Thursday, June 12, 2008

من معانى-ناقة النبى صالح(ع)

تأملات روحانية مع سيفى سيفى
ونتابع مع ناقة النبى صالح(ع)
(4)

وجاء في سورة الإسراء بخصوص موضوع الناقة:* [وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلا تَخْوِيفًا](59 الإسراء).نعود مرة أخرى لمعنى كلمة (بِالآيَاتِ)، وعلينا أن نتذكّر أن لها معنيين، الأول هو الآيات الإلهية النازلة من سماء فضله المسطّرة في كتبه المقدسة، والثاني هي المعجزات المادية الخارقة لقوانين الطبيعة. فلو كانت هذه الآية الكريمة تشير الى المفهوم الأول، أي آيات الكتب السماوية، فهذا أمر يخالف سنة الله وطريقته المقدسة، ويخالف ما حصل من استمرار بعث المزيد من الرسل والرسالات والكتب والآيات من زمن النبي صالح(ع) حتى زمن سيدنا محمد(ص)، كما قال تعالى (وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ)(4 الحجر). لذلك فهذه الآية الكريمة مورد البحث، تشير الى المعنى الثاني، فهو أقرب الى المنطق والعقل السليم، أي أن الآية الكريمة تتكلم عن المعجزات المادية، وتشير الى أن الله سبحانه وتعالى ورسله الكرام، كانوا في ما مضى يجرون هذه المعجزات المخالفة لقوانين الطبيعة ويفعلونها عندما كان لها فيما سبق تأثير فعال مفيد على قلوب الناس وعقولهم، وتظهر منها نتائج مرجوة ويؤمن بشرائع الله الكثير منهم؛ إلا أن الله ورسله الكرام قد امتنعوا عن إجرائها فيما بعد مع تقدم الزمان وتغير أحوال الناس وتنوّر عقولهم، فلقد أصبح البشر لا يقتنعون بها ويطالبون بالأدلة العقلية والحجج العلمية. لذلك يبدو أنه ومنذ ظهور النبي صالح، توقف حصول المعجزات المادية وأصبحت الأدلة والحجج الإلهية تقتصر على الأدلة العقلية والبراهين العلمية، أي أن البشرية دخلت مرحلة جديدة من مراحل الإقناع والمحاجة والمناقشة منذ زمن ظهور النبي صالح(ع). وهذا يشير من ناحية أخرى الى ابتداء توجيه الخطاب الإلهي الى شريحة خاصة من المجتمعات، ألا وهي شريحة المختصين بأمور الدين ورجاله، باعتبارهم المطّلعون على هذه الأمور الروحانية والقادرون على تمييز آيات الله الحقة ومعرفة دلائلها العلمية والتاريخية.وبالاختصار يبدو أن الآية الكريمة تتكلم عن مرحلتين من مراحل تطور عقول البشر، المرحلة الأولى عندما كان الخطاب الإلهي عاما لجميع الناس دون استثناء يرافقه إظهار المعجزات الخارقة لقوانين الطبيعة. أما المرحلة الثانية، فكانت تحول الخطاب الإلهي نحو عقول عقلاء وعلماء الأمم المهتمين بشؤون الدين والروحانيات دون سواهم، أي رجال الدين، أي مخاطبة النخبة وإعطائهم فرصة النشر والتبليغ بين الناس. وهذا نوع من أنواع التكريم للانسان، وهو مجال مفتوح لمن شاء منكم أن يستقيم، وهذا ما يؤكده ويتضح اسلوبه في القرآن الكريم، في قوله تعالى عندما يشيد ويثمّن دور رجال الدين (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ)(28 فاطر)، وكذلك قوله الكريم (لَوْلا يَنْهَاهُمْ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمْ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمْ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ)(63 المائدة)، وكذلك قوله الكريم (وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ)(82 المائدة).ويبدو أن هذا التحليل قريب الى الحقيقة بعض الشيء، فلو كان لهذه المعجزات المادية الطبيعية تأثير فعال جازم على تغيير قلوب الناس حين حصولها بعدما ارتفع مستوى تفكيرهم وجدالهم، وأن باستطاعتها نقلهم من صحراء الكفر الى جنان الأيمان والخشوع، لما بقي كافر على الأرض في هذا الزمان، ولبطل مفعول الامتحان الإلهي ولما تبين المؤمن من الكافر ولما اتضحت أسرار القلوب والسرائر. فالله سبحانه وتعالى عالم بعلمه الغيبي مقدار تعصب الكافرين وغلظة قلوبهم واستحالة أيمانهم، كما قال تعالى فيما بعد بآلاف السنين عن لسانهم (وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنْ الأَرْضِ يَنْبُوعًا . أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيرًا. أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً . أَوْ يَكُـونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُه قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلا بَشَرًا رَسُولاً)(90-93 الإسراء). لكنه ومثلمـا تغيرت طريقـة امتحان الناس قبل آلاف السنين من حالة إجراء المعجزات المادية الى طريقة تنزيل الحجج العقلية والنقلية، كذلك تغيرت في المقابل طريقة اعتراض البشر، فظهرت بينهم آفات مستعصية، مثل التعصب والغلو وأمراض الصدّ والعنـاد، التي تبين فيما بعد أنها من أقوى السدود وأعلاها أمام تقدمهم للأيمان برسل الله، كما أشارت الى ذلك الآيتين الكريمتين (وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً)(54 الكهف)، وكذلـك قوله الكريم (وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلا كُفُورًا)(89 الإسراء).