Tuesday, July 19, 2011

الوعد بمجيء الرسول الجديد- الجزء الأول


الوعد بمجيء الرسول الجديد

الجزء الأول

إن الآيات القرآنية التي تتعارض مع فرضية الختمية عند العلماءعديدة ويقدم لنا القرآن الكريم الكثير من القرائن الجلية بانقضاء أجل الإسلام وانتهاء مدة دورته. فالآية التي سوف نقوم بدراستها في هذا الفصل تأتي مباشرة بعد الآية التي درسناها في الفصل السابق.

وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ. سورة 7, آية: 34

تعلن هذه الآية عن الموت الروحاني لكل أمة بعد انقضاء أجلها ــ وبالطبع تشمل الأمة الإسلامية ــ ثم بعدها يبشرنا الله سبحانه وتعالى مباشرة ويطمئننا بأنه لن يتركنا في هذا الوضع الخطير بل ويعدنا بأنه سوف يرسل الرسل لتجديد النفوس روحانياً. إن الآية التي نحن بصدد دراستها كالآيات السابقة التي درسناها يقوِّض في حد ذاته مفهوم ختم النبوة. فكما هو متوقع فإن علماء الدين قد عالجوا هذه الآية بنفس الأسلوب الذي قاموا به بتفسير الآيات المشابهة, وبالتالي فقد قاموا إما بتجاهل أو تغيير الرسالة التي تدعو إليها الآية. لإجراء دراسة شاملة للآية علينا أن نتأمل ونقارن إثنين من التراجم, أحدهما من فرد مسلم والآخر من شخص مسيحي.

يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ. سورة 7, آية: 35

ترجمة يوسف علي

يا بني آدم عندما سيأتيكم رسل منكم .......

ترجمة رود ول Rodwell

يا بني آدم سوف يأتيكم رسل منكم......

وها هي ترجمتي (الكاتب) التي أقدمها لكم: يا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم وبلا ريب سوف يتلون عليكم آياتي.....

يعلن القرآن مراراً أن الخوف والحزن مقدَّر ومحتَّم لأهل النار. نتساءل هنا لماذا يُعَاني أهل النار من الخوف في جهنم؟ نقول إما لأنهم يرون مشاهد مخيفة ومزعجة أو لأنهم يتساءلون كيف بإمكانهم أن يتحملوا البقاء في جهنم إلى الأبد. ولماذا هم يحزنون ؟ لأنهم يتذكرون إهمالهم وعدم طاعتهم للأوامر الإلهية المنزَلة. ماهي هذه الأوامر؟ أحدها يتعلق بمصير الفرد روحانياً أي يرتبط بمعرفته للحقيقة, هنا ينبغي للفرد المؤمن أن لا يتبع والديه أو الملالي أو القساوسة أو الأئمة أو المجتهدين ولا يجعل أعمالهم وأفعالهم ميزاناً لمعرفة الحقّ بل عليه أن يفكر جيداً ليميِّز الحق عن الباطل.

لعل أفضل طريقة لتقييم التراجم الثلاثة هو أن نبحث ونتأمل القرآن الكريم لنرى ما إذا كانت نفس العبارة موجودة في آيات أخرى أم لا. قال الله تعالى:

فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى. سورة 20, آية: 123

إن العبارة الحاسمة في الآية السابقة هي :

" فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم "

وكما نرى لقد ترجمها ــ يوسف علي ــ هكذا:

إما, كما هو من المؤكد, يأتينكم..... ( فاستخدم أداة شرط أعقبها بجملة توكيد.)

ومن غير المعتاد أن نجمع بين جملة شرطية ونعقبها بجملة توكيد , فلماذا اجتمع إذاً مفهومي الشك واليقين في هذا السياق القرآني؟ إن الجمع بين السياقين هو أسلوب أدبي مختص بالقرآن الكريم, فالله سبحانه وتعالى استخدم جملةً شرطية ثم لكي يُبعِد أي سؤال أو شك قد يتبادر إلى ذهن القارئ يُعقب هذه الأداة بجملة " يَأْتِيَنَّكُم " وبيقين مطلق.

في الواقع إنه يقترح أولاً جملة شرطية:

إما أرسل لكم هدى....

ثم مباشرةً يزيل أي شك عن الشرط بتصريحه تعالى:

بالتأكيد سوف أرسل... فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى

نرى بأن الله سبحانه وتعالى يذكر نفس العبارة بنفس الأداة : " إِمَّا يَأْتِيَنَّكُم رُسُلٌ " في سورة الأعراف آية 35, فيبدأ الآية بالأداة التي هي بمثابة سؤال, ثم يصد أي شك قد تثيره أداة الشرط بقوله تعالى :

" يَأْتِيَنَّكُم ".

