Sunday, January 4, 2015

حقيقة الشيطان


حقيقة الشيطان


ورد في لسان العرب صفحة 237 في معنى الشيطان: {إن أصل الكلمة من شطن: الشَّطنُ: الحبل، وقيل: الحبل الطويل الشديدُ الفتل يستقى به وتشد به الخيل، والجمع أشطان. ووصف أعرابي فرساً لا يحفى فقال: كأنه شيطان في أشطان. وشطنته أشطنه إذا شددته بالشطن. وفي حديث البراء: وعنده فرس مربوطة بشطنين؛ الشطن: الحبل، وقيل: وهو الطويل منه، وإنما شده بشطنين لقوته وشدته. ويقال للفرس العزيز النفس: إنه لينزو بين شطنين؛ يضرب مثلاً للإنسان الأشر القويّ، وذلك أن الفرس إذا استعصى على صاحبه شده بحبلين من جانبين، يقال: فرس مشطون. وبئر شطون: ملتوية عوجاء. وحرب شطون: عسرة شديدة. وبئر شطون: بعيدة القعر في جرابها عوج. ورمح شطون: طويل أعوج. وشطن عنه: بعد. وأشطنه: أبعده. وفي الحديث: كل هوى شاطن في النار؛ الشاطنُ: البعيد عن الحق، وفي الكلام مضاف محذوف تقديره كل ذي هوى، وقد روي كذلك. وشطنت الدار تشطنُ شطوناً: بعدت. ونية شطون: البعيد. ونوى شطون: بعيدة شاقة. والشطن: مصدر شطنه يشطنه شطناً خالفه عن وجهه ونيته. والشيطان: حيّةٌ له عرف. والشاطن: الخبيث. والشيطان: فيعال من شطن إذا بعد فيمن جعل النون أصلا، وقولهم الشياطين دليل على ذلك. والشيطان: معروف، وكل عات متمرد من الجن والإنس والدواب شيطان. وتشيطن الرجل وشيطن إذا صار كالشيطان وفعل فعله. وقيل: الشيطان فَعلان من شاط يشيط إذا هلك واحترق. وتشيطن الرجل: فَعل فِعل الشيطان. قال الزجاج: وجهه أن الشيء اذا استقبح شُبّه بالشياطين فيقال كأنه وجه شيطان وكأنه رأس شيطان، والشيطان لا يُرى، ولكنه يستشعر أنه أقبح ما يكون من الأشياء، ولو رُؤي لرَؤي في أقبح صورة؛ ومثله قول امرئ القيس: أيقتلني، والمشرفي مضاجعي؛ ومسنونة زرق كأنياب أغوال؟ ولم تُر الغول ولا أنيابها، ولكنهم بالغوا في تمثيل ما يستقبح من المذكر بالشيطان وفيما يستقبح من المؤنث بالتشبيه له بالغول، وقيل: كأنه رؤوس الشياطين كأنه رؤوس حيّات، فإن العرب تسمي بعض الحيّات شيطاناً، وقيل: هو حيّة له عرفٌ قبيح المنظر؛ وأنشد لرجل يذم امرأة له: عنجرد تحلف حين أحلف؛ كمثل شيطان الحماط أعرفُ. قال: وقد تسمى الحيّة الدقيقة الخفيفة شيطاناً وجانّاً على التشبيه. وفي الحديث: إن الشمس تطلع بين قرني شيطان؛ قال الحربي: هذا مثلٌ، يقول حينئذ يتحرك الشيطان ويتسلط فيكون كالمعين لها، قال: وكذلك قوله ان الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم إنما هو مثل أي يتسلط عليه فيوسوس له، لا أنه يدخل في جوفه، والشيطان نونه أصلية؛ قال أمية يصف سليمان بن داود عليهما السلام: أيما شاطنٍ عصاه عكاه؛ ثم يُلقى في السجن والأغلال. قال ابن بري: ومثله قول الآخر: أكلَّ يومٍ لك شاطنان؛ على إزاء البئر ملهزان؟ ويقال أيضا: إنها زائدة، فإن جعلته فيعالا من قولهم تشيطن الرجل صرفته، وإن جعلته من شيطَ لم تصرفه لأنه فعلان؛ وفي النهاية: إن جعلت نون الشيطان أصلية كان من الشطنِ البعد أي بعد عن الخير أو من الحبل الطويل كأنه طال في الشر، وإن جعلتها زائدة كان من شاط يشيط إذا هلك، أو من استشاط غضباً إذا احتد في غضبه والتهب. وفي الحديث: الراكب شيطان والراكبان شيطانان والثلاثة ركبٌ؛ يعني أن الانفراد والذهاب في الارض على سبيل الوحدة من فعل الشيطان أو شيء يحمله عليه الشيطان، وكذلك الراكبان، وهو حثٌّ على اجتماع الرفقة في السفر.} ا.ه.
