Sunday, October 7, 2007

معنى التفسير والتأويل-والمحكم والمتشابه

التفسير والتأويل

قال تعالى: "هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم أزيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون أمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب ¨
(آل عمران /7 )
واضح من هذه الآية الكريمة أن القرآن الكريم تشتمل آياته على قسمين:
"محكم ومتشابه" فالمحكم هو الذي معانيه عين معانيه وهو المبين لشريعة الله والمفصل للشعائر والعبادات والنظم من صلاة وزكاة وحج وزواج وطلاق ومواريث وقصاص الخ...
وهذه الشعائر والعبادات والنظم، التي تميز المؤمنين بالقرآن الكريم عن غيرهم من الأمم الأخرى، هي من اختصاص الفقهاء والعلماء يشرحونها للناس.
وأما القسم الثاني: وهو المتشابه، فإن كناياته تختزن ظواهرها أمورا خاصة وأحداثا هامة تقع للأمة في مستقبلها وفي يوم حدده تعالى في سابق علمه، لذلك فالراسخون في العلم يسلمون ويؤمنون بهذا القسم المتشابه دون بذل أية محاولة للكشف عن معانيه، أو التكهن بتفاصيل تلك الوقائع ولا بالصورة التي تتحقق عليها لأنهم يعلمون علم اليقين بأن تأويل المتشابهات هو من شأن الله وحده يأتي به في يوم سبق تحديده من قلمه المقدس العزيز المنيع.
وبجانب صراحة هذه الآية المباركة فإن نصها يتضمن أيضا تحذيرا من أية محاولة للتأويل قبل مجيء اليوم الموعود الذي فيه يأتي الله بالتأويل ومع ذلك فالتفاسير التي يموج بها العالم الإسلامي قد تناولت بالتأويل هذا القسم المتشابه! لا خلاف في أن التفاسير المتداولة تمثل أقصى ما بلغه اجتهاد المجتهدين، ولكن عندما تستعمل المهارة في حيث لا ينبغي أن يكون فإن التحذير من "إتباع ما تشابه منه" يصبح أمرا واقعا يترتب عليه كل الآثار التي نبهت إليها الآية المباركة.
ثم إننا نقرأ نفس التحذير في مواضيع أخرى من الكتاب، ففي سورة القيامة يقول تعالى: "لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرأنه ثم إن علينا بيانه"¨
(القيامة /16،17،18 )
وقالت كتب التفسير في:
" ثم إن علينا بيانه " أي بمعنى بيانه لك يا محمد، وهكذا يفسروا للمترجمين أن يضيفوا كلمة *لك* والحال أنها لا توجد أصلا في الآية المباركة.
ومن المعلوم أن النبي صلعم يترك لأمته تفسيرا مكتوبا، وكذلك لم يفصل أحد من خلفائه رضي الله تعالى عنهم، وإنما ظهرت التفاسير بعد عصر الرسالة المباركة بأزمنة تتفاوت في التقدير.
وتعددت وجوه نظر المفسرين في تفاسيرهم، ولكن أحدا منهم لم يدع بأن تفسيره هو التأويل الذي عناه الله تعالى، بل بالعكس كانت العبارة التقليدية "الله أعلم ورسوله" دليل عدم قطع المفسرين بما جاء في تفاسيرهم، وإذا كان الأمر كذلك ألا يكون من حق كل مسلم أن يسأل متى وكيف إذاً يأتي التأويل الموعود وأكثر من هذا :من الذي يأتي به؟؟
نعود إلى التاريخ لعل وقائعه تعمل بنا إلى سلامة الفهم للآية المباركة كانت الآيات تكتب عند نزولها، أو بعد النزول بقليل، على ألياف النخيل والجلود والحجارة وعظام الشاة، فضلا عن أن العرب كانوا يمتازون بقوة الحافظة فحفظ الكثيرون منهم الآيات عن ظهر قلب، وبعد انتقال الرسول صلعم إلى الرفيق الأعلى واستشهد أكثر الحفاظ في الجهاد، رؤى من الضروري جمع الآيات كلها في جلد واحد هو المصحف الشريف، وأوكل هذا العمل لزيد ابن ثابت كاتب الوحي.
ومع صعوبة المهمة وخطورتها فقد نجح زيد في جمع آيات القرآن الكريم وترتيبها بوضع السور الطويلة في الأول دون مراعاة ترتيب النزول والواقع أن السور القصيرة التي رتبت في آخر الكتاب كانت الأولى في ترتيب النزول وكلها تشير إلى مجيء يوم الله.
