Tuesday, January 5, 2016

لماذا تتعدد الأديان وما سبب الاختلاف بين أتباعها2-2

لماذا تتعدد الأديان وما سبب الاختلاف بين أتباعها2-2

ان عملية تتابع الأديان هي ضرورة حضارية إنسانية ورحمة مستمرة من الله لا تنقطع تنزل من السماء (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ)(1) وعناية قصوى بالبشر، فالرزق الإلهي يأتي من السماء على يد رسل الله، وما هذا الرزق الا الكتب السماوية والشرائع الإلهية والأوامر والنواهي الغيبية، وليس كما يعتقد البعض بأن الرزق الذي في السماء هو المطر الذي ينزل على الارض ويخرج الزرع، ولا كما يصوره المسيحيون بخصوص العشاء الرباني الأخير الذي يدّعون انه نزل من السماء ويرسمونه في لوحاتهم حيث السيد المسيح(ع) يجلس مع تلامذته الحواريين تتوسطهم مائدة غذائية ممتدة عامرة بأشهى المأكولات! فالسماء ليست مجرد عدة أميال تعلو رؤوسنا كما اعتقد السلف، بل هي محيطة بكرة الأرض من جميع الاتجاهات. ان أفضل رزق ينزل من السماء على البشر هو الآيات الإلهية والهدى الرباني، و(خير الزاد هو التقوى)، هذا هو الرزق الذي في السماء وما توعدون، أما الرزق المادي مثل الأكل والشرب والمال وغيره فيأتي من الأرض ومن عمل الإنسان. 
ان تكرار نزول الشرائع السماوية هو شكل من أشكال الرحمة والعناية والألطاف الإلهية المستمرة ولا يمكن ان تكون سببا لاختلاف البشر، لأن الله مصدر كل خير، وما هذه البلايا والمحن المنهمرة، الا بسبب عناد البشر وإصرارهم على النكران والكفر، وبسبب هذا الكفر يختلف أصحاب الديانات الجديدة مع أصحاب الديانات القديمة وأصحاب المذاهب والفرق، فيحصل القتال والخراب وحرق المدن وترميل النساء وتحليل الدماء وغير ذلك من المصائب التي يشهد عليها التاريخ.

هنا يبرز السؤال المحير: أي الأديان أو المذاهب هي الحق؟ وكيف نتأكد ان هذا الدين هو الحق والأخير من عند الله، رغم ادعاء جميع اتباع الديانات والمذاهب الموجودة أن دينهم أو مذهبهم هو الحق ولا دين أو مذهب بعده؟
ان جواب هذا السؤال لائح واضح في الكتب المقدسة. ولنبدأ أولا بالآيات التي يمكن بها تمييز الحق عن الباطل. حيث جاء في الإنجيل: [احترزوا من الأنبياء الكذبة الذين يأتونكم بثياب الحملان ولكنهم من داخل ذئاب خاطفة. من ثمارهم تعرفونهم هل يجتنون من الشوك عنباً أو من الحسك تيناً. هكذا كل شجرة جيدة تصنع أثماراً جيدة وأما الشجرة الرديّة فتصنع أثماراً رديّة. لا تقدر شجرة جيدة ان تصنع أثماراً رديّة ولا شجرة رديّة ان تصنع أثماراً جيدة. كل شجرة لا تصنع ثمراً جيداً تقطع وتلقى في النار. فإذاً من أثمارهم تعرفونهم.](2). 

