صعود السيد المسيح
قال السيد المسيح: "وليس أحدٌ صعد إلى السّماء إلاّ الذي نزل
من السماء ابن الإنسان الذي هو في السماء." [إنجيل
يوحنّا 3: 13]. هذه الآية لا تُقصي أحداً، حتى ابن الانسان. ان جسد السيد المسيح
لم ينزل من السماء ولكنه ولد من رحم أمّه. إن الذي نزل من السماء هو روح السيد
المسيح الإلهية، اذًا الذي صعد إلى السماء هو أيضًا الروح الإلهية وليس
الجسد.
اعتقد أعداء
السيد المسيح انهم قد قضوا عليه بمجرد صلبه وأن تعاليمه ستزول نهائيًّا، فاعتبروا
صلبه نصرًا ولكن الحقيقة أن روحه لم تمس، فهي خالدة أبدية. والآية في القرآن
الكريم التي تنفي صلب أو قتل السيد المسيح والقائلة: "وقولهم إنّا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه
ولكن شُبّه لهم... وما قتلوه يقيناً بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزًا حكيمًا" [سورة النساء 4: -157-158]. يشرح حضرة عبدالبهاء هذا الاختلاف بقوله إن
الآية القرآنية كانت تشير إلى حقيقة السيد المسيح أي الروح الإلهية وهذه الحقيقة
محمية من أي ضرر دنيوي فهي خالدة أبدية ولا يمكن أن تموت، فالصلب نفّذ على الجسد
فقط ولكن روحه لم تمس. [Star of the West, Vol. II, p.13]. ان الحقيقة المقدّسة للسيد المسيح هي التي
أنعشت وأحيت تلاميذه بعد صعوده وقهرت العالم، كما قال السيد المسيح: "الرّوح هو الذي
يحيي. أمّا الجسد فلا يفيد شيئًا. الكلام الذي أكلّمكم به هو روح وحياة" [انجيل يوحنّا 6: 63].
تشرح بعض
الآيات في الكتاب المقدّس والخاصة بصعود السيد المسيح أن تلاميذه كانوا في حالة
حزن واحباط بعد صلب السيد المسيح. ولكنهم بعد تأملهم لتعاليمه يومًا كاملاً
وتناولهم الغذاء مع بعضهم البعض أدركوا أن السيد المسيح كان حيّا روحيّا وكان
يرشدهم.
بعض الآيات من التوراة والانجيل المقدس بخصوص صعود
السيد المسيح:
إنجيل يوحنّا 3: 13 – وليس أحدٌ صعد إلى السّماء إلاَّ
الذي نزل من السماء ابن الإنسان الذي هو في السماء.
إنجيل يوحنّا 6: 38 – لأني قد نزلت من السماء ليس لأعمل
مشيئتي بل مشيئة الذي أرسلني.
إنجيل يوحنّا 6: 42 – وقالوا أليس هذا هو يسوع بن يوسف
الذي نحن عارفون بأبيه وأمّه. فكيف يقول هذا إنّي نزلت من السماء.
إنجيل لوقا 23: 35-46 – وكان الشعب واقفين ينظرون.
والرّؤساء أيضًا معهم يسخرون به قائلين خلّص آخرين فليخلّص نفسه إن كان هو المسيح
مختار الله. والجند أيضًا استهزأوا به وهم يأتون ويقدّمون له خلاًّ قائلين إن كنت
أنت ملك اليهود فخلّص نفسك. وكان عنوان مكتوب فوقه بأحرفٍ يونانيّةٍ ورومانيّةٍ
وعبرانيّةٍ هذا هو ملك اليهود. وكان واحد من المذنبين المعلّقين يجدّف عليه قائلاً
إن كنت أنت المسيح فخلّص نفسك وإيّانا. فأجاب الآخر وانتهره قائلاً أولا أنت تخاف
الله إذ أنت تحت هذا الحكم بعينه. أما نحن فبعدل لأنّنا ننال استحقاق ما فعلنا.
