Tuesday, December 11, 2007

آيات لؤلئية ومعانيها الصدفية


(تفسير الاية22من الاصحاح15
من رسالة بولس الاولى الى كورنتوس)
(السؤال)
مكتوب في رسالة بولس الاولى الى كورنتوس
(لانه كما في آدم يموت الجميع
هكذا في المسيح سيحيا الجميع)
فما المقصود من هذه العبارة

(الجواب)
اعلم ان في الانسان طبيعتين طبيعة جسمانية وطبيعة روحانية0فالطبيعة الجسمانية موروثة من آدم والطبيعة الروحانية موروثة من حقيقة كلمة الله وهي روحانية حضرة المسيح0فالطبيعة الجسمانية تولدت من آدم واما الطبيعة الروحانية فمتولدة من فيض روح القدس0 الطبيعة الجسمانية مصدر كل نقص والطبيعة الروحانية مصدر كل كمال0وقد فدى حضرة المسيح بنفسه ليخلص الخلق من نقائص الطبيعة الجسمانية وليتصفوا بفضائل الطبيعة الروحانية0وهذه الطبيعة الروحانية التي تحققت من فيض الحقيقة الرحمانية جامعة لجميع الكمالات وظهرت من نفخة روح القدس وهذه الطبيعة هي كمالات إلهية وأنوار روحانية وهداية ورفعة وعلو همة وعدالة ومحبة وموهبة ورأفة بجميع الخلق وبر وخير وحياة في حياة0وهذه الطبيعة الروحانية تجل من اشراقات شمس الحقيقة0فالمسيح هو مركز روح القدس ومولود من روح القدس ومبعوث بالروح القدس ومن سلالة روح القدس يعني ليست الحقيقة المسيحية من سلالة ادم بل هي وليدة روح القدس0اذا فالمقصود من الاية 22من اصحاح15من رسالة بولس لاهل كورنتيان التي يقول فيها(لانه كما في ادم يموت الجميع هكذا في المسيح سيحيا الجميع)بحسب الاصطلاح المعروف بأن آدم هو ابو البشر(يعني انه سبب الحياة الجسمانية للنوع الانساني) وله ابوة جسمانية ونفس حية ولكن ليست بمحيية وان حضرة المسيح هو سبب حياة البشر الروحية وله الابوة الروحانية من حيث الروح0فآدم نفس حية والمسيح روح محيية0ولهذا العالم الجسماني الانساني قوى شهوانية ومن لوازم القوى الشهوانية العصيان لان القوى الشهوانية ليست تحت قانون العدل والحقانية اذ ان جسم الانسان اسير الطبيعة وكلما تحكم به الطبيعة يتحرك بمقتضاه0اذا ثبت ان الخطيئة موجودة في العالم الجسماني كالغضب والحسد والنزاع والحرص والطمع والجهل والانانية والافساد والكبر والظلم فجميع هذه الصفات البهيمية موجودة في طبيعة الانسان لان الانسان الذي لم يترب التربية الروحية هو كالحيوان. ان العالم الجسماني للانسان عالم خطيئة وعصيان وليس للانسان في العالم الجسماني امتياز عن الحيوان0فكل الخطايا من مقتضيات الطبيعة وتلك المقتضيات الطبيعية التي هي من الخصائص الجسمانية بالنسبة للحيوان ليست بخطايا ولكنها خطايا بالنسبة للانسان فالحيوان مصدر النقائص كالغضب والشهوة والحسد والحرص والاعتداء والتعاظم يعني ان جميع الاخلاق الذميمة كامنة في طبيعة الحيوان فهي بالنسبة اليه ليست بخطيئة اما بالنسبة الى الانسان فهي خطيئة0فحضرة آدم هو سبب حياة الانسان الجسمانية اما حقيقة المسيح يعني كلمة الله فهي سبب الحياة الروحية لانها روح محيية يعني ان جميع النقائص التي هي من مقتضيات الحياة الجسمانية للانسان تتبدل بالكمالات الانسانية بتعليم ذلك الروح المجرد وتربيته0 اذا فحضرة المسيح كان روحا محيية وسبب الحياة الروحانية للجميع0وحضرة آدم كان سبب الحياة الجسمانية0وحيث ان العالم الجسماني للانسان هو عالم النقائص والنقائص هي عين الموت لهذا عبر بولس عن النقائص الجسمانية بالموت0اما جمهور المسيحيين فمتفقون على ان حضرة آدم لما ان تناول من الشجرة التي منع ان يأكل منها اخطأ وعصى وبقيت النتيجة المشئومة لهذا العصيان ميراثا ثابتا في سلالة آدم وعلى هذا فحضرة آدم صار سبب موت الخلق وهذا بديهي البطلان لان معناه ان جميع الخلق حتى الانبياء والرسل من دون ذنب ولا تقصير ولمحض انهم كانوا من سلالة آدم صاروا مذنبين ومقصرين بدون سبب وكانوا مبتلين الى يوم قربان المسيح بالعذاب الاليم في نار الجحيم0وهذا بعيد من العدالة الالهية0واذا كان آدم قد اذنب فما ذنب حضرة ابراهيم وما تقصير اسحاق
ويوسف وما خطأ موسى0
اما ان حضرة المسيح كان كلمة الله وفدى نفسه فلها معنيان معنى ظاهري ومعنى حقيقي فالمعنى الظاهري انه لما كان مقصد حضرة المسيح ان يقوم بامر يكون فيه تربية العالم الانساني واحياء بني آدم وهداية عموم الخلق0والقيام بامر عظيم كهذا فيه مخالفة لجميع العالم ومقاومة لسائر الملل والدول لابد وان يؤدي الى القتل والصلب واهدار الدم0 لهذا فدى حضرة المسيح روحه حينما اظهر امره وعد الصليب سريرا والجرح مرهما والسم شهدا وسكرا0 وعلى هذا قام بتعليم الناس وتربيتهم يعني فدى بنفسه حتى يهب روح الحياة وفنى بجسده ليحيى الاخرين بالروح0اما المعنى الثاني للفداء فهو ان حضرة المسيح كان مثل حبة ضحت صورتها لتنمو الشجرة منها وتعلو ولو ان صورة الحبة تلاشت الا ان حقيقتها ظهرت على هيئة الشجرة بكمال العظمة واللطافة0فمقام المسيح كان كمالا محضا فاشرقت تلك الكمالات الالهية كالشمس على جميع النفوس المؤمنة وسطعت ولمعت فيوضات الانوار في حقائق النفوس ولهذا يقول(انا الخبز النازل من السماء وكل من يتناول من هذا الخبز لا يموت) يعني ان كل من يأخذ نصيبا من هذا الفيض واقتبس من هذه الكمالات وجد حياة ابدية واستفاض من فيض القدم وخرج من ظلمات الضلالة واستنار بنور الهداية0 ومع ان صورة الحبة صارت فداء للشجرة الا انها ظهرت وانكشفت كمالاتها بسبب الفداء والفناء فيها لان الشجرة والاغصان والاوراق والازهار كانت مخفية مستورة في الحبة فلما ان ضحت الحبة بصورتها وظهرت كمالاتها وتجلت بكمال الظهور على هيئة الاوراق والاكمام والثمر.
(حضرة عبدالبهاء )

No comments:

Powered By Blogger