وبظهور سيّد المرسلين ومن قبله السيد المسيح عليهما الصلاة والسلام، تبين ان هذه الطريقة الإلهية تلاقي ذات المعارضة البشرية إن لم يكن أكثر من قبل، وظهر ان آيات القرآن الكريم بكل بلاغتها وفصاحتها وقوة معانيها وشدة تأثيراتها الروحانية والعلمية، لم تؤثر وقت نزولها كثيرا في قلوب عموم البشر، فلقد رفضها كبار رجالات العرب ورؤسائهم المشركين وفطاحل شعرائهم قبل غيرهم، بينما سارع المستضعفون وغير الأعراب للأيمان بدين سيّد المرسلين قبل غيرهم، أمثال بلال الحبشي وسلمان الفارسي وصهيب الرومي.. الخ.إذن فهذه الآية الكريمة، تسلط قبساً من أنوار الحقيقة على تلك الفترة السحيقة المتغلغلة في أعماق التاريخ، لتكشف عن ما سبق وحصل من تغيّر نوعي في عقلية الناس ومفاهيمهم وطرق تفكيرهم، وعن مرحلة من مراحل تطور عقول البشرية قبل آلاف السنين، ولابد أن يكون قد صاحب ذلك تغيرات واضحة أدّت الى تقدم أحوال مجتمعاتهم. ومما يدلل على صحة هذه النظرية، ما جاءنا عن طريق القرآن الكريم من أخبار المعجزات الخارقة لقوانين الطبيعة التي أجراها سيدنا المسيح(ع)، حيث لم يمنع إجرائها ما حصل له فيما بعد من عذاب واضطهاد، فلقد علّق على صليب العناد ورفع على أخشاب التعصب وثقبت أطرافه بمسامير الكفر، ولم يؤمن بدعوته إلا ثلة من الرجال والنساء فقط. فلو كان لها تأثير فعّال مؤثر في قلوب الناس وعقولهم، لبقيت تلك الجموع من اليهود وغيرهم، موقنين ثابتين على أيمانهم به ولم يرتدّوا عن دعوتـه حال إلقاء القبض عليه، بعدما كانوا يتبعونه ويتبركون بأذيال ردائه حيثما ذهب ويتمنون منه خلاصهم من أمراضهم وعاهاتهم، ولنصروه ووقفوا الى جانبه في وجه الكافرين والمشركين ومنعوا أذاهم عنه، ولما تركوه وحيدا معلقا على صليب الكفر.وعلى كل حال، لا يؤمن بحصول مثل هذه المعجزات المخالفة لقوانين الطبيعة عن رسل الله وأنبيائه، إلا من ولد على اسم دين من أديان الله، وقرأ عنها في كتابه المقدس، وسمعها عن لسان رجال دينه وفهمها بشكلها الظاهري.إذن، فالآية الكريمة تقول: لقد توقفنا عن إجراء المعجزات المادية الخارقة لقوانين الطبيعة، منذ أن راح الناس لا يصدقونها، فلقد باتت حججاً غير مقنعة ودلائل غير كافية، لذلك انتقلنا الى مرحلة جديدة في التخاطب مع العباد، واختصصنا شريحة رجال الدين وعلمائه، بأدلتنا الإلهية وحججنا الربانية لتتوافق مع تحسن أحوال الناس ومستوياتهم الذهنية، وجعلنا مسألة الأيمان والكفر تعتمد على قوتي العقل والمنطق السليم والحجج النقلية، فمن شاء منكم أن يؤمن ومن شاء منكم أن يكفر، كما قال تعالى (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ)(10 البلد). ولقد أظهرنا على قوم ثمود ناقة شريعة صالح(ع) وكان فيها من الآيات المحكمات والبشارات الربانية والأحكام السماوية والانذارات الشديدة، ما يكفي لتنوير قلب وعقل وبصيرة كل من يتوجه لها بقلب صاف منير طافح بالأيمان. لكن قوم ثمود راحوا يظلمون أنفسهم ونفوس غيرهم بالبعاد عنها والصد والكفر بها، لأن الغاية الحقيقية من إرسالنا وتنزيلنا لكل هذه الأمثال والقصص، ما هو إلا لتخويف الناس من الكفر وتحذيرهم من مخالفة أمر رب العباد، حتى يتقربوا الى الله ويؤمنوا برسله، إذ لم يعد لخوارق العادات تأثير ملحوظ في إقناع الناس.أما لماذا يشبّه سبحانه وتعالى شريعة النبي صالح(ع) بالناقة، ولماذا يذكرها وقد أبطل استعمال المعجزات المادية، فأكثر الظن أنه يريد أن يترك في قرآنه الكريم أثراً ودليلاً واضحاً على وجود تلك العلاقة الوثيقة والرابطة القوية بين المرحلتين في قديم الزمان ويؤكد على وجودهما معاً، وبالتالي فهو يريد أن يبقي أثراً أو علامة على قدم تاريخ البشرية وعلى تلك الدورات الرسالية التي ضمّت كل واحدة منها مجموعة من الرسل والشرائع، وفي نفس الوقت، يستمر في تمجيد ذكرى من استجاب له ولرسالاته من المؤمنين القدماء ويلقي قبسات نوره على أدوارهم العظيمة وكيف استمرت ولم تنقطع سلسلة المؤمنين على مر التاريخ البشري، فيتحقق قوله تعالى (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلا خلا فِيهَا نَذِيرٌ)(24 فاطر)، وكذلك (هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا)(1 الإنسان
ونتابع معكم معنى ناقة النبى صالح(ع)-فتابعونا فى الحلقات القادمة.....

No comments:

Powered By Blogger