Monday, August 4, 2014

"خاتم النّبيّين"


"خاتم النّبيّين"

إن الله سبحانه وتعالى خالق السموات والأرض، الذي ليس له بداية ولا نهاية، وعوالمه ومخلوقاته والتي لا يمكن لعقل إدراكها أو إحصاءها، وأنبياءه ورسله ومظاهره الإلهيّة الذين ليس لهم بداية ولا نهاية، لا يمكن أن ينهي فيوضات رحمته الأزلية أو يختم مشارق وحيه بدين معيّن أو آخر.

سيدنا محمد عليه السلام هو رسول الله وخاتم "النبوّة والرّسالة" للكور الذي بدأ بسيدنا آدم وانتهى بسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام. فقد انتهى كور أو مرحلة النبوّة والوعود بسيّدنا محمد وبدأ كور تحقيق النبوات ووعود جميع الأديان السابقة. وبظهور حضرة بهاءالله بدأ "يوم الله" الموعود، يوم تحقّق ملكوت الله على الأرض كما هو في السماء. أشاد حضرة بهاءالله إلى عظمة ظهور هذا اليوم الموعود بقوله الأحلى: "‘قد انتهت الظهورات إلى هذا الظهور الأعظم، به بلغت غايتها ومنتهاها. وقال مرة أخرى: لم يقف أحد من المظاهر السابقين على كيفية هذا الظهور بتمامه إلا على قدرٍ مقدور’ وأشار إلى مقامه بقوله: ‘لولاه لما أُرسل رسول وما نزل كتاب’". [القرن البديع، ص 127].

 وتفضل حضرة شوقي أفندي ولي أمر الدين البهائي مشيرًا إلى كور سيدنا آدم الذي ختم بسيدنا محمد عليه السلام بقوله: "سوف تعترف الأجيال القادمة بأنها تقوم بين ملتقى كورين إلهيين عالميين: كور آدم الذي يترامى موغلا في القِدم إلى فجر التاريخ الديني العالمي المدون، والكور البهائي الذي يتوغل في المستقبل إلى غايات لم يلدها الزمن بعد ولا تقل عن خمسة آلاف قرن" [القرن البديع، ص 79].

ومن المهم أن ندرك أن كلمة "خاتم النبيين" لها معانٍ عدّة، وكان في تاريخ جميع الديانات السماوية مثل هذه الآيات التي إذا أخذت حرفيّا تحجب العباد عن معرفة مشرق وحيه. يتفضّل حضرة بهاءالله بقوله الاحلى: "كم من النفوس بسبب عدم البلوغ إلى معناه، قد احتجبوا بذكر خاتم النبيين، وصاروا محجوبين وممنوعين عن جميع الفيوضات" [كتاب الإيقان، ص 129]. ويتفضل أيضًا فيقول: "إنه كما تصدق الآخرية على ذاك المربي للغيب والشهود في الأول الذي لا أول له، كذلك تصدق أيضًا على مظاهره بنفس هذه الكيفية ففي الحين الذي يصدق فيه عليهم اسم الأولية يصدق فيه عليهم أيضًا اسم الآخرية. وفي الحين الذي يكونون فيه جالسين على سرير البدئية يكونون في نفس الحين مستقرين على عرش الختمية". [كتاب الإيقان، ص 130]. ويتفضل حضرة عبدالبهاء بقوله: "وحضرة كلمة الله مقدس عن الزمان، فالماضي والحال والمستقبل كلها بالنسبة إلى الحق على حدٍ سواء، فليس للشمس أمس ولا اليوم ولا الغد". [من مفاوضات حضرة عبدالبهاء، ص 74].    

