Monday, May 12, 2008

من التأملات الروحانية للسيد-سيفى سيفى من خلال المنظور والمفاهيم البهائية


ونتابع ناقة النبى صالح

(2)


* [وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ](74 الأعراف)، يؤكد فحوى هذه الآية المباركة، أن قوم ثمود ظهروا بعد قوم عاد، وكان لهم شريعة سابقة ورسول سابق قبل ظهور النبي صالح(ع) بينهم، فالتذكير بأمر من الأمور، يعني العودة بالفكر الى الماضي وتذكّر أحداثه، لذلك جاء استعمال كلمة (وَاذْكُرُوا) لتشير الى سابق عهدهم باستخلاف الأرض. وبما أننا علمنا أن من معاني استخلاف الأرض، هو استخلاف أرض الأيمان والدين، كما أيّد ذلك قال تعالى (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ)(55 النور).
إذن، فالآية الكريمة مورد البحث، تشير الى أنه سبق وكانت أمة ثمود متسلطة في الأرض وكان لها حضارة بعد أمة عاد أصحاب هود(ع)، بسبب أيمانها بدين سابق لظهور النبي صالح عليهم، وأنهم وصلوا الى مستوى حضاري عال استطاعوا فيه بناء قصور عالية في السهول ونحت بيوت لهم في صخور الجبال. وهذا يعني أيضاً أنهم يعيشون في زمن النبي صالح في مستوى اجتماعي دان وحضارة آيلة الى الزوال، لأنه يذكّرهم بما سبق وحصلوا عليه من عز ورخاء وحضارة بعدما آمنوا برسولهم السابق، ويحذرهم من استمرار فسادهم في الأرض، أي من معصية الله والكفر برسالته.

