تعميد
حضرة السيد المسيح
ورد في
إنجيل متّى في الأصحاح الثّالث في الآية الثّالثة عشرة "حينئذٍ جاء يسوع من
الجليل إلى الأردنّ إلى يوحنّا ليعتمد منه ولكنّ يوحنّا منعه قائلاً أنا محتاج أن
أعتمد منك وأنت تأتي إليّ فأجاب يسوع وقال له اسمح الآن لأنّه هكذا يليق بنا أن
نكمل كلّ برّ حينئذٍ سمح له."
السؤال هنا: ما احتياج حضرة المسيح إلى غُسل التّعميد مع وجود كماله الذّاتيّ وما هي الحكمة في ذلك؟
الجواب: أصل التّعميد هو غسل التّوبة وكان حضرة يوحنّا ينصح النّفوس ويوصيهم ويتوّبهم ثمّ يعمّدهم، إذاً صار من الواضح أنّ الغسل رمز للتّوبة من جميع الذّنوب، يعني أي ربّ كما تطهّر جسمي وتقدّسه عن الأوساخ البدنيّة، كذلك طهّر روحي وقدّسها من أوساخ عالم الطّبيعة وممّا لا يليق بباب أحديّتك، فالتّوبة رجوع عن العصيان إلى الطّاعة فيتوب الإنسان ويغتسل بعد البعد والحرمان، إذاً فهذا الغسل رمز يعني أي ربّ طهّر قلبي وطيّبه وزكِّه وقدّسه عن حبّ ما سواك.
ولمّا أراد المسيح إجراء سنّة يوحنّا هذه بين العموم في ذلك الزّمان، تعمّد حضرته ليكون سبباً في تنبّه الخلق وليكمل النّاموس، أي الشّريعة السّابقة، والتّعميد وإن كان سنّة يوحنّا، إلاّ أنّه كان في الحقيقة غسل التّوبة، وكان جارياً في الشّرائع الإلهيّة، وما كان المسيح محتاجاً لغسل التّعميد، غير أنّه لمّا كان هذا العمل مقبولاً ممدوحاً في ذلك الزّمان وعنوان بشارة الملكوت، أجراه حضرة المسيح ولكنّه تفضّل وقال فيما بعد "ليس التّعميد بالماء العنصريّ بل يجب أن يكون التّعميد بالماء والرّوح" وقال في موضعٍِ آخر "إنّ التّعميد بالرّوح والنّار" وليس المقصود بالماء هنا الماء العنصريّ لأنّه يصرّح في موضعٍ آخر "التّعميد بالرّوح والنّار" ومن هنا يعلم أنّه ليس الغرض من النّار والماء النّار والماء العنصريّين، لأنّ التّعميد بالنّار محال، إذاً فالرّوح فيض إلهيّ والماء علم وحياة والنّار محبّة اللّه بمعنى أنّ الماء العنصريّ لا يكون سبب طهارة قلب الإنسان بل يطهّر جسمه فقط، ولكنّ الماء السّماويّ والرّوح التّي هي علم وحياة تطيّب قلب الإنسان وتطهّره، يعني أنّ القلب الذّي يأخذ نصيبه من فيض روح القدس ويتقدّس به يصير قلباً طيّباً طاهراً.
والمقصود هو تطهير حقيقة الإنسان وتقديسها من أوساخ عالم الطّبيعة كالغضب والشّهوة وحبّ الدّنيا والتّكبّر والكذب والنّفاق والتّزوير وحبّ الذّات وأمثالها من الصّفات القبيحة، ولا سبيل لنجاة الإنسان من حكم النّفس والهوى إلاّ بتأييدات فيض روح القدس، كما يقول من الواجب اللاّزم التّعميد بالرّوح والماء والنّار ويعني بروح الفيض الإلهيّ، وماء العلم والحياة، ونار محبّة اللّه، ويجب أن يتعمّد الإنسان بالرّوح والماء والنّار ليستفيض من الفيض الأبديّ، وإلاّ فما ثمرة التّعميد بالماء العنصريّ ولكنّ التّعميد بالماء كان رمزاً للتّوبة والاستغفار من الخطايا والذّنوب، ولا لزوم لهذا الرّمز في دور الجمال المبارك لأنّ حقيقته التّي هي التّعميد بالرّوح وبمحبّة اللّه أمر محقّق ومقرّر.
السّؤال: هل غسل التّعميد موافق ولازم أم لا؟ فإن كان موافقاً ولازماً كيف نسخ وإن لم يكن كذلك فكيف أجراه يوحنّا.