وأما هذا فلم يفعل شيئًا ليس في محلّه. ثم قال ليسوع اذكرني يا رب متى جئت في
ملكوتك. فقال له يسوع الحقّ أقول لك إنّك اليوم تكون معي في الفردوس.
وكان نحو السّاعة السّادسة. فكانت ظلمة على الأرض كلّها
إلى السّاعة التّاسعة. وأظلمت الشّمس وانشقّ حجاب الهيكل من وسطه. ونادى يسوع
بصوتٍ عظيمٍ وقال يا أبتاه في يديك أستودع روحي. ولما قال هذا اسلم الروح.
إنجيل متّى 27: 39-42 – وكان المجتازون يجدّفون عليه وهم
يهزّون رؤوسهم قائلين يا ناقض الهيكل وبانيه في ثلاثة أيّامٍ خلّص نفسك. إن كنت
ابن الله فانزل عن الصّليب. وكذلك رؤساء الكهنة أيضًا وهم يستهزئون مع الكتبة
والشّيوخ قالوا خلّص آخرين وأما نفسه فما يقدر أن يخلّصها. إن كان هو ملك إسرائيل
فلينزل الآن عن الصّليب فنؤمن به.
إنجيل لوقا 24: 13-31 – وإذا اثنان منهم كانا منطلقين في
ذلك اليوم إلى قريةٍ بعيدةٍ عن أورشليم ستّين غلوةٍ اسمها عِمْواس. وكانا يتكلّمان
بعضهما مع بعضٍ عن جميع هذه الحوادث. وفيما هما يتكلمان ويتحاوران اقترب إليهما
يسوع نفسه وكان يمشي معهما. ولكن أمسكت أعينهما عن معرفته. فقال لهما ما هذا
الكلام الذي تتطارحان به وأنتما ماشيان عابسين. فأجاب أحدهما الذي اسمه كليوباس
وقال له هل أنت متغرّب وحدك في أورشليم ولم تعلم الامور التي حدثت فيها في هذه
الأيّام. فقال لهما وما هي. فقالا المختصّة بيسوع النّاصري الذي كان إنسانًا
نبيًّا مقتدرًا في الفعل والقول أمام الله وجميع الشعب. كيف أسلمه رؤساء الكهنة
وحكّامنا لقضاء الموت وصلبوه. ونحن كنّا نرجو أنّه هو المُزمع أن يفدي إسرائيل.
ولكن مع هذا كله اليوم له ثلاثة أيّامٍ منذ حدث ذلك. بل بعض النّساء منّا حيّرننا
إذ كنّ باكرًا عند القبر. ولما لم يجدن جسده أتين قائلاتٍ إنّهنّ رأين منظر
ملائكةٍ قالوا إنّه حي. ومضى قوم من الذين معنا إلى القبر فوجدوا هكذا كما قالت
أيضًا النساء وأمّا هو فلم يروه. فقال لهما أيها الغبيّان والبطيئا القلوب في
الإيمان بجميع ما تكلّم به الانبياء. أما كان ينبغي أنّ المسيح يتألّم بهذا ويدخل
إلى مجده. تمّ ابتدأ من موسى ومن جميع الانبياء يفسّر لهما الأمور المختصة به في
جميع الكتب.
ثم اقتربوا إلى القرية التي كانا منطلقين إليها وهو
تظاهر كأنه منطلق إلى مكانٍ أبعد. فألزماه قائلين امكث معنا لأنه نحو المساء وقد
مال النهار. فدخل ليمكث معهما. فلمّا اتّكأ معهما أخذ خبزًا وبارك وكسّر وناولهما.
فانفتحت أعينهما وعرفاه ثمّ اختفى عنهما.
أعمال الرّسل 1: 2-5 – إلى اليوم الذي ارتفع فيه بعد ما
أوصى بالروح القدس الرّسل الذين اختارهم. الذين أراهم أيضًا نفسه حيًّا ببراهين
كثيرةٍ بعد ما تألّم وهو يظهر لهم أربعين يومًا ويتكلّم عن الأمور المختصّة بملكوت
الله. وفيما هو مجتمع معهم أوصاهم أن لا يبرحوا من أورشليم بل ينتظروا موعد الآب
الذي سمعتموه منّي. لأنّ يوحنّا عمّد بالماء وأما أنتم فستتعمّدون بالروح القدس
ليس بعد هذه الأيّام بكثير.