* [قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ](75 الأعراف). وكما حدث ويحدث في زمن ظهور كل نبي أو رسول، قام المستكبرون ورؤساء القوم على النبي صالح(ع) ليعاندوه ويستنكروا عليه هذا المقام الإلهي الرفيع ويحثوا أتباعهم على الكفر به وبدعوته، وراحوا يسألون من آمن من قومهم بدعوته من العبيد والفقراء والمساكين: كيف علمتم وتأكدتم من صحة دعوة صالح(ع) وأحقيتها، وأنتم جهلة أميون لا تقرأون ولا تكتبون، وليس لكم نصيب من علوم الأولين؟ فكان جواب المؤمنون: أنهم استدلوا على ذلك بقوة الله وهديه واستعانوا بنورانية قلوبهم وصفاء سريرتهم، وبوجود هذا الهيكل المقدس بينهم، ومن خلال ما سبق وعرفوه من أخلاقه الحسنة.
ومن الملفت للنظر ما جاء من تباين بين مفهوم سؤال المعرضين وبين جواب المؤمنين، فسؤال المعرضين يرتكّز على العلم والمعرفة (أَتَعْلَمُونَ)، بينما جاء جواب المؤمنين ليشير الى الهدي والهدى والايمان (مُؤْمِنُونَ)، وهذه نقطة جوهرية مهمة، فلقد كان الأيمان برسل الله وأديانهم على الدوام، لا يرتكز على العلوم والمعارف الدنيوية المكتسبة، بل على المنح الربانية والصفات الإنسانية الراقية كالإنصاف وصفاء القلب ونورانية السريرة وطهارة الضمير وصدق الأيمان وما يتمتع به الانسان من شجاعة أدبية ذاتية ومناصرة للحق والشجاعة والإقدام، كما قال تعالى
(وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ)(35 فصلت). وكذلك قوله الكريم (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ . إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)
(88،89 الشعراء).
وهذه الآية الكريمة، تفتح الآفاق لمعرفة الفرق بين صفة العلم وصفة الأيمان. فالعلم أمر متعلق بالعقل والتفكير، بينما يتعلق الأيمان بالقلب والروح والفؤاد. وهذا ما يفسر الصعوبة البالغة التي يعانيها الانسان عندما يشاء تغيير دينه مهما كان مستواه العلمي، لأنه يتعامل ساعتها مع جوهر حقيقته وصميم روحه وجذور ضميره وأيمانه التي لا تتفق معها معاييره العلمية. لذلك فهو يحتاج الى قوة روحانية عالية جدا لتحقيق هذا الهدف، ولا يجد هذه القوة العظيمة إلا في قوة الأيمان المنبعثة من دينه السابق. لذلك عليه أن يتخذ أيمانه متاعاً له وسفينة لعبور برزخ الاضطراب والاهتزاز والقلق والتذبذب، حتى ينتقل من ماء بحر الشريعة السابقة المالح الأجاج الى ماء بحر الشريعة التالية الفرات الزلال، وهذا ما تشير اليه الآية الكريمة في بعض مقاصدها
(إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ) (11 الرعد).
بينما يكون الأمر أكثر سهولة في حالة التعامل مع العقل والأفكار والعلوم والمعارف الدنيوية، فمن الممكن أن يقتنع أصحاب الأفكار أو النظريات العلمية، مع بعض الجهد في النقاش أو من خلال قراءة كتاب، فيغيروا آرائهم وينتقلوا بأفكارهم من نظرية الى أخرى أو من مبادئ حزب الى مبادئ حزب آخر
.
* [قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنتُمْ بِهِ كَافِرُونَ](76 الأعراف).
يعود المستكبرون والرؤساء الرجعيون، ليردوا على أتباع صالح(ع) ويقولون لهم بتعجب: أنهم ورغم كل ما يتمتعون به من علوم ومعارف، لم يستطيعوا اكتشاف أية علامة أو إشارة واضحة في كتبهم أو آثارهم على ظهور رسول أو نبي جديد بينهم؛ واستناداً الى ذلك، قرروا تكذيب دعوة صالح وعدم الايمان بها.
فيذكّرنا هذا الموقف المتعصب بالآية الكريمة الأخرى
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ)(24 الأنفال)، حيث أن سيّد المرسلين محمد، عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة والسلام، قد أحيا أرواح الناس بالأيمان مثلما فعلت جميع رسل الله من قبل. فإذا علمنا أن من أكبر السدود وأعظم العوائق أمام تجدد أيمان الناس في أزمان رسلهم، هما العلم والمعرفة. نفهم لماذا يعرض الناس عن دعوات الرسل. فالعلماء والمهتمون بشؤون المعرفة يبحثون عن الإثباتات العقلية والأدلة النقلية وما يقنعهم بصحة وأحقية رسالات الرسل، حسب مستوياتهم الذهنية، ناسين أن المتكلم هو رب العقل وخالقه وأنه لا مجال للنسبة أو المقارنة بين الطرفين، وأنه يكلم الأرواح المعنوية أولا ومن ثم العقول بالمفاهيم المادية. لذلك نراهم المبادرين على الدوام بالإعراض والاعتراض والصد والنكران عند ظهور كل رسالة عليهم، فهم يستشيرون عقولهم قبل أرواحهم. وهذا ما يفسر شأن ومقام أوائل المؤمنين والصحابة الكرام والسابقين الناصرين لأديان الله، إذ يكون غالبيتهم من طبقات العبيد والفقراء والضعفاء، ومن يطلق عليهم المستكبرون صفات الأراذل والأميين وبسطاء الناس. فعلى سبيل المثال، كان أول المؤمنين بدين سيدنا محمد(ص) من فئة العبيد والضعفاء، كما يشهد التاريخ بذلك، وكما قال تعالى (قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الأَرْذَلُونَ)(111 الشعراء) وكان غالبية حواريو السيد المسيح(ع) من الأميين والجهلة وصيادي الأسماك، وكذلك هو حال من آمنوا بدعوة سيدنا موسى(ع) من بني اسرائيل، كانوا مستضعفين في الأرض تحت سلطة فرعون الغاشمة، كما قال تعالى (فَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِي الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ)(27 هود).


