(2)
عفواً يا أمة الإسلام
قد انتهى حكم ما بينكم وجاء خبر ما بعدكم وأنتم له كافرون وعنه معرضون
روى العلامة سهل بن عبدالله التوسترى فى تفسيره عن عكرمة بن عباس(رض) أنه قال سالت رسول الله(ص) فى مَ النجاة غداً فقال:" عليكم بكتاب الله عز وجلّ فإن فيه نبأ من قبلكم وخبر من بعدكم وحكم ما بينكم من دينكم الذى تعبّدكم به الله عزّ وجلّ". إلى آخر الحديث. فترى أن رسول الله(ص) أخبر أمته بأن فى القرآن نبأ من قبلهم من الأمم وخبر من بعدهم من الأمم وحكم ما بين أمته وهو يخاطب هذه الأمة المحمدية . فإذاً يريد بالأمم الآتية والماضية امم الرسل وهى أمم الاجابة فالأمم الآتية هى التى تتكون بإرسال الرسل لها كما تكوّنت أمة موسى وأمة عيسى والأمة المحمدية بإرسال رسلها لها فخبر تلك الأمم بالقرآن كما كان خبر الأمة المحمدية فى الانجيل والتوراة وخبر الأمة العيسوية فى التوراة وغيرها من الكتب المقدسة القديمة فإذا يأتى بعد انتهاء أجل هذه الأمة المحمدية رسل تتعاقب وتكوّن امماً.
... "يا أيّها السّائل إذا قصدت حظيرة القدس وسيناء القرب طهّر قلبك عن كلّ ما سواه ثمّ أخلع نعليّ الظّنون والأوهام لترى بعين قلبك تجليات الله ربّ العرش والثّرى لأنّ هذا اليوم يوم المكاشفة والشّهود قد مضى الفصل وأتى الوصل وهذا من فضل ربّك العزيز المحبوب دع السؤال والجواب لأهل التّراب اصعد بجناحي الانقطاع إلى هواء قرب رحمة ربّك الرّحمن الرّحيم. قُل يا قوم قد فصّلت النّقطة الأوّليّة وتمّت الكلمة الجامعة وظهرت ولاية الله المهيمن القيّوم. قُل يا قوم ءَإشتغلتم بالغدير والبحر العذب يتموّج أمام وجوهكم فمالكم لا تفقهون".
(حضرة بهاءالله)
http://reference.bahai.org/ar/t/b/KAL/kal-52.html
نتابع من نقطة توقفنا فى مقالنا الأول والسابق................
س-هل تعنى أن عيسى عليه السلام ينزل بشخصه من السماء وأنه موجود بجسمه العنصرى هناك؟
ع-نعم.
س-هذا غير صحيح.
اختلا ف علماء الأمة بشأن صعود عيسى للسماء:
ع- كيف يكون غير صحيح وعلماء الأمة يقولون بذلك حتى لا تكاد تجد كتاباً يتعرض لذكر أشراط الساعة إلا ويذكر أن عيسى ابن مريم ينزل من السماء ويكسر الصليب ويضع الجزية إلى آخر ما هناك.
س-مجرد كثرة القاءلين بقول لا يدل على صحة ذلك القول فمن يعبد الأصنام أكثر مما يعبد الله ومن لا يصدق محمداً أكثر مما يصدقه" وأن تُطع أكثر من فى الأرض يضلوك عن سبيل الله"(الانعام:116). فهذا لا دليل فيه ولكن أسمع:
ع-نعم تفضل.
س-أن القائلين بنزول عيسى من السماء فى آخر الزمان هم القائلون برفعه بجسده العنصرى إلى السماء وحيث لم يثبت له صعود إلى السماء بجسده العنصرى لم يثبت له نزول طبعاً كما سيتبين لك ذلك بعد النظر فى أدلة القائلين بصعوده وفى نقضها للنافين له.