ان المقصود من الشجرة هنا فهو الإنسان، ومن الشجرة الرديّة مدّعي النبوة، ومن الشجرة الجيدة هو النبي الصادق. والمعنى هو ان رسل الله الحق يمكن معرفتهم وتمييزهم من كلامهم وأفعالهم وتصرفاتهم ومبادئهم الراقية السامية، بينما لا يستطيع غيرهم مجاراتهم في ذلك مهما فعلوا، وفي النهاية يفشلون ويتسببون في خراب المجتمعات ودمارها.
وجاء في القرآن الكريم: (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ)(3)، ومن معاني هذه الآية ان من يدعي كذباً وبهتاناً انه رسول من عند الله سبحانه وتعالى وان قوله قول الله، لا يمكن لادعائه البقاء والدوام، فلابد وان ينكشف أمره وينمحي أثره. أما الديانة الإلهية الحقيقية فتبقى وتستمر ويعلو شأنها. 
ان رسل الله الحق يشهدون ويؤيد بعضهم بعضاً رغم اختلاف أماكن ظهورهم وتباعد أزمنتها واختلاف لغاتهم، فمثلا ورد في الإنجيل: [إن كنت أشهد لنفسي فشهادتي ليست حقاً. الذي يشهد لي هو آخر وأنا أعلم أن شهادته التي يشهدها لي هي حقٌ](4)، وليس المقصود من الآخر في هذه الآية الا النبي محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، فلم يظهر شخص بعد سيدنا عيسى(ع) ادعى الرسالة والنبوة من عند الله وشهد بصدق دعوة المسيح(ع)، إلا سيدنا محمد(ص). كذلك ورد في الإنجيل في حق تصديق موسى(ع) ما يلي: [ لا تظنوا اني أشكوكم الى الأب. يوجد الذي يشكوكم وهو موسى الذي عليه رجاؤكم. لأنكم لو كنتم تصدقون موسى لكنتم تصدقونني لأنه هو كتب عني. فإن كنتم لستم تصدقون كتب ذاك فكيف تصدقون كلامي](5).
ومن الأدلة الأخرى على تصديق كل رسول حق لمن جاء قبله من الرسل والأنبياء، ورد في القرآن الكريم في ذكر سيدنا موسى(ع) وتصديق دعوته. فقد جاء ذكره 136 مرة، وجاء ذكر سيدنا عيسى وتصديق دعوته 25 مرة. فلا شهادة أعظم من شهادة رسول من الله لرسول آخر وإقراره بصدق دعوته، فهو أفضل شاهد وخير الشهود، (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا)(6).
قد يهلل بعض من يقرأ هذه الآيات ويفرح بها، فهي تعطيه دفعاً في أحقية معتقده. لكنه قد يتجهم عند الدخول في الجزء الثاني من هذا الموضوع، وهو ختم الرسالات وعدم نزول أمر جديد بعدها. فكل أتباع الديانات المختلفة يقولون بقول واحد، هو ان رسالتهم هي آخر الرسالات وليس هناك رسول بعد رسولهم وهذا سبب بقاء أمم أصحاب الكتاب على أديانهم. 


لو تفحصنا الكتب السماوية لوجدنا مثل هذه الآيات قليلة جداً، ان كانت في التوراة أو الإنجيل أو القرآن رغم عظم قوة تأثيرها ونتائجها الخطيرة. لكنها أوقعت كثير من المفسرين في منزلق الاشتباه وضلوا وأضلوا غيرهم، إما غفلة منهم أو جهلاً أو حفاظاً على مركزهم ومقامهم الاجتماعي أو غير ذلك من الأسباب العديدة. 
فعلى سبيل المثال ورد في التوراة بخصوص ختم النبوة بعد سيدنا موسى(ع) في سفر التثنية [اني أرفع الى السماء يدي وأقول حيّ أنا الى الأبد](7)، وكذلك ورد في التوراة آيات أخرى تقضي بتحليل الطلاق وعدم نسخ السبت، فمعاني هذه الآيات الظاهرية هي التي حالت دون تصديق اليهود للسيد المسيح(ع) وأوجب الاعتداء عليه ونكران أحقيته وعدم الايمان به وبرسالته. لأن أول عمل قام به المسيح(ع) هو دعوته الى دين جديد ورسالة جديدة ونسخ السبت وتحريم الطلاق. فهل كان تصرف السيد المسيح دليل على صحة فهم اليهود لكتابهم؟ 

كذلك جاء في الإنجيل على لسان السيد المسيح(ع) بخصوص موضوع الختم: [ان السماء والأرض تزولان ولكن كلامي لا يزول أبداً](8)، و [أنا الألف والياء، الأول والآخر، البداية والنهاية](9)، وهاتان الإشارتان أصبحتا حجابا غليظاً ودخاناً مبيناً وغيوما كثيفة أمام بصائر المسيحيين عندما أشرقت شمس رسول الهدى محمد(ص) وبشّر الناس برسالته السمحاء. وبمثل هذه الآيات المتشابهات منع الكثيرون من الايمان به وبرسالته. فهل كانت كلمات الإنجيل (الواضحة) هذه تعني عدم أحقية دعوة سيدنا محمد(ص)؟ أستغفر الله. اذن لابد ان تكون لهذه الآيات معان لا يفهمها البشر، ولابد انها كانت امتحاناً صعباً لأتباع السيد المسيح(ع).
ومن الملفت للنظر تكرار نفس الامتحان مرة أخرى في القران الكريم في آية وحيدة غير مكررة (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ)(10)، وهنا نسأل الله تجنب هذا الامتحان الخطير الصعب وعدم الوقوع في نفس المطب وتلطفه ببصائرنا وعقولنا، إذا حصل شيء ما! 

