Friday, June 20, 2008

من الئاليء والأصداف

ونتابع مع ناقة النبى صالح(ع)
(5)
أما ما ورد بهذا الخصوص في سورة الشعراء:
* [كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ](141 الشعراء).
فيبدو أن ما جئنا عليه احتوى شيء من الحقيقة، عندما قلنا أن الله سبحانه وتعالى قد أمهل أمة ثمود ثلاثة أيام، أي مدة ثلاثة أيام شرائع، أي مدة ثلاثة رسل، أي مدة أكثر من ثلاثة آلاف سنة حتى يمحو آثارهم تماما. فهذه الآية الكريمة تقول أنهم حققوا بعنادهم وكفرهم هذه النبوءة الإلهية وكفروا واعرضوا عن ثلاث رسالات تالية أو اكثر بعد ظهور رسالة النبي صالح(ع).
* [إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ](142 الشعراء).
وأن موعد فنائهم الجسدي والمادي والروحاني قد رسموه بتعصبهم ووقعوه بأيديهم، وكانت بدايته من لحظة إنذار النبي صالح لهم ودعوته إياهم للايمان والتقوى.
* [إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ](143 الشعراء).
وإعلانه رسالته الإلهية ومقامه الكريم.
* [فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ](144 الشعراء).
وطلبه منهم ترك ما توارثوه عن آبائهم وأجدادهم من أفكار مضلّة مخالفة لمرضاة الله، ونصحه لهم بالاستجابة والايمان بدينه الجديد الذي سيعيدهم الى عبادة الله والاكتفاء بآيات كتبه.
* [وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِي إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ] (145 الشعراء).
وأن كل هذه النعم والبركات التي أعدكم بها، لن أحصل منها على شيء، وستكون خالصة بتمامها لكم ولأجيالكم من بعدكم.
* [أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ](146 الشعراء).
ألا تتذكرون ما جنيتموه من بركات وخيرات بسبب أيمانكم السابق؟ فما هدف دعوتي إلا لدوامها عليكم، ولن يديمها إلا تجديد أيمانكم، فلا تطمئنوا لدوامها بعد الآن، فلقد حان وقت قطاف ثمارها.
* [فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ](147 الشعراء).
وراح يعدهم بتحسن أحوالهم الاقتصادية والاجتماعية بمجرد الاستجابة له. وبهذا فهو يربط للمرة الثانية بين تحسن أحوالهم الاقتصادية وبين أيمانهم.
وبهذا نفهم قوة العلاقة بين ظهور الحضارات الانسانية وبين الأيمان الحق، وأن الأولى تبدأ بالزوال بمجرد البعاد عن صراط الله المستقيم. وأن هناك علاقة قوية أيضا بين الروحانيات والماديات، فمتى كان الأيمان حق وحيّ، دامت النعم والبركات، ومتى ما نسخ الأيمان بأيمان آخر، زالت كل تلك النعم وانقلب تأثيرها الى نقمة وعذاب.
* [وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ](148 الشعراء).
ومثلما سبق الاشارة الى تأثير الروحانيات على الماديات في الآية السابقة، تركّز هذه الآية الكريمة على موارد رزقهم وخيراتهم المادية وأن من أسباب قوة اقتصاد قوم ثمود في تلك الأزمنة السحيقة كان يعتمد على الزراعة وتصدير التمور الى بقية الأقوام الأخرى.
ومهما يكن من معاني الزروع والنخيل المادي، إلا أنه لا يمكن غض الطرف عن معانيها الروحانية، فنلاحظ في هذه الآية الكريمة الاشارة الخفية لتأثيراتها المعنوية، فهي تمثل بصورة جميلة ما سبق وظهر بينهم نتيجة أيمانهم بدينهم القديم، من بواسق نخيل المؤمنين وأشجار العلماء وفواكه حكمة رجال العلم والعرفاء وثمار العلوم والمعارف وفواكه الايمان التي ساهمت بإيجاد حضارتهم القديمة وكيف ظهرت كل تلك الآثار الطيبة بينهم بكل سهولة ويسر ودون كثير عناء.
* [وَتَنْحِتُونَ مِنْ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ](149 الشعراء).
