تبيان وبرهان (15)
بحث القيامة الكبرى وادلة الكتاب عليها
عمار – فما هي ادلتك على ان القيامة
الكبرى هي قيام رسول لله بالدعوة .؟
زيد – اليك بعضها :
الدليل الاول – قد تقدم في بحث القيامة الصغرى اثبات ان كل انسان بعد موته الطبيعي ينال
ثوابه او عقابه مباشرة بالبراهين القطعية والقيامة المشهورة بين النس كما مر
تقريرك لها انما هي محاكمات ومحاسبات لكافة البشر فينال كل انسان ثوابه او عقابه
بعدها حيث ان كل انسان قد نال ثوابه أو عقابه على الفور، ودخل فيما أعد له من جنة
او نار. فهل بعد هذا، وقد تم كل شيئ يكون حساب آخر؟!.
عمار – كلا، اذ لا يوجد ما يحاسب عليه.
زيد – اذن، ليس هناك من قيامة أخرى تكون
بعدالموت الطبيعي ، وثبت المطلوب:
وأعلم ياعمار!.. إن القيامى الشائعة بين النس هي القيامة الكبرى باوصافها
واحوالها ، ولكنهم يرون أنها هي الي تكون بعد الموت الطبيعي، وينال الانسان فيها
جزاءه الاخير ، من ثواب او عقاب. فجعلوا القيامتين قيامة واحدة. وجعلوا وقت
قيامها، بعد موت الناس جميعهم وهذا امر متوهم لا وجود له لما علمت من ان نيل كل
انسان ثوابه أو عقابه يكون بعد موته مباشرة وهي القيامة الصغرى. وان القيامة
الكبرى تكون في هذا العالم كما ستعرفه انشاء الله من الأدلة الآتية .
والناس اذا ذكروا القيامة، ارادوا بها القيامة التي ينال بها الانسان
المكافأة والمجازاة، بعد موته على اعماله وهذا اشبه بانهم يريدون بها القيامة
الصغرى، غير انه وصفهم أياها باوصاف القيامة الكبرى وأحوالها وجعلهما في زمن هو
بعد موت العالم الانساني، يجعل هذه القيامة أمراً وهمياً لا وجود له .
الدليل الثاني – ان القيامة المعروفة عند الناس عبارة عن وقوع امور وحدوث أحوال مذكور
بعضها في القرآن وبعضها في الاحادث النبوية وبعض منها دائر على الالسنة وتجري كل
هذه الامور على ظاهرها وتقع كلها كما ذكرت من نفخ الصور ةخراب العالم وهدم الجبال
وتبدل الارض وغير الارض وطي السموات والنفخ بالصور ثانية وقيام الناس من قبورهم
بعد تشققها عنهم وترد ارواحهم الى اجسامهم ثم يساقون الى المحشر حفاة عراة غرلا
ويوضع الصراط والميزان ويأتي الله جل جلاله للفصل بين العباد الى آخر ماهو مشهور
وذائع وهذه الامور كلها معروفة بين النس ومشهورة يتحدث فيها العالم كما يتحدث فيها
الجاهل ويعرفها الصغير كما يعرفها الكبير لا يخفي شيئ منها على أحد وهذا خرف
لتصريح آيات الكتاب الهزيز في ان الساعه لا يعلم احد من الناس ما هي ولا وقت
وقوعها فاذا كان الامر كذلك كانت القيامة المعروفة بين الناس ليست هي القيامة التي
جاء بها القرآن.