من المؤكد أنهم ( الرسل) سوف يأتون إليكم.

يستخدم الله سبحانه وتعالى صيغة المستقبل بنون التوكيد الثقيلة والتي هي ميزة فريدة في اللغة العربية. فبعد هذه العبارة الصريحة كيف يمكن لأي فرد أن يراوده الشك في معنى هذه الكلمات؟ ومن الصعب أن نجد وعداً أكثر وضوحاً وتأكيدا من الآية السابقة. إن المترجمين والمفسرين لآيات القرآن مرةً أخرى يقومون بتضعيف المعنى المقصود من الآية الكريمة البالغة الأهمية بطريقتين. إنهم يفشلون في توضيح أن :

· الآية تشير إلى المستقبل.

· الوعد مؤكد لأن الفعل ألحقه نون التوكيد الثقيلة. هناك علماء مسلمون آخرون ومترجمون أكدوا أيضاً مفهوم الفعل الذي يلحقه نون الوكيد الثقيلة في السورة 20 آية 123. فيما يلي بعض الأمثلة على ذلك.

الآية هي:

فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى

سورة 20, آية: 123

المترجمون

ترجمة الآية

محمد أسد

بالتأكيد سوف تأتيكم الهداية من عندي....

مولانا محمد علي

وهكذا سوف تأتيكم الهداية من عندي.....

شكير

وهكذا سوف تأتيكم الهداية من عندي.....

إن سياق الآية (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى) يجعل المعنى واضحاً تماماً. لأنه يتعلق بالوعد الذي أعطاه الله لآدم وجميع ذريته. لنبحث هذا الوعد سوياً.

إمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى. وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى. قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً. قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى. وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى. سورة 20, آية: 124- 127

إن الدراسة الدقيقة للآيات السابقة تكشف عن الحقائق الآتية:

· يعد الله ذرية بني آدم وعداً قاطعاً بأنه لن يتركهم دون هداية ودون أن يرسل إليهم من يهديهم إلى سواء السبيل.

· إن الناس لديهم الحرية لكي يعرضوا عن ذكر الله سبحانه وتعالى فهو يرسل لهم الرسل مبشرين ومنذرين ليذكِّرعباده بهدْيِه وما يريده لهم لعلهم يتّعظون.

· إن الذين يعرضون عن ذكره سوف ينالون عاقبة إنكارهم في الآخرة ولهم عيشة شاقة وصعبة.

· إن الذين ينكرون رسل الله أولئك على أبصارهم غشاوة وإن كانوا يبصرون.

· عندما ينتقل هؤلاء إلى الحياة الآخرة يُدرِكون أنهم قد فقدوا البصيرة الروحانية.

· عندما يتساءلون لماذا حُشروا عُمياً يخبرهم جلّ وعلا بأنه قد جاءتكم آياتنا فَنَسِيتَموهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَون.

· أولئك الذين يرفضون الرسل الإلهية يكونون في غفلةٍ من أمرهم ويتجاهلون الهدف من خلقهم و وجودهم في هذا العالم.

· إن العذاب في دار الآخرة أشد وطأة, لأن الحياة الدنيا زائلة وحياة الآخرة هي الباقية.

إن الآيات السابقة تشير إلى عهد من الله أي وعد منه لآدم وأبنائه بأنه لن يترك البشرية بدون هداية. هل يمكن لأحد ما أن يشك في هذا الوعد؟ إذا استطعنا أن نشك فيه, يمكننا أيضاً أن نشك في العهد الذي قطعه سيدنا محمد مع أمته باستخدام نفس تركيب العبارات وهو الفعل المضارع المقترن بنون التوكيد الثقيلة.

وعد لآدم وأبنائه

فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى

بالتأكيد سوف تأتيكم الهداية من عندي....

وعد تكرر مرة أخرى بواسطة سيدنا محمد

إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ

بالتأكيد سوف يأتيكم الرسل..

لماذا يحرف الناس معنى الكلمة الإلهية؟

يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ. سورة 5, آية: 41

يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ. سورة 4, آية: 46

لماذا ترجم ــ يوسف علي وفقهاء مسلمون آخرون كلمة "إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ" بطريقتين مختلفتين. أي انه عندما تحكي الآية عن الفترة ما قبل الإسلام في تلك الحالة يضعون عبارة بالتاكيد أو كما هو موثوق به. بينما في ترجمة الآيات الأخرى التي تشير إلى الفترة ما بعد الإسلام فإنهم يحذفون تلك العبارتين, وهذا الحذف يحدد الفرق في المعنى.

