إمتيازات الكلمة الإلهية وخلاقيتها2-2
· كيف يمكن لإنسان عاش في الجزيرة العربية في القرن السابع أن يُدرك مضار ومساوئ شرب الكحول ؟
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. سورة 5, آية: 90
إن مساوئ الكحول التي قد تنبأ بها الرسول الكريم إنما مصدرها الوحي الإلهي. وفي تلك الحقبة من التاريخ التي انعدمت فيها العلوم الطبية والتي تبين أضرار شرب المسكرات لهو أمر يدعو إلى التأمل لأننا نلاحظ اليوم مثلا في الولايات المتحدة فقط يموت سنوياً حوالي 000‚17 سائق مسكر. فكم من ملايين الأرواح التي لقت حتفها جراء شربها للكحول ؟ إن العواقب المترتبة على شرب الكحول مروِّعة بدرجة تتجاوز بكثير تلك التي تسببها المخدرات.
لقد إتُهِم الرسول الكريم بأنه كان يشن الحروب لتعزيز الإسلام. فيبين القرآن الكريم عدم مصداقية ذلك. وإذا تأملنا الآيات القرآنية التي تحكي عن تلك الحروب لنجد أن محمداً عليه السلام قاتل فقط حروباً دفاعية. فأولئك الذين يتهمون محمداً بالعدوان إنهم يركِّزون على آيات محددة. إذا تعاملنا مع الإنجيل بنفس الطريقة فيمكننا أن نتهم السيد المسيح بالعدائية. ألم يقل عليه السلام :
لا تَظُنُّوا أَنِّي جِئتُ لأَحمِلَ السَّلامَ إِلى الأَرض، ما جِئتُ لأَحمِلَ سَلاماً بل سَيفاً. إنجيل متى الإصحاح 10: آية 34
كل الآيات القرآنية التي تحث على القتال والحرب يجب أن يُنظَر إليها في ضوء الآيات الأخرى ذات الصلة بموضوع القتال. تأملوا الآية التالية :
وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ. سورة 2, آية: 190
إن الآيتين السابقتين تحثان على مبدأين إثنين :
▪ ينبغي على المسلمين أن يقاتلوا الذين يقاتلونهم. فلم يدعُ القرآن المسلمين أن ينشروا دينهم بالقوة.
▪ ينبغي على المؤمنين أن لا يتعدّوا الحدود التي فرضها الله عليهم.
الآية التالية توضح هذه الحدود :
وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ. سورة 42, آية: 40
ما هي الآثار المترتبة على القانون السابق ؟ لنفترض أن رجلاً قتل إبن رجلٍ آخر. بإمكان والديّ الطفل فرض عقوبة الإعدام على القاتل. هذه هي العدالة. ولكن إذا اختاروا العفو فأجر ذلك عند الله. وإن هذا ما تؤكده الآية السابقة فالأجدى لهم أن يسامحوا الجُناة ويصفحوا عنهم بدلاً من الأخذ بالثأر الذي كان منتشراً حينها في الجاهلية وقبل ظهور سيدنا محمد. فتدل الآية السابقة أن دين الإسلام ليس دين عدوان وقمع بل هو دين عدل وتسامح. كذلك إن مفهوم الآية يتعارض تماماً مع الاتهام القائل بأن "الإسلام هو دين سيف".
لقد كان العرب البدائيون في شبه الجزيرة العربية عدائيين للغاية. فأرادوا أن يمنعوا انتشار الإسلام ولم يترددوا بقتل النفوس التي آمنت بالدين الجديد. أما المسلمون فطُلِبَ منهم أن يُخضِعوا أولئك العرب الذين اشتُهروا بعنفهم وأن يقهروهم, وإلا فلن يستطيعوا البقاء على قيد الحياة ناهيك عن تبليغ دينهم.
كيف أخبِرَ الله المسلمين أن يقوموا بنشر دينهم؟ إن الآيات القرآنية تبين بأن الله لم يجبر أحداً على الإيمان به. بل على العكس فإنه سبحانه وتعالى يناشد أذهاننا وقلوبنا لتلهِمَنا بأن نرجع إليه في جميع أمورنا ويكون هو الأول في حياتنا. إنه من المدهش حقاً أن نرى إنساناً عاش في بيئة ثقافتها العنف ولا تؤمن بالإنسانية فيعلم أتباعه نشر الإسلام من خلال كلمات تحمل معاني الشفقة والرأفة والرقة.
ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ..... سورة 16, آية: 125
وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ..... سورة 29, آية: 46
لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ .... سورة2, آية: 256
كيف ينبغي للمسلمين أن يكون حديثهم مع اليهود والمسيحيين؟ لقد وضّحت الآية السابقة آية 46 من سورة 29 ذلك. ونجد بأن سيدنا محمد يشجع أتباعه إظهار نقاط التقارب بين الإسلام والمسيحية واليهودية حيث أنهم جميعاً يؤمنون بإله واحد. ولكن نجد أن علماء اللاهوت المسيحيين يكتبون كتباً تثبت أن الله ( عند المسلمين ) ليس هو إله المسيحيين واليهود . وكذلك عزَّز سيدنا محمد الاتحاد بين أتباع الأديان بينما نجد رؤساء الدين المسيحي الذين يبلِّغون الكلمة الإلهية يعززون الفرقة والتعصب.
