما بدون الفتيلة والدهن ثم تقول انه من المستحيل ان يضيئ بدون فتيلة فذلك بعيد عن الانصاف فحضرة المسيح كان له أم وأما الانسان الاول باعتقاد الماديين لم يكن له اب ولا ام0

(سؤال : عن ميزة من لا اب له)

سؤال :ما افضلية شخص وجد من غير اب
الجواب:ان وجود الشخص الجليل سواء كان من اب او من غير اب على حد سواء فاذا كان لوجود الانسان من غير اب فضل فآدم اعظم وافضل من كل الانبياء والرسل لانه وجد من غير اب وام وانما سبب العزة والعظمة هو التجليات والفيوضات والكمالات الالهية فالشمس تولدت من المادة والصورة وهما بمثابة الاب والام ولكنها كمال محض والظلمات لا مادة لها ولا صورة ولا اب ولا ام ولكنها نقص صرف فالمادة الجسدية لحضرة ادم هي التراب والمادة الجسدية لحضرة ابراهيم هي النطفة الطاهرة ولا شك ان النطفة الطيبة والطاهرة احسن من التراب والجماد وفضلا عن هذا فانه يقول متفضلا في الاية الثالثة عشر من الاصحاح الاول من انجيل يوحنا(واما الذين قبلوه فاعطاهم سلطانا ان يصيروا اولاد الله اي المؤمنين باسمه الذين ولودوا ليس من دم ولا من مشيئة جسد ولا من مشيئة رجل بل من الله)فيعلم من اية يوحنا هذه ان وجود الحواريين لم يكن من القوة الجسمانية ايضا بل من الحقيقة الروحانية فليس شرف حضرة المسيح وعظمته لانه وحد من غير اب بل شرفه ومجده بالكمالات والفيوضات والتجليات الالهية0ولو كانت عظمة حضرة المسيح بكونه ولد من غير اب لوجب ان يكون ادم اعظم منه لانه وجد من غير اب ولا ام0وفي التوارة يقول الرب متفضلا في الاصحاح الثاني من سفر التكوين الاية السابعة(وجبل الرب الاله ادم ترابا من الارض ونفخ في انفه نسمة الحياة فصار ادم نفسا حيه) فانظروا قوله وجد ادم من روح الحياة وفضلا عن هذا فان عبارة يوحنا في حق الحواريين تدل على انهم ايضا من الاب السماوي اذا صار من المعلوم0 ان الحقيقة المقدسة يعني ان الوجود الحقيقي لكل عظيم هو من الحق ومن نفخة روح القدس والخلاصة انه اذا كان وجود الانسان من غير اب اعظم فضلا فآدم اعظم من الجميع لانه لا اب له ولا ام0فهل الانسان الذي يخلق من المادة الحية احسن ام الانسان الذي يخلق من التراب0لاشك ان الذي يخلق من المادة الحية احسن اما حضرة المسيح فقد ولد وتحقق وجوده من روح القدس 0
وخلاصة القول ان شرف النفوس المقدسة وعظمة المظاهر الالهية انما يكون بالكمالات الالهية والفيوضات والتجليات الربانية لا بسواها0

No comments:

Powered By Blogger