ع- كيف ذلك؟
س- ان العلماء اختلفوا فى صعود عيسى عليه السلام إلى السماء بجسده فمنهم المثبتون له ومنهم النافون له فالمثبتون له يقولون لأن قوله تعالى "إذ قال يا عيسى إنى متوفيك ورافعك إلي"(آل عمران:55) وقوله تعالى"وما قتلوه يقيناً بل رفعه الله إليه"(النساء:57) يدلان على رفعه بجسده إلى السماء فرفعه إليه رفعه إلى السماء وان الخطاب هذا لعيسى عليه اليلام حينما كان حياً بجسده فيقتضى رفعه بجسده. ويؤيد هذا حديث المعراج الذى فيه أن رسول الله(ص) رأى عيسى وابن خالته يحيى عليه السلام فى السماء الثانية فدل على أنه فى السماء بجسده منتظراً الوقت الذى ينزل فيه إلى الأرض فينزل. ويزيدك تأييداً وقوةً فقدان المسيح بعد حادثة الصلب أو القتل فإذا كان لم يصلب ولم يقتل فلا بُد من أنه رفع وإلا فأين ذهب؟
فعلى ذلك أن الله جلّ شأنه قد رفعه بجسده وروحه إلى السماء وأنه ينزل إلى الأرض فى آخر الزمان ومما يدلك على أنه سينزل إلى الأرض قوله تعالى"وإن من أهل الكتاب ليؤمنن بعيسى قبل موته فإذا نزل إلى الأرض آمن به أهل الكتاب كافة ثم يموت. فدل ذلك على أنه حى بجسده فى السماء وأنه سينزل إلى الأرض ثم يموت فيها.والأخبار والأحاديث التى فى نزوله فى آخر الزمان مستفيضة جداً.فقال النافون أن الآيات ليس فيها دليل على صعود المسيح بجسده العنصرى إلى السماء وقوله تعالى:"انى متوفيك ورافعك إلي" أى انى مميتك وجاعلك بعد الموت فى مكان رفيع عندى فالتوفى ههنا على معناه الظاهر المتبادر هو الأمالة العادية وان الرفع يكون بعدها وهو رفعه الروح أما كونه خاطب المسيح بقوله رافعك فدل على أنه رافع جسده وروحه معاً فلا دلالة فى ذلك،إذ لا غرابة فى اطلاق الخطاب على الشخص ويراد به روحه فإن الروح هى حقيقة الإنسان والجسد كالثوب له،فقال المثبتون بأن المراد من قوله تعالى أنى متوفيك ورافعك إلىّ-رافعك إلىّ ومتوفيك بعد ذلك،لأن الواو لا تفيد ترتيباً وانما هى لمطلق الجمع فأجابهم النافون ان مخالفة الترتيب بالذكر للترتيب فى الوجود لا يتأتى فى الكلام البليغ إلا لنكته يعنى أن الله جلّ شأنه قال (متوفيك) ثم أعقبه (برافعك) فهذا الترتيب الواقع فى الذكر يقتضى الترتيب فى الوجود فيكون أولاً الوفاة ثم الرفع فمخالفة الترتيب فى الذكر للترتيب فى الوجود لا يكون فى الكلام البليغ إلا لنكته، ولا نكته ههنا لتقديم التوفى على الرفع إذ أن الرفع هو الأهم لما فيه من البشارة فى النجاة ورفعه لمكانته السامية،ثم أن الله جلّ شأنه لم يذكر أنه رافعه إلى السماء بل قال ورافعك إلىّ أى لمحل كرامتى ومثل هذا فى القرآن كثير قال تعالى حكاية عن لوط:"وقال أنى مهاجر إلى ربى"(العنكبوت:26) وقال تعالى حكاية عن إبراهيم:"وقال أنى ذاهب إلى ربى"(الصافات:99) فكان ذهابه من العراق إلى الشام فلم يكن ذهاب إبراهيم إلى السماء