Monday, August 13, 2018

تبيان وبرهان (13)


تبيان وبرهان (13)

فتنة القبر
اما فتنة القبر فالمراد بها ان يفتن الانسان عن دينه بعد الايمان والتصديق ويضل عنه بايراد الشبهات كما ورد في الحديث ( المسلم اخو المسلم يتعاونان على الفتّان)
قال ابن الاثير في غريب الحديث في لفظ الفتن شارحاً لفظ الفتان في حذا الحديث قال :
يروى بضم الفاء وفتحها فالضم جمع فاتن ان يعاون احدهما الآخر على الذين يضلون الناس عن الحق ويفتنونهم. ةبالفتح هو الشيطان لانه يفتن الناس عن الدين أ.هـ.
وجاء في القرآن الكريم ( ما انتم عليه بفاتنين) الصافات آية162 أي مفسدين الناس بالاغواء. تفسير العلامة البيضاوي فاذا علمت هذا قاعلم ان في زمن الدعوة السرية في زمن حضرة بهاء الله كان المؤمنون كاتمين ايمانهم مخفين اعتقادهم فكأنها مقبورة في افكارهم فاجسامهم قبور لما هم عليه من الايمان والتصديق فان مركز الحافظة بالجسم واللسان هو المخبر بالقول والاعضاء الاخرى هي المخبرة بالعمل والكل كاتم والانسان الذي هو الروح هو صاحب هذا القبر وهو الذي يفتن فكان يتصدى بعض الشياطين لاولئك المؤمنين فيوردون لهم الشبه ليفتنوهم في دينهم ويردوهم عنه فكان يقع بعض المؤمنين في حبائلهم فتلك هي فتنة القبر.
اما الايات الدالة على خروج الناس من قبورهم كقوله تعالى ( من الاجداث الى ربهم ينسلون) يس آية51
فالاجداث هي القبور وقد مر ما هو المراد من هذه القبور مكرراً وانها هي الجهالات والضلالات والمعتقدات الفاسدة التي دفنوا فيها انفسهم فاذا خرجوا منها الى الحياة الايمانية والهداية فقد خرجوا من تلك الاجداث وقد تزداد تلك الضلالات والجهالات رسوخاً وتمكناً حتى تعود كالارض التي استحالت القبور اليها لبعد زمنها وتطاول عهدها فاذا آمن وهدى فقد حيي وتشققت عنه تلك الارض وهذا معنى قوله تعالى ( يوم تشقق الارض عنهم سراعا) ق آية44 . هذا وقد مر عليك ان ابن رشد اشار الى ان عودة الاجسام هذه الى ما كانت عليه من المحال ذلك ان ظاهر تربة الارض اذا تأملتها تجد انها جثث الموتى ومن هذا التراب قد حصل النبات والزرع والفواكه واكلها ابن آدم والدواب فعادت ابدانا ثم انحلت الى اتربة كالسابق وهكذا فاذا حضر الناس المحشر المعروف عندهم كان بعض ابدانهم بعضاً لابد ان الآخرين فاما ان تعاد تلك الابعاض في كل واحد منها وهو محال لعدم امكان ان يكون الجزء الواحد بعينه في آن واحد في اشخاص متعددة متباينة او يعاد في البعض منهم ويبقى الآهرون ناقصة اجسامهم او يستعاض لسد ذلك النقص من مثلها فلا تكون تلك الاجسام كاملة بعينها فثبت