إن رسل الله ومظاهره الإلهية ليس لهم أول ولا آخر وكذلك عوالم الله الغيب المنيع خالق السموات والأرض ليس لرسائله أول ولا آخر، كما يشير القرآن الكريم أن "كلمات الله" ليس لها بداية أو نهاية، فيقول: "قل لو كان البحر مدادًا لكلمات ربّي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددًا" [سورة الكهف 18: 109]. وقال أيضًا: "ولو أنّما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمدّه من بعده سبعة أبحرٍ ما نفدت كلمات الله إنّ الله عزيز حكيم" [سورة لقمان 31: 27]. يوضّح لنا القرآن الكريم من هذه الآيات أن "كلمات الله" ورسائله المنزلة لا نهاية لها، وان الوحي الالهي مستمر وليس له من بداية أو نهاية.

ولا يمكن لأحد أن يتصوّر أن الله سبحانه وتعالى، خالق السماوات والأرض، والذي ليس له من بداية أو نهاية، يمكن أن ينهي فيوضات رحمته الأزلية أو يختم مشارق وحيه بدين معين أو آخر. يتفضّل حضرة شوقي أفندي، شرحًا لما أنزل على لسان حضرة بهاءالله في كتاب الإيقان (ص 108) فيقول: "إن الإدّعاء بأن أي دين من الأديان هو دين ختاميّ، والاعتقاد بأن جميع الظهورات قد انتهت، وأبواب الرحمة الإلهية قد انسدت. فلا تطلع بعد ذلك شمس من مشارق القدس المعنوية، ولا تظهر أمواج من بحر القدم الصمداني، ولا يأتي هيكل مشهود من خيام الغيب الرباني، فمثل هذا الاعتقاد ما هو إلا تجديف صرف".  (Shoghi Effendi, The World Order of Bahá’u’lláh, p. 58.)  

إن كور النبوّة قد انتهى بسيدنا محمد خاتم النبيين، وظهر "يوم الله" الموعود بظهور حضرة بهاءالله، ودخلت الانسانية في كور جديد في سلسلة جديدة من المظاهر الإلهية المتعاقبة والتي ليس لها من بداية أو نهاية.


آية القرآن الكريم بخصوص "خاتَم النّبيّين":
سورة الأحزاب 33: 40 – ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيّين وكان الله بكل شىءٍ عليمًا.

بعض الآيات من الآثار البهائية المقدّسة عن معنى "خاتم النبيّين":
والصّلاة والسلام على من ختم باسمه النبوّة والرّسالة الذي به ظهرت أحكام الله وأوامره وحججه وبرهانه وعلى آله وأصحابه الذين نبذوا ما عند الناس وقاموا على خدمة الأمر على شأن نصبت راية التوحيد على أعلى الأعلام.... بهاءالله،لئالئ الحكمة، المجلد الأول، ص 111-112.

والصّلاة والسّلام على النقطة الأوّليّة والألف القائمة المعطوفة والكلمة الجامعة الجبروتيّة والروح الملكوتيّة الإلهيّة الذي به بدء الوجود وختمت مظاهر الغيب في الشّهود محمّدٍ المصطفى الذي جعله الله مطلع أسمائه الحسنى ومظهر صفاته العليا وعلى آله وصحبه من هذا اليوم إلى يوم الذي فيه ينطق لسان القوّة والاقتدار لِمَنِ الملك اليوم لله الواحد القهّار. بهاءالله،لئالئ الحكمة، المجلد الثالث، ص 83-84.

