Sunday, February 17, 2008

"كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه"- (قرآن كريم-آل عمران-آية93).

فى "لوح كل الطعام"-الصادر من يراع حضرة بهاءالله-(المظهر الإلهى للعقيدة والدين البهائى)- تفسير آية "كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه" (قرآن كريم-آل عمران-آية93).يبدو أن الآية القرآنية حول طعام بني إسرائيل قد نزلت ردا على إصرار اليهود بأن أحكام الإسلام بتحريم بعض أنواع الطعام، خلافا لما يدعيه المسلمون، لا تتفق وأحكام اليهودية. وقد شرح حضرة بهاءالله أن لهذه الآية في العوالم الروحانية الإلهية معان لا تحصى ومعظمها فوق إدراك البشر، وأنه قادر على الكشف عن معانيها لسنوات عدة بعلمه الذي أحاط العالمين، وقد فسر حضرة بهاءالله بعضا منها مبيناً المعنى الروحاني للطعام. وهكذا كشف النقاب عن المدى الشاسع لما تتمتع به عوالم الله الروحانية المنزهة عن العد والحد، والمقدسة عن الفهم والإدراك، من عظمة وبهاء وأسرار خفية، وآفاق واسعة.ذكر حضرة بهاءالله في لوحه المبارك("لوح كل الطعام") هذا أربعة من هذه العوالم. وحتى ندرك بعض أسرارها، دعونا نوجه أفكارنا إلى المخلوقات على وجه الأرض. فهناك الممالك المختلفة التي تعيش معا، وكل يسعى إلى تحقيق هدفه. ويمكننا القول بأن الإنسان يعمل في ثلاثة محاور في آن معا. فقياسا بالممالك الأدنى مثل النبات والحيوان فإنه هو المتفوق والمهيمن، بينما في مملكته عليه أن يعيش مع أقرانه في وئام واتحاد، أما بالنسبة إلى المظاهر الإلهية فهو في رتبة أدنى. ففي مثالنا هذا يمكننا ملاحظة ثلاث مراتب من المواهب والصفات التي يمكن للإنسان أن يتبوأها مع الحفاظ على إنسانيته: الوحدة، العبودية، التفوق.وهكذا فإن عوالم الله المذكورة في اللوح المبارك تقع في مراتب متباينة، منها مقام عرش "الهاهوت" وهو "جنة الأحدية" كما وصفه حضرة بهاءالله، وهو أيضا "مقام سر الصمدانية"، و"آنية الأحدانية". وهذا المقام لا تدركه حتى المظاهر الإلهية لسمو قداسته. وقد تفضل حضرة بهاءالله في أحد ألواحه قائلا:"من الأزل الذي لا يعرف، كان الله محتجبا في حقيقة ذاته العليا، وإنه لا يزال مخفياً يكون إلى الأبد في سر جوهره الذي لا يعرف... فقد انصعق عشرات الآلاف من الأنبياء كل كان موسى في سيناء البحث عن صوت الله الناهي (إنك لن تراني) بينما ربوات المرسلين كل كان كالمسيح في عظمته قاموا على عروشهم المقدسة مرتاعين لصوت المنع (إن كينونتي لن تعرفها)."ويلي ذلك عرش "اللاهوت" وهو "مقام جنة الصمدية" و"ساحة القدس". وفي آثار حضرة بهاءالله يبدو أن عالم اللاهوت ربما يكون عالم الله بالنسبة إلى مظاهره وأصفيائه المختارين. وهم في محضره ما ارتأوا لأنفسهم مقاماً لأنهم عدم صرف تلقاء وجهه ولا كينونة إلا كينونته وهم في "مقام هو هو وليس أحد إلا هو".وهناك عالم روحاني آخر وصفه حضرة بهاءالله بـ"طمطام الجبروت"، "جنة الواحدية"، "أرض الصفراء". وهو مقام أنت هو وهو أنت، عباد الذين لا ينطقون إلا بإذن الله ولا يعملون إلا بأمره ولا ينهون إلا بحكمه، كما وصفهم الله بأنهم عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون. ويبدو أن هذا العالم هو الملكوت الذي يكون فيه المختارون من خلق الله، بالنسبة إلى المخلوقات، مخولين بسلطته.هناك الكثير من البيانات المباركة يبين فيها حضرة بهاءالله طبيعة المقام المزدوج للمظاهر الإلهية وأصفياء الله. ففي نسبتهم إلى الله تبدو هذه النفوس المقدسة وكأنها عدم صرف، أما بنسبتهم إلى عالم الخلق فهم حائزون على سائر الصفات الإلهية ومقربون من الله. وكما تفضل حضرة بهاءالله في إحدى مناجاته:"كلما أنظر إليك أنادي كل الكائنات وأقول إنني أنا الله، وكلما أنظر إلى نفسي أجدها أحقر من الطين."وفي الآثار الإسلامية نجد مثل هذه البيانات المباركة. فالحديث الشريف التالي عن لسان النبي محمد(صلعم) يدلل بوضوح على المقام المزدوج لرسل الله بقوله: "لنا مع الله حالات نحن فيها هو وهو نحن وهو هو ونحن نحن".وعالم آخر من عوالم الله الروحانية هو "قمقام الملكوت" أي "مملكة الله" الذي أشار إليه الأنبياء السابقون مرارا، كما أن حضرة بهاءالله وصفه في "لوح كل الطعام" بـ"جنة العدل".وبمعزل عن هذه العوالم الروحانية الأربعة، أشار حضرته في هذا اللوح إلى عالم "الناسوت" وهو العالم الفاني الذي وصفه بـ"جنة الفضل". وأكد في العديد من ألواحه أن كلا العالمين: عالم المظاهر الإلهية وعالم الإنسان، ظهر في هذا الوجود بالفضل الإلهي وحده، وإذا ما تبدل لحظة ليجري عدله آل الوجود إلى العدم.وفي "لوح كل الطعام" يصف حضرة بهاءالله معان أخرى لكلمة "طعام" التي وردت في الآية الفرقانية المذكورة. ففي مقام تعني "كل العلوم" وفي آخر "معرفة صاحب الأمر"، كما بيّن أنها في الدورة الإسلامية يمكن أن تفهم على أنها ولاية أئمة الهدى الذين خلفوا النبي عليه السلام. أما في ظهوره الذي لم يكشف عنه بعد، فقد وصف الطعام بـ"بحر الغيب الذي هو المكنون في صحائف النور والمخزون في ألواح المسطور".

No comments:

Powered By Blogger