Wednesday, June 15, 2011

صبر الله وعدالته

عدالة الله

أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً. سورة 35, آية: 44

صبر الله وعدالته

وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً. سورة 35, آية: 45

ينبغي لنا أن نلاحظ بأن الإنذار النهائي دائماً ما يُعبَّر عنه بصيغة المستقبل:

وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ.... سورة 35: آية 45

إن كثيراً من الآيات القرآنية تصرِّح بأن الله سبحانه وتعالى يُنزِل العقاب الإلهي على الناس كما ورد في الآية السابقة بعد رفضهم الرسول الجديد. إن التحذير السابق والموضح بصيغة المستقبل يشير إلى أن معارضة جمهور الناس سوف يتكرر مرة أخرى ويُسجَّل في التاريخ.

إن البشر يميلون عادةً إلى الاعتقاد بأنهم مستثنون من هذه القاعدة وأنهم منفتحون ونيَّتهم سليمة. إن الدراسات النفسية تشير إلى أن الناس يُغالون في الحديث عن أنفسهم فهل التقيتَ بفرد من طائفةٍ ما يفضِّل معتقـدات طائفة أخرى, هل قابلت على سبيل المثال أتباع الشيعة المتدينين يفضلون معتقدات أهل السنة أو أتباع السنة الملتزمين يفضلون معتقدات أهل الشيعة؟ لماذا إذاً يكون صعباً أن نجد مؤمناً من هذا القبيل؟ لأن الناس سعداء بما لديهم ؟ قال تعالى:

مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ. سورة 30, آية: 32

إن الشعور بالرضاء عن الذات والنفس هو السائد تقريبا بين جميع البشر. ففكرة إننا سوف لن نسلك سبل الأمم السابقة هو مثال آخر على تلك النزعة ( كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ. المؤمنون 53 ). تأملوا كيف يتعامل المسيحيون مع الإسلام والنهج الذي يسلكونه اتجاهه. هل أظهر المسيحيون حسن نواياهم وأنهم أصحاب عقول غير متحفظة أم هل كانوا متمسكين بتقاليدهم أي بما سمعوه عن آبائهم ورؤساء دينهم. ألم تكن الأمم تتصرف وفق الآية التالية من الإنجيل على مر العصور.

وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ! لأَنَّكُمْ تَبْنُونَ قُبُورَ الأَنْبِيَاءِ وَتُزَيِّنُونَ مَدَافِنَ الصِّدِّيقِينَ، وَتَقُولُونَ: لَوْ كُنَّا فِي أَيَّامِ آبَائِنَا لَمَا شَارَكْنَاهُمْ فِي دَمِ الأَنْبِيَاءِ. إنجيل متى 23:29

إذا كان من السائد أن تتَّبِع الأمم سنة معينة فلماذا إذاً يكون المسلمون مستثنون عن هذه القاعدة العامة؟ هل كان المسلمون أولَ أمةٍ تعتقد بأن دينهم هو آخِر الأديان؟ كلا, إن الاعتقاد بختمية الدين يعود إلى ما قبل عهد الإسلام.

وَلَقَدْ جَاءكُمْ يُوسُفُ ....... حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولاً. سورة 40, آية: 34

ينبغي أن نلاحظ بأن فكرة الختمية قد تم اعتمادها وروَّجَ لها تقريباً جميع المسيحيين. تأملوا العبارة التالية من عالم الإلهيات الشهير الدكتور جيمس كندي:

لقد كان موسى نجماً عظيماً لعصر العهد القديم وكان الأنبياء يعتبرونه الرسول العظيم الذي بواسطته أظهر الله كلمته ومشيئته. ومع ذلك أعطى موسى بني إسرائيل الأمل بأنه سوف يظهر نبي عظيم آخَر. هذا النبي ( يسوع ) سـوف يأتي بالوحـي النهائي للبشـريـة.[ الرسالة إلى العبرانيين, الإصحاح الأول الآيات 1-3] 1 فهل يسوع نبيكم؟ هل تنظرون إليه بأنه الظهور النهائي والأخير لمشيئة الله وصفته وغايته؟ هل أذعنتم بأنه هو مصدر الحقيقة كلِّها؟ إن هذا هو المطلوب منَّا كمسيحيين. 2

الآن لنتتأمل الآيات التالية كما فسَّرها أحد العلماء المسلمين:

وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً. وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَداً. سورة 72, آية: 6-7

التفسير: وأنتم يا معشر المؤمنين المنافقين زعمتم كما زعم المسلمون الصادقون بأن الله سوف لن يبعث أحداً (لكي يكون رسولا).