بعض الآيات من القرآن الكريم بخصوص صعود
السيد المسيح:
سورة آل عمران 3: 54 – إذ قال الله يا عيسى إنّى متوفيك
ورافعك إليّ ومطهّرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم
القيامة ثم إلى مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون.
سورة النساء 4: -157-158 – وقولهم إنّا قتلنا المسيح
عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبّه لهم وإنّ الذين اختلفوا فيه
لفى شكٍّ منه ما لهم به من علمٍ إلا اتباع الظّنّ وما قتلوه يقينا بل رفعه الله إليه
وكان الله عزيزًا حكيمًا.
بعض الآيات من الآثار البهائية المباركة بخصوص صعود
السيد المسيح:
اعلم بانّ
الابن حين الّذی اسلم الرّوح قد بکت الاشياء کلّها ولکن بانفاقه روحه قد استعدّ کلّ
شیء کما تشهد وتری فی الخلائق اجمعين کلّ حکيم ظهرت منه الحکمة وکلّ عالم فصّلت
منه العلوم وکلّ صانع ظهرت منه الصّنايع وکلّ سلطان ظهرت منه القدرة كلّها من
تأييد روحه المتعالى المتصرّف المنير. بهاءالله، منتخباتی از آثار حضرة بهآءالله، ص 62.
ليس قيام المظاهر الالهية قياما جسديا، فجميع شؤونهم
وحالاتهم وأعمالهم وتأسيساتهم وتعاليمهم وتعبيرهم وتشبيههم وترتيبهم عبارة عن امور
روحية معنوية لا تتعلق بالجسمانيات، مثلا مسألة مجيء المسيح من السماء هذه مصرح
بها في مواضع متعددة من الانجيل حيث يقول جاء ابن الانسان من السماء وابن الانسان
في السماء وسيذهب إلى السماء وكما يقول في الاصحاح السادس من انجيل يوحنا آية 38 "لأني
قد نزلت من السماء" وكذلك في الآية الثانية والاربعين منه "وقالوا أليس
هذا هو يسوع بن يوسف الذي نحن عارفون بأبيه وأمه فكيف يقول هذا اني نزلت من السماء"
وكذلك في انجيل يوحنا في الاصحاح الثالث الآية الثالثة عشرة يقول "وليس احد
صعد إلى السماء الا الذي نزل من السماء ابن الانسان الذي هو في السماء." عبدالبهاء،من
كتاب مفاوضات عبدالبهاء، ص 65-66.
"...أن المائدة السماوية والفيوضات الرحمانية والتجليات
الروحية والتعاليم السماوية والمعاني الكلية هي حضرة المسيح... كان لحضرته جسد
عنصري وهيكل سماوي، فالجسد العنصري صُلِب وأما الهيكل السماوي فحي باق وسبب الحياة
الابدية، الجسد العنصري كان طبيعة بشرية والهيكل السماوي كان طبيعة رحمانية..."
عبدالبهاء، من كتاب مفاوضات عبدالبهاء، ص 61-62.
وحيث اتضح أن المسيح اتى من السماء الروحية والملكوت
الالهي، فالمقصود اذًا من بقاء حضرته ثلاثة أيام في القبر أيضا امر معنوي لا
ظاهري، وكذلك قيام حضرته من بطن الارض أيضا امر معنوي وكيفية روحانية لا جسمانية،
وكذلك صعود المسيح أيضا إلى السماء أمر روحاني لا جسماني. عبدالبهاء،من كتاب
مفاوضات عبدالبهاء، ص 66.