ومن الوارد أيضاً، أن الآية الكريمة هنا تشير الى حدث واقعي تاريخي وتدلل على أن قوم ثمود كانوا يسكنون مناطق جبلية وقاموا بنحت صخور الجبال على أشكال بيوت وقصور وسكنوا واستقروا فيها. فهو ينسب قدرتهم على إنجاز مثل تلك الأعمال العظيمة الى تنوّر عقولهم بعد أيمانهم بدينهم السابق، فلقد كان الأيمان هو المحفّز الحقيقي والقوة الدافعة الخلاّقة لما سال من أنهار الاختراعات والاكتشافات من بين أيديهم، وليس فقط من خلال تفتق عقولهم الذاتية.
* [فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ](150 الشعراء).
فخافوا الله الذي تعبدونه وأخشوه وأطيعوني في دعوتي الجديدة، فسرّ بقاء واستمرار كل ما تمتعتم به من جنان الخيرات وقوة الحضارة، كان بسبب صدق أيمانكم القديم، ولا يمكنكم العودة الى سابق عزتكم، إلا بالعودة الى جنان الأيمان وعيون الأيقان، فهما أمران مرتبطان ببعضهما، واعلموا أنه لا سبيل لكم غير هذا السبيل.
* [وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ](151 الشعراء).
فالخير كل الخير لكم أن تتقدموا للأيمان وتبتعدون عن ما يدعوكم له القشريين من رجال دينكم القديم وسحرة عقولكم المزيفين وكل من بالغ في تمجيد أحكام دينكم المنسوخ وجاهد في مغالاته له، فليس هذا إلا سبيل الهلاك.
* [الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ](152 الشعراء).
من الذين يفسدون أراضي عقول الناس وقلوبهم ومعتقداتهم ويزرعونها بشـوك الريبة والظنون وحسـك الكفـر والضلالة حينما يدعون اتباعهم للتمسك بأذيال شريعتهم التي أمر الله بنسخها وإبطال أحكامها، فكل من يخالف أمر الله ويدعو لغير ما ينزله من جديد الأحكام، ما هو إلا من المفسدين لعقول الناس وقلوبهم في الأرض، فلا تظنوا أنهم يصلحون أرض الدنيا وأرض نفوسكم بالأيمان، فلقد انقلب منـذ هـذه اللحظـة تأثيرهم الصالح الى تأثير طالح وهم غافلون لا يعلمون، كما قال تعالى (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ)(11 البقرة).
* [قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنْ الْمُسَحَّرِينَ](153 الشعراء).
لكن المستكبرين من قوم ثمود لم يخرجوا عن ما سبق وقاله المعرضون والكافرون السابقون واللاحقون من أمم أصحاب الكتاب، وأصروا على التمثل بهم والسكن في مساكن كفرهم، وراحوا يصفون النبي صالح(ع) بأنه واقع تحت تأثير سحر ساحر أو أنه رجل دين جديد يريد أن يسحر عقولهم بجديد تفاسيره.
* [مَا أَنْتَ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنْ الصَّادِقِينَ](154 الشعراء).
ولما لم يشاهدوا في شخصيته حسب الظاهر، ما يميزه عن غيره من بقية البشر، وأنه رجل مثلهم يأكل الطعام ويمشي في الأسواق وينام ويمرض، كما قال تعالى (وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ لَوْلا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا)(7 الفرقان)، طلبوا منه أن يأتيهم بمعجزة مادية خارقة لقانون الطبيعة تثبت صدق دعوته. أما كيف نفهم أنهم طلبوا منه معجزة مادية خارقة للعادات وليس آية أو سورة في كتاب منزل، فذلك لأن الله سبحانه وتعالى قال أنه لم يسبق أن أرسل رسول من قبل ظهور سيّد المرسلين، إلا وكان معه كتاب (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ)(38 الرعد)، وهذا يعني أن قوم ثمود يطالبون نبيّهم بمعجزة مادية خارقة للعادات ولقوانين الطبيعة وليس بآيات إلهية مكتوبة. وهذا يدل على أن ديدن الناس وعادتهم منذ الأزل هو شدّة التعلق والتمسك بالتقاليد والعادات والتحايل قدر الإمكان للتهرب من نعمة أديان الله.
* [قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ](155 الشعراء).