* [فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنتَ مِنْ الْمُرْسَلِينَ](77 الأعراف).
وبهذا الاعتراض عن الأيمان بدعوة صالح(ع)، راح المعاندون يعترضون عليه ويكذبونه ويشوهون سمعة شريعته ويقولون بعدم اتفاقها مع أحوال مجتمعاتهم ويقعدون في كل طريق ومرصد ليصدوا الناس عن الايمان بها وينشرون الأكاذيب والافتراءات عنها ويحاولون إعادة كل من آمن بها من قومهم الى دينه السابق، ويتحدّونه أن ينزل العقاب بهم كما يعدهم، لأنهم كانوا ينظرون الى كثرة أعدادهم وسعة أرضهم وقوة حضارتهم.
* [فَأَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ](78 الأعراف).
إذا علمنا أن من معاني (الرَّجْفَةُ) هي يوم القيامة ويوم الحساب، نتساءل: لماذا عاقب الله قوم ثمود على كفرهم، ولم يعاقب الأقوام الكافرة من بعدهم؟ ولماذا قامت قيامتهم على الخصوص، والقيامة العامة الموعود بها جميع البشر لم تقم حتى الآن؟ إذن لابد أن يكون هناك معنى آخر لما ورد في هذه الآية الكريمة، خاصة إذا تذكرنا، كم من الأمم الكافرة ما زالت تعيش معنا في هذه الأيام وهي غير مؤمنة بسيد المرسلين وحبيب الله والمصطفى المختار، بل ولا تدين بدين سماوي. فما الفرق بين هذه الأمم وبين تلك الأمـم؟ وهل أن الكفر بدين سيدنا صالح(ع) كان أكبر إثماً وأشـد ضلالة من مخالفة سيد المرسلين محمد عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة والسلام؟
فإذا نظرنا الى كلمة (جَاثِمِينَ)، ندرك أن من معانيها الجلوس والبقاء وعدم الحركة، فلماذا لم يستعمل جل جلاله، كلمة أخرى أكثر دقة، للإشارة الى موت وفناء واختفاء قوم ثمود، خاصة إذا نظرنا الى كلمة (دَارِهِمْ) ولم يقل قبورهم أو لحودهم، ألا يعني ذلك بقائهم في مساكنهم دون تغيير؟ فالقرآن الكريم يعتبر حجة في البلاغة واللغة، كما قال تعالى
(قُرآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ)(28 الزمر).
نعود الى كلمة (الرَّجْفَةُ) أو القيامة أو الساعة، ونتساءل: كيف قامت قيامة قوم ثمود وحوسبوا، والقيامة الموعودة لم تقم بعد؟
لا نستعين في هذه المعضلة الخطيرة والمسألة الدقيقة بغير كتاب الله، فنقرأ قوله الكريم
(إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ)(55 آل عمران)، هنا نجد ان الله سبحانه وتعالى يعد سيدنا المسيح(ع) برفعة أمته وعلوها فوق أمم الكافرين الى موعد محدد، وهو (يَوْمِ الْقِيَامَةِ). وبما أن هذه الآية الكريمة تشير الى حدث قد تم وحدث ومضى زمانه، وظهرت أمة النصارى وسمت وارتفعت فوق غيرها من الأمم لقرون عديدة، عندما كان الأباطرة وملوك النصارى ومن خلفهم البابوات وكل من دان بدين المسيحية ليساندوهم ويؤيدوهم، حتى يشنّوا الحملات الصليبية ويجيّشوا جيوش الحرب على غيرهم من الأمم ليدخلوها في أمتهم. يكون بحصول كل تلك الأحداث التاريخية السابقة، أن وعد الله لأمة السيد المسيح(ع)، قد تمَّ وتحقق، ولكـن بجزئه الأول. وعندما نقرأ أن أمة المسلمين بعدما ظهرت، راحت تتوسع أرضها وبطاحها وامتدت بعيدا حتى شملت كثير من أقاليم أمم النصارى كما حدث في أرض الشام وفي مصر والأندلس وشرق أوربا. هنا نتوقف عند هذه النقطة، ونتساءل عن نتيجة ومصير وعد الله لأمة النصارى في البقاء في علو وسؤدد حتى مجيء يوم القيامة؟ إذ أن هذا اليوم المشهور لم يأت بعلاماته المعروفة للجميع، والنصارى لم يستمروا في علوهم وسموهم، بل ظهر رسول جديد على الناس، هو محمد المصطفى المختار، عليه أفضل الصلاة والسلام، فأسس أمة جديدة نشر شريعة الاسلام بين الناس امتدت ثغورها الى أقاصي الأرض واستولت على كثير من أراضي النصارى وممالكهم! فكيف يفسر ذلك وأين وعد الله لهم، خاصة وأن هذا الوعد الإلهي قد نزل في القرآن الكريم، ولم ينزل في كتاب الإنجيل؟
