Friday, April 18, 2008

بيان المقصود من عتاب الله
لحضرات الانبياء في الكتب المقدسة

( السؤال)

ورد في الكتب المقدسة بعض خطابات زجر وعتاب موجهة لحضرات الانبياء
فمن المخاطب بذلك ولمن وجه العتاب؟


(الجواب)
ان جميع الخطابات الالهية التي عوتب بها حضرات الانبياء انما المقصود بها اممهم ولو انها بحسب الظاهر موجهة الى حضراتهم0 وحكمة ذلك محض الشفقة والرحمة للامم حتى لا تتألم نفوسهم ولا تتكدر خواطرهم ولا يكون الخطاب ثقيلا عليهم 0لهذا كان الخطاب بحسب الظاهر موجها الى الانبياء ولكنهم في الحقيقة للامم0وفضلا عن هذا فالسلطان المقتدر المستقل في مملكته انما يمثل شعبه ورعيته 0يعني قوله قول الكل0ومعاهدة يبرمها هي عهد الكل0لان ارادة شعبه ورعيته فانيه في ارادته ومشيئته 0كذلك كل نبي انما يمثل امته وملته 0لهذا فعهد الله وخطابه مع النبي هو عهد وخطاب مع كل الامة 0والغالب ان خطاب الزجر والعتاب يثقل على النفوس ويسبب انكسار القلوب0

لهذا اقتضت الحكمة البالغة توجيه الخطاب في الظاهر لحضرات الانبياء كما ورد في التوراة0 ان بني اسرائيل عصوا وقالوا لحضرة موسى نحن لا نقدر ان نحارب العمالقة لانهم اقوياء اشداء شجعان 0فعاتب الله موسى وهارون مع ان حضرة موسى لم يكن عاصيا0بل كان في نهاية الطاعة0ولاشك ان شخصا جليلا كحضرة موسى هو واسطة الفيض الالهي والمبلغ لشريعة الله لابد وان يكون مطيعا لامر الله 0فهذه النفوس المباركة انما هم كأوراق الشجرة المتحركة بهبوب النسيم لا بارادتها0لان هذه النفوس المباركة منجذبة بنفحات محبة الله0مسلوبة الارادة بالكلية0
فقولهم قول الله وامرهم امر الله ونهيهم نهي الله وهم كهذا الزجاج ضوؤه من السراج ومهما سطع الشعاع من الزجاج بحسب الظاهر فهو في الحقيقة
انما يسطع من السراج0وكذلك حركة انباء الله ومظاهر الظهور وسكونهم بوحي الهي لا عن هوى نفساني0فان لم يكن كهذا كيف يكون ذلك النبي امينا وكيف يكون سفيرا للحق ومبلغا لاوامره ونواهيه0اذا فكل ما جاء في الكتب المقدسة عتابا لمظاهر الظهور هو من هذا القبيل0
الحمد لله انت اتيت الى هنا وتلاقيت بعباد الله فهل وجدت منهم غير رائحة رضا الحق0لا والله0 فقد رأيت بعينيك انهم بالليل والنهار في سعي واجتهاد0وليس لهم من قصد سوى اعلاء كلمة الله وتربية النفوس واصلاح الامم والترقيات الروحانية وترويج الصلح العمومي وحب الخير للنوع الانساني والمحبة لجميع الملل وبذل الروح في خير البشر والانقطاع عن
المنافع الذاتية والخدمة المستمرة لنشر الفضائل بين العالم الانساني ولنرجع الى ما كنا فيه 0مثلا يقول في التوراة في كتاب اشعياء في اصحاح48 اية 12 (اسمع لي يايعقوب واسرائيل الذي دعوته انا هو انا الاول وانا الاخر )ومن المعلوم انه ماكان مراده يعقوب اي اسرائيل بل المقصود بنو اسرائيل0وكذلك يقول في كتاب اشعياء في اصحاح43 في الاية الاولى(والان هكذا يقول الرب خالقك يايعقوب وجابلك يا اسرائيل لا تخف لاني فديتك دعوتك باسمك انت لي )وفضلا عن هذا فانه يقول في سفر الاعداد في التوراة في الاصحاح20 في الاية 23(وكلم الرب موسى وهارون في جبل هور على تخم ارض ادوم قائلا يضم هارون الى قومه لانه لا يدخل الارض التي اعطيت لبني اسرائيل لانكم عصيتم قولي عند ماء مريبة) ويقول في الاية 13(هذا ماء مريبة حيث خاصم بنو اسرائيل الرب فتقدس فيهم)لاحظوا فقد عصى بنو اسرائيل ولكن بحسب الظاهر عوتب موسى وهارون كما يقول في الاصحاح الثالث اية 26 من التوراة في سفر التثنية(ولكن الرب غضب علي بسببكم ولم يسمع لي بل قال لي الرب كفاك لا تعد تكلمني ايضا في هذا الامر)بينما هذا الخطاب والعتاب في الحقيقة موجه لامة اسرائيل التي بعصيانها الامر الالهي تاهت مدة مديدة في الصحراء المجاورة للاردن حتى زمن يوشع عليه السلام0وبينما ان هذا الخطاب والعتاب في الظاهر كان لحضرة موسى وهارون ولكنه في الحقيقة لامة اسرائيل0 وكذلك تفضل في القران بقوله خطابا لحضرة محمد (انا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر)يعني نحن فتحنا لك فتحا واضحا لنغفر لك الذنوب المتقدمة والمتأخرة0ولو ان هذا الخطاب كان بحسب الظاهر لحضرة محمد ولكنه في الحقيقة خطاب لعموم الملة0وهذا محض الحكمة البالغة الالهية كما سبق حتى لا تضطرب القلوب ولا تتكدر0فكثيرا ما اعترف انبياء الله ومظاهر الظهور الكلي في مناجاتهم بالقصور والذنب 0 وهذا من باب التعليم لسائر النفوس والتشويق والحض على الخضوع والخشوع والاعتراف بالذنب
والا فتلك النفوس المقدسة طاهر ة من كل ذنب ومنزة عن كل خطأ فمثلايقول في الانجيل ان شخصا حضر لدى حضرة المسيح فقال ايها المعلم البار فاجابه حضرة المسيح لماذا خاطبتني بالبار لان البار ذات واحدة وهو الله فليس المقصود من هذا ان حضرة الله معاذ الله كان مذنبا بل كان المراد تعليم الخضوع والخشوع والتواضع والانكسار لذلك الشخص المخاطب0 فهذه النفوس المباركة انوار ولا يجتمع النور مع الظلمة0حياة ولا تجتمع الحياة مع الموت ولا تجتمع الهداية مع الضلالة حقيقة الطاعة ولا تجتمع الطاعة مع العصيان وخلاصة القول ان العتاب الوارد في الكتب المقدسة الموجه بحسب الظاهر للانبياء اي المظاهر الالهية انما يقصد به في الحقيقة الامة و1ذا تتبعت الكتب المقدسة تجد ذلك واضحا جليا و(من كتاب-مفاوضات عبد البهاء)




No comments:

Powered By Blogger