الجواب: إنّ تطّور الزّمان وتغيّر الأحوال من اللّوازم الذّاتيّة للممكنات، ولا انفكاك للّزوم الذّاتيّ عن حقيقة الأشياء، ومثلاً إنّ انفكاك الحرارة عن النّار والرّطوبة عن الماء والشّعاع عن الشّمس ممتنع محال، لأنّ هذه لوازم ذاتيّة وحيث أنّ تغيّر الأحوال وتبدّلها من اللّوازم الذّاتيّة للممكنات فكذلك تتبدّل الأحكام أيضاً تبعاً لتغيّرات الزّمان،ومثلاً كانت الشّريعة الموسويّة في زمن حضرة موسى مناسبة لمقتضى الحال، ولمّا تغيّرت تلك الحال وتبدّلت في زمن حضرة المسيح، نسخت تلك الشّريعة لأنّها أصبحت غير مناسبة ولا موافقة
للعالم الإنسانيّ، فأبطل حضرة الرّوح حكم السّبت وحرّم الطّلاق، ومن بعد حضرته حلّل أربعة من الحوارييّن منهم بطرس وبولس لحم الحيوانات المحرّمة في التّوراة ما عدا لحم المنخنقة والدّم وقرابين الأصنام والزّنا، وأبقوا هذه الأحكام الأربعة، ثمّ حلّل بولس الدّم والمنخنقة وذبائح الأصنام أيضاً وأبقى تحريم الزّنا كما كتب في رسالته إلى أهل روميّة في الأصحاح 14 الآية 14 "إنّي عالم ومتيقّن في الرّبّ يسوع أنّ ليس شيء نجساً بذاته إلاّ من يحسب شيئاً نجساً فله هو نجس" وكذلك ذكر في الآية 15 من الأصحاح الأوّل من رسالة بولس الرّسول إلى تيطس "كلّ شيء طاهر للطّاهرين وأمّا للنّجسين وغير المؤمنين فليس شيء طاهراً بل قد تنجّس ذهنهم أيضاً وضميرهم" فكان هذا النّسخ والتّغيير والتّبديل لأنّ عصر المسيح لم يكن يقارن بعصر موسى بل الأحوال ومقتضياتها قد تغيّرت بالكلّيّة ولذا نسخت تلك الأحكام، وحيث أنّ عالم الوجود بمثابة إنسان وأنبياء اللّه ورسله هم أطبّاؤه الحاذقون، ولا يبقى شخص الإنسان على حالة واحدة بل تعتريه الأمراض المختلفة ولكلّ مرض علاج مخصوص، إذاً فالطّبيب الحاذق لا يعالج كلّ العلل والأمراض بوسيلة واحدة بل يغيّر في العلاج والأدوية بما يناسب الأحوال ومختلف الأمراض، فإذا أصيب هذا الشّخص بحمّى شديدة اضطرّ الطبيب الحاذق إلى إعطائه أدوية باردة، وإذا انقلب مزاج هذا الشّخص في وقت آخر وتبدّلت الحرارة بالبرودة اضطرّ الطّبيب الحاذق إلى استبدال الأدوية الباردة بأدوية حارّة، وهذا التّغيير والتّبديل من مقتضيات حال المريض ودليل جليل على حذق الطّبيب، فانظروا مثلاً هل من الممكن إجراء شريعة التّوراة في هذا العصر والأوان لا واللّه، هذا مستحيل ومحال، إذاً كان من الضّروري أن تنسخ شريعة التّوراة هذه في زمن المسيح، ثمّ انظروا إلى غسل التّعميد في زمن يوحنّا المعمدان فإنّه كان سبب تذكّر النّفوس وتنبّهها حتّى يتوبوا من جميع المعاصي وينتظروا ملكوت المسيح، أمّا في هذه الأيّام فالكاثوليك والأرثوذكس بآسيا يعمّدون الأطفال الرّضّع في الماء المخلوط بزيت الزّيتون، حتّى أنّ بعض الأطفال يمرض من هذا العمل المتعب ويرتعشون في وقت التّعميد ويضطربون، وبعض القسس في جهات أخرى يرشّون مياه التّعميد على الجباه وليس للأطفال إحساس روحانيّ بأيّ وجه من الوجوه سواء في الحالة الأولى أم في الحالة الثّانية، إذاً فما فائدة هذا العمل؟ بل إنّ سائر الملل يتعجّبون ويندهشون قائلين لماذا يغطّسون هؤلاء الأطفال الرّضّع في هذا الماء، فلا هو سبب تنبّه الطّفل ولا هو سبب إيمانه ولا هو سبب تيقّظه بل هو مجرّد عادة يجرونها.