فكان جوابه على طلبهم، أن قدّم لهم آيات شريعته. أما لو كان المقصود من الناقة هنا هو هذا الحيوان المعروف بين الناس، فليس من المعقول أو الإنصاف أن يشترط النبي صالح على قومه هذا الشرط الصعب المستحيل ويطالبهم بتقاسم ماء الشرب مع ناقته،، وهو الرجل المرفوض والمستهجن بينهم، وأن يشربوا هم وجميع نوقهم وإبلهم وماشيتهم في مدة يوم واحد، ويتركهم عطاشى لمدة يوم آخر كامل تترك ناقته لوحدها لتشرب فيه وهي مستلقية مرتوية والماء من دونها لا يرده أحد. ثم ليس من المعقول أن يكون لهذا الجمع من الناس وماشيتهم بئر أو ساقية واحدة فريدة يشربون منها لا غير. كما لا يمكن تصور نزول هذا الحكم بهذه الصيغة وهذا المنظور من رب العزة والعدل أعدل العادلين.
لكن المقصود من الناقة هنا وكما ذكرنا، هي ناقة الشريعة القوية المقدسة التي ستنقل قوم ثمود ومن يحذو حذوهم الى جنة الايمان وأرض القرب من الله ودينه. لذلك فمقصود النبي صالح(ع)، أنه قد سبق وخصص الله سبحانه وتعالى لكل شريعة ودين من أديانه، يوم إلهي كامل معلوم، بدأ منذ ساعة ظهوره وإشراق شمسه، وانتهى في ساعة ظهور ما تلاه من إشراقات شموس أديانه. فالنبي صالح يحاول إخبار قومه أن الحقبة التالية والزمن القادم ويوم الله التالي مخصص لناقة شريعته ودينه لترعى في أراضي قلوب الناس والعباد وعقولهم ولتشرب من مياه أعمال المؤمنين الصالحة وتسقيهم من لبن أحكامها الخالصة.
وفي هذه الحالة ومن خلال هذا المفهوم، يكون النبي صالح(ع) قد أنصف قومه وعدل بينهم ورحمهم بتوضيح هذه الحقيقة الإلهية ولم يظلمهم، وحاول جاهدا ان يشرح لهم أن يوم شريعتهم قد انقضى، وها قد حل عليهم يوم شريعة جديدة، وما عليهم إلا أن يفسحوا المجال لها لترتع في أراضي قلوب العباد. وبهذا يصح الحكم ويتفق العدل والإنصاف الإلهي، في حكمه: أن لكم ولشريعتكم يوم شرب كامل، وأن لي ولشريعتي يوم شرب آخر كامل.
* [وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ](156 الشعراء).
ومرة أخرى، ليس من المعقول أن يوافق خصوم وأعداء النبي صالح(ع) على طلبه وشرطه بترك دابته تهيم في أرضهم وحقولهم تأكل من حيث تشاء وتتلف ما تشاء من زرعهم وموارد رزقهم، خاصة وهو يواجههم ويدعوهم الى ترك دينهم السابق وموروثات معتقداتهم والايمان بدينه الجديد. لكن المعنى:ـ
ولا تعاندوا ناقة دين الله وشريعته، ولا تحاربوها وتتعصبوا لمعتقداتكم القديمة في هذا الظهور الجديد، لأن من يفعل ذلك يستقطب عذاب الله عليه.
* [فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ](157 الشعراء).
لكن قوم ثمود لم يتعظوا بهذه النصائح، ولم يصدقوا أقوال نبيّهم ولم يفهموا أسرار إشاراته، فحاربوه ودينه وأتباعه، وبذلك كانوا محط غضب الله. وعندما راحت تنهال عليهم أمطار البلايا وتهب عليهم رياح الرزايا وصواعق المحن والمصائب مـن كـل حدب وصوب، وانحط شأنهم وذلت رقابهم وتشتت شملهم، ندموا على ماضيهم التليد وعلى ما ضاع منهم وما كانوا يتمتعون به من جنان النعم والبركات.
* [فَأَخَذَهُمْ الْعَذَابُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ](158 الشعراء).
ومع مرور الوقت، واستمرارهم على الصد والعناد، ولظنهم الخاطئ أن ما أوجدوه من حضارة عظيمة كان من خلال قدراتهم الذاتية فقط وليس لأيمان أجدادهم بدينهم سببا مباشراً أو مؤثراً في ذلك، لم يتمكنوا من العثور على وسيلة تخلصهم مما حل بهم من سوء حال. وهذا هو السبب من تكرار ذكره في القرآن الكريم، فهو عبرة ونصيحة وموعظة سماوية لجميع الناس من بعدهم، حتى لا يكرروا أعمال قوم ثمود ومن كان على شاكلتهم، ولا يرتكبوا ذات خطا الانسان الأزلي.
* [وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ](159 الشعراء).
فالله سبحانه وتعالى عزيز غني مستغن عن عبادة خلقه، لا يزيد أيمانهم في ملكه شيئا ولا ينقص كفرهم من ملكه شيء. لكنه رحيم بهم جميعا، يرحمهم في كل مرة برسالة وشريعة جديدة رغم أخطائهم وأفعالهم حتى يرفع من شأنهم وينور عقولهم ويهديهم سبل الخير والصلاح وتعمير الأرض.


ونتابع معكم-من معانى ناقة النبى صالح(ص)

No comments:

Powered By Blogger