أن يا سمع البقاء اسمع ما يقولون هؤلاء المشركون بأنّ الله خَتَمَ النّبوّة بحبيبه محمّدٍ رسول الله ولن يبعث من بعده أحدٌ وجعل يداه عن الفضل مغلولاً، ولن يظهر بعده هياكل القدس ولن يستشرق أنوار الفضل وانقطع الفيضُ وتمَّ القدرة وانتهى العناية وسُدَّت أبواب الجود بعد الذي كانت نسمات الجود لم يزل عن رضوان العزّ مهبوبًا، قل غلّت أيديكم ولعنتم بما قلتم بل أحاطت يده كلّ من في السّموات والأرض يبعث ما يشاء بقدرته ولا يسأل عمّا شاء وانه كان على كل شيءٍ قديرًا، قل يا ملأ الفرقان تفكّروا في كتاب الذي نزّل على محمّدٍ بالحقّ بحيث ختم فيه النبوّة بحبيبه إلى يوم القيامة وهذه لقيامة التي فيها قام الله بمظهر نفسه وأنتم احتجبتم عنها كما احتجبوا ملل الأرض عن قيامة محمّد من قبل وكنتم في بحور الجهل والإعراض مغروقًا، قل أمَا وعدتم بلقآءِ الله في أيّامه فلمّا جاءَ الوعد وأشرق الجمال عن أفق الجلال أغمضتم عيونكم وحشرتم في أرض الحشر عميًّا، قل أمَا نزل في الفرقان بقوله الحقّ كذلك جعلناكم أمّة وسطًا لتكونوا شهدآء على النّاس ويكون الرسول عليكم شهيدًا، وفسّرتم هذه الآية بأهواءِ أنفسكم وكنتم موقنًا معترفًا بما نزّل بالحق لا يعلم تأويله إلاّ الله والرّاسخون في العلم ومع إيقانكم بذلك أوّلتم كلمات الله وفسّرتم بعد الذي كنتم عن ذلك ممنوعًا، وقمتم بالإعراض والإنكار للرّاسخين في العلم بل تقتلونهم كما قتلتموهم من قبل وكنتم بأعمالكم مسرورًا، فأُفٍّ لكم وبما اكتسبت أيديكم وبما تظنّون في أمر الله في يوم الذي كانت أنوار الهداية عن فجر العلم مشهودًا، إذًا فاسأل عنهم كيف يفسّرون ما نزّل من جبروت العزّة على محمد عربيّا، وما يقولون في معنى الوسط لو ختم النبوّة به فكيف ذكرت في الكتاب أمّته وسط الأمم إذًا فاعرف مقدارهم كأنّهم ما سمعوا نغمات الورقاء ولو سمعوا ما عرفوا وكذلك كانت الحجّة من كتابهم عليهم بليغًا، وهذا من قول الذي تكلّم به كل الأمم في عهد كل نبيّ فكلّما جاءهم رسول من رسل الله قالوا لست أنت بمرسلٍ وخُتِمَ النبوّة بالذي جاء من قبل وكذلك زين الشيطان لهم بأعمالهم وأقوالهم وكانو عن شاطىء الصّدق بعيدًا، ... قال وقوله الحق الخاتم لما سبق والفاتح لما استقبل وكذلك ذكر معنى الختم من لسان قدسٍ منيعًا، كذلك جعل الله حبيبه خاتما لما سبقوه من النّبيين وفاتحًا لما يأتي من المرسلين من بعد إذًا تفكّروا يا ملأ الأرض فيما ألقيناكم بالحق لعلّ تجدون إلى مكمن الأمر في شاطىء القدس سبيلا. بهاءالله،مقتطف من سورة الصبر لحضرة بهاءالله، الأيام التسعة، ص 117-120. 

قد أصبح معلومًا من هذه البيانات بأنه لو تظهر طلعة من الطلعات الالهية، في الآخر الذي لا آخر له، وتقوم على أمر قام به طلعة في الأول الذي لا أول له، فإنه في هذا الحين يصدق على طلعة الآخر حكم طلعة الأول. لأن طلعة الآخر الذي لا آخر له قد قامت بنفس الأمر الذي قام به طلعة الأول الذي لا أول له. ولهذا فإن نقطة البيان روح ما سواه فداه قد شبّه شموس الأحدية بالشمس، ولو أنها تطلع من الأول الذي لا أول له إلى الآخر الذي لا آخر له، فإنما هي هي تلك الشمس. والآن لو يقال بأن هذه الشمس هي هي الشمس الأولية فهو صحيح. ولو يقال عنها بأنها رجوع تلك الشمس فهو صحيح أيضًا. وكذلك يصدق من هذا البيان ذكر صيغة الختمية على طلعة البدء وذكر صيغة البدئية على طلعة الختم، لأن ما يقوم به طلعة الختم هو هو بعينه ما قام به جمال البدء.