كان لابد من معرفة أصل كلمة الشيطان للدخول في هذا البحث، حيث أن كثير من الناس يعتقدون بوجود هذا المخلوق الخارق المرعب، ويؤمنون بتأثيره الفعال الكبير في إغواء البشرية على ارتكاب أعمال الرذيلة والشر، وراح علماء الدين والفقهاء ينسبون كل أسباب الشرور في الأرض إليه، واتخذوا منه شمّاعة لتعليق كل أسباب الجرائم والأعمال السيئة عليه، وما يزيد هذا الاعتقاد ترسيخاً، ورود ذكر هذا المخلوق في الكتب السماوية
فبالبديهة والمقارنة يمكننا القول انه لا وجود لموجدها (الشيطان)، أو على الأقل لا وجود لتأثيره على البشر، فهناك الكثير من الناس من لا يعتقدون بوجود الشيطان ومع ذلك يعيشون حياة طبيعية لا تشوبها شائبة. فطالما ان مفهوم الشر هو عدم بحت وخيال واه ووهم صرف، اذن فوجود الشيطان موجد الشر هو عدم صرف أيضا.
لنناقش هذا الموضوع نقاشاً علمياً ودينياً عسى ولعل أن نخرج بشيء جديد يساهم في تنوير العقول والقلوب حتى نرجع النتائج الى أسبابها الحقيقية. فكما يحتمل ان للآيات والقصص الإلهية معانٍ خفية عديدة، فكذلك يحتمل ان يكون لهذا الموضوع مفهوم جديد!
قبل كل شيء، لا يمكن ان يعقل ان الله سبحانه وتعالى، وهو الحق والخير كله، وخلقه كله خير في خير، قد خلق مخلوقاً شريراً بحتاً بهذا الشكل الخطير؟! وكيف يمكن الاعتقاد انه خلق مخلوقاً يوسوس في صدور أعز مخلوقاته (الإنسان) ويدفعهم لارتكاب الشرور، ثم يعود ليحاسبهم ويقتص منهم ويعذبهم أشد العذاب؟! إننا بهذا الاعتقاد الخاطئ، نعطي هذا المخلوق الشرير قوى خارقة رهيبة تستطيع تخريب معظم النفوس المؤمنة الطاهرة والقلوب النقية، وندعم رأي القائلين الواهم: أن الشيطان هو المنتصر على إرادة الله، بدليل كثرة انتشار الشرور في الأرض؟
نعوذ بالله من هذا الظن الخاطئ، ومن هذا التفكير الساذج! كيف يجوز لمخلوق مصنوع من مخلوقات الله سبحانه وتعالى، مثل الشيطان، ان يفعل كل هذا التدمير والتخريب بمخلوقاته الأخرى؟! والله الرحمن الرحيم الجبار المنتقم اللطيف الحكيم، يقف متفرجاً على نتائج أعماله ولا يمد يد العون والمساعدة لخلقه وعباده ويتركهم لتدبير أمورهم بأنفسهم وهم على الدرجة الضعيفة من العقل والإرادة؟ ان هذا المنطق هو غاية في عدم المعقولية ويخالف جميع أشكال المنطق السليم. فهل من العدل والإنصاف الإلهي أن يخلق الله سبحانه وتعالى خصمين متباينين تماماً في القوى والقدرات الذاتية ويتركهما ليتواجها على الدوام، أحدهما ضعيف جداً والآخر جبار مرعب؟ إن مثل هذا المنطق بعيد جداً عن مقام الحضرة الإلهية الرحمانية المقدسة.
