تبيان وبرهان (9)
بحث القيامة الكبرى وادلة الكتاب عليها
عمار – فما هي ادلتك على ان القيامة الكبرى هي
قيام رسول لله بالدعوة .؟
زيد – اليك بعضها :
الدليل الاول – قد تقدم في بحث القيامة الصغرى اثبات ان كل انسان بعد موته
الطبيعي ينال ثوابه او عقابه مباشرة بالبراهين القطعية والقيامة المشهورة بين النس
كما مر تقريرك لها انما هي محاكمات ومحاسبات لكافة البشر فينال كل انسان ثوابه او عقابه
بعدها حيث ان كل انسان قد نال ثوابه أو عقابه على الفور، ودخل فيما أعد له من جنة
او نار. فهل بعد هذا، وقد تم كل شيئ يكون حساب آخر؟!.
عمار – كلا، اذ لا يوجد ما يحاسب عليه.
زيد – اذن، ليس هناك من قيامة أخرى تكون
بعدالموت الطبيعي ، وثبت المطلوب:
وأعلم ياعمار!.. إن القيامى الشائعة بين النس هي القيامة الكبرى باوصافها
واحوالها ، ولكنهم يرون أنها هي الي تكون بعد الموت الطبيعي، وينال الانسان فيها
جزاءه الاخير ، من ثواب او عقاب. فجعلوا القيامتين قيامة واحدة. وجعلوا وقت
قيامها، بعد موت الناس جميعهم وهذا امر متوهم لا وجود له لما علمت من ان نيل كل انسان
ثوابه أو عقابه يكون بعد موته مباشرة وهي القيامة الصغرى. وان القيامة الكبرى تكون
في هذا العالم كما ستعرفه انشاء الله من الأدلة الآتية .
والناس اذا ذكروا القيامة، ارادوا بها القيامة التي ينال بها الانسان
المكافأة والمجازاة، بعد موته على اعماله وهذا اشبه بانهم يريدون بها القيامة
الصغرى، غير انه وصفهم أياها باوصاف القيامة الكبرى وأحوالها وجعلهما في زمن هو
بعد موت العالم الانساني، يجعل هذه القيامة أمراً وهمياً لا وجود له .
الدليل الثاني – ان القيامة المعروفة عند الناس عبارة عن وقوع امور وحدوث
أحوال مذكور بعضها في القرآن وبعضها في الاحادث النبوية وبعض منها دائر على
الالسنة وتجري كل هذه الامور على ظاهرها وتقع كلها كما ذكرت من نفخ الصور ةخراب
العالم وهدم الجبال وتبدل الارض وغير الارض وطي السموات والنفخ بالصور ثانية وقيام
الناس من قبورهم بعد تشققها عنهم وترد ارواحهم الى اجسامهم ثم يساقون الى المحشر
حفاة عراة غرلا ويوضع الصراط والميزان ويأتي الله جل جلاله للفصل بين العباد الى
آخر ماهو مشهور وذائع وهذه الامور كلها معروفة بين النس ومشهورة يتحدث فيها العالم
كما يتحدث فيها الجاهل ويعرفها الصغير كما يعرفها الكبير لا يخفي شيئ منها على أحد
وهذا خرف لتصريح آيات الكتاب الهزيز في ان الساعه لا يعلم احد من الناس ما هي ولا
وقت وقوعها فاذا كان الامر كذلك كانت القيامة المعروفة بين الناس ليست هي القيامة
التي جاء بها القرآن.
عمار – كيف؟
زيد – قال تعالى : ( يسألونك عن الساعة أيان
مرساها قل انما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها الا هو ثقلت في السموات والارض ى
تأتيكم الا بغتة يسألونك كأنك حفي عنها قل انما علمها عند الله ولكن اكثر الناس لا
يعلمون) الاعراف آية187
فقوله تعالى شأنه ( انما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها الا هو ) وقوله :
( قل انما علمها عند الله ) بيان واضح في حصر علمها ومعرفتها عنده تعالى فلا يكشف
أمرها الناس ولا يظهر حقيقتها لهم الا هو وذاك وقتها المعين وقوله ( لا تأتيكم الا
بغتة) يوضح لك ان الناس لا يعلمون وقت وقوعها ايضا لان المباغت في المجيئ لا يعلم
زمن مجيئه قال العلامة البيضاوي في تفسير هذه الآية ( قل انما علمها عند ربي)
استأثر به لم يطلع عليه ملكاً مقرباً ولا نبياً مرسلاً (لايجليها لوقتها) لا يظهر
امرها في وقتها الا هو والمعنى ان الخفاء بها مستمر عن غيره الى وقت وقوعها واللام
للتأقيت كاللام في قوله تعالى ( اقم الصلاة لدلوك الشمس) أ.هـ. فقوله ان اخفاء بها
مستمر الى وقت وقوعها يعني ماهيتها وحقيقتها مجهولة للناس فاذا وقعت علمت ماهي
وقال العلامة تقي الدين بن تيميه في كتابه " الا كليل في المتشابه
والتأويل" بعد ان اورد الآية المارة وقوله تعالى( يسألك الناس عن القيامة قل
انما علمها عند الله وما يدريك لعل الساعة تكون قريباً) الاحزاب آية63 قال فاخبر
انه ليس علمها الا عند الله وانما علم وقتها المعين وحقيقتها أ.هـ. يعني المجهول
ههنا اثنان احدهما حقيقة القيامة اي ماهي وثانيهما وقتها المعين لوقوعها وهناك امر
ثالث مجهول كذلك وهو انه تقع الواقعة وتقوم القيامة والناس في غفلة عنها لا يعلمون
بوقوعها قال تعالى ( وانذرهم يوم الحسرة اذ قضي الامر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون)
مريم آية39 فيوم الحسرة يوم القيامة اذ قضي الامر اي قامت القيامة بقيام الرسول
بالدعوة وهم في غفلة لانصراف افكارهم عنها الى القيامة الموهومة التي تحللت
افكارهم فلا يالفت انظار الناس لها ولا يخبرهم عن وقوعها الا الله جل وعلا. على
لسان رسوله قال تعالى ( لا يجليها لوقتها الا هو).