وبالرغم من وضوح هذا المطلب لدى الشاربين من صهباء العلم والإيقان، فإنه مع ذلك، كم من النفوس بسبب عدم البلوغ إلى معناه، قد احتجبوا بذكر خاتم النبيّين، وصاروا محجوبين وممنوعين عن جميع الفيوضات. مع أن الحضرة المحمدية قد قالت: "أما النبيون فأنا". وكذلك قالت: "إنني آدم ونوح وموسى وعيسى" كما سبقت الإشارة إلى ذلك. ومع هذا لم يتفكروا كيف أنه بعد أن جاز لذلك الجمال الأزلي أن يقول عن نفسه، إني آدم الأول، كيف لا يجوز له كذلك أن يقول إني آدم الآخر. وكما أطلق على نفسه أنه بدء الأنبياء أي آدم، كذلك بمثل هذه الكيفية يطلق على ذلك الجمال الإلهي أنه ختم الأنبياء أيضًا. وهذا الأمر واضح جدًا لأنه بعد أن صح على حضرته أنه بدء النبيين، كذلك يصح عليه بنفس هذه الكيفية أنه ختم النبيين. بهاءالله،كتاب الإيقان، ص 128-129.

كما سمعت كيف أنّهم يقولون إنّ جميع الظّهورات قد انتهت، وأبواب الرّحمة الإلهيّة قد انسدّت. فلا تطلع بعد ذلك شمس من مشارق القدس المعنويّة، ولا تظهر أمواج من بحر القدم الصّمداني، ولا يأتي هيكل مشهود من خيام الغيب الربّانيّ. هذا هو مبلغ إدراك هؤلاء الهمج الرّعاع الّذين اعتقدوا بجواز انقطاع الفيض الكلّيّ والرّحمة المنبسطة الأمر الّذي لا يجوز لأيّ عقل أو إدراك أنّ يسلّم بانقطاعه. بهاءالله،كتاب الإيقان، ص 108.

ورد في كتاب بحار الأنوار، وفي العوالم، وفي الينبوع عن الصادق بن محمد أنه قال (العلم سبعة وعشرون حرفًا، فجميع ما جاءت به الرسل حرفان ولم يعرف الناس حتى اليوم غير الحرفين فإذا قام قائمنا أخرج الخمسة والعشرين حرفًا). فانظر الآن كيف أنه جعل العلم سبعة وعشرين حرفًا. وأن جميع الأنبياء من آدم إلى الخاتم قد بينوا حرفين منه، وبعثوا بهذين الحرفين. ويقول بأن القائم يظهر جميع هذه الخمسة والعشرين حرفًا. بهاءالله،كتاب الإيقان، ص 195.

ثم اعلم بأن هذه الجنّة في يوم الله أعظم من كل الجنان وألطف من حقائق الرّضوان لأن الله تبارك وتعالى بعد الّذي ختم مقام النبوّة في شأن حبيبه وصفيّه وخيرته من خلقه، كما نزّل من ملكوت العزّة ‘ولكنّه رسول الله وخاتم النبييّن’، [سورة 33: 40] وعد العباد بلقائه يومَ القيامة لعظمة ظهور البَعْد، كما ظهر بالحقّ. ولم يكن جنّةٌ أعظم من ذلك ولا رتبةٌ أكبر من هذا إن أنتم في آيات القرآن تتفكّرون. فهنيئاً لمن أيقن بلقائه يوم ظهور جماله. بهاءالله،لوح جواهر الأسرار، ص 36.