إن الترجمة التي قدمها (رود ويل) المسيحي هي أكثر دقة, لأنها تنقل الرسالة الرئيسة التي يريد القرآن أن يوصلها على نحو صحيح. إن رود ويل ــ يصرِّح بوضوح بأنه سوف يأتينكم رسلٌ منكم ولكن يحذف حرف التوكيد. فبغض النظر عن وضوح الوعد نستطيع أن نفهـم معنى الآية ببساطة عن طريق المنطق. عندمـا يصرِّح الله ويقول بأنـه " يأتينكم رسل" فهل يكون لدى الله سبحانه وتعالى أدنى شك ــ كما نشك نحن البشر غالباً ــ بشأن هذا الوعد؟ هل كان خالقنا غير متأكدٍ بأنه سوف يرسل إلينا رسلاً آخرين؟ لماذا إذاً أقحم الله سبحانه وتعالى (أي أدخل) الأداة ــ إما ـ في الآية ؟ إليكم بعض الأسباب المحتملة:

· لقد استخدم الله الأداة ــ إمّا ــ كذريعة أدبية.

· باستخدامه الأداة إما, تنبَّأ الله بطريقة بارعة ولطيفة الشك السائد بين المسلمين بشأن مجيء رسول جديد من عند الله.

· يريد الله سبحانه وتعالى أن يمتحننا بطريقة فريدة من نوعها. ( لقد تم مناقشة هذا الموضوع لاحقاً في هذا الكتاب).

يمكننا أن نستنتج بالمنطق فقط أن الآية مضمر فيها الكلمات والعبارات الآتية : بالتأكيد, بدون شك, كما هو موثوق به, ولكن التفسيرات المسبقة هي التي منعت المترجمين المسلمين أن يكونوا موضوعيين في عملهم ومنعتهم أيضاً من مواجهة الحقيقة.

حتى لو قبلنا الترجمة المعترفة بها لهذه الآية فإنها لا تزال تناقض مقولة ختم النبوة, لأنها رغم ذلك تشير إلى احتمال مجيء الرسل.

إن القرآن يستخدم عبارة مماثلة للإشارة إلى مجيء الرسل السابقين :

أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي....؟ سورة 6, آية: 130

إن الآيتين تكاد تكونان متطابقتين. أحدهما تشير إلى الماضي والآية الأخرى تشير إلى المستقبل.

دعونا نقارن آيتين متماتلتين, أحدهما عن الماضي والأخرى عن المستقبل.

لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ. سورة 9, آية: 128

يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ. سورة 7, آية: 35

هل هناك أدنى شك بأن الآية السابقة تشير إلى مجيء الرسل بعد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؟

نجد أن القرآن يستخدم كلمة "إما" في آياتٍ أخرى ويعقبه بفعل مضارع متصل بنون التوكيد الثقيلة للإشارة إلى إيفاءٍ بالوعد في المستقبل. في الآية التالية الوعد مصرَّح للرسول محمد عليه السلام.

فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ. سورة 40, آية: 77.

أنظر أيضاً سورة 6, آية: 68

لنعيد صياغة الآية السابقة بلغة اليوم.

إن وعد الله حق. سوف نوفي ببعضها أثناء حياتك, والبعض الآخر بعد وفاتك.

كما نلاحظ فإن الآية تشير إلى المستقبل, وإن استخدام فعل الأمر المتصل بنون التوكيد الثقيلة (نُرِيَنَّكَ) يُبيِّن بأن الوعد المصرَّح به لمحمد أمر حتمي. فهكذا الجمع بين كلمة (إما) والفعل المضارع المتصل بنون التوكيد الثقيلة يؤدي إلى الإستنتاجات التالية:

· إن زمن الوفاء بالوعد المصرّح في الآية سيكون في المستقبل.

· إن الوعد هو حق مطلق, قطعي وبلا قيد أو شرط.

سؤال آخر: إن الآية (إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ) سورة 7, آية: 35 تشير إلى أبناء آدم كافة ولا تخاطب مباشرة المسلمين. هل يمكن لأحد أن يدّعي بأن المسلمين مستبعدين؟ إن الله بحكمته قد حسم هذه القضية. إن الله سبحانه وتعالى يستخدم عبارة يا بني آدم في الآية 31 من نفس السورة, يخاطِب بها أولئك الذين يعبدون الله في المسجد. فمن هم غير المسلمين الذين يعبدون الله في المسجد؟

يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ. سورة 7, آية: 31.(من كتاب خاتم النبيين)

وتابعوا معي في المقال القادم و الجزاء والعقاب المقدّر لأولئك الذين يقبلون أو يرفضةن مجيء الرسل......تحياتي

No comments:

Powered By Blogger