خاتم النبيين -هاتوا برهانكم سورة 28, آية: 75
لقد كُتب هذا الكتاب في المقام الأول للمسلمين ويُرَكّزُ الاهتمامَ على موضوع له أهمية خاصة وعظيمة لهم، ولكن قد يكون الموضوع لا يحمل الأهمية ذاتها لأتباع الأديان الأخرى. فلو كنتَ مسلماً وتعتقد اعتقادًا وثيقاً بـ "عقيدة خاتم النبيين" سوف تجني الكثير من قراءة هذا الكتاب حيث الاعتقاد بأن محمد صلى الله عليه وسلم هو خاتم الرسل لهو من العقائد الأكثر أهمية لدى معظم المسلمين.
يكشف هذا الكتاب عن آيات قرآنية عديدة ربّما لم تلاحظها من قبل، فالآيات تبدو للوهلة الأولى غير مستحبة بل ومؤلمة لأكثر المؤمنين لأنها تتحدى أهم عقيدة أو مبدأ فيما بين المسلمين وهي أنه لم ولن يكون بعد الإسلام دين آخر.
فهذا الفصل هو تمهيد للفصول القادمة وفيه نركز على المواضيع التالية:
• كيف ينبغي للمسلم الصادق أن يقبلَ معتقداته ويذعن بها؟ هل يكون ذلك من خلال الامتثال والتقيد باتّباع المألوف؟ أو الاقتناع بالحجة والمنطق؟ نظراً للقوة المهيمنة للامتثال في الدين بما هو متبّع من قبل الجميع فقد اختُصَ معظم هذا الفصل لهذا الموضوع.
• ما معنى "خاتم النبيين" وما هو مضمونه؟
احترام المنطق (العقل)
والمعرفة
".....قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ "
(سورة 27, آية: 64)
خلافا لما يفترضه كثيرٌ من الناس فإن القرآن الكريم يشجعنا مراراً على أن نكون موضوعيين وأن نبحث عن الحقيقة ولا نقبل الأفكار الموروثة بدون اختبارها بالحجة والعقل. تأملوا هذه الآيات:
"وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً " (سورة 17, آية: 36).
".....وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ " (سورة 24, آية: 15).
"بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ ....." (سورة 30, آية: 29).
تفكر الآن في هذه الآية:
"وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ". (سورة 10, آية: 100).
ما هي عاقبة الذين يهملون التفكير والمنطق حسب الآية السابقة:
• لا يمكنهم أن يدركوا ويتبينوا الحقيقة.
• يضع الله العوائق أمامهم فيظلمون أنفسهم ويُحرمون من دخول ملكوته.
تأملوا الندم والأسف الذي يُعبِّر عنه أهل جهنم :
الآية التالية تصف ما يقولونه وهي كافية لإيقاظ كل نفس من نوم الغفلة، وتبين لنا النتائج الوخيمة للّذين لا يعقلون, أي يخفقون في استخدام أكثر النعم الإلهية قيمةً للإنسان ألا وهو العقل.
نظراً لأن الاخفاق في استخدام عقولنا أمر خطير جداً دعونا نرى الآية التالية:
"وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ " (سورة 67, آية: 10).
إن مضمون الآية السابقة واضح جداً، لن نكون في عداد أهل النار "لو كنا نسمع سماع مَن يطلب الحق, أو نفكر فيما نُدْعى إليه" (التفسير الميسر للمصحف الرقمي) إننا نستعمل المنطق في كل أوجه حياتنا فيما عدا مجال الدين. فلماذا هذا الاستثناء؟ لماذا يتبع العباد معتقدات أسلافهم لآلاف السنين دون تحقيق؟
إن الكثير من البؤس والشقاء في العالم ينتج وينبثق من هؤلاء الملتزمين الذين يتبعون جماهير الناس بدون تفكير والذين بدورهم يتبعون ساداتهم والذين هم من خدّام السلطة والغرور. إن الله يزدري هؤلاء أيّاً كان جنسهم، لونهم، ملتّهم،عِرّقهم أو دينهم.
"وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ". (سورة 8, الآية: 21 و 22).
"أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ". (سورة 13, آية: 19).
أنظر أيضاً :سورة 10,آية: 24; سورة 20, آية : 54; سورة 38, آية :29; سورة 21, آية: 45.
يشير القرآن الكريم إلى المؤمنين الّذين لا يبحثون عن الحقيقة ومقتنعين بالافتراضات والظنون:
"وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا إَنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ عَلَيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ " (سورة يونس آية: 36)
انظر أيضًا:
سورة 6, آية : 116 ؛ سورة 45, آية: 23 ؛ سورة 10, آية: 66.
يطلب الخالق منّا الاعتماد على العقل وأن نحضر دليلنا لصحة ما ندّعيه، فيقول: " هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ " (سورة 28, آية: 75).
يتَّبع هذا الكتاب ما أمرنا به القرآن الكريم. فيقدّم كل الحجج والبراهين العقلية والمراجع القرآنية وهو البرهان على صحة المُدعىٰ. فهل هناك أي ضرر من المعرفة والدراية؟!
" رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا " (سورة 20, آية: 114).
".... هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ" (سورة 39, آية: 9).
أنظر أيضًا :
سورة 13, آية: 16.
"..... هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ "؟ (سورة 6, آية: 50).
إن هدف هذا الكتاب هو مساعدة القارئ على ازدياد معرفته وإدراكه لمعاني الآيات القرآنية. كما نعلم إن القرآن الكريم شامل لكل شئ ويشير في عديد من الآيات على مجئ رسل من عند الله في المستقبل، فكيف يُمكن تجاهل موضوعٍ بهذه الأهمية والذي يحمل عواقب لا يمكن تصورها ؟! سوف نرى أن القرآن الكريم وهو مرجع لمواضيع كثيرة، وموسوعة لكل شيء لم يتجاهل هذا الموضوع فقد ذكر أن فيه تفصيل كل شيء قال تعالى:
"...... وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ ......" (سورة 12,آية: 111).
".... مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ .........." (سورة 6,آية: 38).
هل قراءة كتاب خاتم النبيين سوف يقوِّض إيمانك بالقرآن ؟ لا بل إنه سوف يساعدك لكي تزداد إيماناً وحباً لله . إن قراءتك للكتاب ستُثري وتُغني حياتك الروحانية وتقدم لك الجواهر النفيسة التي لم تلاحظها في ذلك الكتاب الجليل (القرآن). وباكتشافك لمثل هذه الجواهر في كتاب الله تستطيع أن تقوّي وتدعّم إيمانك فتصبح مؤمناً حكيماً ومنطقياً بدلاً من أن تكون تابعاً ومقلّداً للعموم ومطيعاً للأغلبية. وإن المعرفة التي يحتويه هذا الكتاب ستكون لها نتيجتان متضاربتان فإنها سوف :
• تزيد من اعجابك بالقرآن الكريم للغاية.
•تقلل من ثقتك بهؤلاء الذين يحترمون الأفكار الموروثة أكثر من احترامهم للحقيقة ويتبعون التقاليد أكثر من اتباعهم للمنطق أي أنهم يتبعون الظن والافتراض كما جاء في القرآن الكريم:
" وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا". (سورة 53, آية : 28.
"..... إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ........" سورة 10 آية: 66.
أنظر أيضًا: سورة 6, آية: 116.
إن قراءة هذا الكتاب ستزيد من اعجابك وتقديرك للقرآن الكريم أكثر من أي وقتٍ مضى. وستكتشف أن في أعماق بحرالآيات التي تبدو من أوّل وهلة بسيطة وغالباً غير مترابطة, تكمن لئالئ لا تعد من المعرفة والحكمة والتي ستظل وتبقى بعيداً عن متناول عقول أعظم المفكّرين. فقط أولئك الّذين في استطاعتهم الغوص إلى أعماق ذلك المحيط بإمكانهم أن يطّلعوا على الأسرار الخفيّة والجواهر البديعة للعلوم والمعارف الإلهية المخزونة في تلك الآيات.