وخلاصة القول إنه كما تصدق الآخرية على ذاك المربي للغيب والشهود في الأول الذي لا أول له، كذلك تصدق أيضًا على مظاهره بنفس هذه الكيفية ففي الحين الذي يصدق فيه عليهم اسم الأولية يصدق فيه عليهم أيضًا اسم الاخرية. وفي الحين الذي يكونون فيه جالسين على سرير البدئية يكونون في نفس الحين مستقرين على عرش الختمية. ولو يكون لأحد بصر حديد، فإنه يشاهد بأن مظهر الاولية والاخرية والظاهرية والباطنية والبدئية والختمية، هم هؤلاء الذوات المقدسة والأرواح المجردة والأنفس الإلهية. بهاءالله،كتاب الإيقان، ص 130.
وكذلك فان من الصبحات المجللة أيضًا ذكر خاتم النبيين وأمثال تلك الاطلاقات، التي يعد كشفها من أعظم الامور لدى هؤلاء الهمج الرعاع، الذين ظل جميعهم محتجبين بهذه الحجبات المحدودة والسبحات المجللة العظيمة، أما سمعوا نغمة طير الهوية القائل: إني تزوجت بالف فاطمة، كل واحدة منهن كانت بنت محمد بن عبد الله خاتم النبيين. فانظروا الان كم من الاسرار مستورة في سرادق العلم الالهي، وكم من جواهر علمه مكنونة في خزائن العصمة، حتى توقن بأن صنعه لم يكن له بداية ولن يكون له نهاية. وبأن فضاء قضائه أعظم من أن يحدد بالبيان، أو تطويه طيور الافئدة. وأن تقديراته القدرية أكبر من أن تنتهي بادراك نفس خلقه موجود من الاول الذي لا أول له إلى الآخر الذي لا آخر له. ومظاهر جماله لم يعرف لها من بداية، وستستمر إلى نهاية ما لا نهاية له. ففكر الآن في هذا البيان وتأمل كيف يصدق حكمه على جميع هاته الطلعات.

وكذلك فادرك نغمة الجمال الازلي حسين بن على حيث يقول لسلمان ما مضمونه: اني كنت مع الف آدم، والمدة الفاصلة بين كل آدم وآدم خمسون ألف سنة. وقد عرضت على كل منهم ولاية أبي. ثم يذكر من التفاصيل حتى يقول: اني خضت الف موقعة في سبيل الله بحيث أن أصغر موقعة واقلها كانت مثل غزوة خيبر التي حارب فيها أبي وجاهد ضد الكفار فَكِدَّ نفسك الآن واجهدها حتى تفهم من هاتين الروايتين اسرار كل من الختم والرجع والصنع الذي لا أولية له ولا آخرية. بهاءالله،كتاب الإيقان، ص 133-134.

واذا ما سمع من المظاهر الجامعة: أني أنا الله. فهو حق ولا ريب فيه. اذ قد ثبت مرارًا أن بظهورهم، وبصفاتهم، وباسمائهم يظهر في الأرض، ظهور الله، واسم الله وصفة الله، ولهذا يقول "وما رميت اذ رميت ولكنّ الله رمى" [سورة الانفال] وكذلك يقول "إنّ الذين يبايعونك إنّما يبايعون الله" [سورة الفتح] واذا ما تغنوا بنغمة: إني رسول الله، فانه أيضًا صحيح ولا شك فيه كما يقول "ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله" [سورة الاحزاب]. وفي هذا المقام هم جميعًا مرسلون من لدن ذاك السلطان الحقيقي والكينونة الازلية.

واذا ما نادى كل واحد منهم بندآء: أنا خاتم النبيين، فهو أيضًا حق ولا سبيل إلى الريب فيه ولا طريق إلى الشبهة. لان الجميع حكمهم حكم ذات واحدة ونفس واحدة، وروح واحدة، وجسد واحد، وأمر واحد. وكلهم مظهر البدئية والختمية، والأولية والآخرية والظاهرية والباطنية لروح الارواح الحقيقي وساذج السواذج الأزلي.