ولما كانت القيامة الواردة في القرآن الكريم لا يعلمها احد والقيامة
المشهورة عند الناس لا يجهلها احد اذن ثبت ان القيامة المذكورة في القرأن هي
المشهورة بين الناس وهو المطلوب.
وليس المراد من عدم معرفة الناس القيامة انه لا احد يعلمها البتة بل قد
يوجد من يعرفها ولكن على قلة وندور.
قال علماء الاصول لم يرد عام الا وهو مخصص الا في قوله تعالى ( وهو بكل شيئ
عليم) البقرة آية29 فهو جل وهلا لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الارض ولا في السماء
والتخصيص يقع في الخبر كما يقع في الامر قال تعالى( وفي عاد اذ ارسلنا عليهم الريح
العقيم ما تذر من شيئ اتت عليه الا جعلته كالرميم) الذاريات آية41و42 فلقد مرت هذه
الريح على الجبال والارض ولم تجعلها رميما. فخصصت هذه بالبقاء من بين ما جعل رميما
ففهم البعض النادر من العلماء لبعض الآيات الدالة على القيامة فهما حقيقياً لا
ينافي حصر علمها به تعالى.
الدليل الثالث – قال تعالى ( كما بدأكم تعودون فريقاً هدى وفريقاً حق عليهم
الضلالة انهم اتخذوا الشياطين اولياء من دون الله ويحسبون انهم مهتدون) الاعراف
آية29 و30.
قد يراد بالعود عود الروح الى تجردها عن البدن بعد مفارقته او عود البدن
الى التراب او عودهم حفاة عراة غرلا كما فسره بعض المفسرين ولكن الآية تأبى ذلك
كله لانها تصف العود الى التفرق الى فرقتين الفريق المهتدي والفريق الضال وعود
الروح للتجرد عن البدن بعد مفارقته اياه يكون اما للمكافأة واما للمجازاة وانما
يصيرون الى نتائج ضلالهم او هدايتهم ولا ضلالة ولا هداية هناك اما العود الى
فرقتين فرقة الهداية وفرقة الضلالة فهي في هذا العالم فلننظر متى كنا منقسمين الى فرقتين
ثم نعود لمثلها.
فبالبداهة نجد ذلك في زمن اول رسول ارسل للناس لقوله تعالى:( كان الناس امة
واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين) البقرة آية213 فمن اتبع الرسول فقد هدي
ومن بقي على ماهو عليه من الكفر حق عليه الضلالة فكلما ارسل رسول بتشريع جديد عاد
الناس لفرقتين وقامت القيامة فكذلك العود ههنا قال العلامة البيضاوي في تفسير هذه
الآية" وقيل كما بدأكم من تراب تعودون اليه وقيل كما بدأكم حفاة عراة غرلا
تعودون باعادته فيجازيكم على اعمالكم فاخلصوا له العبادة وانما شبه الاعادة
بالابداء تقريرا لامكانها والقدرة عليها وقيل كما بدأكم مؤمناً وكافراً يعيدكم
فريقا هدى بان وفقهم للايمان وفريقا حق عليهم الضلالة بمقتضى القضاء السابق
وانتصابه بفعل يفسره ما بعده اي وخذل فريقاً انهم اتخذوا الشياطين اولياء من دون
الله تعليل لخذلانهم او تحقيق لضلالهم ويحسبون انهم مهتدون يدل على ان الكافر مخط~
والمعاند سواء في استحقاق الذم وللفارق ان يحمله على المقصر في النظر أ.هـ. فهذا
العلامة البيضاوي قد اغفل الاقوال الثلاثة الاول واتم تفسيره على القول الرابع وهو
كما بدأكم مؤمناً وكافراً الى آخره لاستصوابه اياه ولان الآية نفسها فسرت العود
الى فريقاً هدى وفريقاً حق عليهم الضلالة والعود هو المعاد المعروف وهو القيامة
ومعنى الآية كما بدأكم في اول الدورة للرسل فريقاً هدى فآمن وفريقاً بقى على كفره
فحق عليه الضلالة كذلك تعودون في الدورة الثانية فريقاً هدى فآمن ببهاء الله
وفريقاً لم يؤمن فحق عليهم الضلالة فهذا هو المعاد والقيامة وهي قيام مظهر الله
على امره فيهتدي به من يهتدي ويؤمن به فيفوز بالنجاة والجنة ويضل من يضل لكفره به
وابتعاده عنه فيحيق به العذاب ويدخل جهنم. وألفت نظرك ياعمار الى ماقاله السيد
البيضاوي من ان استحقاق العذاب على من لا يؤمن فيشمل المخطئ والمعاند ذلك لان
الآية قسمت الناس الى مهتد وضال والضال يستحق العذاب وهو يشمل المخطئ والمعاند
والظاهر هو ان المخطئ لا يستحق العذاب. فأجاب البيضاوي عن ذلك بقوله يحمل على
المخطئ المقصر بالنظر ذلك لانه يجب على الانسان اذا سمع بقيام رسول بالدعوة ان
يتحرى الحقيقة على الفور والا عدّ مقصراً واستحق العذاب فلأجل ذلك قال وللفارق ان
يحمله على المقصر بالنظر.
