الجزاء والعقاب المقدّر لأولئك الذين يقبلون أو يرفضون مجيء الرسل
هل كان الله يعلم أن معظم المسلمين سوف يرفضون أو لن يدركوا الوعد الذي منحهم الله سبحانه وتعالى بمجيء الرسل في المستقبل؟ للرد على هذا السؤال, نحن بحاجة إلى أن نرى الآية التي تعطينا الوعد السابق مع الآية التي تتبعها مباشرة.
يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ. وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا أُوْلَـَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ. سورة 7, آية: 35-36.
إن الآيتين السابقتين مترابطتان بوضوح تام. فالآية 35 تخبرنا بأنه بالتأكيد سيأتي رسول جديد ليقص علينا أو يُنزِل لنا الكلمة الإلهية بينما الآية 36 تنذر المؤمنين الذين ينكرون ويكذبون ذلك.
من الواضح أن خالقنا لا يريد منّا أن ننكر رسله ولكنه يعلم أن معظم المؤمنين هم على علاقة وثيقة بتقاليدهم كعلاقة الرضيع بأمه. ولكي يحرر الله المؤمنين من الامتثال برأي الآخرين والتمسك بالتقاليد القوية التأثير على أذهانهم فإنه يناشدهم ويحذِّرهم من نار جهنم ويخصص ثلاث عشرة آية للعواقب المهيبة لمن ينكر الرسل الذين سوف يبعثهم وذلك لكي يأخذوا وعيده محمل الجد.
إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاء وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ. سورة 7, آية: 40.
يستمر نزول الآيات التي تدل على الإنذارات الموجهة إلى أولئك الذين ينكرون من يبعثهم الله من الرسل. لاحظ المحادثة التي تدور بين أولئك الذين ينكرون الرسول الجديد وأولئك الذين يؤمنون به.
وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً قَالُواْ نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ. الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً. سورة 7, آية: 44- 45.
أصحاب الجنة: وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً.
أصحاب النار: قَالُواْ نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ. الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً.
من هم الذين كانوا يصدون الناس عن صراط الله المستقيم؟ إنهم علماء الدين في المقام الأول وفي جميع العصور وذلك خوفاً من زوال نفوذهم, لإنهم هم الذين يخسرون الكثير لدى قبولهم الرسول الجديد. ماذا سوف يحدث برأيك إذا وقف كاهن أو قس في كنيسة وأعلن: أيها المسيحيون لقد كنّا على خطأ, محمد هو رسول الله وعلينا جميعا أن نؤمن بدينه؟ هل سيحتفظ هذا الكاهن بمنصبه ولو ليوم واحد بعد ذلك؟ ألا ينطبق ذلك على العلماء المسلمين أيضاً إذا أثاروا مثلاً عقيدة خاتم الأنبياء؟ هل هم مستثنون عن هذه القاعدة؟
إن المحادثة بين أولئك الذين يؤمنون بالرسول الجديد وأولئك الذين يعترضون عليه نجدها في الآيات التالية:
وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْمَاء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ. الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هَـذَا وَمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ. سورة 7, آية: 50- 51
الذين يرفضون الرسول الجديد: وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْمَاء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ.
الذين يؤمنون بالرسول الجديد: قَالُواْ إِنَّ اللّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ. الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هَـذَا وَمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ.
كيف نعرف أن الآيات السابقة لا تنطبق على أولئك الذين يرفضون الإسلام ؟ لإن الآيتين اللتين تعقبان الآيات السابقة تعطينا كل القرائن التي نحتاجها.
أولاً : الآية الأولى تتحدث عن الكتاب الذي سوف يهبه الله للبشرية في المستقبل أي بعد رسالة سيدنا محمد.
وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ. سورة 7, آية: 52
وأما الآية التي تلي الآية السابقة مباشرة تعطينا المزيد من الأدلة على أن الحوار بين أهل النار وأصحاب الجنة يخص أولئك الذين يرفضون الرسول الجديد الذي يبعثه الله بعد سيدنا محمد.
هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ. سورة 7, آية: 53
ما هو هذا الكتاب الذي يحتاج إلى التأويل ؟ إنه القرآن الذي يتضمن فقرات مبهمة وصعبة. وهذا هو السبب الذي يجعل كثيراً من المفسرين يختلفون في الرأي بشأن تفسير العديد من الآيات القرآنية. من الذي يعلم تفسير تلك الآيات والمقصود من دلالاتها؟ إنه الرسول الذي يبعثه الله في اليوم الموعود والساعة المقررة. هل يمكن لأي إنسان أن يكون معصوماً أو مرجِعاً مؤتمَناً؟ إن الآية توضح لنا بأنه يجب علينا أن لا نكون متعصبين ومنحازين في تفسير وفهم كلام الله. فالتفسير للآيات المتشابهات والمقصود منها في القرآن الكريم سوف يأتي من عند الله عن طريق رسله فيما بعد. ألم يأت التفسير لعبارات الإنجيل بواسطة سيدنا محمد؟ ألم يرفض الرسول الكريم على سبيل المثال عقيدة الثالوث؟ ألم يُفسِّر القرآن لليهود ما لم يتمكنوا من فهمه؟
إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ. سورة 27, آية: 76
تأملوا الآية التالية!
وَلَقَدْ جَاءكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَاءكُم بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولاً كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ. الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ وَعِندَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ. سورة 27 : آية 34ـ 35.
تبين لنا الآية السابقة حقيقتين مهمتين:
· إن الناس في الماضي كانوا يعتقدون ما يعتقده المسلمون اليوم.
· لم تكن لعلماء الأمم السابقة أي سلطة شرعية لكي يزعموا بأنهم المفسرون المعتمدون للآيات الإلهية أو أن لهم الكلمة الأخيرة. وبالرغم من ذلك فإنهم يدّعون كما يدعي المسلمون الآن أن رسالتهم هي آخر الرسالات و أن رسولهم هو آخر الرسل ولن يأتي رسول بعده. ماذا لو أتى رسول من عند الله بالبيِّنات؟ هل ينبغي لنا أن نجادله ونرفضه دون أن نملك أي حقٍ أو سلطة بتفسير كلام الله؟ من الذي آنذاك لديه السلطة الشرعية في تفسيرآيات القرآن؟ إنه فقط من يكون مفوَّضاً ومعتمَداً من قبل الله والذي سيأتي بالبينات والبراهين الواضحة من عنده. من الذي عرف المعاني التي تضمنتها آيات الإنجيل المنزَلة على عيسى عليه السلام؟ إنه سيدنا محمد! وهو وحده المفسِّر وصاحب السلطة لتبيين آيات الإنجيل. لماذا إذاً هذا الحكم من شأنه أن يتغير فجأة؟ ألا ينبغي لنا أن نترك الأبواب مفتوحة؟ كيف يمكن للمؤمن الذي يصد باب معرفة الظهور الإلهي الجديد أن يكون تجاوبه مع هذا السؤال:
أَكَذَّبْتُم بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْماً. سورة 27, آية: 84
أما الآية التالية فتؤكد أن التفسير الصحيح للقرآن سوف يأتي من الله سبحانه وتعالى. فكلمة "ثم" تشير إلى وقت لاحق أبعد من وقت نزول القرآن.
ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ. سورة 75, آية: 19
السؤال الذي يجب على المسلمين أن يسألوه هو : إذا أتى رسول جديد ومعه كتاب منزَل من عند الله هل ينبغي لنا أن نكذِّبه لأن الرسول الكريم هو خاتم الأنبياء حسب تفسير علماء الدين للآية (40) التي جاء ذكرها في سورة الأحزاب؟ هل الاستجابة لهذا الادعاء منطقي وعادل؟ أليس هو نفس الأسلوب الذي اتبعه المسيحيون لإنكار سيدنا محمد؟ ألم يقولوا بأن الرسول المنتظر يجب أن يأتي على السحاب؟ ألم يمتنعوا عن الإيمان بسيدنا محمد على الأغلب بسبب إساءة تفسير الكتاب المقدس؟ من قدّم التفسير الصحيح للإنجيل؟ إنه بالتأكيد الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم. لقد قام بإزالة كل المفاهيم الخاطئة الرئيسة لديهم. ولكن هل استمعوا له؟ إن القرآن لا يقدم فقط الإنذارات والوعيد لأولئك الذين يكذِّبون الرسول الجديد بل يهب أولئك الذين يؤمنون به الثواب الجزيل.
وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ. سورة 7, آية: 42
لاحظوا الإلتفات المهم الذي يشير إليه الله سبحانه وتعالى في الآية السابقة: " لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا " ما هو القصد من عبارة ( إلا وسعها ) ؟
· الشعور بالمسئولية عند اختيار الإنسان مصيره الروحاني.
· البحث والتحقيق في النبوءات التي تشير إلى مجيء الرسول الجديد, دون الاهتمام بالمعتقدات التي تؤمن بها غالبية المؤمنين الآخرين.
· الإيمان المطلق بأن أولئك الذين يُحققون ويبحثون في أنباء وبشارات الرسول الجديد سوف يُلهَمون و يُدعَمون ليتفق بحثهم وإرادة الله:
وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ. سورة 29 آية : 69.
يظن مؤمنو كل الديانات بأن الأمر يرجع إلى زعماء ورؤساء دينهم لكي يقرروا لهم ماذا يعتقدون. ولكن الآية السابقة تبين بأن هذا التفكير لا أساس له من الصحة تماماً ولا يقبله الله. وكما رأينا في الفصل الأول إن الله سبحانه وتعالى يدين أولئك الذين يدينون بدين آبائهم. هؤلاء المؤمنون يبنون مصيرهم الأبدي على رمال غير مستقرة. قد تأتي رياح وفجأة تجعله هباءً منثورا.
هل سوف تذهب بعد ذلك إلى زعيمك الديني وتسأله ما إذا كان الكتاب المنزَل الجديد يحمل الحقيقة. بالطبع لك كامل الحرية أن تفعل ذلك إذا أردت ولكن تذكَّر هذا المثال قبل أن تذهب إليه. إفترض أنك تدعو مسيحي أو يهودي إلى الدين الإسلامي. وتظل تبيِّن له عظمة القرآن ورفعته لساعات وأيام وشهور بل ولسنين. ماذا سوف يحدث إذا ذهب إلى زعمائه أو قساوسته أو حاخاماته؟ ما هي الفرص التي سوف تتاح له لكي يدرس القرآن مع القسيس أو الحاخام بعقل منفتح وقلب منير. ما هي الفرص مرةً أخرى التي سوف تتاح له لكي يتشجع لمواصلة دراسته للإسلام؟ الفرص سوف لا تتعدى الواحد في المليون.
حسب المعايير التي قررها الله لا يستطيع أحد أن يُلقي المسئولية لاختيار طريقه في السير قُدُماً للإيمان بالرسول الجديد على الآخرين. إن الطريق الأمثل هو قراءة هذا الكتاب وإعادة قراءته لمعرفة ما إذا كانت دلائله منطقية, أو إذا كان به أي أخطاء في الاستدلال لاستمرارية الرسالات ومن ثمَّ طلب الهداية من الله.
على سبيل المثال, بعض المسلمين يقولون بأنهم لا يعرفون العربية جيدا كي يفهموا معاني القرآن. هؤلاء المؤمنون ينبغي لهم أن يتذكروا بأن الذين قاموا بإيذاء الرسول وإنكاره كانوا من أبرز علماء عصرهم ومن أعظم اللغويين والكتّاب والشعراء الذين كانت معرفتهم باللغة العربية أفضل من معظم قادة الدين المسلمين في عصرنا.
كذلك بعض المسيحيين يتشبثون بالأعذار نفسها, فيتركون مصيرهم في أيدي زعمائهم الدينيين. إنهم يفترضون بأن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم والعياذ بالله نبي كاذب دون أن يقرأوا القرآن أبداً, ودون أن يحققوا في الحياة السامية الرفيعة للرسول محمد سيد الرسل. فيوجهون أعباء مسئولية اختيارهم لمصيرهم بالقول أنهم لا يعرفون العبرية أو ما يكفي من اليونانية لمعرفة الكتاب المقدس (الإنجيل). ويشعرون بأنهم عاجزون عن معرفة سناء وعظمة القرآن الكريم الكتاب الذي يعكس مجد الله وسلطانه جلياً كسطوع الشمس. فإذا كان الإنسان عاجزاً من أن يرى الشمس في هذه الحالة فقط سيكون عاجزاً من معرفة الرسول الكريم. ورغم كل ذلك يستمر الإنكار من قبل المسيحيين.