بهذا ان اعادة جسم الشخص بعينه محال وان اعيدت اجسام اخرى تماثل اجسامهم البالية فلم يعاد الجسم الذي اطاع او عصى بل جسم آخر ليس بالعير ولا بالنفير لا دخل له بهذه الاعمال بل جسد الانسان في شبابه غيره في كهولته وفي شيخوخته غيره في هرمه فالجسد في تكون وانحلال طيلة حياة الانسان وبعد مضي مدة من الزمن لا يبقى شيئ من مواد الجسم التي كانت قبلها فلو فرضنا انه يلزم عقاب هذا الجسم او اثابته لاشتراكه في الطاعة او العصيان فعندها يلزم استمرار البدن على التكون والانحلال بنفس الذرات والعوارض من حين بلوغ الشخص سن التكليف الى حين الموت حتى تنال كل ذرة من ذرات البدن ثوابها او عقابها وهذا مستحيل فقبت بهذا استحالة عود جسم الانسان ثانية بعد انحلاله الى حالته الاولى .
وقد جاء في شرح الاحياء للعلامة الزبيدي عن شارح المقاصد انه قال:
" قد بالغ الامام الغزالي في تحقيق المعاد الروحاني وبين انواع الثواب والعقاب بالنسبة الى الارواح حتى سبق الى كثير من الاوهام ووقع في السنة العوام انه ينكر حشر الاجساد افتراء عليه كيف وقد صرح به في مواضع من الاحياء وغيره وذهب الى ان انكاره كفر أ.هـ."
وانما سبق هذا الوهم للناس لانهم يظنون ان القول بالمعاد الروحاني ينافي القول بحشر الاجساد اي حشر الناس باجسادهم هذه وليس بينهما منافاة لان المعاد الروحاني يكون في عالم ما بعد الموت واما حشر الاجساد فيكون في هذا العالم وذلك عند ارسال كل رسول بتشريع جديد وليس في عالم ما بعد الموت لذلك قال عليه الصلاة والسلام ( أنا الحشر) ذلك لان الناس الذين آمنوا به حشروا على قدمه وتحت لوائه فبذلك صاروا امة له وسيأتي بحث الحشر انشاء الله تعالى ولا شك في ان الامام الغزالي هو من اولئك العلماء القليل وجودهم الذين يعرفون ان القيامة المعروفة بين الناس ليست هي القيامة على حقيقتها كما جاء في كتابه " المضنون به على غير اهله" عند تكامه على قول النبي صلى الله عليه وسلم ( من مات فقد قامت قيامته) قال والقيامة الكبرى ميعاد عند الله تعالى لا يجليها لوقتها الا هو وعلمها عند الله والاوقات والازمنة ان كان فيها تشابه فلكل واحد منها خواص ببعض انواع الوجود يعتبر ذلك في اوقات الحرث والنسل وغيرهما أ.هـ.
عمار – ان الادلة هذه التي اوردتها في اثبات المعاد الروحاني كلها ادلة قاطعة لا مرية فيها ولكننا لم نسمع من احد من العلماء من اشار الى هذا المعاد او تكلم عنه .
زيد – ان القائلين بالمعاد الروحاني وسائر المحققين من علماء الامة يرون ان في الشريعة اسراراً يحرم افشاؤها لغير اهلها وفي غير زمانها.