أمّا في زمن يوحنّا المعمدان فلم يكن هكذا بل كان حضرة يوحنّا ينصح النّفوس أوّلاً ويدلّهم على التّوبة من الخطايا والذّنوب، ثمّ يشوّقهم لانتظار ظهور المسيح وكان كلّ نفس عندما تغتسل غسل التّعميد تتوب من الذّنب بنهاية التّضرّع والخشوع وتطّهر جسدها من الأوساخ الظّاهريّة أيضاً، وكانوا باللّيل والنّهار ينتظرون ظهور المسيح والدّخول في ملكوت روح اللّه آناً بعد آن بكمال الاشتياق. والخلاصة أنّ تغيّر الأحوال وتبدّل مقتضيات القرون والأعصار سبب لنسخ الشّرائع لأنّه يأتي زمان تكون تلك الأحكام غير ملائمة ومطابقة للأحوال، فانظروا كم من تفاوت بين مقتضيات القرون الأولى والقرون الوسطى والقرون الأخيرة، فهل من الممكن الآن إجراء أحكام القرون الأولى في هذا القرن الأخير؟ من الواضح أنّ ذلك ممتنع محال، وكذلك لا تكون مقتضيات القرون الحاليّة موافقة للقرون الآتية بعد مضيّ قرون عديدة، بل لا بدّ من التّغيير والتّبديل، فالأحكام في أوروبّا في تغيير وتبديل متواصل فكم من أحكام كثيرة كانت موجودة في قوانين أوروبّا ونظمها في السّنين السّابقة قد نسخت الآن، فهذا التّغيير والتّبديل إنّما جاء من تغيّر الأفكار وتبدّل الأحوال والأطوار، وبدون ذلك تختلّ سعادة عالم البشر، مثلاً إنّ أحكام التّوراة حكم القتل لمن يكسر السّبت بل في التّوراة عشرة أحكام للقتل فهل من الممكن إجراء تلك الأحكام في هذه القرون؟ من الواضح أنّ هذا ممتنع محال، لهذا تغيّرت وتبدّلت وتغيير الأحكام وتبديلها دليل كافٍ على الحكمة البالغة الإلهيّة، فيلزم إمعان النّظر في هذه المسائل لأسباب واضحة لائحة طوبى للمتفكّرين.(مفاوضات عبدالبهاء)
السؤال هنا: ما احتياج حضرة المسيح إلى غُسل التّعميد مع وجود كماله الذّاتيّ وما هي الحكمة في ذلك؟
الجواب: أصل التّعميد هو غسل التّوبة وكان حضرة يوحنّا ينصح النّفوس ويوصيهم ويتوّبهم ثمّ يعمّدهم، إذاً صار من الواضح أنّ الغسل رمز للتّوبة من جميع الذّنوب، يعني أي ربّ كما تطهّر جسمي وتقدّسه عن الأوساخ البدنيّة، كذلك طهّر روحي وقدّسها من أوساخ عالم الطّبيعة وممّا لا يليق بباب أحديّتك، فالتّوبة رجوع عن العصيان إلى الطّاعة فيتوب الإنسان ويغتسل بعد البعد والحرمان، إذاً فهذا الغسل رمز يعني أي ربّ طهّر قلبي وطيّبه وزكِّه وقدّسه عن حبّ ما سواك.
ولمّا أراد المسيح إجراء سنّة يوحنّا هذه بين العموم في ذلك الزّمان، تعمّد حضرته ليكون سبباً في تنبّه الخلق وليكمل النّاموس، أي الشّريعة السّابقة، والتّعميد وإن كان سنّة يوحنّا، إلاّ أنّه كان في الحقيقة غسل التّوبة، وكان جارياً في الشّرائع الإلهيّة، وما كان المسيح محتاجاً لغسل التّعميد، غير أنّه لمّا كان هذا العمل مقبولاً ممدوحاً في ذلك الزّمان وعنوان بشارة الملكوت، أجراه حضرة المسيح ولكنّه تفضّل وقال فيما بعد "ليس التّعميد بالماء العنصريّ بل يجب أن يكون التّعميد بالماء والرّوح" وقال في موضعٍِ آخر "إنّ التّعميد بالرّوح والنّار" وليس المقصود بالماء هنا الماء العنصريّ لأنّه يصرّح في موضعٍ آخر "التّعميد بالرّوح والنّار" ومن هنا يعلم أنّه ليس الغرض من النّار والماء النّار والماء العنصريّين، لأنّ التّعميد بالنّار محال، إذاً فالرّوح فيض إلهيّ والماء علم وحياة والنّار محبّة اللّه بمعنى أنّ الماء العنصريّ لا يكون سبب طهارة قلب الإنسان بل يطهّر جسمه فقط، ولكنّ الماء السّماويّ والرّوح التّي هي علم وحياة تطيّب قلب الإنسان وتطهّره، يعني أنّ القلب الذّي يأخذ نصيبه من فيض روح القدس ويتقدّس به يصير قلباً طيّباً طاهراً.