واستمر مصحف زيد المصحف المعتمد طوال خلافة عمر بن الخطاب، ولكن في خلافة عثمان بن عفان لوحظ وقوع اختلاف في كثير من النسخ لأن أهل الشام والعراق كانت لهم قراءات مختلفة، لذلك فقد أمر بمقابلة جميع النسخ على نسخة زيد الأصلية، وقام بهذه العملية. زيد وثلاثة آخرون معه، وبعد الانتهاء عملت نسخ من المصحف المصحح وأرسلت إلى كافة أنحاء البلاد، وأحرقت النسخ الأخرى، والموجود بين أيدينا اليوم هو مصحف عثمان.
ونسخة زيد تمت بعد انتقال الرسول صلعم إلى الرفيق الأعلى بنحو سنتين أو ثلاثة، ولا جدال في صحتها وعصمتها من التحريف وخاصة أنها تمت في حياة وتحت إشراف الإمام علي كرم الله وجهه، وبوجود الذين ظلوا على قيد الحياة من الحفاظ فضلا عن أن تلاوته كانت مستمرة يومياً*
هذه الحقائق يتفق عليها ما أرخوا أهل الإسلام، ومنها يتضح أن عملية جمع الآيات إنما تمت بعد انتقال الرسول صلعم . وكذلك فإن بيانه حسب تقرير الآية المباركة عمل يتم بعد جمعه وقرأنه أي في زمن غير زمن الرسول صلعم، وهذا هو المراد بقوله تعالى *ثم إن علينا بيانه* فقوله تعالى:
"لا تحرك به لسانك لتعجل به" إنما هو خطاب موجه للأمة وتحذير ضد التعجيل ببيانه قبل اليوم الموعود، وإلا فالرسول الكريم الذي "علمه شديد القوى" كان يعلم بدون شك ما في خزائن كتاب الله من معاني وإشارات.
ولما لم تنتبه الأذهان إلى التحذير دبت الفرقة والانقسام فظهرت الشيع والمذاهب وتعددت الطرق مما أصاب وحدة الأمة في الصميم، وأشاع أقوالا نسبت إلى الرسول وهي ليست منه في شيء.
والشيع المتعددة، الكبير منها والصغير، القديم منها والجديد، إنما ترتكز في كيانها على حساب بعضها البعض بحيث فقد معها روح الإسلام الكثير من عمقه وصفائه وبحيث أصبح إصلاح الحالة ضرورة كبرى اختلت تفكير المصلحين من قدامى ومعاصرين.
ففي القرن العشرين حاول كثيرون إصلاح حالة الأمة الإسلامية -كل على طريقته- فريق دعا إلى عمل تفسير جديد حر مطلق للقرآن الكريم، وفريق ثاني قال بتفسير حر بشرط أن يكون قاصرا على المبادئ والتعاليم، وفريق ثالث نادى بفضل الدين عن الدولة، ورابع دعا إلى فصل العلم عن الدين الخ.
ثم نبتت فكرة جديدة تقول بالإصلاح عن طريق إعادة الوحدة إلى العالم الإسلامي، وكان لابد لهذه الفكرة من استعراض المذاهب والشيع المتعددة كعامل له اعتباره الأمل فيما هو حادث من التفرقة والانقسام، وتبلورت الفكرة وأخذت طريقها إلى التنفيذ.
وعقد في القاهرة منذ قليل من السنين، مؤتمر التقريب بين المذاهب حضره كبار الفقهاء من شتى الأقطار الإسلامية، وبعد بضعة جلسات أنهى المؤتمر أعماله وعلقت مجلة الأزهر إذ ذاك بأن المؤتمر لم يكن سوى محاولة لنشر العقيدة الشيعيه!
أما الدعوى إلى تفسير جديد للقرآن الكريم تفسيراً حراً مطلقاً، أو تفسيراً مشروطاً، مما نادى به أصحاب الفكرتين، فإنها يمكن اعتبارها بمثابة صدى للشعور العام بعدم الارتياح للتفاسير الموجودة بوصفها قد استنفذت أغراضها أو بمثابة وبمثابة انعكاس قوي لشعور أبناء الجيل بالحاجة الملحة إلى تفسير جديد يضع حداً للحيرة التي يعانونها.
وفكرة تفسير جديد فكرة رائعة -ما في ذلك شك- ولكن كيف تتحقق هذه الأمنية الغالية ؟ ومن الذي يأتي بهذا التفسير الجديد ؟! سؤال لابد من مواجهته بشجاعة واطمئنان -شجاعة لأن الذين يملكون التوجيه الديني ويسيطرون على الضمائر لا يتركون الحرية الفردية أن تعبر عن نفسها ومن ثم فلا سؤال ولا جواب، واطمئنان لأن التحمل لابد منه للوصول إلى المقصود : "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنـــــــــــا وإن الله لمع المحسنين".. العنكبوت (69) ونحن نبحث وراء الحقيقة، ننشدها فيما قال القائلون ورواها الراوون، ولكن كم يكون أكثر اختصارا للطريق، وأشفى لعلتنا أن ننشدها في كتاب الله دون سواه!