فانظر كيف ان هذا الامر عظيم فيجب فيه الاسراع الى تحري الحقيقة والفوز
بالاسبقية في الايمان فمن تمعن في فهم الآية وفي تفسير المفسر السيد البيضاوي لها
يعلم ماهو المعاد علماً يقيناً.
فالآية قد اوضحت المعاد ايضاحا لم يبق معه اي اشكال والدعوة هذه تكون مرتين
متتاليتين الاولى دعوة السيد الباب والاخرى دعوة حضرة بهاء الله قال تعالى( يوم
ترتجف الراجفة تتبعها الرادفة) النازعات آية 6و7 وقال تعالى( واذا الرسل أقتت لأي
يوم اجلت لوم الفصل) المرسلات11-13 فالرسل لها اوقات معينة لارسالها ومتى يكون هذا
الوقت والأجل يكون يوم الفصل وهو يوم القيامة فكلما جاء رسول بتشريع قامت القيامة.
الدليل الرابع – قال تعالى( إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى
والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم اجرهم عند ربهم ولا خوف
عليهم ولا هم يحزنون)البقرة آية62
واليوم الآخر هو من اساء يوم القيامة ووجه التسمية بذلك هو انه زمن آخر من
قد جاء من الرسل الى ذلك الوقت فزمن الرسول المتأخر بالنسبة الى ازمنة الرسل السابقة يسمى باليوم الآخر وقد صرح
العلامة ابن كثير بهذا المعنى في تفسير هذه الآية فقال" فكان ايمان اليهود
انه من تمسك بالتوارة وسنة موسى عليه السلام حتى جاء عيسى فلما جاء عيسى كان من
تمسك بالتوراة واخذ بسنة موسى فلم يدعها ولم يتبع عيسى كان هالكاً وايمان النصارى
ان من تمسك بالانجيل منهم وشرائع عيسى كان مؤمناً مقبولاً منه حتى جاء محمد صلى
الله عليه وسلم فمن لم يتبع محمداً صلى الله عليه وسلم منهم ويدع ما كان عليه من
سنة عيسى والانجيل كان هالكاً قال ابن ابي حاتم روي عن سعيد بن جبير نحو هذا.أ.هـ.
فانظر لقول هذا الامام كيف يقول من تمسك بالتوراة وسنة موسى حتى جاء عيسى
ولما جاء عيسى كان من تمسك يالتوراة واخذ سنة موسى ولم يدعها كان هالكاً. ذلك لانه
لم يؤمن باليوم الآخر الذي كان في ذلك اليوم هو يوم عيسى عليه السلام ثم قال من
تمسك بالانجيل منهم اي النصارى وشرع عيسى كان مقبولاً منه حتى جاء محمد صلى الله
عليه وسلم فمن لم ابتع محمداً صلى الله عليه وسلم منهم ويدع ما كان عليه من سنة
عيسى كان هالكاً. لانه لم يؤمن باليوم الآخر الذي كان في ذلك اليوم هو يوم محمد
صلى الله عليه وسلم وهذا هو نفس القول بأن القيامة قيام رسول بالدعوة وآخر رسول
ارسل وزمنه يسمى باليوم الآخر أرأيت ياعمار كيف ان هذا القول قد صار واضحاً لا
غبار عليه وهو الحق وما بعد الحق الا الضلال؟.
ألا يجب الآن على الامم اجمع ان تؤمن ببهاء الله صاحب هذا اليوم وتتمسك
بشريعته فتنالها السعادة ويكتنفها العز فمن لم يؤمن به ويعمل بشريعته لم يؤمن
باليوم الآخر ومن لم يؤمن باليوم الآخر فليس هو بداخل ضمن الذين ( لا خوف عليهم
ولا هم يحزنون) الذي صرحت به الآية فالايمان بالله وحده دون ان يؤمن باليوم الاخر
غير كاف ولا منج ولا مدخل للجنة بل يلزم الايمان بالله واليوم الآخر معاً وهذه
الآية اتت عامة مطردة لكافة الادوار التي تقدمت الدورة المحمدية والتي اعقبها
والتي ستعقبها.
الدليل الخامس – لو اردنا تطبيق تفسير الآية بما هو الشائع بين الامة مما
هو المراد، من الآخرة والقيامة على معتقدها في النصارى واليهود والصابئين نجد
تناقضا بينهما.
عمار – كيف ذلك؟
زيد – كيف تعتقد الامة المحمدية في النصارى
واليهود والصابئين؟... أهم ناجون ويدخلون الجنة بعد جحدهم رسالة محمد صلى الله
عليه وسلم؟...
عمار – لا.. انهم غير ناجين لعدم ايمانهم
بمحمد صلى الله عليه وسلم وعدم اتباعهم شريعته..