ولا مهاجرة لوط إلى السماء فإذا كان ذهاب ابراهيم للرب ومهاجرة لوط للرب لم يكونا إلى السماء فكذلك رفع المسيح إليه لم يكن إلى السماء. أما حديث المعراج فرؤية النبى (ص) عيسى فى السماء الثانية أيضاً لا دليل فيه فإن النبى (ص) قد رأى مع عيسى ابن خالته يحيى بن زكريا ويحيى مات مقتولاً ولا فرق بين الرؤيتين ورأى آدم ونوحاً وابراهيم وموسى وغيرهم من الأنبياء فلو كانت رؤيته لعيسى دليلاً على رفعه حياً بجسده إلى السماء لكان دليلاً على رفع هؤلاء الأنبياء إلى السماء أحياء بأجسادهم أيضاً،ولما كانت رؤية النبى (ص) لهم لم تدل على رفعهم إلى السماء أحياء بأجسادهم كذلك لم تدل على أن السيد المسيح رفع إلى السماء حياً بجسده. أما كون المسيح لما لم يصلب ولم يقتل فبعد الحادثةان لم يرفع إلى السماء فأين ذهب؟ لا شك أنه قد فرّ من بين أعدائه إلى مكان آخر فلا غرابة فى الأمر فان أخاه موسى كان بين الالوف من قومه الخاضعة لأمره قد انفرد عنهم ومات فى مكان لا يعرفه أحد منهم كما هو منصوص فى آخر سفر الاشتراع فكيف يستغرب أن يفر عيسى من قوم أعداءه لا ولي له فيهم ولا ناصر إلا أفراد من الضعفاء قد انفضوا من حوله وقت الشدة فلا بدع إذا ذهب لمكان مجهول ومات فيه كما مات موسى عليه السلام. فهذه أدلة الطرفين نسردها لنعرف منها القول برفع المسيح بجسده إلى السماء قولاً باطلاً لا صحة له.
ع-ما الذى جعل البعض من العلماء يأولون هاتين الآيتين على رفع عيسى عليه السلام بجسده العنصرى إلى السماء فى حين أن ليس فيها دلالة على ذلك؟
س- إن بعض من العلماء لما وجدوا الأحاديث الكثيرة الدالة على نزول عيسى آخر الزمان ووجدوا هاتين الآيتين دالتين على رفعه فتأولوهما رفعه بجسده إلى السماء ولم يتبادر لذهنهم أن رسول الله (ص) كنّى بعيسى عن رسول آخر يكون فى آخر الزمان. أما استدلالهم بقوله تعالى:"وأن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته" على نزول عيسى بشخصه فى آخر الزمان فهذا لا دليل فيه أيضا،لأن الآية تدل على أن أهل الكتاب الذين كانوا فى زمان عيسى والذين بعدهم يؤمنون به جميعاً إذ أن الآية معناها-وما من أهل الكتاب أحد إلا ليؤمنن به قبل موته-فهذا عام شامل لكل كتابى كان فى زمن عيسى أو بعده.فإذا أرجعنا ضمير موته إلى عيسى حصر الذين يؤمنون به من أهل الكتاب فى الذين يكونون فى زمان نزوله ولا وجه للتخصيص بل الضمير فى موته يعود لحد المقدر الدال عليه سياق الكلام واحد نكره والنكره إذا كانت سياق النفى دلت على العموم فيكون معنى الآية ما من أهل الكتاب أحد إلا ليؤمنن بعيسى قبل موته أى قبل موت ذلك الأحد أو الكتابى المدلول عليه بأهل الكتاب وذهب بعض المفسرين إلى أن ضمير من به يعود لله ومن موته يعود للكتابى.
وقال آخرون الضمير من به يعود لمحمد(ص) ومن موته يعود للكتابى أيضاً.