والمقصود هو تطهير حقيقة الإنسان وتقديسها من أوساخ عالم الطّبيعة كالغضب والشّهوة وحبّ الدّنيا والتّكبّر والكذب والنّفاق والتّزوير وحبّ الذّات وأمثالها من الصّفات القبيحة، ولا سبيل لنجاة الإنسان من حكم النّفس والهوى إلاّ بتأييدات فيض روح القدس، كما يقول من الواجب اللاّزم التّعميد بالرّوح والماء والنّار ويعني بروح الفيض الإلهيّ، وماء العلم والحياة، ونار محبّة اللّه، ويجب أن يتعمّد الإنسان بالرّوح والماء والنّار ليستفيض من الفيض الأبديّ، وإلاّ فما ثمرة التّعميد بالماء العنصريّ ولكنّ التّعميد بالماء كان رمزاً للتّوبة والاستغفار من الخطايا والذّنوب، ولا لزوم لهذا الرّمز في دور الجمال المبارك لأنّ حقيقته التّي هي التّعميد بالرّوح وبمحبّة اللّه أمر محقّق ومقرّر.
السّؤال: هل غسل التّعميد موافق ولازم أم لا؟ فإن كان موافقاً ولازماً كيف نسخ وإن لم يكن كذلك فكيف أجراه يوحنّا.
الجواب: إنّ تطّور الزّمان وتغيّر الأحوال من اللّوازم الذّاتيّة للممكنات، ولا انفكاك للّزوم الذّاتيّ عن حقيقة الأشياء، ومثلاً إنّ انفكاك الحرارة عن النّار والرّطوبة عن الماء والشّعاع عن الشّمس ممتنع محال، لأنّ هذه لوازم ذاتيّة وحيث أنّ تغيّر الأحوال وتبدّلها من اللّوازم الذّاتيّة للممكنات فكذلك تتبدّل الأحكام أيضاً تبعاً لتغيّرات الزّمان،ومثلاً كانت الشّريعة الموسويّة في زمن حضرة موسى مناسبة لمقتضى الحال، ولمّا تغيّرت تلك الحال وتبدّلت في زمن حضرة المسيح، نسخت تلك الشّريعة لأنّها أصبحت غير مناسبة ولا موافقة
للعالم الإنسانيّ، فأبطل حضرة الرّوح حكم السّبت وحرّم الطّلاق، ومن بعد حضرته حلّل أربعة من الحوارييّن منهم بطرس وبولس لحم الحيوانات المحرّمة في التّوراة ما عدا لحم المنخنقة والدّم وقرابين الأصنام والزّنا، وأبقوا هذه الأحكام الأربعة، ثمّ حلّل بولس الدّم والمنخنقة وذبائح الأصنام أيضاً وأبقى تحريم الزّنا كما كتب في رسالته إلى أهل روميّة في الأصحاح 14 الآية 14 "إنّي عالم ومتيقّن في الرّبّ يسوع أنّ ليس شيء نجساً بذاته إلاّ من يحسب شيئاً نجساً فله هو نجس" وكذلك ذكر في الآية 15 من الأصحاح الأوّل من رسالة بولس الرّسول إلى تيطس "كلّ شيء طاهر للطّاهرين وأمّا للنّجسين وغير المؤمنين فليس شيء طاهراً بل قد تنجّس ذهنهم أيضاً وضميرهم" فكان هذا النّسخ والتّغيير والتّبديل لأنّ عصر المسيح لم يكن يقارن بعصر موسى بل الأحوال ومقتضياتها قد تغيّرت بالكلّيّة ولذا نسخت تلك الأحكام، وحيث أنّ عالم الوجود بمثابة إنسان وأنبياء اللّه ورسله هم أطبّاؤه الحاذقون، ولا يبقى شخص الإنسان على حالة واحدة بل تعتريه الأمراض المختلفة ولكلّ مرض علاج مخصوص، إذاً فالطّبيب الحاذق لا يعالج كلّ العلل والأمراض بوسيلة واحدة بل يغيّر في العلاج والأدوية بما يناسب الأحوال ومختلف الأمراض، فإذا أصيب هذا الشّخص بحمّى شديدة اضطرّ الطبيب الحاذق إلى إعطائه أدوية باردة، وإذا انقلب