زيد – أليس الشائع ان اليوم الآخر هذا الذي
اشترطت الآية لنيل الاجر فيه والأمن من الخوف والحزن الايمان به مع الايمان بالله
جل شأنه وان يعمل صالحاً بقوله جل من قائل( من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً
فلهم اجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) هو اليوم الذي يكون فيه مجازات
الناس ومكافاتهم على اعمالهم في هذا العالم بعد موتهم الطبيعي.
عمار – نعم...
زيد – وبمثل هذا تعتقد النصارى واليهود وسائر
الطوائف ايضا وتفسير الآية بهذا التفسير يقتضي ان يكون النصارى واليهود والصابئون
ناجين فكيف الافلات من هذا التناقض.
عمار – لا ادري
زيد – الافلات من هذا التناقض يكون بالرجوع الى تفسير الصحيح المتقدم وهو انه
ليس المقصود من اليوم الآخر هذا هو يوم المكافأة والمجازاة على اعمال الناس بعد
موتهم الطبيعي بل هو قيام آخر رسول بالدعوة فنجد ان ليس هناك من تناقض بين كون
النصارى واليهود غير ناجين وبين ان من يؤمن باليوم الاخر يكون ناجياً بل هناك
تتطابق فالنصارى واليهود لما لم يؤمنوا بمحمد صلى
الله عليه وسلم في زمانه لم يكونوا مؤمنين باليوم الاخر الذي هو يوم القيامة
المحمدية اذ ذاك فكانوا غير ناجين. فانظر كيف زال الاشكال.
الدليل السادس – اليك آية اخرى ما ان فسرت الآخرة فيها بالمعنى المتقدم
المعروف بين الناس لفسد المعنى.
عمار – ما هي هذه الآية.
زيد – قال تعالى( ياايها الذين آمنوا لا
تتولوا قوماً غضب الله عليهم قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من اصحاب القبور)
الممتحنة آية13. ومن المعلوم ان المراد من الذين غضب الله عليهم اليهود. فاذا
فسرنا الآخرة بالحياة بعد الموت للمكافأت والمجازاة. وان هؤلاء اليهود قد يئسوا
منها كما يئس الكفار من اصحاب القبور. ويأس الكفار من اصحاب القبور هو يأسهم من
اصحاب القبور بعد موتهم. فيكون المعنى قد يئسوا من الحياة بعد الموت كما يئسوا من
الحياة بعد الموت وهذا التفسير لا معنى له وهو كما قال الشاعر:
كأننا والماء من حولنا قوم
جلوس حولهم ماء
اما اذا فسرنا الاخرة على ما هو الحق وهو قيام الرسول الاخير بالدعوة
فينطبق المعنى تماماً ويكون قد يئسوا من قيام رسول بشريعة جديدة بعد موسى عليه
السلام كما يئس الكفار من اصحاب القبور بانهم لا يعودون الى الحياة فكذلك لا يأتي
رسول كشرَّع بعد موسى... أرأيت كيف استقام المعنى وهذا هو عين اعتقادهم انه لا
رسول مشرعاً يأتي بعد موسى عليه السلام. وهذا نفسه المعنيّ بقوله تعالى ( وقالت
اليهود يد الله مغلولة . غلت ايديهم ولعنوا بما قالوا) المائدة64 ويريدون بذلك ان
الله تعالى لا يقدر ان يرسل احداً بتشريع بعد موسى(ع) تعالى الله عما يقولون علواً
كبيراً.
الدليل السابع – وهذه ايضا آية اخرى ما ان فسرت الاخرة فيها بما هو المشهور
كان التفسير هذا مخالفا للواقع والحقيقة وهي قوله تعالى( وهذا كتاب انزلناه مبارك
مصدق الذي بين يديه ولتنذر ام القرى ومن حولها والذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون به)
الانعام آية 92
عمار – كيف؟
زيد – ألم ترى ان الله سبحانه وتعالى اخبر بان
الذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون بالقرآن وهو الذي عناه بقوله(وهذا كتاب انزلناه مبارك
مصدق الذي بين يديه) فاذا فسرنا الآية هذه بالآخرة المعلومة وهي الحياة بعد الموت
الطبيعي فاليهود والنصارى يؤمنون بها فيقضي انهم يؤمنون بالقرآن وهم لم يؤمنوا به
فخالف هذا التفسير الواقع والحقيقة واما اذا قلنا يؤمنون بدعوة الرسول الذي يأتي
في الدار الاخره او الدورة الاخره فلا منافاة بين هذا التفسير ومنطوق الآية فكل
احد آمن ببهاء الله يؤمن بالقرآن كما ان الامة المحمدية تؤمن بالانجيل والتوراة
والامة المسيحية تؤمن بالتوراة. أرأيت كيف ان التفسير قد استقام ياعمار ؟
الدليل الثامن – قال تعالى( ان الساعة آتية أكاد احفيها لتجزى كل نفس بما
تسعى فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها واتبع هواه فتردى) طه آية15و6 والساعة هي
القيامة. فترى انه سبحانه وتعالى جعل سبب اخفاء الساعة هو لكي تجزى كل نفس بما
تسعى اليه وهذا لا يتأتى مع تفسير الساعة بالساعة المعروفة التي هي فناء العالم
وقيام الناس من قبورهم لاجل نيل المحسن مكافأته والمسيئ مجازاته فان اخفاء ( ان
هناك مجازاة ومكافأة عندما يقوم الناس من قبورهم) لا يمكن ان يكون سببا في نيل الانسان
المكافأة والمجازاة فيما يسعى اليه.
