تبيان وبرهان (18)
امارات القيامة الحسية التي في سورة الانفطار
اما
سورة الانفطار فقد قال تعالى( اذا السماء انفطرت واذا الكواكب انتثرت واذا البحار
فجرت واذا القبور بعثرت علمت نفس ما قدمت واخرت ) وتقع بالنسبة لتتابع ذكر
العلامات الحسية العلامتان الاخريان منها .
العلامة
الثامنة – وهي العلامة الاولى من العلامات الحسية من سورة الانفطار قال تعالى (
واذا البحار فجرت).
قال
العلامة السيوطي في تفسيره الدر المنثور
في تفسير هذه السورة اخرج ابن جرير وساق الاسناد عن ابن عباس واذا البحار فجرت قال
بعضها في بعض واذا القبور بعثرت قال بحثت.أ.هـ.
فالحديث
قد فسر الآية فالبحار قد فجر بعضها على بعض ورفعت الحواجز التي كانت بينها وقد وقع
هذا بالفعل فالبحر الاحمر فجر على البحر الابيض بفتح قناة السويس سنة 1869 وبح
المحيط الهادي فجر على لبحر الاطلانطيكي برفع برزخ بناما وقد بدىء بفتحه عام 1904
كما جاء في الجغرافية العمومية . وفجر بحر البلطيق على بحر الشمال بحفر قناة كيل
وطول هه القناة 61 ميلاً تقريباً وكانت في سنة 1913 تمر فيه السفن وحدد هذه
التواريخ ما عدا تاريخ بدء فتح قناة بناما القس طبريا الصيني الحلبي اللبناني في
كتابه " تاريخ الاكتشافات الحديثة والاختراعات"
اما
العلامة التاسعة – وهي العلامة الثانية من العلامات الحسية في سورة الانفطار قوله
تعالى ( واذا القبور بعثرت) قال العلامة فخر الدين الرازي في تفسيره ان بعثر وبحثر
بمعنى واحد وفي بعض الاقوال التي اوردها قال والثاني انها تبعثر لاستخراج ما في
بطنها من الذهب والفضة.أ.هـ.
هذا
ماقاله الامام فخر الدين الرازي وهو ما كان يحتمله تبعثر القبور اذ ذاك واما الآن
فليس الامر قاصرا على الذهب والفضة بل تبعثر القبور ايضاً لاستخراج الآثار القديمة
منها كما بعثرت قبور الاشوريين والكلدانيين في العراق لاستخراج الآثار القديمة
منها . وكما بعثرت الاهرامات في مصر وهي قبور الفراعنة وكما بعثرت قبور اخرى في
بلاد اخرى ولم يكن تبعثر القبور في ازمنة ما قبل القرن الثاني عشر الهجري الا
نادراً وذاك بالعثور عليه مصادفة فيخرجون بعض ما فيه من امتعة واما الآن فليس
الامر كذلك بل يقصدون القبور نفسها ويحفرونها لا ستخراج ما فيها فيبعثرونه ههنا
وههنا فترسل الى هذا المتحف وذاك المتحف.
قال
الاستاذ كارتر في كتابه " علم الآثار" الذي نقله الى العربية الافاضل
محمود حمزة امين المتحف المصري والدكتور زكي محمد حسن امين دار الآثار العربية قال
– "وفي القرن التاسع عشر بدىء التنقيب في مناطق المباني والمعابد اليونانية
الاخرى في البحث عن التماثيل التي كانت تزينها فيما مضى الى ان قال وحوالي منتصف
القرن التاسع عشر استطاع بعض المكتشفين والمنقبين من الانكليز ان يأتوا الى انكلترا
بتمائيل كثيرة بديعة النحت من المدن اليونانية الاصل في آسيا الصغرى وقال في دراسة
الآثار في بلاد اليونان اسست فيها اي في اثينا مدارس اجنبيه للآثار. فالمدرسة
الفرنسية سنة 1842م والالمانية والامريكية والبريطانية وغيرها بفترات متعددة وعملت
كلها على الكشف والتنقيب في الاراضي اليونانية. وقال في البحث في المناطق الاثرية
خارج بلاد اليونان اما في غير بلاد اليونان فان قوانين الآثار كانت الى وقت قليل
اقل صرامة في معظم الاحوال" انتهى
فهذه
العلامات كلها قد وقعت وهي حسية ماثلة للعيان لا تحتاج لبرهان او دليل شاهدة بانه
قد وقعت الواقعة وقامت القيامة فهل بعد هذا يبقى لمنصف من شك او استرابة. فهل يمكن
ان يكون كل هذا من المصادفات يا عمار.