ولو يقولون: نحن عبد الله، فان هذا أيضًا ثابت وظاهر، حيث قد ظهروا في الظاهر بمنتهى رتبة العبودية. تلك العبودية التي لا يستطيع أحد في الإمكان أن يظهر بنحوٍ منها. بهاءالله،كتاب الإيقان، ص 142-143.

لهذا قالوا بعد هذه الانكارات والاعتراضات المذكورة، إنه بحسب ما في الكتب، لا يجوز أن يبعث نبيّ مستقل من بعد موسى وعيسى يكون ناسخًا للشريعة. بل يجب أن يأتي شخص يكمل الشريعة السابقة. فنزلت هذه الاية المباركة المشعرة بجميع المطالب الإلهية والدَّالة على عدم انقطاع الفيوضات الرحمانية. قوله تعالى "ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم في شكٍ مما جاءكم به حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولاً. كذلك يضلّ الله من هو مسرف مرتاب" [سورة المؤمن]، أي مرتاب في ربه. فأدركوا من هذه الاية، وتيقنوا أنه في كل عصر، كان يتمسك امم ذلك العهد بآية من الكتاب، وينطقون بمثل هذه الأقوال المزخرفة، من انه لا يجوز ان يأتي نبيٌّ آخر في عالم الابداع، مثل ما استدل علماء الانجيل بالآية المذكورة فيه بأنه لا يرفع حكم الإنجيل ابدًا. ولا يبعث نبي مستقل إلاَّ لاثبات شريعة الانجيل.

وأكثر الملل مبتلون بهذا المرض الروحي. كما ترى، كيف أن أهل الفرقان قد احتجبوا بذكر خاتم النبيين، على مثال الأمم السابقة. مع أنهم مقرّون بقوله "وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم" [سورة آل عمران]. ولما يبين الراسخ في العلوم وأمها ونفسها وذاتها وجوهرها بيانًا فيه مخالفة قليلة لأهوائهم، فانك تسمع ماذا يقولون وماذا يفعلون. بهاءالله،كتاب الإيقان، ص 169-171.

قداحتجبت بانّ الوحى قد انقطع بمحمّدرسول الله ‏وانّفي الكتاب الاوّل كنّا شاهدين بلى انّ الذي قداوحى الى محمّد رسول الله قد اوحى إلى عليٍّ قبلمحمّد هلمنالهٍغير الله يقدر انيوحى إلى احدٍ بايات بيّنات يعجز عنها العالمون بما صدقت الوحي بمحمّد رسول الله لا سبيل لك الاّ بان تصدّقنّ للنّقطة الاولى كلّ من عند الله المهيمن القيّوم. الباب،منتخبات آيات از آثار حضرة نقطهء اولى، ص 12.

ولمّا اتى الله بمحمّد نبيّه قد قضى في علمه بان يختم النّبوّة يومئذٍ بلى انّه جاء بالحقّ واقضى الله امره كيف شاء وانّا كنّا يومئذ في ايّام الله ظاهرون تلك ايّام ما اشرقت الشّمس عليها بمثلها من قبل وتلك ايّام تنتظرها الامم من قبل يومئذٍ فكيف انتم راقدون فتلك ايّام اظهر الله شمس الحقيقة فيها فكيف انتم صامتون فتلك ايّام انتظرتموها من قبل وتلك ايّام العدل ان اشكروا الله يا ايّها المؤمنون. الباب،منتخبات آيات از آثار حضرة نقطهء اولى، ص 74.