عمار – فانت كيف تطبقها على القيامة الحقيقية
التي تقوم بها؟
زيد – لما كان قيام رسول بالدعوة هو فيام
الساعة . وكان بقيامها تموت الامة السابقة وتقوم قيامتها. وكانت بنو اسرائيل على
دين يوسف(ع) وكانوا يعتقدون ان لا سول يأتي بعد يوسف(ع) كما اخبر تعالى بقوله (
ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم في شك مما جاءكم به حتى اذا هلك قلتم لن
يبعث الله من بعده رسولاً كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب)غافر34 فكانت الساعة
التي هي قيام رسول آخر بعد يوسف(ع) امراً مخفياً عليهم فلما جاء موسى (ع) كان ذلك
الاخفاء سبباً للسعي في معرفة صحة هذه الدعوة وكان السعي سبباً للجزاء. فكان
الاخفاء سبباً لكي يجزى كل نفس بما تسعى اليه اما في طلب الحق فتجازى عليه بالجزاء
الحسن واما في مقاومة الرسول فتجازى عليه بالجزاء السيئ. فهذه هي الساعة هذا
والسعي في تحري الحقيقة واجب على كل عاقل سمع بدعوة مثل دعو موسى(ع) كدعوة حضرة
بهاء الله جهد طاقته فينال السعادة وطيب الجزاء ويتخلص من الشقاء وسيئ الزاء
باتباعه الحق وهذا السعي لتحقيق صحة هذه الدعوة ويكون باستخراج الادلة من
مضامنها والتنقيب عنها في الكتب السماوية
التي يدين بها هذا المنقب. ومن فعل ذلك تنزل عليه هداية الله ويدخل ضمن من قال
سبحانه وتعالى فيهم(والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وان الله لمع المحسنين)
العنكبوت69 فيدخل في زمرة من هداه الله جل جلاله لسبله وكان من المحسنين.
(فلا يصدنك عن) الاستجابة ل(ها من لا يؤمن بها) بالتقليد او ايراد الشبه.
(فتردى) فتهلك فالخطاب وان كان موجهاً لموسى(ع) فالمراد به امته قال العلامة ابو
البركات النسفي في تفسير هذه الآية الخطاب لموسى والمراد امته .أ.هـ.
الدليل التاسع – قال تعالى ( ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير
ساعة كذلك كانوا يؤفكون وقال الذين اوتوا العلم والايمان لقد لبثتم في كتاب الله
الى يوم البعث فها يوم البعث ولكنكم كنتم لا تعلمون) الروم آية55و56 (يوم تقوم
الساعة) اي يوم القيامة (يقسم المجرمون) وهم غير المؤمنين برسول الوقت انهم (
لبثوا) شيئا في دينهم (غير ساعة)محتجين بصر مدة لبثهم فيه كانها كانت ساعة واحدة
(كذلك كانوا) اي كذلك كان الذين ن قبلهم (يؤفكون) اي يصرفون عن الحق في مثل تلك
الاعذار(وقال الذين اوتوا العلم) اي علم دين بهاء الله (والايمان) اي الايمان به (
لبثتم في كتاب الله) والخطاب للامة المحمدية أي لبثتم في اقامة كتاب الله وهو
القرآن الكريم والعمل بشريعته المطهرة الى (يوم البعث) أي يوم بعث رسول آخر وتبعث
النفوس من مراقد غفلتها الى الايمان به(فهذا يوم البعث) الذي وعدتم به وفيه تنتهي
مدتكم المقدرة( ولكنكم كنتم لا تعلمون) ماهو المراد من البعث بل تتصورون اموراً
وهمية حتى قامت القيامة وجاءت الساعة وانتم عنها غافلون لانصراف اذهانكم عن
الحقيقة وترقب اموراً لا وجود لها وهذه الآية واضحة الدلالة على ان القيامة المشهورة
بين الناس امر وهمي لا ظل له من الحقيقة ببرهانين.
البرهان الاول – انه لا يمكن ان تقوم القيامة المعروفة عند الناس وهي بأن
يقوم الناس من قبورهم حفاة عراة غرلا ويحشرون الى ارض غير ارضهم ويوضع الصراط
ويقفون للحساب وتوزن الاعمال ويساق اهل الجنة للجنة واهل النار للنار وتجري كل هذه
الامور على ظاهرها ويبقى بعض من الناس يجهل ان القيامة قد قامت وان هذا اليوم هو
يوم القيامة بعد ان تقع هذه الامور كلها عليهم انفسهم. حتى يأتي الذين اوتوا العلم
والايمان فيقولون للمجرمين المكذبين هذا يوم البعث ولكنكم كنتم لا تعلمون فاذا
كانت القيامة قد قامت والمجرمون والمكذبون من الناس لم يعلموا عنها شيئا حتى
ينبههم عليها اولو العلم والايمان فاذن هذه الامور المشهورة بين الناس من احوال
القيامة لا وجود لها البتة وان القيامة هي قيام رسول بالدعوة لان ذلك قد يقع ويقوم
الرسول بالدعوة ويعلم الناس بقيامه وتجري الامور الاخرى الملازمة لمجيئ الرسول ولا
يعلم الناس ان قيام الرسول هو القيامة وان الامور الاخرى الملازمة للرسول هي
الامور التي تجري في القيامة لذلك جاء في القرآن الكريم ( وانذرهم يوم الحسرة اذ
قضى الامر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون)مريم39 لان افكار الناس منصرفة الى القيامة
الموهومة فيصح ان يقال ان هذا يوم البعث ولكنكم كنتم لا تعلمون.