إذاً كيف يمكن لرجل نشأ في بيئة ثقافتها التعصب ويسود فيها الجهل يُظهر هذه الدرجة من التسامح والحكمة والرأفة؟
يمكننا أن نتأمل في القرآن الكريم ونسأل مئات الأسئلة والتي تشير إلى مصدر تلك الفضائل وهو بعيد كل البعد عن الثقافة العربية في ذلك الوقت. لنفترض إنك كنت تسير عبر صحراء شبه الجزيرة العربية فإنك لن ترى شيئاً سوى الرمال والأشواك والحرارة الهائجة. ولكن ماذا لو رأيتَ فجأة حديقةً رائعة الجمال قد زُيِّنت بأروع الزهور وأشجار الفاكهه. ماهو تفسيرك لذلك المشهد ؟ هكذا يكون إدراك شاهد ومتأمل محايد للقرآن. إن القيام بتأليف كتاب يضاهي عظمة وفخامة وعمق معاني القرآن الكريم من قبل أصحاب عقول لامعة تسكن شبه الجزيرة العربية أو أي بلدٍ آخر لهو من الأمور الصعبة جداً بل المستحيلة. فبالرغم من رفعة شأن القرآن وتميِّزه بهذه الدرجة العظيمة لم يقرّ أتباع الديانات الأخرى مثل اليهود والنصارى أويعترفوا به. وقد فشل أصحاب العقول اللامعة أن يجدوا تلك المميزات في القرآن الكريم. فبدلا من رؤية جماله والتعمق في معجزاته , إنهم لم يروا إلا صحراء مغطاة بالأشواك والنباتات البرية ؟
ومرة أخرى يحل القرآن هذا التناقض. فهو يعلن كما أعلن الإنجيل سابقاً أن شرف الوصول إلى الكنوز الإلهية الجليلة والعظيمة المستورة في كلماته هي من نصيب النفوس التي مُنِحت الروحانية اللازمة والمطلوبة لذلك المقام الرفيع وليست الدرجات العلمية والأكاديمية المكتسبة.
إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ. فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ. لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ. تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ. سورة 56, آية: 77-80
إن الله سبحانه وتعالى يخفي جلاله وبهاؤه وراء حجاب من الأسرار الإلهية ولايمكن إلا للقلب المقدس والطاهر أن يدخل رضوان معرفة رب العزة. فالوصول إلى عرفان الله ليس بالأمر اليسير.
طُوبَى لِلأَنْقِيَاءِ الْقَلْبِ، لأَنَّهُمْ يُعَايِنُونَ اللهَ. انجيل متى 5 آية 8
بالرغم من أن الحواريين كانوا يملكون القلب الطاهر إلا أنهم كانوا بحاجة إلى من يدلهم لمعرفة السيد المسيح.
وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي قَالُوَاْ آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ. سورة 5, آية: 111
إن السيد المسيح يشهد بنفسه أنه اختار تلاميذه. واستطاع وبفضل الله أن يكشف لهم مجده. وهكذا فإن معرفة الحقيقة تعتمد على مدى روحانية الفرد وليست على قدرته العقلية.
إن منزلتنا وقدرنا عند الله لا علاقة لها بدراساتنا وانجازاتنا الأكاديمية. وإن التدريس في جامعة ذائعة الصيت أو تدوين كتاب عن الدين الإسلامي هو شرف دنيوي. من هم الذين يستحقون دخول الملكوت الإلهي هل هم خريجو وأساتذة الجامعات الدينية أو أئمة المساجد أو أصحاب العمائم؟ الحقيقة إن الملكوت يدخله من له قلب يتصف بالتقوى وروح متواضعة ومن يُظهر الحكمة الروحانية في اختيار مصيره. ومن الذي يحصل على نصيب أكبر من النعمة الإلهية ؟ ربما يكون الجواب في الآية التالية من القرآن الكريم :
وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ. سورة 28, آية: 5
وحيث أن هناك معايير للإنجازات الأكاديمية فهل يوجـد معايير لمستوى روحانية الأفراد ؟ وهل إذا كنت من أصحاب السلطة ستُقدِّم درجة الدكتوراة لمن يطلبه منك ويريده ؟ إذا كانت الإجابة بالنفي, فلماذا نعتقد بأن الله سوف يمنح الشرف العظيم لأولئك الناس الذين يعرفون الإنجيل والقرآن الكريم معرفة كاملة ولكنهم ساذجون روحانياً ويقيسون الكتاب بأهوائهم فيصفهم الله سبحانه وتعالى:
لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ. سورة 7, آية: 179
أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ. سورة 13, آية:19
ونزلت هذه الآية في حمزة وأبي جهل (أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق) فآمن (كمن هو أعمى) لا يعلمه ولا يؤمن به لا (إنما يتذكر) يتعظ (أولوا الألباب) أصحاب العقول. تفسير الجلالين في المصحف الرقمي.
إن أعظم شرف للإنسان أن يكون مؤمناً حقيقياً وهذا لن يتحقق إلا ببذل الجهد والتحلي بكل الفضائل الإنسانية التي جاء بها القرآن, لنستعرض الفضائل التي ذكرها الله في القرآن الكريم.(من خاتم النبيين)
No comments:
Post a Comment