إن القرآن الكريم هو أكثر الكتب السماوية تقدّمًا في التصريح بأن المنطق والدليل يجب أن يتغلب على التقليد الأعمى ومتابعة الأغلبية حيث يحثنا الخالق بالتفكر والتمعن في جميع الأمور ومن أهمها أن نتبيّن أي خبر حتى لو كان من رسول ليس بحقٍ وغير جدير بالثقة لأنه من الواجب علينا التحقيق في النبأ خشية أن نصيب قوم برآء كما جاء في الآية التالية:
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ". سورة 49, آية: 6.
وحتى نصل إلى الرأي الصائب السليم، يوصينا القرآن الكريم بالاستماع النقدي الحر والمجرد والمنزه إلى جميع الآراء ومن ثم اختيار الرأي الصائب:
".........فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ". سورة 39, آية: 17-18.
أنظر أيضا:
سورة 22, آية: 24.
إن معظم الناس – أيًّا كان دينهم – يتعلمون ويقبلون معتقدات أسلافهم كما لو كانوا يتعلّمون لغتهم الأم. فهكذا نجد أن الأطفال المسلمين هم لآباء مسلمين، وأطفال اليهود هم لآباء يهوديين ، وأطفال المسيحيين هم لآباء مسيحيين، وأولاد الملحدين هم لآباء ملحدين أيضًا. يبين لنا التاريخ أنه عندما يتعلق الأمر بالمعتَقَد والإيمان تكون الموروثات والتقاليد لها تأثيرها الجدير بالملاحظة. فقليل من المؤمنين يبحثون ويُحقِقون في معتقداتهم الموروثة. إن الآيات التالية لدليل على ذلك:
" وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ". (سورة 31, آية: 21)
أنظر أيضًا:
سورة 10, آية: 78.
" إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ " سورة 53 آية: 23.
إنه من الأفضل قبل قراءة الفصل القادم أن نمتحن معلوماتنا عن عقيدة "خاتم النبيين" بالرد على الأسئلة التالية:
• هل تعتقد أن الإسلام هو آخر دين من عند الله؟ وإذا كنت تعتقد ذلك، كيف وصلت إلى هذا الاعتقاد؟.
• هل سبق لك أن بحثت وقمت بالتحقيق في معنى "خاتم النبيين"؟
• ما ذا يعني لك ذلك العنوان؟ وكيف تربطه بالاعتقاد والإيمان بأن سيدنا محمد هو خاتم النبيين؟
• هل سألت أحداً ما , ما هى الصلة بين كلمة "خاتم" وكلمة "آخر"؟
• هل تعرف الفرق بين كلمة "خاتَم" وكلمة "خاتِم"؟
• هل فكرت لماذا قيل عن سيدنا محمد أنه "خاتَم" وليس بـ "خاتِم"؟
• هل هناك آية أخرى في القرآن الكريم تصف سيدنا محمد بأنه آخر الأنبياء؟
• هل سمعت أو عبّر لك أي شخص عن شكوكه بشأن مدى دقة الاعتقاد بأن : سيدنا محمد هو آخر رسل الله؟
• هل قرأت في القرآن الكريم عن أي آية تشير إلى مجيء رسول جديد من عند الله؟
إن الإستفسار عن أو التأمل في الأسئلة السابقة سوف يُعزز بصيرتَك فيما يتعلق بهذه العقيدة الهامة العظيمة ويُهيؤك ويُعِدُّك لما هو آتٍ. فلكي تستفيد من هذا الكتاب يجب أن تكون محايداً وبمعزلٍ عن المعتقدات الموروثة تماماً. عليك أن تفكر في الدلائل مثل القاضي أو أعضاء هيئة المحلّفين دون التعلّق أو التمسّك بمفاهيم شخصية سابقة.
ونتابع معاً........................
No comments:
Post a Comment