"كنتم خير أُمّةٍ أُخرجت للنّاس"
كانت الأمّة والحضارة الاسلامية في وقتها "خير
أمّةٍ أخرجت للنّاس" وكانت في مكانة تحسد عليها. جمعت الأمّة الاسلامية شمل الشعوب المختلفة وانشأت مجتمعاً
جديداً صالحاً تحت ظل الأمّة الاسلامية. فقد خلق الإسلام حضارة جديدة افادت جميع الشعوب،
ولكن كما تفضل القرآن الكريم: "لكلّ أمّةٍ أجل فإذا جاء أجلهم لا
يستأخرون ساعة ولا يستقدمون". [سورة الأعراف 7: 34]. وأيضًا: "ما
تسبق من أمّةٍ أجلها وما يستئخرون". [سورة المؤمنون 23: 43].
وليس المقصود من "خير أمّة" انه
لم يكن أمم أو حضارات عظيمة قبل الاسلام ولا تعني أيضًا انه سوف لا يكون هناك أمم
وحضارات أعظم في المستقبل. فالقرآن الكريم يذكر عظمة الحضارة اليهوديّة والمسيحيّة
فيقول: "يا بني إسرائيل أذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم واني فضّلتكم على العالمين". [سورة البقرة 2: 47]. وفي موضع آخر يقول القرآن الكريم: "إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافِعُك إلى ومطهّرك من الذين كفروا وجاعل
الّذين اتبعوك فوق الّذين كفروا إلى يوم القيامة". [سورة
آل عمران 3: 55].
إضافة فهناك العديد من الآيات التي تشير إلى ظهور مظاهر إلهية في المستقبل،
مثال ذلك قوله تعالى: "يا بني آدم إمّا يأتينّكم رسلٌ منكم
يقصّون عليكم آياتي". [سورة الأعراف 7: 35]. يشير القرآن
الكريم بكل وضوح "يأتينّك رسل" وبمجئ رسل أو مظاهر إلهية جديدة، تأتي حضارات جديدة في دورات متعاقبة وفي
تسلسل مستمر ليس له بداية أو نهاية.
وبمجئ حضرة بهاءالله جاءت دورة جديدة بنظام عالمي جديد مبني على سمو الجنس
البشري ووحدة العالم الانساني في ظل التعاليم المنزلة الجديدة لهذا اليوم الموعود،
أي يوم الله. ونرى في هذه الدورة انطلاقا حضاريا جديدا لم يره العالم من قبل،
وبمجئ النظام العالمي الجديد سوف تطوى النظم السابقة، كما تنبّأ بذلك القرآن
الكريم بقوله: "يوم نطوى السماء كطى السجلّ للكتب كما
بدأنا أوّل خلقٍ نعيده وعدْا علينا إنا كنا فاعلين". [سورة
الأنبياء 21: 104]. وكما يؤكّد حضرة بهاءالله: "لعمری سوف نطوی الدّنيا وما
فيها ونبسط بساطاً آخر انّه کان علی کلّ شیء قديراً". [منتخباتي از آثار حضرة بهاءالله، ص 200].
الآيات من القرآن الكريم بخصوص "كنتم خير أُمّةٍ أُخرجت للنّاس":
سورة آل عمران 3: 110 - كنتم خير أمّةٍ أخرجت للنّاس
تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرًا
لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون.
بعض الآيات من الآثار البهائية المقدسة بخصوص "كنتم خير أُمّةٍ أُخرجت للنَّاس":
تأمل قليلا في الاصحاب الذين كانوا في عهد نقطة الفرقان،
وكيف أنهم بالنفحات القدسية من الحضرة المحمدية صاروا منزهين ومقدسين ومنقطعين عن
جميع الشؤونات البشرية والمشتهيات النفسية، وفائزين قبل كل اهل الارض جميعًا بشرف
اللقاء، الذي هو عين لقاء الله، ومنقطعين عن كل ما سـواه. وكيف أنهم كانوا ينفقـون
ارواحهم بين يدي ذلك المظهر – مظهر ذي
الجلال كما عرفت وسمعت. (بهاءالله،كتاب الإيقان، ص 127).
في القرون الوسطى حيث كانت اوروبا في منتهى الوحشية تفوق
العرب في العلوم والصنائع والرياضيات والمدنية والسياسة بل وفي سائر الفنون على
سائر ملل العالم، وكان مربي هذه القبائل البدوية العربية ومحركها والمؤسس للمدنية
والكمالات الانسانية بين تلك الطوائف المختلفة هو ذلك الشخص الأمي واعني به حضرة
محمد، فهل كان هذا الشخص المحترم مربيا للكل أم لا؟ يجب الانصاف.
(عبدالبهاء،من
كتاب مفاوضات عبدالبهاء، ص 30).
وخلاصة القول إن العرب فاقوا كل الأمم والأقوام في جميع
العلوم والفنون والمعارف والحكمة والسياسة والأخلاق والصنائع والمخترعات. والواقع
إن بلوغ مثل هذه الطائفة المتوحشة الحقيرة إلى أقصى درجات الكمال البشري في مدة
يسيرة لأعظم برهان على صحة نبوة سيّد الكائنات. وكانت جميع طوائف أوروبا تكتسب
الفضائل ومبادئ المدنية من المسلمين القاطنين في ممالك الأندلس في عصور الاسلام
الأولى، ولو أمعن النظر في الكتب التاريخية لاتضح ان اكبر جانب من تمدن اوروبا
مقتبس من الاسلام، حيث قام علماؤها بجمع كافة كتب حكماء المسلمين وعلمائهم
وفضلائهم شيئاً فشيئاًً، وأخذوا يطالعونها في المعاهد والجامعات العلمية
ويناقشونها بكمال الدقة مطبّقين ما كان مفيدًا منها. (عبدالبهاء،الرسالة المدنية،
ص 55-56).
ان جميع العقلاء والمطلعين على حقائق الأحوال التاريخية
للأزمان السالفة من أهل أوروبا المتصفين بالصدق والانصاف يقرون ويعترفون أن أساس
جميع مدنيتهم مقتبسة من الاسلام، من ذلك ما كتبه المؤلف المحقق المشهور "دري
بار" الفرنسي الذي يسلّم جميع مؤلفي أوروبا وعلمائها باطلاعه وبراعته وعلمه،
حيث شرح في كتابه "ترقي الأمم" – وهو أحد كتبه الأدبية المشهورة – شرحًا
مبسّطًا في باب اقتباس أمم أوروبا لقوانين مدنيتها وقواعد رقيها وسعادتها من
الاسلام. (عبدالبهاء،الرسالة المدنية، ص 57-58). (من كتاب وعد الله حق)
No comments:
Post a Comment