إذن علينا أن لا نسـتغرب أن يكون أسم الشيطان الذي ورد في القرآن الكريم وغيره من الكتب السماوية، واحداً من هذه الأسماء التي ظهرت في قديم الزمان واتصفت بصفات القوة والجبروت والظلم والخبث وغيرها من الصفات الشريرة المنبوذة، ثم تداولها الناس عبر الزمن، فتحول اسم هذا الكائن الى رمز مطلق للشر والشرور، كما هو الحال مع أسماء شخصيات مماثلة مثل: النمرود وفرعون وأبو جهل وهولاكو جنكيزخان.. وغيرهم ممن يزخر التاريخ المعاصر بذكر جرائمهم.
إذن لو افترضنا أن كلمة (الشيطان) هو اسم من الأسماء القديمة لرجل شرير عادي بجسد وروح مثل بقية البشر، ظهر في زمن سيدنا آدم(ع)، وناصبه ودعوته العداء ووقف في وجهه وراح يؤلب الناس عليه ويصدهم عن الايمان بدعوته، شجعه في ذلك تردي حالة المجتمعات البدائية القديمة المجبولة على العنف واستعمال القوة والعناد والتعصب والجهل آنذاك، فاستفحل أمر هذا الرجل الشرير وترك أثره في التاريخ كأول رمز للكفر قام بمواجهة أول رسول، فراح يضرب به مثلاً.
ومع مرور الوقت وانقضاء العهود بقيت ذكرى هذا الاسم وأصبحت كلمة (الشيطان) مرادفة لمعنى الكفر والاعتراض والشر والرذيلة لدى أهل ذلك الزمان وأحفادهم. وبما ان الكتابة لم تكن قد اخترعت بعد، لم يسجل التاريخ للأجيال التالية الكثير عن تلك الشخصية الشريرة لتتعرف على حقيقته، ولا عن ديانة وتعاليم وكتب أولئك الرسل القدماء الذين ظهروا قبل اختراع الكتابة، الا ما ذكره الرسل اللاحقون في كتبهم السماوية وأحاديثهم، كما أكد على ذلك قوله تعالى (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ)(1)؛ فبقي اسم ذلك الكافر (الشيطان) رمزاً لأول من كفر بكتاب الله وكلمة رسوله. وعندما ظهر سيدنا محمد(ص) وجد ان هذا الرمز القبيح ما زال يستعمل بين العرب مثل غيره من المسميات القديمة، فأعاد استعمال هذا المصطلح ونسب إليه جميع الشرور.
وهناك احتمال آخر لمعنى شخصية الشيطان، فلو قلنا ان الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان من "جسد مادي" و "روح غير مرئية"، وهذه الروح لها خاصية عجيبة، يطلق عليها بعض الناس لتعريفها اسم "الضمير" أو "الوجدان" أو كما كان يسميها القدماء "الصوت الإلهي في الإنسان". فلو اتصلت هذه الروح الإنسانية بالله ورسله وكلماته وآياته وعملت الأعمال الخيرة الصالحة يساعدها في ذلك نقاء المجتمع ودرجة تقدمه، ارتفعت وسمت بصاحبها الى مصاف الملائكة الأخيار، ولو بعدت عن الله وأوامره ورسله وأنبيائه وعملت ما يشتهيه الجسد المادي من رغبات حيوانية وأعمال شريرة، نسبت الشيطان.
من خلال هذا، يمكن فهم معنى من معاني شخصية الشيطان. فلو قلنا أن الروح والنفس الإنسانية هما وجهان لعملة واحدة، وعندما تنجذب الى الله والدين والأخلاق والروحانيات والأعمال الطيبة، تصبح روحاً رحمانية، فتوصف مثل ملاك؛ أما إذا ابتعدت عن الله واتجهت لمخالفة أوامره وسننه وكتبه، في هذه الحالة تنجذب الى الأعمال السيئة الرديئة الشريرة، فتوصف مثل شيطان. أي ان الإنسان باستطاعته ان يكون ملاكاً بأعماله، أو شيطاناً بأفعاله، والخيار متروك له.
وبعبارة أكثر صراحة، يمكن القول ان حقيقة الشيطان هي نفس الإنسان المبتعد عن الله الذي يفعل ما يشاء ويحلو له من أفعال شريرة سيئة.