عمار – كلا فانه لم يكن هذا من المصادفات ولكنه برهان
واضح فهل هناك يا زيد براهين اخرى حسية غير ما ذكرت .
زيد – نعم هناك علامات حسية اخرى في كثير من سور القرآن
لا نستطيع حصرها ولنكتف بما ذكرنا.
الامارات المعنوية الواردة في سور التكوير والانفطار والانشقاق
ولنشرع
بالمعني منها لنتم ما نحن بصدده ففي اول سورة كورت علامتان اولاهما "اذا
الشمس كورت" والثانية "واذا الجبال سيرت".
فالعلامة الاولى
- (اذا الشمس كورت) اي اذا
ذهب ضوؤها قال العلامة الرازي في تفسيره" قال الحسن محي ضوؤها" وقال
وفيه قول ثالث يروى عن ابن عمر انها لفظة مأخوذة من الفارسية فانه يقال للاعمى كور
. أ.هـ.
والمراد
من تكوير الشمس ههنا هو ان تظلم شمس الاحكام والاوامر والنواهي الشرعية التي كانت
مرتفعة في الرسالة السابقة وانارت لاهل تلك العصور فوجه التشبيه بين الشمس
المعروفة وهذه المعارف هو انه كما ان حرارة الشمس وضياءها تربي الاشياء الظاهرة
كذلك هذه العلوم تربي الناس في حياتها واخلاقها وصلاتها الاجتماعية فالعلوم
الدينية لما نسخت بشريعة حضرة بهاء الله لم يعد بعد لها نفع ولا فائدة فترى مثلا
ان الفقه الذي كان يعتز باحكامه في كل صقع من الاصقاع الاسلامية المحمدية لم يعد
ينتفع به الآن فكتاب البيوع منه والجنايات قد عوضت عنها بالقوانين الوضعية واما
العبادات فالاكثرية الساحقة من الامة قد تركتها بالفعل فلم يبق من يعتد بالعبادة
الا النزر القليل فعلى ذلك لم يبق ما يعتد به منها الا ما يتعلق بالاحوال الشخصية
في بعض البلاد وهذا ايضا آخذ بالتبدل شيئا بعد شيء اما بقية العلوم الدينية
ومتعلقاتها فاعتاض الناس عنها بالعلوم الحديثة ومن درس تلك العلوم لم يجد ما يقوم
بمصرفه اليومي وهذا معنى تكوير الشمس.
العلامة الثانية
– (واذا الجبال سيرت)
تستعار الجبال لعظماء الرجال ومن يستند اليه في مهمات الامور فيقال فلان جبل لا
يتزحزح روى البخاري في المغازي من حديث النعمان بن بشير قال اغمي على عبد الله بن
رواحة فجعلت اخته تقول واجبلاه وا كذا وا كذا .أ.هـ.
تريد
انه الجبل الذي تستند اليه في مهامها وامورها ويراد بها ههنا الملوك والوزراء وما
اليهم فقد دونت كل حكومة دستوراً لها تتبعه لا تتخطاه ولا تتعداه فهي مسيرة به.
فحدد الدستور كل سلطة للمتنفذين في البلاد كذلك واول دستور دون دستور الولايات
المتحدة الذي وضعته لنفسها عا 1776 ثم دستور فرنسا 1791 وتوالت الدساتير المكتوبة
في سائر الدول منذ القرن التاسع عشر بحيث لم تشذ عن هذه القاعدة الا انكلترا التي
ما زالت محتفظة بدستور عرفي في معظم اجزاء دستورها وان كانت قد دونت لها دستوراً
في عهد بعيد وهذه الدساتير المدونة قد حددت سلطات الطبقة الحاكمة بطائفة من
المبادئ وهذا تسيير الجبال.
العلامة الثالثة والرابعة والخامسة – قوله تعالى ( واذا السماء كشطت) وفي سورة الانفطار
واذا السماء انفطرت وفي سورة الانشقاق واذا السماء انشقت . ففي شرح القاموس
للزبيدي السماء كلما علاك فاضللك ومنه سقف كل شيء وكل بيت.
وقال
العلامة الاصفهاني في كتابه مفردات القرآن في لفظ السماء. قال بعضهم كل سماء
بالاضافة الى ما دونها فسماء وبالاضافة الى مافوقها فأرض .أ.هـ.