لقد كفرت أمم عديدة برسلهم نتيجة هذا الامتحان الإلهي المتكرر، فالنمرود وقومه كفروا برسالة إبراهيم(ع) ورموه في النار وأخرجوه من ارض العراق مطروداً منفياً، وقوم صالح قاوموه وحاربوه وعقروا ناقته، وأقوام عاد وثمود ولوط اصبحوا عبرة لبقية الأمم عندما غضب الله سبحانه وتعالى عليهم ومحا أثرهم، وقوم هود نزل عليهم العقاب السماوي، وقوم نوح غرقوا في الفيضان، وقوم فرعون غرقوا في البحر، وملة اليهود دخلت مدينة الكفر والإلحاد ليس بقتلهم أو محاولة صلبهم للسيد المسيح(ع) فقط، بل لأنهم كانوا يكررون قتل أنبيائهم واحدا تلو الآخر، لذلك لقّبهم السيد المسيح بـ (قتلة الأنبياء)، فقد جـاء في الإنجيل آية في وصفهم: [ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون(11) المراؤون لأنكم تنقون خارج الكأس والصحفة وهما من داخل مملوآن اختطافا ودعارة. أيها الفريسي الأعمى نق أولا داخل الكأس والصحفة لكي يكون خارجهما أيضا نقيا. ويل لكم ايها الكتبة والفريسيون المراؤون لأنكم تشبهون قبورا مبيضة تظهر من خارج جميلة وهي من داخل مملوءة عظام أموات وكل نجاسة. هكذا أنتم ايضا من خارج تظهرون للناس أبرارا ولكنكم من داخل مشحونون رياء وإثما. ويل لكم ايها الكتبة والفريسيون المراؤون لأنكم تبنون قبور الأنبياء وتزينون مدافن الصديقين. وتقولون لو كنا في أيام آبائنا لما شاركناهم في دم الأنبياء. فأنتم تشهدون على أنفسكم انكم أبناء قتلة الأنبياء. فإملأوا أنتم مكيال آبائكم. أيها الحيات أولاد الأفاعي كيف تهربون من دينونة جهنم. لذلك هـا أنا أرسل اليكم أنبياء وحكماء وكتبة فمنهم تقتلون وتصلبون ومنهم تجلدون في مجامعكم وتطردون من مدينة الى مدينة. يا أورشليم يا أورشليم يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين…](12). 

اذن، وجب على الجميع دون استثناء، الانتباه والبحث والتفتيش لعل هناك ما هو خافٍ عن البصر والبصيرة، لأن ما يحصل اليوم للبشرية بمختلف معتقداتها من عذاب ومعاناة وتكالب البلايا والمصائب والخسران والتخلف، ما هو الا دليل الابتعاد عن التعاليم الإلهية الحقيقية وترك ما أنزل الله سبحانه وتعالى. وبعض علماء التاريخ والأديان والحضارات يدركون المعاني الخفية لمصائب وبلايا اليوم، فليس من الحكمة الإلهية والرحمة الربانية وقوع كل هذه البلايا والنزاعات والحروب والمجاعات والكوارث الطبيعية والفقر والعوز على البشر بدون سبب. ان الله سبحانه وتعالى أرحم الراحمين ولا يقبل لعباده الظلم والاعتساف، فكيف يتفق تفسير هذا مع ذاك؟ 
اذن لابد من وقفة منصفة للانتباه من هذه الغفلة والقيام من هذا السبات للخروج من قبور النفس ولحود الهوى. فالله واحد وشرائعه واحدة ورسله واحدة، وليس من الكفر اتباع أوامر جديدة ان كان هناك شيء جديد!! بل الخزي والعار في العناد والمخالفة. ولنا في قول الرسول محمد(ص) تحذير شديد بهذا الخصوص، فعن أبي سعيد الخدري (رضى): (لتتبعن سنن من قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جحـر ضب تبعتموهم. قالوا: اليهـود والنصارى؟ فقال: ومن؟). "متفق عليه".
لقد حان الوقت بعد ان تفتحت عقول البشرية وتنورت أبصارهم بالعلم والمعرفة أن يدركوا ان ما يحصل للعالم من مشاكل وبلايا وحروب هو عقاب من عند الله سبحانه وتعالى. فهل يتعظ البشر وينزعوا عنهم قميص التعصب الأعمى؟



الهوامش
1 - سورة الذاريات 22 .
2 - إنجيل متى الإصحاح 7 الآيات 15 الى 20 .
3 - سورة الرعد 17 .
4 - إنجيل يوحنا الإصحاح 5 الآية 31 .
5 - إنجيل يوحنا الإصحاح 5 الآيات 45-47 .
6 - سورة الفتح 8 .
7 - التوراة سفر التثنية الإصحاح 32 الآية 40 .
8 - إنجيل متى الإصحاح 24 الآية رقم 35 .
9 - الرؤيا - الإصحاح 22 الآية 13 .
10 - سورة الأحزاب 40 .
11 - الفريسيون: طائفة من اليهود تنظمت في عهد المكابيين للدفاع عن الشريعة وصفاء الايمان. لكنهم تعلقوا، مع الزمن، بالحرف دون الروح، لهذا لامهم المسيح بشدة على ريائهم وكبريائهم، فكانوا في طليعة مقاوميه. (المنجد ص 527). 
12 - إنجيل متى، الإصحاح الثالث والعشرون الآيات 29-37 .



No comments:

Powered By Blogger