اسرار الشريعة محم افشاؤها
عمار – وهل في الشريعة اسرار
زيد – نعم ولذلك ترى العلامة ابن رشد يقول في كتابه فصل المقال ما نصه :" ونحن نعلم قطعاً انه لا يخلو عصر من الاعصار من علماء يرون ان في الشرع اشياء ى ينبغي ان يعلم حقيقتها جميع الناس وذلك بخلاف ما عرض في العمليات فان الناس كلهم يرون افشاؤها لجميع الناس على السواء ويكتفي حصول الاجماع فيها بان تنتشر المسألة فلا ينقل الينا فيها خلاف فا هذا كاف في حصول الاجماع في العمليات بخلاف الامر في العلميات" أ.هـ.
فترى ابن رشد عليه الرحمة يصرح بانه لا يخلو عصر من الاعصار من علماء يرون ان في الشرع اشياء لا يجوز ان يعلم بحقيقتها جميع الناس وحتى قال في نفس الكتاب روى عن كثير من السلف الاول فضلاً عن غيرهم ان هناك تأويلات لا يجوز الافصاح بها الا لمن هو من اهل التأويل.
عمار – ماذا يريد بقوله العمليات والعلميات ؟
زيد – الدين نوعان امور خبرية اعتقادية وامور طلبية عملية فالاول كالعلم بالله وملائكته ورسله واليوم الآخر ويسمى هذا النوع اصول الدين ويسمى الجدال فيه بالعقل كلاماً ويسمى عقائد ويسمى المسائل العلمية وعلم المكاشفة والمسائل الخبرية.
والثاني الامور العملية الطلبية من اعمال الجوارح والقلب كالواجبات والمحرمات والمستحبات والمكروهات والمباحات. فالامر والنهي من حيث انه علم واعتقاد يدخل في القسم الاول ومن حيث كونه مأموراً به او منهياً  عنه يدخل في القسم الثاني.
وقال الامام الغزالي في كتاب الاحياء ص65 من هامش الجزء الثاني من الزبيدي على الاحياء" اعلم ان انقسام هذه العلوم – يعني العلوم الاعتقادية – الى خفية وجلية لا ينكرها ذو بصيرة وانما ينكرها القاصرون الذين تلقفوا في اوائل الصبا شيئاً وجمدوا عليه فلم يكن لهم ترق الى شأ العلا ومقامات العلماء والاولياء وذلك ظاهر من ادلة الشرع قال صلى الله عليه وسلم ( ان للقرآن ظاهراً وباطناً وحدّاً ومطلعاً) وقال علي رضي الله عنه واشار الى صدره " ان ههنا علوماً جمه لو وجدت لها حمله" وقال صلى الله عليه وسلم ( نحن معاشر الانبياء امرنا ان نكلم الناس على قدر عقولهم) وقال صلى الله عليه وسلم ( ما حدث احد قوماً بحديث لم تبلغه عقولهم الا كانت فتنة عليهم) وقال الله تعالى ( وتلك الامثال نضربها للناس وما يعقلها الا العالمون) وقال صلى الله عليه وسلم ( ان من العلم كهيئة المكنون لا يعلمه الا العالمون بالله تعالى )(1) الحديث الى لآخره كما اوردناه في كتاب العلم وقال صلى الله عليه وسلم ( لو تعلمون ما اعلم لضحكتم قليلاً وبكيتم كثيراً) "فليت شعري ان لم يكن سراً منع من افشائه لقصور الافهام عن ادراكه او لمعنى آخر فلما لم يذكره لهم ولا شك انهم كانوا يصدقونه لو ذكره لهم وقال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله عز وجل ( الله الذي خلق سبع سموات ومن الارض مثلهن يتنزل الامر بينهن) لوذكرت تفسيره
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)            تتمة الحديث " فاني انطق به فلا ينكره الا اهل الغرة بالله" الديلمي عن ابي هريرة. المؤلف