وهكذا, فإن معرفة اللغة لا علاقة لها بمعرفة رسل الله. إن المسيحيين يجب أن يتذكروا بأن حنان وقيافا اللذين كانا من أبرز زعماء الدين ومن أعظم علماء اليهود واليونانيين قد أنكروا المسيح. لأن العلوم الاكتسابية دائماً تخلق الكبرياء والغرور فتحجب الأفكار وتصد باب العقول عن معرفة الحقيقة فتمتلئ بالتعصبات.
فَلَمَّا جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون. سورة 40, آية: 83
إن الوصول إلى عرفان الرسول الجديد إنما يرتبط بالقلب والروح. إنها ثمرة يجنيها من يبحث عن الحقيقة بالاجتهاد الروحي وليس بدراسة أكاديمية. فالوصول إلى هذا العرفان الجليل لا يستوجب درجة دكتوراه في العلوم الدينية ولا في علم اللغات. إن آيات القرآن التي تشير إلى المؤمنين بالرسول أوالمنكرين له جميعها تعزوا إلى مدى نزاهة قلوبهم وصفاء أرواحهم ولا تحكم على إيمانهم بمقدار معرفتهم للفلسفة والعلوم الدينية واللغوية. إن نعمة الإيمان هي بيد الله وليس بمقدور رؤساء الدين أو العلماء هداية أحد من عباده.
وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ. سورة 10, آية: 100
أنظر أيضاً : سورة 6, آية: 111
فإذا كان القلب يفتقر للحكمة ومبتلى بالتعصب والرغبات الشخصية فلن يهتم بشيءٍ بعد اليوم ويصدق عليه قول الله عز وجلّ :
وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا. سورة 7, آية: 146
لاحظوا أولئك الذين يشرِّفهم الله بقوله العظيم:
وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ. سورة 28, آية: 5
من هم الذين اتبعوا نوحاً عليه السلام؟ كيف كان قبول أعاظم القوم في مجتمعه لرسالته؟ كما جاء في القرآن الكريم , إنهم :
مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَراً مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا. سورة 11, آية: 27
من هم الذين اتبعوا السيد المسيح ؟ هل كانوا من أعاظم القوم أم أقلهم شأناً ؟
وفيما يسوع مجتاز من هناك رأى إنسانا جالسا عند مكان الجباية إسمه متى. فقال له اتبعني. فقام وتبعه وبينما هو متكئ في البيت اذا عشارون وخطاة كثيرون قد جاءوا واتكأوا مع يسوع وتلاميذه. فلما نظر الفريسيون قالوا لتلاميذه لماذا يأكل معلمكم مع العشارين والخطاة. انجيل متى الإصحاح 9, الآية: 9-11
إن إنكار الرسل الإلهية إنتهاك خطير. لا ينبغي لأحد أن يقلل من شأن أي رسالة يبعثها الله لهداية خلقه. لأن مثوى المنكرين هو الخلود في نار جهنم. هل ينبغي للمؤمن أن يتهاون في اتخاذ قرار خطير كهذا وهو الإيمان بالرسول الجديد, ويتركه في أيدي العلماء الذين يدّعون فهم الآيات دون غيرهم؟ نظراً للأهمية الجوهرية لموضوع الإيمان بالرسول الجديد, دعونا نختم هذا الفصل بدراسة الوعد الإلهي بإرساله الرسل وعواقب رفض أو قبول هؤلاء الرسل. هذا هو الوعد:
إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ..... سورة 7, آية: 35
وهذا هو وصف لعواقب رفض أو قبول الرسل الإلهية كما جاء في مقام آخر من القرآن الكريم.
وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ. قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ. وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ. وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ. وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. سورة 39, آية: 71 – 75.
)من كتاب محمد خاتم النبيين- د.محمد إبراهيم خان)
"وتابعوا معي في مقالي القادم و الوعد بمجيء الرسول الجديد الجزء الثاني" ..... تحياتي ورمضان كريم
No comments:
Post a Comment