من هذا يمكن معرفة جواب السؤال العويص المحير، كيف يكون الشيطان موجوداً في كل مكان ومع كل إنسان في وقت واحد؟ وكيف يتمكن من إغواء آلاف الناس في لحظة واحدة؟ فهو لا ينقسم ولا يتعدد ولا يتكاثر، ليتوزع ويستوعب كل هذه الأعداد من البشر، انه مع المسلمين ومع النصارى واليهود ومع غيرهم يغوي من يشاء، وفي جميع القارات وفي كل جزيرة وعلى كل جبل وفي كل واد.
اذن، ألا يمكن ان يكون هذا الشيطان هو (النفس الأمارة بالسوء) الموجودة داخل كل إنسان، وهي التي تغويه وتقوده الى أفعال السوء والرذيلة، فنطلق عليها مجازاً اسم (الشيطان)؟ لأن النفس الأمارة تحمل بالضبط كل الصفات المنسوبة الى الشيطان، فهي لا تحتاج الى الانتقال والتنقل مع أفراد البشر ومصاحبتهم أينما حلّوا ورحلوا، لأنها حالة خاصة موجودة داخل كل واحد منهم، وبهذا يمكن تعليل استطاعة (الشيطان) أي شيطان النفس الإنسانية الأمارة بالسوء، إغواء كل فرد من الناس في وقت واحد.
هذا هو الشيطان الذي يلاحق البشر ويكون مع كل واحد منهم في كل زمان ومكان، يصحو وينام معهم، يعيش ويخرج ويدخل معهم، يفكّر ويخطط معهم، ويبعد بهم عمن يشاء ويقربهم الى من يشاء، انه النفس الإنسانية الأمارة بالسوء، انه (شيطان النفس).
وبالرغم من كل ما ينسب الى الشيطان من قدرات خارقة وقوى عجيبة، وبالرغم من اعتقاد غالبية المجتمعات به على مختلف المستويات، نستطيع القول ان الشيطان هو حالة تمثل ضعف روح الإنسان وتقهقر إيمانه بالله وقدرته القاهرة، وهو نوع من الميول والتوجه نحو أفعال الشر والرذيلة يمكن التغلب عليها من خلال التمسك بالله وبتعاليمه وأوامره وبالتربية السليمة والأخلاق الحميدة. أي يمكن وبشيء من الإصرار والثقة بالنفس وفهم الدين بشكل صحيح، إضعاف هذه الحالة الوهمية وتحجيمها وتصغيرها الى أبعد الحدود، فلا يصبح لها تأثير واضح على الإنسان، كما هو الحال عند أتقياء المؤمنين. أما إذا بعد الإنسان عن الله وتعاليمه وأحكامه وقلَّ مستوى الايمان لديه وزادت نسبة جهله واعتقاده بالقصص الخرافية وحكايات الأوهام، كبر وتضخم حجم هذه الحالة (الشيطان) وأصبح لها دور كبير عليه.
يقول الدكتور علي الوردي:- [ان الأعمال العظيمة التي تنسب الى عبد الله بن سبأ لا يمكن ان يقوم بها الا عبقري أو ساحر أو منّوم مغناطيسي من طراز فذ. فهو لا بد ان يكون ذا عيون مغناطيسية تكسر الصخور أو ذا قوة نفسية خارقة تجعل الناس أمامه كالغنم يتأثرون بأقواله من حيث لا يشعرون. ومن المدهش ان نجد المذاهب الإسلامية على اختلاف أنواعها تؤمن بحكاية ابن سبأ وتبني عليها كثيرا من آرائها. ولست أجد في التاريخ حكاية وهمية تروج وتبقى على توالي الدهور مثل هذه الحكاية السخيفة. ولعل هذه الحكاية قد لاءمت أغراض جميع المذاهب فتمسكوا بها وأخذوا يستندون عليها في كل وجه](2).
[ان عبد الله بن سبأ موجود في كل زمان ومكان. فكل حركة جديدة يكمن وراءها ابن سبأ. فإن هي نجحت اختفى اسم ابن سبأ من تاريخها وأصبحت حركة فضلى. أما إذا فشلت فالبلاء نازل على رأس ابن سبأ.. وانهالت الصفعات عليه من كل جانب. ان ابن سبأ لا يهدأ على كل حال. فهو دائب ينتهز الفرص في كل سبيل. وما دام الظلم موجوداً فان كل إنسان يُحتمل ان يكون سبئياً - والعياذ بالله
في ختام هذا الموضوع، يمكن استخلاص نتيجة جديدة، قد يكون فيها بعض الصحة والدلالة، وهي ان الشيطان كان إنسانا عاش في قديم الزمان، وكان ذا وجود حقيقي، وكان رمزا للشر والأعمال الشريرة، ثم مات وانتهى جسدياً، بينما بقي اسمه رمزاً لأعمال الشر.