البرهان الثاني – ان الذين ينبهون الناس ويقولون لهم ان هذا يوم البعث هم
الذين اوتوا العلم والايمان وهذا انما يكون في هذا العالم الذي هو دار الاعمال اما
قي القيامة المشهورة فالاعمال هناك لا تفيد احداً بشيء لان الصحف قد طويت والاقلام
قد جفت فلا اعمال هناك فأي شيء يفيد المنبه حتى ينبه من لا يعلم او يستفيد المنبه
من تنبيه المنبه له اما اذا كانت في هذه الدار فتفيد المنبه (بكسر الباء) اجر عمله
والمنبه (بفتح الباء) الايمان والانقياد لله وهذا يصح اذا كان المراد من يوم البعث
بعث رسول وبعث امة له والعلماء المؤمنون بذلك البعث يعلمون الامة السابقة
ويفهمونها ان البعث قد صار وان هذا اليوم هو يوم البعث ولكنكم كنتم لا تعلمون بان
هذا هو يوم البعث فتظنون اموراً وهمية هي البعث وهذا ينطبق تمام الانطباق على
الواقع فالذين اوتوا العلم والايمان من انة بهاء الله يعلمون الامة المحمدية
الحقيقة وغيرها من الامم ليزيلوا عنهم ما كانوا فيه من وهم .
فثبت بهذه الآية ايضاً ان القيامة المشهورة بين الناس ليست هي القيامة
الحقيقية الواردة في القرآن وان القيامة تقوم والناس لا يعلمون بقيامها وان الذين
اوتوا العلم من الذين آمنوا بالبعث الآخر هم الذين يخبرون الناس ويعلمونهم ان هذا
هو يوم البعث وان البعث هو ارسال رسول بتشريع جديد وبعث الناس من موت الجهل
والغفلة الى الحياة وهي الايمان بحضرة بهاء الله والاهتداء بهديه وان الامة
المحمدية قد اقامت كتاب الله الى يوم البعث الذي هو نهاية مدتها وقد تم كل شيء
وتحول الامر الى امة اخرى التي هي صاحبة الوقت فالبدار البدار باجابة الدعوة التي
هي دعوة هذا الرسول الكريم حضرة بهاء الله لتنالوا رضاء الله .
الدليل العاشر – قوله تعالى ( يا ايها الناس اتقوا ربكم ان زلزلة الساعة
شيء عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما ارضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس
سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد ) الحج آية1و2 قال العلامة البغوي في
تفسير هذه الآية: " واختلفوا في هذه الزلزلة قال علقمة والشعبي هي من اشراط
الساعة وقال الحسن والسدي هي زلزلة تكون يوم القيامة وقال ابن عباس زلزلة الساعة
قيامها" ولما اخذ بتفسير يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما ارضعت وتضع كل ذات حمل
حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد" قال " وهذا
يدل على ان الزلزلة تكون في الدنيا" ثم اخذ بالاستدلال لهذا الرأي فقال
" لان بعد البعث لا يكون حمل". وثناه بالاستدلال للرأي الثاني
فقال" ومن قال تكون في القيامة – اي الزلزلة – " قال هذا وجه تعظيم
الامر على حقيقته كقولهم اصابنا امر يشيب فيه الوليد يريد بشدته".أ.هـ. ملخصاً.
فهذان الرأيان متناقضان ان فسرت الساعة بالساعة المعروفة بين الناس لان
الرأي الاول يريد ان الزلزلة كائنة في هذا العالم وقبل يوم القيامة.
والرأي الثاني – ان الزلزلة كائنة في القيامة واما ان فسرتها بالساعة
الحقيقية التي نحن نقول بها فلا خلاف بين هذين القولين وكلا الرأيين وجيه لان
زلزلة الساعة هي قيامها وهي واقعة في هذا العالم فتطابق قولاهما وصحا ولم تجد
بينهما اي اختلاف وان ذهول المرضعة عن رضيعها ووضع ذات الحمل فهو من هول البلايا
الجسام والرزايا العظام التي قد احاطت العالم فلم تقتصر على امة دون امة ولا قطر
دون قطر. فالقيامة اذن هي قيام مظهر الله على امره كما تقدم فهذه طائفة من ادلة
القرآن قد اوضحت المراد من القيامة.
عمار – انها ادلة بينة واضحة لا غبار عليها.
زيد – فلنثني بالاستدلال ببعض الاحاديث
النبوية.
الدليل الاول = جاء في صحيح مسلم عن ابي هريرة"ر ض" قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم يوماً بارزا للناس فأتاه رجل(وقال يارسول الله ما
الايمان. قال ان تؤمن بالله وملائكته وكتابه ولقائه ورسله وتؤمن بالبعث الآخر)
فقوله صلى الله عليه وسلم ان تؤمن بالبعث الاخر أي ببعث رسول آخر يأتي بتشريع آخر
وذلك ان وصفه صلى الله عليه وسلم البعث بالبعث الآخر يستلزم انه قد كان قبله بعث
ولم نر قبله من بعث يجب الايمان به الا بعث محمد صلى الله عليه وسلم قال تعالى وهو
الذي بعث في الاميين رسولاً منهم فاذا كان البعث الاول هو رسالة محمد صلى الله
عليه وسلم كان البعث الآخر رسالة اخرى وهي رسالة حضرة بهاء الله.