وقد
استعير ههنا للدين لأن الناس تستظل به كما تستظل بسماء البيت. فانطار هذه السماء
وانشقاقها وقشطها يدل على ان عدم صلاحيتها للاستظلال بها يأخذ بالتدريج. لما مر من
تكوير الشمس احكام الشريعة السابقة ومجيء رسالة جديدة بتشريع آخر.
العلامة السادسة والسابعة – قوله تعالى ( واذا
الجحيم سعرت) اذا اوقدت ايقاداً شديداً ( واذا الجنة ازلفت) اي دنت، ذلك اذا قام
رسول بالدعوة فقد دنت الجنة وسعرت النار فمن آمن دخل جنة رضاء الله ومن لم يؤمن
وبقى في ضلاله حل في الجحيم المسعر.
العلامة الثامنة والتاسعة – جاء في سورة
الانفطار ( واذا الكواكب انتثرت) تساقطت وزالت من مراكزها وجاء في سورة المرسلات
(واذا النجوم طمست) اي زال نورها ومحي ضوؤها والنجوم ههنا يراد بها العلماء فبهم
يهتدي الناس كما يهتدي الساري بالنجم فلهذا استعير لفظة نجوم للعلماء قال علية
الصلاة والسلام ( اصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم.)
قال
العلامة المناوي في شرحه الجامع الصغير عند تكلمه على حديث " النجوم أمنة
للسماء" رقم 9312.
قال
الترمذي الحكيم في حديث اصحابي كالنجوم بأهم اقتديتم اهتديتم " ليس كل من
لقيه وتابعه او رآه رؤيةً واحدة دخل فيه انما هم من لازمه غدواً وعشياً فكان يتلقى
الوحي منه طوياً ويأخذ عنه الشريعة التي جعلت منهاجاً للامة وينظر منه الى ادب
الاسلام وشمائله فصاروا من بعده ائمة ادلة فبهم الاقتداء وعلى سيرتهم الاحتذاء
وبهم الامان والايمان" .أ.هـ. فالمراد اذن في قوله صلى الله عليه وسلم اصحابي
كالنجوم العلماء منهم شبههم بالنجوم وقد يحذف كاف التشبيه والمشبه للمبالغة في
التشبيه كما في قوله تعالى والنجم اذا هوى.
وقال
العلامة الديريني في تفسيره المنظوم المسمى بالتيسير في تفسير هذه الآية:
وقيل
بالنجم الثريا يستر وقيل بالعالم حين
يقبر
أي
ان العالم اذا قبر قيل هوى النجم ففسر النجم بالعالم هكذا القول في قوله تعالى
واذا النجوم طمست اي زال نورها والنور الهداية أي اذا زال تأثير هدى العلماء
وارشاداتهم للناس وانطمس ذلك النور ومع زوال هذا التأثير منهم في اصلاح الناس
كانوا باقين مدة من الزمن في مراكزهم من نفوذ كلمتهم والهيمنة على الناس ثم زالت
تلك الهيمنة وذلك النفوذ فذلك قوله تعالى (واذا الكواكب انتثرت) اي زالت من
مراكزها وتساقطت من اعين الناس فزال نفوذهم كما ترى اليوم من حال العلماء فلا طول
لهم ولا حول ولا يسمع لهم كلمة بعد ما كان لهم قبل ظهور حضرة الباب بل وبعد زمانه
بقليل الصولة والجولة في الممالك الاسلامية الايرانية والعثمانية والكلمة النافذة
في كل شيء وحكمهم لا يرد.
العلامة العاشرة
– (واذا الارض مدت) الارض
هنا المراد بها ارض القلوب قال الراغب الاصفهاني علية الرحمة في كتابه مفردات
القرآن في قوله تعالى " ( يُحيي الارض بعد موتها) قال بعض المفسرين يعني به
تلين القلوب بعد قساوتها .أ.هـ."
وقال
العلامة الخازن في تفسيره قوله تعالى ( انزل من السماء ماء فسالت اودية بقدرها)
الرعد آية17. قال ابن عباس أنزل من السماء ماء يعني قرآناً وهذا مثل ضربه الله
تعالت فسالت اودية بقدرها يريد بالاودية القلوب واطال البحث والاستعارات في لغة
العرب تستعمل اكثر من الصريح وقوله (مدت) أي اتسعت وصارت تقبل اموراً معقولة كانت
تنكرها قبل ( والقت ما فيها وتخلت) أي اخرجت ما كان فيها من نكران الحق
والاعتقادات الباطلة وتخلت عنها وذلك بسبب ايمانها بالمظهر الكريم . حضرة بها الله
بما نزل عليها من سحائب الرحمة الالهية فاصبحت رياضاً للمعرفة ومنبعاً للعلم
والحكمة وحسبك ان ترى اصحاب سيدنا خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم كيف كانوا
في جاهليتهم وكيف صاروا بعد ايمانهم وعليهم فقس ووف الكيل.