كما يمكن أن يكون معنى الشيطان الذي يوسوس في صدور الناس أيضا، هو شيطان النفس الإنسانية الأمارة بالسوء الموجودة لدى كل البشر، وان كل ما ينسب إليه من أعمال شريرة وجرائم وآثام وسرقات وقتل وتصرفات بغيضة، مردها الى نقص الايمان والتربية أولا، والتعليم ثانيا، وسوء الحالة الاقتصادية والحاجة الشديدة التي تدفع بالناس الى الاستهانة بالعقوبات القانونية الجزائية ثالثا. فلو انتبه رجال الدولة والسياسة وعلماء الاختصاص الى أهمية دور التربية والتعليم وأهمية تحسين الحالة الاقتصادية للمجتمع، فسوف يتحسن الحال الى درجات لا نحلم بها في الوقت الحاضر، ويتقلص كثيرا دور مارد (الشيطان) داخل جميع المجتمعات ومن المحتمل ان ينتهي تماما.
اصل كلمة معنى الشيطان ....
ورد في لسان العرب صفحة 237 في معنى الشيطان: {إن أصل الكلمة من شطن: الشَّطنُ: الحبل، وقيل: الحبل الطويل الشديدُ الفتل يستقى به وتشد به الخيل، والجمع أشطان. ووصف أعرابي فرساً لا يحفى فقال: كأنه شيطان في أشطان. وشطنته أشطنه إذا شددته بالشطن. وفي حديث البراء: وعنده فرس مربوطة بشطنين؛ الشطن: الحبل، وقيل: وهو الطويل منه، وإنما شده بشطنين لقوته وشدته. ويقال للفرس العزيز النفس:
إنه لينزو بين شطنين؛ يضرب مثلاً للإنسان الأشر القويّ، وذلك أن الفرس إذا استعصى على صاحبه شده بحبلين من جانبين، يقال: فرس مشطون. وبئر شطون: ملتوية عوجاء. وحرب شطون: عسرة شديدة. وبئر شطون: بعيدة القعر في جرابها عوج. ورمح شطون: طويل أعوج. وشطن عنه: بعد. وأشطنه: أبعده. وفي الحديث: كل هوى شاطن في النار؛ الشاطنُ: البعيد عن الحق، وفي الكلام مضاف محذوف تقديره كل ذي هوى، وقد روي كذلك. وشطنت الدار تشطنُ شطوناً: بعدت. ونية شطون: البعيد. ونوى شطون: بعيدة شاقة. والشطن: مصدر شطنه يشطنه شطناً خالفه عن وجهه ونيته. والشيطان: حيّةٌ له عرف. والشاطن: الخبيث. والشيطان: فيعال من شطن إذا بعد فيمن جعل النون أصلا، وقولهم الشياطين دليل على ذلك. والشيطان: معروف، وكل عات متمرد من الجن والإنس والدواب شيطان. وتشيطن الرجل وشيطن إذا صار كالشيطان وفعل فعله. وقيل: الشيطان فَعلان من شاط يشيط إذا هلك واحترق. وتشيطن الرجل: فَعل فِعل الشيطان. قال الزجاج: وجهه أن الشيء اذا استقبح شُبّه بالشياطين فيقال كأنه وجه شيطان وكأنه رأس شيطان، والشيطان لا يُرى، ولكنه يستشعر أنه أقبح ما يكون من الأشياء، ولو رُؤي لرَؤي في أقبح صورة؛ ومثله قول امرئ القيس: أيقتلني، والمشرفي مضاجعي؛ ومسنونة زرق كأنياب أغوال؟ ولم تُر الغول ولا أنيابها، ولكنهم بالغوا في تمثيل ما يستقبح من المذكر بالشيطان وفيما يستقبح من المؤنث بالتشبيه له بالغول، وقيل: كأنه رؤوس الشياطين كأنه رؤوس حيّات، فإن العرب تسمي بعض الحيّات شيطاناً، وقيل: هو حيّة له عرفٌ قبيح المنظر؛ وأنشد لرجل يذم امرأة له: عنجرد تحلف حين أحلف؛ كمثل شيطان الحماط أعرفُ. قال: وقد تسمى الحيّة الدقيقة الخفيفة شيطاناً وجانّاً على التشبيه. وفي الحديث: إن الشمس تطلع بين قرني شيطان؛ قال الحربي: هذا مثلٌ، يقول حينئذ يتحرك الشيطان ويتسلط فيكون كالمعين لها، قال: وكذلك قوله ان الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم إنما هو مثل أي يتسلط عليه فيوسوس له، لا أنه يدخل في جوفه، والشيطان نونه أصلية؛ قال أمية يصف سليمان بن داود عليهما السلام: أيما شاطنٍ عصاه عكاه؛ ثم يُلقى في السجن والأغلال. قال ابن بري: ومثله قول الآخر: أكلَّ يومٍ لك شاطنان؛ على إزاء البئر ملهزان؟ ويقال أيضا: إنها زائدة، فإن جعلته فيعالا من قولهم تشيطن الرجل صرفته، وإن جعلته من شيطَ لم تصرفه لأنه فعلان؛ وفي النهاية: إن جعلت نون الشيطان أصلية كان من الشطنِ البعد أي بعد عن الخير أو من الحبل الطويل كأنه طال في الشر، وإن جعلتها زائدة كان من شاط يشيط إذا هلك، أو من استشاط غضباً إذا احتد في غضبه والتهب. وفي الحديث: الراكب شيطان والراكبان شيطانان والثلاثة ركبٌ؛ يعني أن الانفراد والذهاب في الارض على سبيل الوحدة من فعل الشيطان أو شيء يحمله عليه الشيطان، وكذلك الراكبان، وهو حثٌّ على اجتماع الرفقة في السفر.}
من هذا يمكن احتمال وجود تفاسير أخرى أدق لمعنى هذا المخلوق الشرير توضح أمره وتبينه بصورة تقبل بها العقول والقلوب والأرواح السليمة المؤمنة.
فلو افترضنا ان كلمة (الشيطان) هو اسم من أسماء البشر القدماء أو رمز لشخصية شريرة قديمة تركت في زمانها أكبر الأثر في نفوس الناس كعلامة فارقة في تاريخ الشر والإجرام، ثم راحوا يضربون بها المثل في ارتكاب الشرور، فأصبحت
جزءاً من التاريخ وعرفاً من الأعراف وشيئاً من التراث، وسيبقى الناس يرددون هذا الاسم وينسبون إليه أسباب شرورهم حتى يكتشفوا زيف هذا المعتقد عندما أن تتطور عقولهم وتنضج أفكارهم. ولا عجب في ذلك، فالقدماء اتخذوا لهم أسماء غريبة كثيرة اختفت أو تطورت ألفاظها فيما بعد ولم تعد تستعمل في هذه الأيام، وليس ببعيد عنا بعض أسماء فراعنة مصر، مثل: أخناتون، مينا، خوفو، خفرع، منقرع، أمنوحتب، حتسبشوت، كليوباترا..الخ؛ وكذلك ما كان يستعمل من غريب أسماء السومريين والآشوريين في العراق القديم مثل نبوخنصر، سنحاريب، آشوربانيبال، عشتار، جلجامش، أنكيدو.. وغيرها الكثير؛ إضافة الى عادات وأعراف ومسميات ولغات تبدلت وتطورت كثيرا بل واختفت ولم تعد تستعمل مع مرور الزمن، مثل اللغة المسمارية والسنسكريتية والارامية والسريانية والكلدانية والانباطية والأنبارية والحميرية.. الخ.

