يمكن تقسيم
المؤمنين حسب تأملهم لآيات القرآن الكريم وفهمهم لها إلى من هم يأخذ بظاهر الآيات
وإلى من يتفكر ويتدبر المقصود من معانيها. فمن يأخذ بظاهر الآيات لا يرى إلا المعاني
الظاهرية لها, أما من يهمه المقصود من الكلمة فهو يبحث ويكتشف الجواهر الموجودة في
النصوص الإلهية. ولتوضيح هذه الفكرة دعونا نتأمل هاتين الآيتين:
أَفَغَيْرَ
دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً
وَكَرْهاً ..... وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ ....
سورة 3, آية: 83-85.
كيف يمكن
للمفكِّرين الذين يرون الظاهر أن يفسِّروا الآية السابقة؟ على الأرجح يقولون بأنهم سوف يغلقون الباب أمام أي رسالة
جديدة أو أي رسول سيُبعث في المستقبل. فهل هناك ما يبرر توصلهم إلى هذا الافتراض؟ لنفكِّر
قليلا في الرسل الذين جاؤوا قبل سيدنا محمد. ألم يكن بمقدورهم جميعاً أن يذكروا
نفس البيان ــ من يبتغ غير الإسلام ديناً ــ؟ هل كانت ديانة أخرى غير
اليهودية مسلمةً بصحتها في دورة رسالة سيدنا موسى؟ أو هل كانت توجد ديانة
أخرى غير المسيحية مسلَّمةً بصحتها في زمن الرسالة المسيحية؟ ألم يقل عيسى عليه
السلام:
" ...لا
يأتي أحدٌ إلى الأب إلا بي." يوحنا , الإصحاح 14, آية 6. ألا يمكن للرسول التالي
أن يكرر نفس الرسالة والخطاب؟
ألا يمكن أن
يكون الإسلام في المنظور الإلهي هو أول الأديان وآخرها من الأول الذي لا أول له
وإلى الأبد.
قارن كلاً من الأديان السابقة بفصل في المجلد
الأول من موسوعة المعرفة. إعتبر أن الإسلام هو الفصل الأخير في هذا المجلد الأول.
وحيث أن محمداً هو " خاتم الأنبياء" فقد صدّق على جميع الفصول التي سبقت
المجلد الأول أو بمعنى آخر صدّق لما بين
يديه من الكتب. والقرآن كان الفصل الأخير في ذلك المجلد الأول. ألا يستطيع الله
سبحانه وتعالى أن يبدأمجلداً آخراً بفصل جديد؟ ألم يصرِّح سبحانه بأن:
..... لِكُلِّ
أَجَلٍ كِتَابٌ. سورة 13, آية: 38
هل توقف التاريخ
عام 260م أي عشر سنوات قبل الهجرة عندما بُعِث سيدنا محمد ليعلن بزوغ فجر جديد على
البشرية؟ ألا يمكن أن يكون هناك عصور وأدوار في المستقبل؟ ألم ندخل الآن عصراً
جديدا في الحضارة الإنسانية؟ ألم يتغير العالم في القرنيين الماضيين أكثر مما
تغيَّر منذ فجر التاريخ؟ هل يمكن لأي شخص أن يدَّعي بأن الله لا يستطيع أن
يبدأ دورة جديدة من التواصل مع البشر في هذا العصر الجديد من التغيِّر
السريع عندما تحول العالم فجأة إلى قرية صغيرة؟ وهل يمكن لأي شخص
أيضاً أن يدعي بأن الله لا يستطيع أن يرسل كتاباً جديداً ورسولاً جديداً
كي يأتينا بكنوزٍ من المعرفة؟ وهل يمكن لأي شخص أيضاً أن يدعي بأن خالقنا سوف لن
ينزِّل كتاباً آخراً ولن يبدأ مجلداً جديداً بفصلٍ جديد؟ ألا يمكن أن تسمى
المجلدات السابقة والآتية : "الإسلام"أي الموسوعة التي تتدرج وتتعاقب فيها المعرفة
الروحانية؟
أليس الإسلام هو ــ الإستسلام لله بالطاعة ــ أي دين الله الأبدي؟
بما أن الله
يطلب منَّا أن نفكر بالمنطق ونتدبَّر, إذاً دعونا نرى لماذا يجب أن يكون لكل عصر ولكل
رسالة سماوية كتاب.