مزاج هذا الشّخص في وقت آخر وتبدّلت الحرارة بالبرودة اضطرّ الطّبيب الحاذق إلى استبدال الأدوية الباردة بأدوية حارّة، وهذا التّغيير والتّبديل من مقتضيات حال المريض ودليل جليل على حذق الطّبيب، فانظروا مثلاً هل من الممكن إجراء شريعة التّوراة في هذا العصر والأوان لا واللّه، هذا مستحيل ومحال، إذاً كان من الضّروري أن تنسخ شريعة التّوراة هذه في زمن المسيح، ثمّ انظروا إلى غسل التّعميد في زمن يوحنّا المعمدان فإنّه كان سبب تذكّر النّفوس وتنبّهها حتّى يتوبوا من جميع المعاصي وينتظروا ملكوت المسيح، أمّا في هذه الأيّام فالكاثوليك والأرثوذكس بآسيا يعمّدون الأطفال الرّضّع في الماء المخلوط بزيت الزّيتون، حتّى أنّ بعض الأطفال يمرض من هذا العمل المتعب ويرتعشون في وقت التّعميد ويضطربون، وبعض القسس في جهات أخرى يرشّون مياه التّعميد على الجباه وليس للأطفال إحساس روحانيّ بأيّ وجه من الوجوه سواء في الحالة الأولى أم في الحالة الثّانية، إذاً فما فائدة هذا العمل؟ بل إنّ سائر الملل يتعجّبون ويندهشون قائلين لماذا يغطّسون هؤلاء الأطفال الرّضّع في هذا الماء، فلا هو سبب تنبّه الطّفل ولا هو سبب إيمانه ولا هو سبب تيقّظه بل هو مجرّد عادة يجرونها.
أمّا في زمن يوحنّا المعمدان فلم يكن هكذا بل كان حضرة يوحنّا ينصح النّفوس أوّلاً ويدلّهم على التّوبة من الخطايا والذّنوب، ثمّ يشوّقهم لانتظار ظهور المسيح وكان كلّ نفس عندما تغتسل غسل التّعميد تتوب من الذّنب بنهاية التّضرّع والخشوع وتطّهر جسدها من الأوساخ الظّاهريّة أيضاً، وكانوا باللّيل والنّهار ينتظرون ظهور المسيح والدّخول في ملكوت روح اللّه آناً بعد آن بكمال الاشتياق. والخلاصة أنّ تغيّر الأحوال وتبدّل مقتضيات القرون والأعصار سبب لنسخ الشّرائع لأنّه يأتي زمان تكون تلك الأحكام غير ملائمة ومطابقة للأحوال، فانظروا كم من تفاوت بين مقتضيات القرون الأولى والقرون الوسطى والقرون الأخيرة، فهل من الممكن الآن إجراء أحكام القرون الأولى في هذا القرن الأخير؟ من الواضح أنّ ذلك ممتنع محال، وكذلك لا تكون مقتضيات القرون الحاليّة موافقة للقرون الآتية بعد مضيّ قرون عديدة، بل لا بدّ من التّغيير والتّبديل، فالأحكام في أوروبّا في تغيير وتبديل متواصل فكم من أحكام كثيرة كانت موجودة في قوانين أوروبّا ونظمها في السّنين السّابقة قد نسخت الآن، فهذا التّغيير والتّبديل إنّما جاء من تغيّر الأفكار وتبدّل الأحوال والأطوار، وبدون ذلك تختلّ سعادة عالم البشر، مثلاً إنّ أحكام التّوراة حكم القتل لمن يكسر السّبت بل في التّوراة عشرة أحكام للقتل فهل من الممكن إجراء تلك الأحكام في هذه القرون؟ من الواضح أنّ هذا ممتنع محال، لهذا تغيّرت وتبدّلت وتغيير الأحكام وتبديلها دليل كافٍ على الحكمة البالغة الإلهيّة، فيلزم إمعان النّظر في هذه المسائل لأسباب واضحة لائحة طوبى للمتفكّرين.(مفاوضات عبدالبهاء)
No comments:
Post a Comment