والآيات
التالية ياعمار – سيتضح لك معانيها فيما يأتي من أبحاث غير أن هناك في آخر السورة
ما ينبغي علينا إيضاحه ههنا قال تعالى- (فلا أقسم بالشفق والليل وما وسق والقمر
اذا اتسق لتركبن طبقاً عن طبق فما لهم لا يؤمنون) الانشقاق آية 16-20 الخطاب هذا
لأمة محمد صلى الله عليه وسلم و كثير من المفسرين فسروا هذه الآية في اتباع هذه
الامة للامم الماضية في تكذيب من يرسل اليها من الرسل قال العلامة القرطبي في بعض
الوجوه التي اوردها في تفسير هذه الآية"لتركبن سنة من كان قبلكم في التكذيب
والاختلاق على الانبياء .أ.هـ."
وقال
فخر الدين الرازي عليه الرحمة" رابعها أن يكون المعنى لتركبن سنة الاولين ممن
كان قبلكم في التكذيب بالنبوة والقيامة .أ.هـ.
وقال
العلامة البغوي في تفسير هذه الآية قال ابو عبيدة لتركبن سنن من كان قبلكم
واحوالهم ثم ساق سند الحديث الآتي الى أن قال عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى
الله عليه وسلم لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى انهم لو دخلوا
جحر ضب لتبعتموهم قيل يارسول الله اليهود والنصارى قال فمن.أ.هـ.
قال
العلامة الطبرسي ةهة من اكابر علماء الامامية فيما اورده من وجوه التفسير في هذه
الآية قال( وقيل لتركبن سنن من كان قبلكم من الاولين واحوالهم عن أبي عبيدة وروى
ذلك عن الصادق عليه السلام: والمعنى انه يكون فيكم مان فيهم ويجري عليكم ما جرى
عليهم حذو القذة بالقذة).أ.هـ. يعني يكون فيكم ما كان فيهم من رسالة وتكذيب ويجري
عليكم ما جرى عليهم من عقاب وتعذيب.
وهذا
يدلك على أن الكثير من العلماء المتبحرين من الامة المحمدية كانوا يرون الا محيص
من مجيء رسالة بعد رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ومعنى لتركبن طبقاً عن كبق أي
تركبن مركب الامم من قبلكم فيطابق فعلكم فعلهم بتكذيب من يرسل اليكم من الرسل ثم
قال سبحانه وتعالى (فمالهم لا يؤمنون) أي الناس بالرسالة التالية لرسالة محمد صلى
الله عليه وسلم وأعني بها رسالة حضرة الاعلى ورسالة حضرة بهاء الله (واذا قرئ
عليهم القرآن) وقد امتلأ من الدلائل والبراهين على صدق دعوى هذين الكريمين فلم (لا
يسجدون) أي يخضعون لهما ويطيعونهما ( بل الذين كفروا يكذبون بهما. قال العلامة
الرازي في تفسير هذه الآية المعنى ان الدلائل الموجبة للايمان وان كانت جليلة
ظاهرة ولكن الكفار يكذبون بها إما لتقليد الاسلاف وأما الحسد وأما للخوف من انهم
لو اظهروا الايمان لفاتتهم مناصب الدنيا ومنافعها.أ.هـ. وهذا ما هو الواقع اليوم
بعينه مع علم بعض منهم بصحة هذه الدعوة (والله اعلم بما يوعون) يجمعون في صدورهم ويضمرونه(فبشرهم بعذاب
أليم إلا الذين آمنوا) برسوله صاحب الوقت (وعملوا الصالحات) المأمور بها من قبل
هذا الرسول الكريم والكظهر العظيم جمال العالم ونور الكون حضرة بهاء الله. فالذين
آمنوا وعملوا بما امر ( لهم أجر غير ممنون) فهذه العلامات كلها قد وقعت بالفعل
سواء المعنوي منها والحسي.
ونتابع في المقال القادم " دلالة سورة
هود على اتيان حضرة الباب وهو المهدي المنتظر
No comments:
Post a Comment