إنه تعالى يقول في الآيتين المتقدمتين بأنه سوف يأتي بالتأويل، وإن عليه البيان، يعني أن التأويل والبيان قطعاً ليس من اختصاص البشر، وإذ اً فمن حق كل طالب سواء أكان عالماً أم جاهلاً - أن يتساءل عن كيف يأتي الله بالتأويل، هل ينزله من السماء كتاباً مكتوباً،أم يقذفه في قلب كل فرد من أفراد الأمة فيصبحوا جميعاً أئمة أصحاب طرق بعدد أنفاسهم ؟!
لم يحدث شيء من هذا القبيل في تاريخ الأديان من قبل، وإنما الذي حدث هو ظهور رسول جديد، به يتم الوعد ويأتي التأويل... فأي عجب في هذا؟ أليست سنة الله من قبل ومن بعد-ولن تجد لسنة الله تبديلا،- اقتضت أن تكون الهداية بواسطة رسول يصطفيه الله من بين البشر، وأن يكون بيان الحق للناس وإظهار المعاني المكنونة في أصداف المتشابهات في الكتاب، آيات تجري على لسان ذلك الرسول الكريم، هذه هي سنة الله، وفيها يجد السائل الجواب الشافي،فهو من عندما يسأل ببساطة عن من الذي يأتي بالتأويل، فإنه يتلقى الجواب من سنة الله بنفس البساطة، أنه رسول جديد...!
وإذا تدبرنا في كتب الله المقدسة على اختلاف أسمائها المباركة، فإننا نجدها في الجزء الأكبر من آياتها- حافلة بذكر البشارات عن ظهور شخصين إلهيين في يوم اتفقت على تسميته باليوم الآخر، هذان الشخصان العظيمان هما *المهدي وعيسى* باصطلاح القرآن الكريم والأحاديث الشريفة، * وعودت المسيح على يمين الأب السماوي* باصطلاح الإنجيل، و* ظهور رب الجنود وايليا* باصطلاح التوراه.
هذان المظهران الجليلان قد ظهرا فعلاً في إيران في سنة1260 -1844 م، فأعلن السيد *علي محمد* بأنه المهدي المنتظر، وإنه الباب والمبشر الذي علمه الله *البيان* كما جاء في سورة الرحمن، وإنه القائم من ذرية آل محمد (ص)الذي يملأ الأرض عدلاً ونوراً كما ملئت فسقاً وجوراً، كما ورد في الأحاديث الشريفه.
وأعقبه قيام *ميرزا حسين علي* فأعلن أنه *بهاء الله* الذي عن ظهوره أشار تعالى في القرآن الكريم :
"وأشرقت الأرض بنور ربها " وأنه المظهر الإلهي الذي وعدت به كتب الله المقدسة، وبه يجمع الله الأمم والشعوب على العدل والحق والسلام.
وجاءت كتبهما المباركة حافلة بتأويل المتشابهات ومفصلة ما أراد الله تفصيله من النظم والأحكام والمبادئ الجديدة، وبذلك يكون قد تم وعد الله...!
ولقد خلف النبي (ص) لأمته، كنزاً من أحاديثه الشريفة حتى لا يشتبه على أحد أمر هاتين الجوهرتين عند تلألئهما عن أصداف المتشابهات...
ودارت أكثر من خمسة آلاف آية من ستة آلاف مجموع آيات القرآن الكريم حول التشويق، والتبشير، والتصريح، والتلويح، بهذين المظهرين المباركين، فقصص الأولين تمثل جانب العبرة والتحذير، أما جانب البشارة فيتمثل في *مجيء الرب وملائكته *ومجيء الله* ليحكم بين الناس بالعدل، وفي قيام الروح وظهور البينة و" رسول من الله يتلو صحفاً مطهرة فيها كتب قيمة" البينة (1الى3) كل هذه البشارات والإنذارات بجانب الأحاديث الشريفة، قصدت إعداد الأمة لليوم الموعود الذي تتجلى فيه، كل هذه الحقائق الربانية، وتتحقق الوعود الإلهية، ولم تكن مهمة الأئمة الأثنى عشر -وآخرها الإمام محمد بن حسن العسكري سنة 260هـ - إلا تشويق المسلمين وتشجيعهم على أتباع المعروف والبعد عن المنكر وإقامة شريعة الله ترقباً ليوم الله
من كتاب النباْ العظيم






No comments:

Powered By Blogger