ع- قد وضح لدى بطلان أدلة القائلين بصعود عيسى عليه السلام إلى السماء بجسده كما وضح بطلان نزوله فإذا لم يكن صعود لم يكن نزول طبعاً. كما وضح لدىّ أيضاً عدم دلالة الآية على نزوله إذاً فماذا يصنع الذين يقولون بعدم صعود عيسى عليه السلام بجسده إلى السماء بالأحاديث الواردة فى نزول عيسى آخر الزمان؟
س- ان العلماء الذين اثبتوا بطلان صعود المسيح إلى السماء ونزوله منها افترقوا فرقتين بشأن هذه الأحاديث والأخبار،ففرقة تضعف هذه الأحاديث والأخبار وتجعلها بمنزلة لا وجود لها،وفرقة تؤولها فالذين يجعلون هذه الأخبار كلا وجود لها فيقولون أن الأخبار الواردة بشأن نزول المسيح آخر الزمان بعضها أحاديث مرفوعة وبعضها آراء للمفسرين وبعضها أخبار مسلمة البهود مثل وهب وكعب ومهما كان من شانهما وصراحة عباراتها لا تبلغ أن يكون لها صريح القرآن فيجب الاعتقاد بها أو تكوّن فى النفس اعتقاداً جازماً يجعل صاحبه يشهد على الله أن المسيح فى السموات ويشهد بذلك مطمئن الشهادة زأنه سوف ينزل من السماء على الأرض ويقتل الخنزير ويكسر الصليب إلى آخر ما جاء فى الأحاديث وأن من حاد عن هذا الاعتقاد برء من الاسلام وبرء الاسلام منه فأحاديث هذا شأنها لا اعتداد بها فوجودها كلا وجود.أما الفرقة الثانية المؤولة لنزول المسيح فتقول ان كانت الآيات لا تدل على صعود المسيح إلى السماء بجسده لكن الأحاديث الواردة بشأن نزول عيسى فى آخر الزمان لا يمكن الطعن فيها بحيث تجعل كلا وجود لها.
فأولوا نزوله وحكمه فى الأرض بغلبة روحه وسر رسالته على الناس وما غلب فى تعاليمه من الامر فى الرحمة والمحبة والتسامح والاخذ بمقاصد الشريعة دون الوقوف عند ظواهرها والأخذ باللباب دون القشور وهو حكمتها وما شرعت من أجله،فهذه جملة اختلاف علماء الأمة بشأن رفع عيسى عليه السلام ونزوله فى آخر الزمان. وفات هؤلاء المؤولين ان مثل هذا لا يمكن أن يسرى فى النفوس من تلقاء نفسه بل مثل هذا لا يمكن أن يأتى به للناس ويحل من قلوبهم محله ويأخذ مفعوله إلا الرسل الكرام بل أن الرسل يكابدون العظائم ويتكلفون المشقات لادخال مثل ذلك فى قلوب الناس وأفئدتهم مع أن ظواهر هذه الأحاديث تأبى هذا التأويل.
ع-ما رأيك أنت يا (س) فى صعود عيسى عليه السلام إلى السماء وفى نزوله؟
المراد بهذه الأحاديث هو بهاءالله المكنّى عنه بعيسى:
س-الحق الذى لا مرية فيه أن الآيات ليس فيها دلالة على صعود المسيح عيسى بن مريم بروحه وجسده إلى السماء أما الأحاديث الواردة والأخبار التى تناقلها العلماء فهى وان كان فيها آراء مفسرين وأخبار عن مسلمة اليهود وأن بعض الأحاديث الواردة عن رسول الله(ص) قد ينقلها بعض الرواة بالمعنى فينقلوا منها حسب ما يعتقدونه ولربما زادوا فيما تخيلوه من معنى،فتخالف الحقيقة والواقع وقد يدرك بعض الرواة النسيان والسهو ومع ذلك كله فليست كلها باطلة بل فيها ما هو الصحيح فيطابق الواقع.فإن طابقت هذه الأحاديث مدلولها كانت صحيحة لا محالة.
وقد ذكرنا من قبل أن رسول الله (ص) كنّى بعيسى ابن مريم عن بهاءالله لمناسبة بينهما .
الحديث الأول-روى البخارى بسنده عن أبى هريرة أن رسول الله(ص) قال:
"والذى نفسى بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكماً عدلاً فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الحرب و يفيض المال حتى لا يقبله أحد حتى تكون السجدة الواحدة خير من الدنيا وما فيها" .
ونتابع معاً فى المقال القادم..............رقم(3)
No comments:
Post a Comment