بما اتبعت دين الحقّ من قبل لتتبعنّ دين الحقّ من بعد فان كلّ من عند الله المهيمن القيّوم انّ الّذي نزّل الفرقان على محمّد رسول الله واثبت به ما شاء في الاسلام لينزلنّ البيان على ما انتم به توعدون من قائمكم وهاديكم ومهديكم وصاحبكم وما انتم من اسماء الحسنى تذكرون وانّ ما نزّل الله على محمّد في ثلاث وعشرين سنة لينزلنّ الله عليّ في يومين وليلتين اذا لم يفصل بينهما امرًا من عنده انّه كان على كلّ شيء قديرا ولعمر من يظهره الله انّ ظهوري اعجب من ظهور محمّد رسول الله ان كنت في ايّام الله من المتفكرين انظر من ربّي في الاعجميين كيف ينطقه الله بالآيات البيّنات يعجز عنها كلّ العالمون وليظهرن من عنده باقرب ما يمكن ان يظهر في الكتاب انّه لا اله الاّ هو المهيمن القيّوم. الباب،منتخبات آيات از آثار حضرة نقطهء اولى، ص 64.

هذا الظهور الذي هو وعد ومجد متوّج للعصور الماضية والقرون الخالية، وكمال لكل رسالات كور آدم الإلهي النبوي ومؤسس دورة لا تقلّ عن ألف سنة وفاتح لكور يمتد إلى ما لا يقل عن خمسة آلاف قرن، ومشير إلى انتهاء عهد النبوات والوعود وابتداء عهد تحقيق النبوات والوفاء بالوعود، العهد الذي لا يفوقه عهد آخر في طول ولاية مؤسسه ولا في خصوبة رسالته وبهائها. شوقي أفندي،القرن البديع، ص 129.

وهذه شهادة حضرة بهاءالله المؤيدة والدالة على طبيعة ظهوره العظيم عظمة لا تحيط بها الأفهام، الفائقة تفوّقًا لا تدركه العقول قال: "ظهر من طاف حوله نقطة البيان [حضرة الباب]" وأكد ذلك مرة أخرى فقال: "لو أصبح اليوم كل من السموات والأرض في عداد الحروف البيانية الذين هم أعظم وأكبر من الحروف الفرقانية عشرة آلاف مرتبة وتوقفوا عن قبول الأمر أقل من آن لعدوا عند الله من المعرضين، وأدخلوا في عداد حروف النفي". وأشار إلى نفسه في كتاب الإيقان: "إن سلطان الهوية ذلك قادر على أن يقبض روح كل البيان وخلقه بحرف من بدائع كلماته، وأن يهب لهم جميعًا بحرف واحد حياة بديعة خالدة، وأن يبعثهم من قبور النفس والهوى ويحشرهم". وفضلاً عن ذلك وصف يومه بأنه "سلطان الأيام" و"يوم الله" الذي هو "بمثابة النور لظلمة الأيام" و"النهار الذي لا يعقبه ليل" "الربيع الذي لن يعقبه خريف" وهو "بمثابة البصر للقرون والأعصار". وهو اليوم الذي به "بشر كل نبي وناح كل رسول حبّا" لظهوره و"الذي تمنته كل القبائل والأمم" يوم "امتحن الله كل النبيين والمرسلين ثم الذين هم كانوا خلف سرادق العصمة وفسطاط العظمة وخباء العزة". وبالإضافة إلى ذلك قال: "قد انتهت الظهورات إلى هذا الظهور الأعظم، به بلغت غايتها ومنتهاها" وقال مرة أخرى: "لم يقف أحد من المظاهر السابقين على كيفية هذا الظهور بتمامه إلا على قدر مقدور". وأشار إلى مقامه بقوله: "لولاه لما أرسل رسول وما نزل كتاب".شوقي أفندي،القرن البديع، ص 127.