عمار – كيف؟
زيد – قال تعالى : ( يسألونك عن الساعة
أيان مرساها قل انما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها الا هو ثقلت في السموات
والارض ى تأتيكم الا بغتة يسألونك كأنك حفي عنها قل انما علمها عند الله ولكن اكثر
الناس لا يعلمون) الاعراف آية187
فقوله تعالى شأنه ( انما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها الا هو ) وقوله :
( قل انما علمها عند الله ) بيان واضح في حصر علمها ومعرفتها عنده تعالى فلا يكشف
أمرها الناس ولا يظهر حقيقتها لهم الا هو وذاك وقتها المعين وقوله ( لا تأتيكم الا
بغتة) يوضح لك ان الناس لا يعلمون وقت وقوعها ايضا لان المباغت في المجيئ لا يعلم
زمن مجيئه قال العلامة البيضاوي في تفسير هذه الآية ( قل انما علمها عند ربي)
استأثر به لم يطلع عليه ملكاً مقرباً ولا نبياً مرسلاً (لايجليها لوقتها) لا يظهر
امرها في وقتها الا هو والمعنى ان الخفاء بها مستمر عن غيره الى وقت وقوعها واللام
للتأقيت كاللام في قوله تعالى ( اقم الصلاة لدلوك الشمس) أ.هـ. فقوله ان اخفاء بها
مستمر الى وقت وقوعها يعني ماهيتها وحقيقتها مجهولة للناس فاذا وقعت علمت ماهي
وقال العلامة تقي الدين بن تيميه في كتابه " الا كليل في المتشابه
والتأويل" بعد ان اورد الآية المارة وقوله تعالى( يسألك الناس عن القيامة قل
انما علمها عند الله وما يدريك لعل الساعة تكون قريباً) الاحزاب آية63 قال فاخبر
انه ليس علمها الا عند الله وانما علم وقتها المعين وحقيقتها أ.هـ. يعني المجهول
ههنا اثنان احدهما حقيقة القيامة اي ماهي وثانيهما وقتها المعين لوقوعها وهناك امر
ثالث مجهول كذلك وهو انه تقع الواقعة وتقوم القيامة والناس في غفلة عنها لا يعلمون
بوقوعها قال تعالى ( وانذرهم يوم الحسرة اذ قضي الامر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون)
مريم آية39 فيوم الحسرة يوم القيامة اذ قضي الامر اي قامت القيامة بقيام الرسول
بالدعوة وهم في غفلة لانصراف افكارهم عنها الى القيامة الموهومة التي تحللت
افكارهم فلا يالفت انظار الناس لها ولا يخبرهم عن وقوعها الا الله جل وعلا. على
لسان رسوله قال تعالى ( لا يجليها لوقتها الا هو).
ولما كانت القيامة الواردة في القرآن الكريم لا يعلمها احد والقيامة
المشهورة عند الناس لا يجهلها احد اذن ثبت ان القيامة المذكورة في القرأن هي
المشهورة بين الناس وهو المطلوب.
وليس المراد من عدم معرفة الناس القيامة انه لا احد يعلمها البتة بل قد
يوجد من يعرفها ولكن على قلة وندور.
قال علماء الاصول لم يرد عام الا وهو مخصص الا في قوله تعالى ( وهو بكل شيئ
عليم) البقرة آية29 فهو جل وهلا لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الارض ولا في السماء
والتخصيص يقع في الخبر كما يقع في الامر قال تعالى( وفي عاد اذ ارسلنا عليهم الريح
العقيم ما تذر من شيئ اتت عليه الا جعلته كالرميم) الذاريات آية41و42 فلقد مرت هذه
الريح على الجبال والارض ولم تجعلها رميما. فخصصت هذه بالبقاء من بين ما جعل رميما
ففهم البعض النادر من العلماء لبعض الآيات الدالة على القيامة فهما حقيقياً لا
ينافي حصر علمها به تعالى.
الدليل الثالث – قال تعالى ( كما بدأكم تعودون فريقاً هدى وفريقاً حق عليهم الضلالة انهم
اتخذوا الشياطين اولياء من دون الله ويحسبون انهم مهتدون) الاعراف آية29 و30.
قد يراد بالعود عود الروح الى تجردها عن البدن بعد مفارقته او عود البدن
الى التراب او عودهم حفاة عراة غرلا كما فسره بعض المفسرين ولكن الآية تأبى ذلك
كله لانها تصف العود الى التفرق الى فرقتين الفريق المهتدي والفريق الضال وعود
الروح للتجرد عن البدن بعد مفارقته اياه يكون اما للمكافأة واما للمجازاة وانما
يصيرون الى نتائج ضلالهم او هدايتهم ولا ضلالة ولا هداية هناك اما العود الى
فرقتين فرقة الهداية وفرقة الضلالة فهي في هذا العالم فلننظر متى كنا منقسمين الى
فرقتين ثم نعود لمثلها.