لرجمتموني، وفي لفظ آخر لقلتم انه كافر " وقال ابو هريرة "ر ض" حفظت عن رسول الله وعائين من العلم أما احدهما فبثَثته وأما الآخر لو بثثته لقطع هذا الحلقوم وقال صلى الله عليه وسلم ( ما فضلكم ابو بكر بكثرة صيام ولا صلاة ولكن بسر وقر في صدره) رضي الله عنه ولا شك في ان ذلك السر كان متعلقاً بقواعد الدين غير خارج منها وما كان من قواعد الدين . لم يكن خافياً بظواهره على غيره وقال سهل التستري "ر ض" للعالم ثلاثة علوم علم ظاهر يبذله لاهل الظاهر وعلم باطن لا يسعه اظهاره الا لأهله وعلم هو بينه وبين الله تعالى لا يظهر لاحد" الى ان قال" فمن قال ان الحقيقة تخالف الشريعة أو الباطن يناقض الظاهر فهو الى الكفر اقرب منه الى الايمان" أ.هـ.
وجاء في تفسير العلامة ابي الثناء الالوسي ابيان للامام السجاد علي زين العابدين عليه السلام في هذا المعنى قوله :
اني لاكتم من علمي جواهره      كي لا يرى الحق ذو جهل فيفتتنا
فقد تقدم في هذا ابو الحسن       الى الحسين واوصى قبله الحسنا
فرب جوهر علم لو ابوح به       لقيل لي انت ممن يعبد الوثنا
ةلاستحل رجال مسلمون دمي      يرون اقبح ما يأنونه حسنا
وقال الامام الغزالي في كتابه قانون التِأويل ص10 لا ينبغي ان يستبعد استتار بعض هذه الامور" يعني اسرار الشريعة" على اكابر العلماء فضلاً عن المتوسطين أ.هـ.
وهذا قليل من كثير مما ورد في هذا الشأن على ان تلك الاسرار قد اشتمل عليها القرآن الكريم لقوله تعالى ( مافرطنا في الكتاب من شيئ) انعام آية 38 وقوله ( ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيئ) النحل آية 89 فكم من سر قد نبهت اليه عبارته او أومت اليه اشارته.هذا وحرمة افشاء هذه الاسرار ليس مطلقا بل كما قيل " ما كل ما يعلم يقال ولا كل ما يقال حان وقته ولا كل ما حان وقته حضر اهله" فاذا حان الوقت وحضر الاهل فلا مانع من افشائها لهم وان احتيج اليه وجب ذلك .
فلذلك ترى بعض علماء الامة اذا ذكروا سرا من الاسرار بوضوح تعقبوه بقول معارض او قدموه عليه او جاءوا بذاك السر من غير مظانة او في عبارات معقدة يصعب على الكثير فهمها كما تجده في كثير من كتب علماء التصوف على الاخص كل ذلك خوفاً من افشاء الشيئ الى غير اهله او الدخول في زمرة الكاتمين لما انزل من البينات قال تعالى ( ان الذين يكتمون ما انزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب اولئك يلعنهم الله ويلعنهم الا اللاعنون الا الذين تابوا واصلحوا وبينوا فاولئك اتوب عليهم وانا التواب الرحيم) البقرة آية 159 و160 قال العلامة الرازي في تفسير هذه الآية ص46ج2 " قال القاضي الكتمان ترك اظهار الشيئ مع الحاجة اليه وحصول الداعي الى اظهاره لانه متى لم يكن كذلك لا يعد كتماناً" أ.هـ. ووقت الاحتياج لكشف هذه الاسرار انما هو في زمن الدعوة التالية لدعوة محمد صلى الله عليه وسلم
فلذلك ترى العلامة الرازي اشار اليه من طرف خفي عند تفسيره الآية المارة واليك نص التفسير " احتج من خص الآية بأهل الكتاب ان الكتمان لا يصح الا منهم في شرح نبوة محمد صلى الله عليه وسلم اما القرآن فانه متواتر فلا يصح كتمانه قلنا القرآن قبل صيرورته متواتراً يصح كتمانه والمجمل من القرآن اذا كان بيانه عند الواحد يصح كتمانه وكذلك القول فيما يحتاج الكلف اليه من الدلائل العقلية أ.هـ.
فترى ان الرازي عليه الرحمة اورد قول القائلين بان الكتمان لا يحصل من هذه الامة وانما يحصل من اهل الكتاب لانهم كتموا شرح نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ورده فقال يصح الكتمان منا ايضا يعني ان هذه الآية ليست مختصة بأهل الكتاب بل هي عامة شاملة لنا ايضاً. وقال ان الآيات المجملة اذا كان بيانها عند واحد يصح كتمانها وهذا يعني بان الايات المجملة التي في القرآن كالآيات المجملة التي في كتب اهل الكتاب التي كتم علماؤهم بيانها لامتهم فحاقت بهم لعنة الله ولعنة اللاعنين.
اما الان وقد جاء صاحب الوقت وسيد الاكوان ونور الزمان وانسان العين وعين الانسان حضرة بهاء الله فوجب على العلماء اظهار تلك الاسرار ليتجلى الامر وتعرف الناس صدق دعوة حضرنه ووجوب طاعته عليهم والانصياع لامره المبارك فينجوا من سخط الله وعذابه ويدخلوا جنة رضوانه ودار كرامته .
عمار – لقد اظهرت لنا من الشريعة السمحاء ما كنا في جهل منه ولنرجع الى بحثنا.

ونكمل معا في القادم ......القيامة الوسطى.

No comments:

Powered By Blogger