·
أولاً , إن الناس بحاجة للتذكير بين
الفينة والأخرى بأن الله سبحانه وتعالى مهتم بشؤونهم ويتدبر أمرهم.
·
ثانياً , عند بزوغ عصر جديد فإن العالم يتغير,
وبالتالي فإن القوانين التي تحكم الناس الذين يعيشون في تلك الحقبة يجب أن تتغير
أيضاً.
·
ثالثاً , إن التغيير والنمو هو علامة
الكمال في تطور البشرية وطبيعة الخليقة. وإن ظهور كتاب جديد في كل عصر إنما هو
إستجابة للاحتياجات المتغيرة لكل زمن؛ إنها السنة الإلهية التي لن تُلغىٰ. فهل
هناك آيات أكثر دلالة من الآيات التالية لتصرِّح بذلك:
.... لِكُلِّ
أَجَلٍ كِتَابٌ. سورة 13, آية: 38
سُنَّةَ
اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ
تَبْدِيلاً. سورة 48, آية: 23
سُنَّةَ مَن
قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً. سورة 17, آية: 77
لماذا يستخدم
القرآن كلمة الإسلام وينسبها إلى الديانات التي سبقته؟ ألا يقصد الله سبحانه
وتعالى أن يوسِّع رؤيتنا لمعنى هذه الكلمة ؟ لكي نعطي هذا المفهوم حق تقديرنا يجب
علينا أن ننظر إلى المعنى المقصود والمنظور الروحاني منه. فالمسلم الذي ينظر إلى
ظاهر الكلمة وليس للحقيقة المقصودة منها فإنه يتمعن في أحرف إسم دينه وهي: إ, س,
لا, م . ولكن المؤمن الذي تهمّه روح الكلمة فإنه يتأمل المعنى الحقيقي والمقصود منه.
ويستخـدم الآيـات التاليـة ليفـك ختم المعنى الحقيقي لكلمـة " الإسلام" و "الخاتم"
.
وَمَنْ
أَحْسَنُ دِيناً مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ
مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً... سورة 4,
آية: 125
شَرَعَ لَكُم
مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً .... إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى... سورة 42, آية: 13
إذا كان
الإسلام هو الدين الذي أوصى به الله أنبيائه السابقين, ألا يمكن أن نصل إلى هذه
النتيجة بأن الدين الذي يأتي بعد الإسلام هو أيضاً ما شرع الله من دين الإسلام؟
ألا يمكن أن نقول بأنه لا يوجد إلا دين واحد ـــ وهو (الإسلام, أو الاستسلام لله)
ـــ ويظهر بأسماء جديدة في كل عصر؟
كما جاء
مسبقاً في الفصل الثامن فإن السورةالأولى من القرآن الكريم هو دعاء فيه طلب
للهداية الإلهية. ونرى أن المؤمن ــ أي المسلم ـــ هو على الصراط المستقيم. ولكنه
بعدم اعترافه ببزوغ فجر يوم من دين إلهي جديد سيصبح من الخاسرين وسوف يلتمس طريقه في
ظلام الإعرض والإنكار بدلاً من الصراط المستقيم.
بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. الرَّحْمـنِ الرَّحِيمِ.
مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ. إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ. اهدِنَــــا
الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ. صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ
عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ. سورة 1,
آية 1-7
وَلاَ تَقْفُ
مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ
أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً.
سورة 17, آية: 36
وَمَا كَانَ
لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى
الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ. سورة 10,
آية:100
وَمَا
يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنّاً إَنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ
شَيْئاً إِنَّ اللّهَ عَلَيمٌ بِمَا يَفْعَلُون.
سورة 10, آية: 36
وَإِذَا قِيلَ
لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا
عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ
السَّعِيرِ. سورة 31, آية: 21
أنظر أيضاً
سورة 10, آية: 78
فَبَشِّرْ عِبَادِ. الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ
الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ
وَأُوْلَئِكَ
هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ. سورة 39, آية: 17- 18
(من خاتم النبيين-د. محمد إبراهيم خان)
No comments:
Post a Comment