نرى أن كلمة بعث المذكورة في الآية السابقة والتي تُرجِمت بالبعث بعد الموت , لها معنيان أساسيان:

· أحيا، أيقظ ، بعثه بعد الموت.

· أرسله أو رفعه إلى مرتبة النبوة.

استُخدمت كلمة بعث في القرآن غالباً فيما يتعلق بإرسال الرسل.

فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِين. سورة 2, آية: 213

وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً. سورة 17, آية: 15

ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ. سورة 7, آية: 103

لنتأمل السورة 72 آية 7 : "وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدا" مرة أخرى: وأنتم يا معشر المؤمنين المنافقين زعمتم كما زعم المسلمون الصادقون بأن الله سوف لن يبعث أحداً (لكي يكون رسولا).

أي من المعاني تكون ذات صلة بالآية السابقة: رفع إنسانٍ إلى مرتبة النبوة أم إحياء الإنسان من بعد الموت. إذا كان موضوع الآية هو إحياء الموتى فإنه من الأرجح أن يشير إلى الناس بصفة عامة. بالنظر إلى كلا المعنين لكلمة "بعث" فإن الإشارة إلى شخص مفرد, تدل أن الآية تشير إلى إرسال رسول بعد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أكثر من كونها أن تشير إلى بعث شخص ما من الموت. إن بعض التراجم كتلك التي هي من قِبل الدكتور الهلالي تؤكد الترجمة المذكورة سا بقاً عن إرسال الرسول.

[ وهم ظنوا كما ظننتم بان الله لن يبعث رسولا.] د. الهلالي.

من هم الجن؟ إنهم غالباً وليس دائماً متحفظون وذو وجهين وإنهم يضللون المؤمنين الصادقين. فتنص الآية السابقة أن المؤمنين المنافقين والذين يُطلق عليهم الجن يُخبرون المؤمنين الصادقين (الإنس) بأنه لن يبعث الله رسولا.

وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَداً. سورة 72, آية: 7.

تخاطب هذه الآية المسلمين, وتصرح بأن بعض المؤمنين المنافقين في الماضي أمثال المسيحيين اعتبروا كما أنتم أيها المسلمون تعتبرون بأنه لن "يُبعَثَ" أحداً. فالفعل يبعث لا تشير إلى إحياء الموتى, وكما هو مسلَّم به فالمسلمون على إيمان بأن الموتى سوف يُبعَثون حيث يوم البعث هو الموضوع الرئيسي والجوهري في القرآن. إن الأمر الذي يتصوره المسلمون بهتاناً هو أن الله سوف لن يبعث أي رسولٍ بعد سيدنا محمد. إن الآية 6 من سورة الجن هي الأكثر دلالةً على بهتان العقيدة السائدة بخاتم النبيين.

إن مقارنة الآيتين التاليتين سوف تُساعدُنا لكي ندرك ونعزز المعنى الحقيقي لكلمة بعث.

قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولاً. سورة 40, آية: 34

وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَداً. سورة 72, آية: 7

كما أن الآية التالية توضح الدور المميز للجن في تضليل أتباعهم ذوي العقول الساذجة.

وَيَوْمَ يِحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الإِنسِ وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ الإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِيَ أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَليمٌ. سورة 6, آية: 128.

من هم الناس الذين لهم دور في تضليل الآخرين؟ أليسوا هم رجال الدين؟ ولكن الآية تصرِّح بأن المؤمنين الصادقين (الإنس) الذين ضلّوهم رؤساءهم (الجن) لا يستطيعون أن يسامحوا أنفسهم أو يبرروا موقفهم. إنهم مسؤولون لسماحهم لهؤلاء القادة بتضليلهم. كما يبين لنا القرآن, كلا الفريقين مثواه جهنم. وهناك آيات كثيرة من القرآن الكريم تبيِّن أن زعماء الدين يصدّون الناس عن الحقيقة وخاصة عند بزوغ فجر جديد لرسالة سماوية.

يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا. وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا. رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً. سورة 33, الآيات: 66, 68

تأملوا أيضاً : سورة 41, آية: 29, سورة31, آية: 33-34 , سورة 27, آية: 33-37.

من هم الذين يمكن أن يُضِّلوا الآخرين بمن فيهم المسلمين؟ أليسوا هم رجال الدين وزعمائه؟ ولكن كما تصرِّح الآية فإن المؤمنين الصادقين قد أضلوهم زعماءهم (الجن) لأنهم أولا لديهم السلطة لعمل ذلك, وثانياً لأنهم يخشون فقدان مراكزهم. ماذا تعتقد سيحدث إذا ما أعلن قسيس أو كاهن يوما ما هذه الرسالة في كنيسته : إن محمداً هو رسول الله. ماذا لو أعلن شيخ مسلم أو إمام مسجد هذه الرسالة في مسجده: لقد كنا على خطأ, إن محمداً ليس خاتم الأنبياء.

هنا علينا أن نضع بعين الاعتبار أن زعماء الدين ليسوا جميعاً على شاكلة واحدة. إن بعضهم يضيء ويتلألأ كالنجوم في السماء. إنهم نموذج للعدالة والحكمة أي نموذج حي لهذه الآية من القرآن الكريم.

إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ. سورة 49, آية: 13 .

ولكن هناك رجال دين آخرين هم العكس تماماً. إنهم يثيرون التعصب والعنف والحرب. ومعظم الآيات القرآنية تخاطب هؤلاء الزعماء. ولقد تم مناقشة هذا الموضوع بمزيد من التفصيل في فصل آخر من الكتاب.

لكي نختم هذا الفصل دعونا نراجع الاسترتيجيات التي استخدمها الناس على مرِّ العصور لكي يرفضوا أنبياءهم. نُدْرِجُ فيما يلي أكثر الأسباب التي أدّت إلى إعراض الأمم:

· شرح وتفسير الكلمة الإلهية وخاصة النبوءات بناءً على المعاني الظاهرية والحرفية لتلك العبارات, وذلك كالآتي :

· تفسير كلمة "وسطا" بأنها لا تعني وسط , بل معتدل ومنصف.

· تفسير كلمة "أمة" بأنها لا تعني جماعة دينية كالمسيحيين والمسلمين بل تعني مجتمع أو شعب أو جماعة غير محددة من الناس.

· تفسير كلمة "بعث" الواردة في الآيات كما تناولناها سابقاً بأنها تشير إلى إحياء الموتى ولا تشير إلى بعث الرسل.

· تفسير كلمة "خاتم" بأنها النهاية لأن الناس عادةً يضعون خاتمهم أو يوقعون على الرسالة أو الوثيقة في نهايتها وليس في بدايتها.

مما سبق يتضح لنا كما ذكر القرآن الكريم في سورة الأعراف كيف كان الناس يفسرون الآيات ويتدبرون معانيها عند بزوغ فجر جديد لرسالة سماوية. قال تعالى:

فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزاً مِّنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُواْ يَظْلِمُونَ. سورة 7, آية: 162

إنه من الصعب جدا للدليل والبرهان أن ينتصر على القوى القاهرة للعقائد التي كانت ولاتزال راسخة في أذهان الأمة, وإن وعد مجيء رسل من عند الله بعد سيدنا محمد هي من إحدى الوعود المؤكدة التي ذكرها الله في القرآن الكريم, وهي تضيء في سماء الذكر الحكيم كالشمس الساطعة ولكن للأسف قد تم إخفاء هذه الحقيقة خلف سحب من النظريات والافتراضات الدينية المتعصبة ويسيطر عليها زعماء الدين المغالون بحيث لا يسمحون لنور العرفان أن يصل إلى قلوب وعقول المؤمنين الصادقين.


No comments:

Powered By Blogger