Monday, April 19, 2010

عفواً يا أمة الإسلام-6


عفواً يا أمة الإسلام قد انتهى حكم ما بينكم وجاء خبر ما بعدكم وأنتم له كافرون وعنه معرضون-(6)

معنى ختم النبوة واوليتها

س-ان بعض الآيات التى ترد فى الكتب السماوية يتوهم فى مفهومها انقطاع الرسالة كالآية الواردة فى سفر الخروج اصحاح:31آية:16 "فيحفظ بنو اسرائيل السبت ليصنعوا السبت فى أجيالهم عهداً أبدياً وهو بينى وبين بنى اسرائيل علامة إلى الأبد" فتمسكوا بهذه الآية ولم يؤمنوا بعيسى ولا بمحمد عليهما الصلاة والسلام وفسروا ذلك على أن حرمة الاشتغال فى يوم السبت ابدية فإذاً شريعة موسى أبدية، والحال أنهم قد أخطأوا فى فهم الآية أو فى تفسيرها حيث أن الله سبحانه وتعالى يقول"ليصنعوا السبت فى أجيالهم" فخصص صنع السبت فى أجيالهم خاصة يعنى فى السنين التى هى لهم والاجيال التى هى مدة دينهم وهى بين موسى وعيسى عليهما السلام.

فالابد ههنا يراد به بعض ما يتناوله الابد أى مدة طويلة من الزمن فلا شئ فى الآية الواردة فى انجيل متى اصحاح 24 آية 35 "السماء والأرض تزولان ولكن كلامى لا يزول" تمسكت بها النصارى وفسروها على أن شريعة عيسى لا تزول فلم يستجيبوا لمحمد(ص) وليس فى الآية ما يدل على ذلك لأن للانجيل هو كلام الله والله سبحانه وتعالى يقول " ولكن كلامى لايزول"فكلام الله لا يزول ولم يزل.

والآية تدل على استمرار ارسال الله رسله بعكس ما يدّعون لأن كرم الله انما يبلغه للناس رسله وتنزل عليهم كتبه فإذا كان كلام الله لا يزول كما هو الحق والواقع فالرسل مستمرة بلا انقطاع والشرائع متتابعة وليس فى الآية ما يدل على انقطاع الارسال.

وكذلك تمسك المسلمون بآية خاتم النبيين وجعلوا معنى الختم الانقطاع المؤبد للنبوة بعد محمد(ص) وليس المراد من الختم ذلك المعنى بل كما أن محمداً (ص) خاتم النبيين كذلك هو أول النبيين وقد وردت عدة أحاديث تعبر عن أوليته منها قوله(ص)"كنت نبياً وآدم بين الروح والجسد" عندما سأله ميسره الضبيّ بقوله يا رسول الله متى كنت نبياً(روى هذا الحديث أحمد فى مسنده والبخارى فى تاريخه وابو نعيم فى الحلية وصححه الحاكم) فنجد فى هذا الحديث أنه عليه الصلاة والسلام وصف نفسه بالنبوة قبل أن يتم خلق آدم والذات الموصوفة لابد أن تكون موجودة عند الوصف اذ لا يوصف الشئ قبل وجوده.

والشخصية البشرية لمحمد(ص) لم تكن موجودة بعد اذ أن آدم لم يخلق بعد فاذا كان المراد من الذات الموصوفة بالنبوة هى حقيقته التى عناها(ص) بقوله (يا جابر ان الله خلق قبل الاشياء نور نبيك من نوره) الحديث لما قال له جابر بن عبدالله(يا رسول الله بأبى أنت وأمى اخبرنى عن أول شئ خلقه الله قبل الأشياء) روى هذا الحديث عبد الرزاق بسنده وهو أحد من أخذ عنه الحديث أحمد واسحق وغيرهما.

وهذا النور هو الحقيقة النبوية وهى واحدة لا متعددة ونعنى بها الحقيقة المحمدية وهذه هى التى تجلت بآدم عليه السلام وبما بعده من الانبياء وهي حقيقة كل نبى ولما كانت هذه الحقيقة واحدة وهى المتجلية فى كل نبى كان حكمهم حكم ذات واحدة ونفس واحدة كما أن كل واحد منهم هو عين الثانى بالنسبة لهذه الحقيقة لا لشخصيتهم ويكون كل واحد منهم هو الأول والآخر وهو البدء والختم بالنسبة لتلك الحقيقة المتجلردة المتجلية فيهم أما بالنسبة لشخصياتهم فكل واحد غير الثانى ولكل واحد منهم هيكل خاص وشخصية معينة هذا لاشك فيه مثال ذلك لو انطبعت صورة شخص واحد فى مرايا كثيرة متعددة مختلفة فى الصغر والكبر والطول والقصر والتحديب والتقعير والاستواء فلا شك أن تلك الصورة الواحدة تتكثر بالمرايا وتختلف انطباعاتها بحسب اختلافاتها وهذا التكثر غير قادح فى وحدتها وهكذا الانبياء فمن حيث حقيقتهم هم شخص واحد وذات واحدة ومن حيث بشريتهم متعددون متكثرون وإلى هذا يشير القائل الكريم كما رواه العلامة القسطلانى فى المواهب اللدنية:-

بأبى من كان ملكاً وسيداً وآدم بين الماء والطين واقف

فذاك الرسول الابطحي محمد له فى العلا مجد تليد وطارف

اتى بزمان السعد فى آخر المدى وكان له فى كل عصر مواقف

فترى هذا الشاعر يشير إلى ظهور ذلك النور وتجليه فى كل نبى ظهر فى عصر من الاعصار بقوله (وكان له فى كل عصر مواقف).

ومعلوم أن محمداً(ص) لم يكن موجوداً فى كل عصر بهذا الهيكل وبهذا الشخص وانما كان ذلك النور هو الموجود فى كل عصر وله فيه مواقف.

وفى هذا ينحل الاشكال الوارد فى الانجيل من قول عيسى عليه السلام"اذهب واعود" وفى مكان آخر "اذهب ويعود غيرى" ففى قوله الأول يشير إلى الحقيقة النبوية وفى الثانى إلى شخص النبى الذى يأتى بعده وهو محمد (ص) فشخصية محمد غير شخصية عيسى ولكن النور الذى تجلى بمحمد(ص) نفس النور الذى تجلى بعيسى عليه السلام.

وعلى ذلك يتبين لنا كما مر أن الرسالة غير منقطعة كما أن النبوة غير منقطعة فرحمة الله لا تزال جارية على عباده.(من كتاب التبيان والبرهان).


No comments:

Powered By Blogger