فبالبداهة نجد ذلك في زمن اول رسول ارسل للناس لقوله تعالى:( كان الناس امة
واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين) البقرة آية213 فمن اتبع الرسول فقد هدي
ومن بقي على ماهو عليه من الكفر حق عليه الضلالة فكلما ارسل رسول بتشريع جديد عاد
الناس لفرقتين وقامت القيامة فكذلك العود ههنا قال العلامة البيضاوي في تفسير هذه
الآية" وقيل كما بدأكم من تراب تعودون اليه وقيل كما بدأكم حفاة عراة غرلا
تعودون باعادته فيجازيكم على اعمالكم فاخلصوا له العبادة وانما شبه الاعادة
بالابداء تقريرا لامكانها والقدرة عليها وقيل كما بدأكم مؤمناً وكافراً يعيدكم
فريقا هدى بان وفقهم للايمان وفريقا حق عليهم الضلالة بمقتضى القضاء السابق
وانتصابه بفعل يفسره ما بعده اي وخذل فريقاً انهم اتخذوا الشياطين اولياء من دون
الله تعليل لخذلانهم او تحقيق لضلالهم ويحسبون انهم مهتدون يدل على ان الكافر مخط~
والمعاند سواء في استحقاق الذم وللفارق ان يحمله على المقصر في النظر أ.هـ. فهذا
العلامة البيضاوي قد اغفل الاقوال الثلاثة الاول واتم تفسيره على القول الرابع وهو
كما بدأكم مؤمناً وكافراً الى آخره لاستصوابه اياه ولان الآية نفسها فسرت العود
الى فريقاً هدى وفريقاً حق عليهم الضلالة والعود هو المعاد المعروف وهو القيامة
ومعنى الآية كما بدأكم في اول الدورة للرسل فريقاً هدى فآمن وفريقاً بقى على كفره
فحق عليه الضلالة كذلك تعودون في الدورة الثانية فريقاً هدى فآمن ببهاء الله
وفريقاً لم يؤمن فحق عليهم الضلالة فهذا هو المعاد والقيامة وهي قيام مظهر الله
على امره فيهتدي به من يهتدي ويؤمن به فيفوز بالنجاة والجنة ويضل من يضل لكفره به
وابتعاده عنه فيحيق به العذاب ويدخل جهنم. وألفت نظرك ياعمار الى ماقاله السيد
البيضاوي من ان استحقاق العذاب على من لا يؤمن فيشمل المخطئ والمعاند ذلك لان
الآية قسمت الناس الى مهتد وضال والضال يستحق العذاب وهو يشمل المخطئ والمعاند
والظاهر هو ان المخطئ لا يستحق العذاب. فأجاب البيضاوي عن ذلك بقوله يحمل على
المخطئ المقصر بالنظر ذلك لانه يجب على الانسان اذا سمع بقيام رسول بالدعوة ان
يتحرى الحقيقة على الفور والا عدّ مقصراً واستحق العذاب فلأجل ذلك قال وللفارق ان
يحمله على المقصر بالنظر.
فانظر كيف ان هذا الامر عظيم فيجب فيه الاسراع الى تحري الحقيقة والفوز
بالاسبقية في الايمان فمن تمعن في فهم الآية وفي تفسير المفسر السيد البيضاوي لها
يعلم ماهو المعاد علماً يقيناً.
فالآية قد اوضحت المعاد ايضاحا لم يبق معه اي اشكال والدعوة هذه تكون مرتين
متتاليتين الاولى دعوة السيد الباب والاخرى دعوة حضرة بهاء الله قال تعالى( يوم ترتجف
الراجفة تتبعها الرادفة) النازعات آية 6و7 وقال تعالى( واذا الرسل أقتت لأي يوم
اجلت لوم الفصل) المرسلات11-13 فالرسل لها اوقات معينة لارسالها ومتى يكون هذا
الوقت والأجل يكون يوم الفصل وهو يوم القيامة فكلما جاء رسول بتشريع قامت القيامة.
ونتابع الدليل الرابع........
No comments:
Post a Comment