الدليل الثاني – روى الحاكم في المستدرك ص425جزء4عن ابن حوالة الازدي( ان
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لتفتحن الشام وفارس او الروم وفارس حتى يكون
لاحدكم من الابل كذا وكذا ومن البقر كذا وكذا حتى يعطى احدكم مائة دينار فيسخطها
ثم وضع يده على رأسي او على هامتي فقال يا ابن حوالة اذا رأيت الخلافة قد نزلت
الارض المقدسة فقد دنت الزلازل والبلايا والامور العظام الساعة يومئذ اقرب للناس
من يدي هذه من رأسك) والمراد بالخلافة ههنا خلافة الله كما قال تعالى ( اذ قال ربك
للملائكة اني جاعل في الارض خليفة) البقرة آية30 قال العلامة فخر الدين الرازي في
تفسيره هذه الآية انما سماه الله خليفة لا يخلف الله في الحكم بين المكلفين من
خلقه وهو المري عن ابن مسعود وابن عباس والسدي وهذا الرأي متأكد بقوله( انا جعلناك
خليفة في الارض فاحكم بين الناس بالحق).أ.هـ. وقال العلامة ابو الثناء في تفسيره
هذه الآية " معنى كونه خليفة انه خليفة الله في ارضه وكذا كل نبي استخلفهم في
عمارة الارض وسياسة الناس وتكميل نفوسهم وتنفيذ امره فيهم لا لحاجة به تعالى ولكن
لقصور المستخلف عليه لما انه في غاية الكدورة والظلمة الجسمانية وذاته تعالى في غاية
التقديس. والمناسبة شرط في قبول الفيض على ما جرت به العادة الالهية فلا بد من
متوسط ذي جهتي تجرد وتعلق ليستفيض من جهة ويفيض باخرى.أ.هـ. وقد قال العلامة
البرزخي في كتابه اشراط الساعةص237بعد ماذكر هذا الحديث إن اريد مطلق الخلافة فقد
وقع في زمن بني امية فيكون من القسم الاول وقد ذكرنا هناك بعض الامور العظام وان
اريد الخلافة الكاملة فسيكون في زمن المهدي وعيسى الى ان قال ويدل للثاني آخر
الحديث والساعة يومئذ اقرب الى آخره" .أ.هـ. وايد ان المراد بالاخلافة
الخلافة الكاملة وهي الرسالة مستدلاً بقوله والساعة يومئذ اقرب للناس من يدي هذه
من رأسك.
والارض المقدسة هي ارض فلسطين وانما سميت مقدسة لقوله تعالى حكاية موسى مع
قومه ( ياقوم ادخلوا الارض المقدسة التي كتب الله لكم) المائدة آية21 وقوله علية
الصلاة والسلام " يومئذ اقرب من يدي هذه الى رأسك وكان واضعا يده على رأس ابن
حوالة يدلك انه عند نزول الخلافة في الارض المقدسة تكون القيامة قائمة اذ ذاك وقد
كان الامر كذلك فإعلان حضرة بهاء الله الدعوة قد كانت في بغداد ومجيئه الى الارض
المقدسة كان بعد خمس سنوات تقريبا من اعلان دعوته حيث اقام في الاستانه ستة اشهر
وقريبا من اربع سنين ونصف في ادرنه ومنها ارسل لعكاء فاذن لما جاء الى الارض
المقدسة كانت القيامة قد قامت كما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عند تكلمه
بهذا الحديث واضعاً يده على رأس ابن حوالة قبل ان يقول والقيامة اقرب من يدي هذه
الى رأسك فثبت بهذا ايضا ان القيامة هي قيام رسول بالدعوة وهي قيام حضرة بهاء
الله. اما قوله فقد دنت الزلازل والبلايا والامور العظام فهذه الامور قد وقعت
بالفعل وهي ما رأيت من هذه الحروب الهائلة التي لم يسبق لها مثيل وما تلاها من
نوائب ومصائب وهي لم تقتصر على قوم دون قوم ولا بلاد دون بلاد ولا تزول هذه الرزايا
والبلايا حتى يعم الايمان الناس بحضرة بهاء الله .
الدليل الثالث – ما رواه ابن عساكر في تاريخه عن سمرة بن جندب ( ان رسول
الله صلى الله عليه وسلم بعد ان ذكر الدجال قال ثم يجيء عيسى بن مرين من قبل
المغرب مصدقا بمحمد وعلى ملته انما هو قيام الساعة).