فحضرة المسيح رفع العلم الالهي أمام من على الأرض
وقاومهم جميعا فريدا وحيدا بدون ظهير ولا نصير ولم يكن له جند ولا جيوش بل كان
مضطهدا مظلوما، ومع هذا ففي النهاية غلب الجميع ولو انه صلب في الظاهر، فهذه
القضية معجزة محضة لا يمكن انكارها أبدا فلا حاجة بعدئذ إلى برهان آخر يثبت أحقية
حضرة المسيح.
عبدالبهاء،من كتاب مفاوضات عبدالبهاء، ص 64.
لهذا نقول إن قيام المسيح عبارة عن اضطراب الحواريين
وحيرتهم بعد شهادة حضرته، وقد خفيت واستترت حقيقة المسيح التي هي عبارة عن التعاليم
والفيوضات والكمالات والقوة الروحانية المسيحية مدة يومين أو ثلاثة بعد استشهاد
حضرته، ولم يكن لها جلوة ولا ظهور بل كانت في حكم المفقود، لأن المؤمنين كانوا
انفسا معدودة وكانوا ايضا مضطربين حائرين، فبقي أمر حضرة روح الله كجسم لا روح
فيه، ولما رسخ حضرات الحواريين وثبتوا بعد ثلاثة ايام وقاموا على خدمة امر المسيح
وصمموا على ترويج التعاليم الالهية واجراء وصايا المسيح والقيام على خدمة المسيح،
تجلت لهم حقيقة المسيح فظهرت فيوضاته وسرت روح الحياة في شريعته وظهرت تعاليمه
واتضحت وصاياه، يعني أن أمر المسيح كان كجسم بلا روح فدخلته الحياة واحاط به فيض
روح القدس، هذا هو معنى قيام المسيح وقد كان قياما حقيقيا، ولما لم يفهم القسس
المعنى الانجيلي ولم يهتدوا إلى رمزه قالوا ان الدين مخالف للعلم والعلم معارض
للدين، لان من جملة هذه المسائل مسألة صعود حضرة المسيح بجسمه العنصري إلى هذه
السماء الظاهرة، وذلك مخالف للعلوم الرياضية. ولكن عندما تنكشف حقيقة هذه المسألة
ويفسر هذا الرمز فانها لا تتعارض مع العلم بأي وجه من الوجوه بل العلم والعقل
يصدقانها ويؤيدانها. عبدالبهاء،من كتاب مفاوضات عبدالبهاء، ص 66-67.
اذًا صار من المعلوم ان لمظاهر الظهور مقامات ثلاث، مقام
البشرية، ومقام النفس الناطقة، ومقام الظهور الرباني والجلوة الرحمانية، فمقام
الجسد لا بد ان يتلاشى، اما مقام النفس الناطقة فهي وان كان لها أول فلا آخر لها
بل مؤيدة بحياة ابدية، اما الحقيقة المقدسة كما يقول حضرة المسيح "الآب في
الإبن" فليست لها بداية ولا نهاية. فالبداية هي عبارة عن مقام اظهار الامر،
والسكوت قبل الظهور يشبَّه بالنوم، مثله كمثل شخص كان نائما فلما ان تكلم عُلِم
انه متيقظ، وذلك الشخص النائم حينما يستيقظ فانه هو نفسه لم يحصل تفاوت في مقامه
وسموه وعلوه وحقيقته وفطرته. عبدالبهاء،من كتاب مفاوضات عبدالبهاء، ص 100-101.
لم يكن اليهود على استعداد لدفن جسد يسوع المسيح في
المقابر اليهودية. فذهب الحواريون واشتروا قطعة أرض ودفنوه فيها. بعدها صار اليهود
يذهبون لالقاء نفاياتهم في تلك البقعة. بعد ذلك جاء رجال وبنوا كنيسة عظيمة فوق
قطعة الأرض. وكان من بنى الكنيسة أم أحد القياصرة بعد الحدث بثلاثة مائة عام. وحتى
اليوم تعرف هذه الكنيسة في بعض الأوساط "بكنيسة النفاية" هذا هو بالفعل
مكان مرقد السيد المسيح. عبدالبهاء، (مترجم من) Star of the West, 5:84 June 24, 1914
No comments:
Post a Comment