ومع مرور الوقت وتغير الأفكار استعمل هذا الاسم في كثير من الأدوار المختلفة الخاطئة وأعطي صفات وقدرات أكثر بكثير من حقيقته، ساعد في ذلك كثرة تفشي الجهل والتخلف بين قبائل العرب وغيرها، حتى وصل الحال الى اعتباره مخلوقاً حياً موجوداً في كل مكان يحارب الله ورسوله والمؤمنين في كل زمان، وأعطي دوراً لا يستحقه، وبهذا وجد هذا المصطلح طريقه الى الأذهان لينسب إليه كثير من الأخطا
ء التي أثرت وتؤثر بشكل كبير على سلوك الناس ومعتقداتهم، مثلما أمسى الاعتقاد بقوى الجن الخفية والعفاريت وأعمالها الخارقة والحسد وقوة تأثيرها على الناس وكذلك غيرها من المسميات التي قتلت روح التحدي والتفكير والإبداع عند الإنسان، فنسبت اليها الكثير من الأحداث الاجتماعية التي كانت بأمس الحاجة الى حلول علمية وفكرية مجدية وليس الى أوهام أدت الى التكاسل والخمول والانعزال، وأصبح الناس يلبسون ملابس العجز والخذلان والخنوع في مواجهة العديد من المستجدات والتحديات العصرية الضرورية ويرتضون بواقع الحال والمسكنة والذلّة لاعتقادهم ان هذه الوقائع مفروضة عليهم ومستحيلة الحل، بل ودفعت بالمفكرين والعلماء والفلاسفة الى التقوقع والعجز والتردد في محاولة فهم هذه الأمور على حقيقتها، مخافة ردود فعل العامة والغوغاء تجاههم، وامتنعوا حتى عن محاولة مواجهتها، باعتبارها نوعاً من أنواع القدر اليقين المحتوم الذي لا بد من وقوعه ولا ينفع معه أي حلول مهما كان نوعها.
من هذا يمكن فهم أهمية التمسك بالله وأوامره ونواهيه، فهو الدواء الناجع الوحيد الذي يسجن هذا المارد العفريت (الشيطان) ويقيده في قمقمه بسلاسل العلم وحبال الأيمان الصحيح. والعجيب ان هذا الشيطان (النفس الأمارة بالسوء) لا يموت إلا بموت الإنسان، ويحيا معه طوال حياته، فهو مثل النار، كلما زاد حطب أوهامها، كلما كبرت وتسعّرت حتى تلتهم الأخضر واليابس من أعمال الناس وأفكارهم السليمة، ولا يحجمها ويحدها ويصغرها، إلا أكسير التمسك بأوامر الله والعلوم الصحيحة المنورة. وعندما تبدأ هذه النفس الأمارة بالضعف والاضمحلال، تصغر الى أقل من القليل، ولا يكون لها تأثير واضح على من ينكرها ولا يتعقد بوجودها؛ لكنها مع ذلك، تبقى جذوة نار خفية تحت رماد النفس، وبذرة سوء في صخرة النفس الإنسانية، وحالما تضعف النفوس في مواجهة فكرة ما أو عمل معين أو موقف محدد أو حالة مستعصية، يصب عليها وقود القوة وينزل عليها زيت الحياة، فتعود خلال لحظات الى سابق قوتها لتلتهب وتصبح ناراً هائلة مستعرة داخل القلوب والعقول، فتخرج مثل مارد جبار يغوي صاحبه الى أعمال السوء بكل الوسائل.
ان صعوبة فهم هذا الموضوع فيما مضى، مهد للاعتقاد بما هو منتشر الآن من مفاهيم خاطئة حول ماهية الشيطان. ولقد ورد في التاريخ الإسلامي مثل مقارب يوضح الفكرة بصورة أخرى. فلقد ورد ذكر رجل غامض مشهور يدعى عبد الله بن سبأ، يهودي من أهل اليمن، أمه حبشية، نسب إليه المؤرخون كثيراً من أسباب الفتن والأحداث الغريبة التي غيرت مجرى تاريخ صدر الإسلام، حتى ان بعضهم اعتقد ان الشيطان كان متجسدا بشخص هذا الرجل. الا ان بعض المؤرخين مثل الدكتور طه حسين والدكتور علي الوردي، يعتقدون ان هذه الشخصية هي محض خيال في عقول الناس، لأنهم اعتادوا على نسبة الأحداث الغامضة الى شخصية مجهولة قوية كما يحصل مع شخصية الشيطان. فهذان العالمان لا يؤمنان بوجود مثل هذه الشخصية العجيبة الغريبة في التاريخ الإسلامي. (من قبسات سيفي سيفي)

No comments:

Powered By Blogger