انظر الى قوله صلى الله عليه وسلم انما هو قيام الساعة اي ذلك الوقت هو
قيام الساعة اي مجيء عيسى والمراد من عيسى هو حضرة بهاء الله وقد تقدم الاستلال
عليه بنحو من اربعة وعشرين دليلاً اكثرها حسي في القسم الاول من هذه المحاورة
وقوله ثم يجيء من قبل المغرب يؤيد ان المراد بذلك هو حضرة بهاء الله لان مجيء حضرة
بهاء الله الى عكاء كان من ادرنة وادرنة واقعة غربي الشام اما قوله مصدقاً بمحمد
فكل رسول متأخر يصدق من قبله من الرسل. اما قوله على ملته فالمراد من ملة محمد صلى
الله عليه وسلم ملة ابراهيم لقوله تعالى ( ثم اوحينا اليك ان ابع ملة ابراهيم)
النحل آية123. والمراد بها الاسلام الذي هو دين الاولين والآخرين قال عز من قائل (
ومن يرغب عن ملة ابراهيم الا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وانه في الآخرة
لمن الصالحين اذ قال له ربه اسلم قال اسلمت لرب العالمين) البقرة آية130و131
الدليل الرابع – قال العلامة ابن القيم الجوزية عليه الرحمة في كتابه مدارج
السالكين شرح منازل ايك نعبد واياك نستعين للهروي ص127جزء3روى الامام احمد ثم ساق
سند الحديث الى عبد الله ب عمرو وقال : (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم احب شيء
الى الله الغرباء قيل وما الغرباء يا رسول الله قال الفرارون بدينهم يجتمعون الى
عيسى بن مريم يوم القيامة).أ.هـ. أمعن النظر في هذا الحديث تجد ان رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول الفرارون بدينهم يجتمعون الى عيسى بن مريم يوم القيامة
المعروفة من يفر بدينه؟ وممن يفر؟ وانما يفر بدينه من يفر ممن يؤذيه من المخالفين
له في دينه وفي يوم القيامة المعروفة عند الناس من يستطيع ان يفعل ذلك؟ وكيف
يفعله؟ والناس ينتظرون مصيرهم ولم يفعل هذا؟ وقد انتهت الاعمال وطويت الصحف ثم ما
شأن عيسى يفرون اليه؟ دون سائر الرسل اذن ليس المراد من القيامة القيامة الموهومة بل
المراد منها يوم يقوم مظهر الله الاعظم على امره ويراد بعيسى المظهر الكريم نفسه
وهو حضرة بهاء الله الذي يقوم له الناس يوم القيامة.
والمراد من هؤلاء الفرارين هم اصحاب الباب العظيم اذ انه لما حصل الاضطهاد
على المؤمنين به وقامت عليهم الحروب وعذبوا ونكل بهم ونهب بيوتهم وقتل اطفالهم على
مرأى من آبائهم وامهاتهم وكان في آخر ذلك الوقت حضرة بهاء الله في بغداد فأخذ
اتباع النقطة الاولى(حضرة الباب) يفرون اليه ويجتمعون عنده وتركوا اموالهم واهليهم
فهؤلاء هم المرادون بالحديث. ففرارهم الى حضرة بهاء الله كان من الفتن والاضطهاد.
عمار – لقد تظافرت ادلة الكتاب وادلة السنة
على اظهار الحقيقة بان القيامة انما هي قيامة مظهر الله على امره ولكن هل في
الانجيل شيء من هذا .
زيد – جاي في الانجيل بصراحة ان القيامة هي
عيسى عليه السلام نفسه ففي الاصحاح الحادي عشر آية25و26 من انجيل يوحنا ( قال لها
يسوع انا هو القيامة والحياة من آمن بي ولو مات فسيحيا وكل من كان حيا وآمن بي فلن
يموت الى الابد).
فجعل عيسى عليه السلام نفسه هو القيامة ذلك لان القيامة كما هو معلوم قيام
مظهر الله على امره فكان كأن عيسى(ع) هو نفس القيامة فلذلك قال انا هو القيامة
والحياة اذ لا تقوم القيامة اذ ذاك الا بقيامه والحياة لا تحصل الا بالايمان به.
هذا ولنتبع بحثنا باقوال بعض الراسخين من العلماء في هذا الشأن قال العلامة
الشيخ عبد الكريم الجيلي قدس سره في كتابه"الانسان الكامل" ما نصه
"ثم نسبة القيامة نسبة رجوع الشمس الى طاقتها التي اشراقها منها ولا مزيد على
هذا البيان" .أ.هـ.
يريد بذلك رجوع تجلي انوار شمس الحقيقة ثانية في طاقتها ومشكاتها التي كان
اشراقها منها اولا والطاقة والمشكاة بمعنى واحد يراد بذلك مظهر امر الله اعني
رسوله والمعنى ان القيامة هي اشراق شمس الحقيقة مرة اخرى في رسول آخر او بعبارة
ثانية مجيء رسول آخر. وقال ايضاً في نفس الكتاب ص79 من الجزء الاول ( ملك يوم
الدين) الملك الحالكم الشديد القوة واليوم هنا هو التجلي الالهي احد ايام الله
والدين من الادانة فيوم الدين عبارة عن تجلي رباني تدين له الموجودات ليتصرف بها
كما يشاء فهو ملكها .أ.هـ.
ويوم الدين هو اسم من اسماء يوم القيامة . وقوله ( ملك يوم الدين) قراءة في
(مالك يوم الدين) وهذا ما يدلك ايضاً على ان المراد من الساعة قيام مظهر الله على
امره. اي قيام رسول الله على تنفيذ امر الله .
عمار – ان هذه الادلة والبراهين لهي من القوة
بمكان.
زيد – ان هناك ادلة اكثرها حسية جاء بها
القرآن الكريم فأود ان اتحفك بها .
No comments:
Post a Comment