من تحقق كل تلك الأحداث الدينية والتـاريخية الجسام، ندرك أنه من الممكن أن يكون لمعنى يوم القيامة والساعة والرجفة، معنيين اثنين، الأول خاص محدد، والثاني عام شامل. وبذلك لـم تكن قيامة أمة النصارى التي وعدهم بها رب العباد، إلا تلك القيامة الخاصة المحـددة بحدود الزمن، بدليل مجيء أمة مؤمنة أخرى بعدهم أنجزت بظهورها وحققت بمجيئها وعد الله عليهم وأنهت بقيامها ووجودها وعد الله لهم. وبهـذا فقيامة شريعة الاسلام وقيامة سيد المرسلين وقيامة أمة الاسلام وقيـامة نزول كتاب القرآن الكريم، كانت هي حقيقة نهاية موعد الوعد الإلهي المحدد الخاص بأمة النصارى. وكان هي قيامتهم الخاصة وقيامتهم الصغرى. وبهذا يتحقق الوعد الإلهي في كتابه الكريم بانتهاء رفعتهم وسموهم الى يوم قيامة شريعة الاسلام.
من هذا قد يكون أن قوم ثمود قد قامت قيامتهم الصغرى وحلَّ موعد ساعتهم المحدودة، فور صدّهم وكفرهم بدعوة رسولهم صالح(ع)، كما حدث فيما بعد مع أمة النصارى. ومنذ تلك الساعة بدأ نجم أسمهم يأفل وشمس شريعتهم تغرب وقوة حضارتهم تختفي وسعة بحر علومهم ينحسر، ورويدا رويدا اختفى ذكرهم ورسمهم ورمزهم من تاريخ البشرية وذابوا بين أجيال بقية شعوب الأرض، ولم تبتلعهم الأرض بين طبقاتها ولم يحترقوا بنيران الشهب والنيازك، بل بقوا يعيشون على الأرض حتى ذابت أمتهم بين بقية الأمم بعد أن انحسرت عنهم رحمة الله وبركاته وتأييده، كما قال تعالى في شأن فريقي الأيمان والكفر
(كُلا نُمِدُّ هَؤُلاء وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا)(20 الإسراء).
* [فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ](79 الأعراف).
ومما يثبت ويدل على أن قوم ثمود لم يموتوا موتاً جسـدياً ولم يختفوا عن وجه الأرض بعدما أصابتهم الرجفة وبعدما أصبحوا جاثميـن في الأرض، ما تقول به هذه الآية الكريمة التي تكمل ما سـبقها؛ فهي توضح أن النبي صالح(ع) ابتعد ونأى عن قومه وشـرع في عتابهم. ولو كان قـد حصل ما تنبأت به الآية السابقة من عقاب جسـدي بشكل مـادي، لما تمكن من معاتبتهم وإخبارهم بتمام عمله وما أمره الله بـه. لأنهم يكونون قد ماتوا وانتهى أمرهم، وبذلك لا يستطيع مخاطبتهـم وعتابهـم. بل ولجاء تسلسل مكان هذه الآية الكريمة قبل سـابقتها لتتفق مع توالي الأحداث، فالعتـاب لابد ان يسبق الموت حتى تتضح الحجة ويثبت الدليل. وما هذا الحديث والعتاب الإلهي، إلا دليل على موتهم موتاً روحياً ايمانياً وليس موتاً جسديا. أمـا الدليل الحيّ الآخر على ذلـك، فهو ما نشاهده اليوم من أمم عديـدة تدين وتعتقد بمعتقدات قديمة بالية أو سخيفة كافـرة، فلو كان الأمر كمـا يصوره ظاهر الآية مـن موت وهلاك كل أمة بعد كفرها، لما بقي هؤلاء على وجه الأرض حتى اليـوم، ولكان من الأولى أن يموت ويفنى من كذّب وكفر ولم يؤمن بدين سيد المرسلين والمصطفى المختـار.

(استنباط سيفى سيفى)

No comments:

Powered By Blogger