سنة إرسال رسل منذرين
خلافاً لما يعتقده الكثير من المؤمنين, فإن القرآن والسنة يصرحان بأن إرسال رسل منذرين سوف يستمر إلى أجل غير مسمى, لنتأمل هذه الآيات :
وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الأُمَمِ فَلَمَّا جَاءهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلا نُفُوراً. اسْتِكْبَاراً فِي الأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً. سورة 35, آية: 42, 43
ماذا تبين لنا الآيات السابقة؟ إنها تخبرنا:
· بأن الناس عاشوا في جميع العصور في ظل هذا الوهم أي أنهم مختلفون عن أسلافهم. فيقسمون بهتاناً بأنهم إذا عاشوا زمن مجيء الرسل السابقين وبعث الله فيهم رسولاً من عنده يخوِّفهم عقابه ليكونُنَّ أكثر استقامة واتِّباعاً للحق. ولكن لم يكن ذلك إلا ضرب من الوهم واحتجاج خاطئ, لأنه عندما جاءهم رسول من عند الله ينذرهم, إتبعوا خطوات أسلافهم.
· إنهم فعلوا ذلك من باب التكبر والغطرسة.
· إنهم تآمروا ضد الرسول النذير الذي بعثه الله, ولكنهم واجهوا عاقبة خداعهم الباطل.
· هل يمكن لأولئك الذين يعيشون في المستقبل بعد ظهور الإسلام أن يكون لهم استجابة مختلفة للمنذرين المبعوثين من عند الله ؟ هل نتوقع منهم أي معاملة أخرى غير الرفض؟ هل يمكن أن تتغير سنة الناس في معاملتهم للرسل المنذرين.
لا, لن تتغير سنة الله في إرسال الرسل المنذرين, إن الرسل سيأتون في المستقبل كما جاءوا في الماضي.
إن سنة إرسال رسل منذرين إلى كل أمة وعدٌ قد تكرر في القرآن:
إِنْ أَنتَ إِلا نَذِيرٌ. إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ. سورة 35, آية: 23, 24
لماذا أُرسِل سيدنا محمد؟ هل كان لإكمال الوحي الإلهي أم لتحذير قومه الذين لم يبعث الله فيهم نذيراً ؟
إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ .... لِتُنذِرَ قَوْماً مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ. سورة 36, آية 3, 6
رَّحْمَةً مِّن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْماً مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ. سورة 28, آية: 46
إذا كان الله لا يمكن أن يترك أمة بدون أن يرسل لها نذيراً , فلماذا يغيِّر طريقته فجأة ويفشل في إرسال حتى نذير واحد للعالم للسنوات القادمة ؟ وكما يعلمنا القرآن إن الرسالة الرئيسة لسيدنا محمد هي إبلاغ الكلمة الإلهية لقومٍ لم يُرسَل إليهم أي نذير, وهذا في حد ذاته يعارض الخاتمة المفاجئة لهذه السنة. فلماذا يجب أن تتوقف الحاجة لإرسال النذير فجأة؟ تبين الآية التالية أن إرسال رسل منذرين ليس مجرد حدث وقع في الماضي, بل بالأحرى هو سنة سوف تستمر أيضاً في المستقبل.
وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنذِرُوا هُزُواً. سورة 18, آية: 56
ألا يمكن أن يكون أولئك الذين يجادلون بالباطل هم الذين ينكرون أو يجادلون بهذه الحقيقة البديهة وهو أن التواصل بين الله والبشر لن يتوقف وأن العالم الإنساني بحاجة إلى نذير دائماً ؟
نَبَأٌ عَظِيمٌ سورة 38, آية 67
إن خبر مجيء الرسول الجديد من عند الله هو من أعظم الأنباء وأجلَّها. فلماذا يبتعد الإنسان عن مثل هذه الأخبار؟ إن مجيء المُنذِر والمبشِر مدعاة للسرور والبهجة فلماذا يحاول المرء أن ينكر مجيئه ؟
وَمَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ. فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنبَاء مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون. سورة 26, آية: 5- 6
الآيات السابقة تبين :
إن سنة الناس وما اعتادوا عليه في حياتهم هو إنكار الرسل المنذرين الذين يبعثهم الله من عنده ليذكِّروا أمتهم بعاقبة أعمالهم ومصير رفضهم لما اختاره الله لهم.
ماهي الأنباء التي سوف يستهزئون بها ويعرضون؟
قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنذِرٌ ...... قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ. أَنتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ ..... أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ. سورة 38, آية: 65-70
ما الذي هم عنه معرضون ؟ إنهم معرضون عن النبأ العظيم وعن الذي سيأتي به. ولكن للأسف إن أغلب المسلمين مقتنعون كما جاء في أقوال علماء الدين بأن النبأ العظيم قد انتهى بظهور سيدنا محمد وأن البشرية سوف لن تأتيها أي نبأ من الله سبحانه وتعالى وهو الرحيم بنا والأقرب إلينا من حبل الوريد.
عَمَّ يَتَسَاءلُونَ. عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ. الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ. كَلا سَيَعْلَمُونَ. ثُمَّ كَلا سَيَعْلَمُونَ. سورة 78, آية: 1- 5
على ماذا تدل كلمة هم فيه مختلفون؟ إنها تدل على أن بعض المسلمين سوف يرحبون بهذا النبإ العظيم والبعض الآخر ينكرونه.
لنتأمل سوياً مرة أخرى التحذير التالي من القرآن الكريم عن النبإ :
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ. سورة 49, آية: 6
تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ. قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ. وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ. سورة 67, آية: 8- 10
تعلُّمُنا الآيات السابقة التالي:
· إذا ادّعى شخص ما أنه نذير من عند الله علينا بالتحقيق في ادعائه, كما يجب علينا أن نسمع أقواله ونتأمل بعناية ما يقدمه من أدلة وشواهد لصدق ادعائه.
· وعلينا بعد ذلك أن نستخدم قدراتنا المنطقية والعقلية والتي هي المعيار الوحيد لمعرفة الحقيقة فيما إذا كان الرسول الذي بعثه الله وحذر قومه فكذبوه هل هو صادق في ادعائه.
يعلمنا القرآن مراراً بأن دليلنا الوحيد للوصول للحقيقة هو المنطق والعقل اللذان وهبنا إياهما الله. كما تبين الآيات السابقة " لو كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ". ويجب علينا أيضاً أن لا نسمح أبداً للتقاليد وفقاً لما تمليه رموز السلطة (زعماء الدين ورؤسائه) أو ما تدّعيه الأغلبية أن تمارس أي تأثير في إختيار مصيرنا الروحاني.
ما الضرر والأذى الذي سيلحق بنا إذا قمنا بالتحقيق في أنباء النذير الذي يبعثه الله عز وجلّ ؟ لا شيء ! إذاً ما الضرر الذي يمكن أن يلحق بنا من عدم التحقيق ؟ إن عدم التحقيق يؤدي بنا إلى إنكار النذير الذي بعثه الله دون أن ندرك سوء تقديرنا الخطير وإمكانية أن نكون والعياذ بالله من أصحاب السعير.(من خاتم النبيين)
نتابع في مقالنا القادم من خاتم النبيين و...... إمتيازات الكلمة الإلهية وخلاقيتها
No comments:
Post a Comment