ختم النبوّة:
أما ختم النّبوة فوجه الخلاف فيه يتعدى مجرّد التّفسير ومنهجه: فالبهائيون يؤمنون بأن محمدًا رسول الله هو خاتم النبيين ، وما في ذلك شك ولا جدال، وذلك هو صريح عبارة الآية ٤٠ من سورة الأحزاب : "ما كان محمدًا أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين". وتؤكد الأحاديث بصورة قاطعة أنّه لا نبي بعده. وليس في ذلك نزاع. ولم ينسب بهاء الله الى نفسه مقام النبوة في أي موضع من كتاباته، بل أكد مرارًا أن النبوة خُتِمت بظهور "من تنورت به يثرب والبطحاء وما في ناسوت الانشاء". وأمّا ابنه عباس فقد تلقّب بعبد البهاء تبديدًا لكل شكّ، واعلانًا بأن حقيقته، ونسبته، وظاهره، وباطنه هو مقام العبودية الصّرفة، ولا دعوى له ولا ادّعاء له بأكثر من ذلك. وهكذا ينظر اليه البهائيون. فلا خلاف اذًا بين المسلمين والبهائيين حول ختم النبوة، وإنما الخلاف هو في ما يترتب على ذلك من آثارٍ. فبينما ذهبت الكثرة الغالبة من علماء المسلمين الى أن ختم النبوة يستتبع انتهاء التنزيل وانقطاع الوحي، وتوقّف الرسالات، وانعدام المزيد من الأديان، لم يُرتّب البهائيون عليه ذلك. فهم يرون ان تنزيل كلمات الله لهداية خلقه هو سُنّةٌ سَنَّها الله … "ولن تجد لسنة الله تبديلاً ولن تجد لسنّة الله تحويلا" – ( فاطر ٤٣)- وقوله تعالى في القرآن الكريم "يا بني آدم إمّا يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي فمن اتّقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يَحْزَنون" – (الأعراف ٣٥ ) – جاء مطلقًا يترك الباب مفتوحًا لمجيء المزيد من الرسل مستقبلاً ومن ثم لِتَتَابُع الأديان.
ويوفّق البهائيون بين ختم النبوة واستمرار تنزيل الأديان بعدّة نظريات يكفينا منها هنا واحدة، ألا وهي نظريّة الدّورات الدينية. فكما أنّ للحياة الطبيعية دورات فكذلك للحياة الروحية أيضًا دورات، تتمثل في تعاقب الأديان وما يتبعها من حضارات. فلا يُعقل أن يكون الجانب الرّوحي للحياة، وهو الأصل والجوهر، أقل دقّة وتنظيمًا من جانبها العارض المادّي. ولكل دورة من هذه الدورات أهدافها ومعالمها المميّزة لها. فهي بمثابة الدّورات التعليمية التي يتدرج فيها الطّالب لتحصيل المعرفة من ابتدائية، وثانوية، وجامعية الخ. ... والدّورة التي بدأها آدم وكان هدفها تعليم التوحيد، ومن معالمها أحاديث الأمثال والنبوءات، قد ختمها محمد بن عبد الله. فَخَتْمُ النبوة، وفقًا لهذا النّظر، إنما يعني انقضاء مرحلة من مراحل التطور الروحي للبشرية. ومجيء  بهاء الله هو إيذان بدخولها في مرحلةِ جديدة تختلف عن سابقتها في معالمها، واسلوبها، وأهدافها وإن كانت تربطها بها أوثق الرّوابط. ولهذا، اذا كانت البهائية لا تناقش بتفصيلٍ واسهاب إثبات وحدانية الله فمرجع ذلك أنه تأخذها كقضية مسلّمٍ بها، سبق إثباتها وتعليمها في الدورة السابقة، ولكن البهائية لا تبرح قيد شعرة عن مبدء التّوحيد، فإنّه الأسّ المكين، وأساس مقومات الدّين. وإلاّ كان ذلك نكوصًا على الأعقاب مخالفًا لقانون التقدم والترقي.              محسن عناية، النهر الممدود، الذّكرى المئويّة لزيارة عبد البهاء لمصر.  Website: farstretchingriver.com/

من كتاب (وعد الله حق-د. نبيل حنا).

No comments:

Powered By Blogger